اتسعت رقعة الفقر في تونس وانزلقت معها الطبقات المتوسطة إلى مستنقع الاحتياج مع تدهور وضعف القدرة الشرائية وتراجع الدخول والإيرادات، وأظهرت تلك الأوضاع نتائج المسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر في تونس، إذ رصد انتشار الفقر واتساع رقعته في البلاد ليبلغ 16.6 في المئة عام 2021 في مقابل 15.2 في المئة عام 2015، فيما حافظت نسبة الفقر المدقع على استقرارها في حدود 2.9 في المئة.
الفقر في معظم المحافظات
وعمقت الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعيشها تونس خلال السنوات الأخيرة وضعية الأسر التي صارت تعاني عدداً من الصعوبات المالية في تأمين حاجاتها في ظل صعوبة الوصول إلى المنتجات والسلع الغذائية الأساس، كما أسهمت جائحة كورونا في تدني مستوى العيش ودخول فئات من المجتمع التونسي تحت وطأة الفقر.
ووفقاً لمسح المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) فإن "نسبة الفقر شهدت زيادة في معظم المحافظات باستثناء محافظات الشمال الغربي الذي انخفضت فيه هذه النسبة إلى 22.5 في المئة بعد أن كانت في مستوى 28.4 في المئة عام 2015 وإقليم تونس الكبرى، إذ تراجعت النسبة من 5.3 إلى 4.7 في المئة بينما عرفت محافظات الوسط الغربي أعلى نسبة بـ 37 في المئة.
تغير في هيكلة الإنفاق
وأشار المسح إلى أن "متوسط الإنفاق السنوي للفرد بلغ 5468 ديناراً (1763.8 دولار) في مقابل 3871 ديناراً (1248.7 دولار) لعام 2015، مسجلاً تطوراً بمقدار 41.3 في المئة.
وفي تلك الأثناء فقد الدينار التونسي أكثر من 15 في المئة من قيمته خلال السنوات الأخيرة، علاوة على صعود لافت لنسب التضخم.
ورصد المسح التفاوت في متوسط الإنفاق الأسري بين الفئات الاجتماعية، إذ إن 11767 ديناراً تمثل متوسط إنفاق لدى الخمس (5/1) الأعلى في سلم الإنفاق الأسري (20 في المئة)، بينما على مستوى النطاق الجغرافي سجلت أقاليم تونس الكبرى والوسط الشرقي أعلى مستويات لمتوسط الإنفاق الأسري، إذ بلغ هذا المعدل 6874 ديناراً في إقليم تونس الكبرى و6130 ديناراً في الوسط الشرقي.
وفي المقابل شهدت محافظات الشمال والجنوب الغربي أعلى معدلات نمو لمتوسط الإنفاق الأسري، وذلك بنسب قدرت على التوالي بـ 8.9 في المئة و7.9 في المئة.
وأشار المعهد الوطني للإحصاء إلى تغير في هيكلة الانفاق الأسري، إذ ارتفعت بموجبه حصة التغذية إلى 30.1 في المئة خلال عام 2021 في مقابل 28.9 في المئة لعام 2015، وقدرت حصة التغذية بـ 35 في المئة للأسر الأقل إنفاقاً، فيما انخفضت الحصة المخصصة للنقل بثلاثة في المئة وارتفعت النفقات الخاصة بالرعاية الشخصية والصحية تزامناً مع الأزمة الصحية.
مكونات المسح ونتائجه المنتظرة
من جانبها قالت مديرة إحصاءات الاستهلاك بالمعهد الوطني للإحصاء سعاد بنناجي إن "هذا المسح هو الـ11 من نوعه، ويتم إنجازه كل خمس سنوات، ومن خلاله تُجمع بيانات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية تتضمن الخصائص العامة للسكان والمساكن والأسر، إضافة إلى بيانات اقتصادية تتناول مختلف السلع الاستهلاكية والخدمات المستهلكة من قبل الأفراد والأسر، إضافة إلى تحديد قيمتها". وأضافت، "المسح يتضمن ثلاثة محاور أولها الإنفاق الأسري والثاني التداين الأسري وهو محور جديد تم إدراجه في مسح2021، أما الثالث فيهتم بالانتفاع بالخدمات الجماعية مثل ظروف عيش الأسر والانتفاع بالتغطية الصحية والتعليم.
واعتبرت بنناجي أن "المسح يهدف إلى متابعة الإنفاق الأسري من حيث هيكلته ومتابعة متوسط الإنفاق السنوي الفردي"، مشيرة إلى أن "إنجازه يتم كل خمس سنوات، لأنه انطلاقاً من الفرضية التي ترى أن السلوك الاستهلاكي الأسري لا يتغير سنوياً وإنما خلال سنوات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما اعتبرت أن "كلفة إنجاز هذا المسح تقدر بحوالى 7 ملايين دينار (2.2 مليون دولار)، إضافة إلى أن منهجية إنجازه صعبة نسبياً، إذ يمتد العمل الميداني لعام كامل من خلال تقسيم العينة على 12 شهراً عبر متابعة النمط الاستهلاكي للأسر لمدة عام كامل، والأخذ بعين الاعتبار التغيرات الموسمية في الاستهلاك".
وأشارت إلى أن حجم العينة الإجمالي للمسح تصل إلى 21600 أسرة تونسية مختلفة التركيبة من شخصين إلى أكثر، وكذلك تمت مراعاة الوضعية الاجتماعية لجهة فقيرة أو متواضعة أو ميسورة الحال.
وعن أسباب إدراج محور جديد في المسح وهو التداين الأسري والإنفاق، قالت إنه "تم اختيار هذا المحور من أجل اخذ فكرة عن مستوى ومصاريف الأسرة التونسية في ظل غياب أية معلومات دقيقة عن درجة التداين ودخل الأسر في تونس"، مضيفة "ارتأينا كتجربة أولى إدراج محور دخل الأسر".
النتائج المرتقبة
وحول النتائج المنتظرة من هذا المسح أكدت بنناجي أنه "سيتم التعرف على مستوى إنفاق الأسر التونسية عبر توزيع موازنتها وتقسيمها إلى 12 باب إنفاق، منها التغذية والمسكن والصحة والنظافة والنقل والعطل والسفر والترفيه، ومقدار ما يخصصه التونسي من موارد مالية للإنفاق على مختلف هذه الأبواب".
وتابعت، "ستسمح نتائج المسح بالتعرف على خصائص الأسر الفقيرة عبر الإفصاح عن نسبة الفقر في تونس والتعرف على خصائص الأسر الفقيرة، وكذلك التطرق إلى خصائص الخدمات الجماعية ومستوى التعليم للتونسي وأنواع التعليم والنقل والمدة الزمنية والبعد من المسكن، علاوة على التعرف على عدد التونسيين الذين لا يتمتعون بالتغطية الصحية".
تأثير الجائحة
من جهة أخرى أفادت بنناجي أنه "كان من المقرر ان ينجز المسح عام 2020، ولكن بسبب جائحة كورونا تم إرجاء إجراء المسح إلى عام 2021"، لافتة إلى أنه "سيتم الأخذ بعين الاعتبار عند مقارنة نتائج مسح 2015 و2021 بأن عام المسح كان استثنائياً، إذ تخلله أزمات عدة لجائحة كورونا".
يذكر أن نسبة التضخم واصلت منحاها التصاعدي خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وبلغت 10.2 في المئة، وأظهرت بيانات البنك الدولي حول الآفاق الاقتصادية لتونس في أبريل (نيسان) 2022 أنه يتوقع أن يصل معدل الفقر إلى 3.4 في المئة خلال 2022، و3.1 في المئة عام 2023.
ومن المتوقع أن ينخفض عدد الفقراء عند خط 5.5 دولار على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011 من 18.9 في المئة عام 2022 إلى 17.7 في المئة خلال العام الحالي، ومن غير المتوقع أن يعود لمستويات ما قبل الأزمة قبل العام المقبل.
وكانت دراسة أنجزها معهد الإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي ونشرت في سبتمبر (أيلول) 2020 بعنوان "خريطة الفقر في تونس"، كشفت عن ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيس في المناطق غير الساحلية وتحديداً وسط البلاد وشمالها، وتصل نسبة الفقر بحسب احصاءات المعهد إلى 15.2 في المئة عام 2015.
وتبلغ حصة المواد الغذائية من الموازنة في تونس نحو 26 في المئة، وهي تتجاوز 30 في المئة في بلدان أخرى مثل جيبوتي والجزائر والمغرب ومصر، وفق بيانات لصندوق النقد الدولي نشرت في أبريل 2022.
700 مليون دولار من البنك الدولي
وأمام تزايد رقعة الفقر في تونس وتحسباً لسقوط مزيد من التونسيين في الفقر المدقع، تحرك البنك الدولي لتقديم مساعدات في شكل قروض ميسرة لتونس بقيمة إجمالية تبلغ 700 مليون دولار ضمن برنامجه الاجتماعي الذي يهدف إلى مساعدات الأسر التونسية على تجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد إثر تداعيات أزمة كورونا والنزاع الروسي - الأوكراني.
وفي غضون ذلك أعلن نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج رصد البنك 300 مليون دولار لنحو مليون عائلة تونسية، قائلاً إنها "تأتي دعماً لمجهودات الدولة في مجال مقاومة الفقر ضمن برنامج اجتماعي سيكون تحت إشراف رئيس الجمهورية التونسية".
كما أضيف إلى هذا المبلغ مبلغ آخر مقداره 400 مليون دولار خلال زيارة بلحاج إلى تونس منذ يومين، بدعوة من الحكومة التونسية، لدعم السلم الاجتماعي في البلاد وتعزيز الحماية الاجتماعية، وخلصت الزيارة إلى ضرورة الإسراع في تجسيم مختلف الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.