Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشريد فلسطينيي "وادي قدوم" يهدد بجولة تصعيد حادة في القدس

"السلطة" تدعو مجلس الأمن إلى نزع سلاح المستوطنين وإسرائيل: "لا تفاوض مع السكان"

المبنى المهدد بالهدم في حي "وادي قدوم" ببلدة سلوان الذي يضم 12 شقة سكنية يعيش فيها نحو 100 فلسطيني (اندبندنت عربية)

يعجز عماد الخطيب (54 سنة) عن إيجاد مفردات لوصف ما يمر به وأسرته من خوف وقلق، خلال الأسابيع الأخيرة، فالشقة التي جمع فيها كل أحلامه ومستقبله ومدخراته، قد تصبح قريباً أثراً بعد عين، وعشرات آلاف الدولارات التي دفعها طوال سنوات بين مخالفات #بناء وضريبة أملاك، وغيرها، لن تشفع له بحمايتها، بعد اليوم، فقد اعتزمت #بلدية_القدس، بشكل مفاجئ وجدي، هدم البناية التي يسكن فيها الخطيب إلى جانب عشرات المقدسيين في حي "وادي قدوم" ببلدة سلوان في القدس الشرقية، بزعم "البناء غير المرخص".

ووفقاً لمخطط البلدية، "فإن المنطقة التي أقيم عليها المبنى معدة كمنطقة مفتوحة للرياضة أو الترفيه، وليس للسكن".

 

غير مسبوق

وفي وقت يؤكد فيه سكان المبنى التزامهم كل الشروط التي وصفوها "بالتعجيزية" لتسوية أوضاع البناية، منعاً لهدمها، شددت البلدية، في بيان، على عدم وجود أي فرصة أو طريقة لتسوية البناية في "وادي قدوم" التي شيدها فلسطينيون من دون ترخيص عام 2014، وأنه لا يوجد تفاوض مع السكان، ولا نية لديها لتأخير الهدم، وأن "أمر الهدم ساري المفعول ويجب تنفيذه في أقرب وقت ممكن، وفقاً لما قررته المحكمة.

يقول الخطيب، "منذ صدور قرار الهدم وسكان المبنى، بمن فيه من نساء وأطفال، لا يعرفون النوم خوفاً وذعراً من تنفيذ عملية الهدم في أي لحظة، وأن نصبح بين ليلة وضحاها في الشارع بلا مأوى. نحن نعيش في حرب استنزاف للأعصاب، وبات مصيرنا مجهولاً".

وأشار رئيس لجنة الدفاع عن سلوان فخري أبو دياب إلى أنه في الوقت الذي تضيق فيه بلدية القدس على المقدسيين في موضوع البناء، تقيم المستوطنات وتقدم لها كل الخدمات، منوهاً بأن بؤرة استيطانية جديدة بنيت أخيراً قرب البناية المهددة بالهدم في "وادي قدوم". وأضاف، "في محاولة لتغيير التركيبة السكانية في المدينة لصالح المستوطنين، يسعى الاحتلال إلى تصفية الوجود العربي المقدسي في مدينة القدس، ومنع الوجود السكاني فيها من خلال الشروط التعجيزية في إصدار تراخيص بناء المنازل".

أمر الهدم الذي سعى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى تعجيله، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، دفع سكان الحي ونشطاء وحقوقيين وأجانب لبدء اعتصام مفتوح رفضاً لسياسة هدم المبنى الذي يضم 12 شقة سكنية، ويقطنها نحو 100 مقدسي، بينهم 42 طفلاً، في وقت حذرت فيه مؤسسات حقوقية دولية وإسرائيلية من أن قرار الهدم إذا ما تم تنفيذه، بحسب تهديدات البلدية، فسيكون أكبر هدم غير مسبوق في القدس الشرقية، وسيؤدي إلى مأساة وعواقب لا تحصى.

من جانبه، قال الباحث أفيف تاتارسكي من منظمة "عير عميم" التي تتابع نمو المستوطنات في القدس، "سياسة التخطيط التمييزي التي انتهجتها السلطات الإسرائيلية منذ عقود هي السبب في ما يسمى البناء الفلسطيني غير المرخص به، وتظهر التصريحات الأخيرة لوزير الأمن القومي بن غفير كيف أن هذه السياسة هي جزء من القمع الإسرائيلي في القدس الشرقية". وأضاف، "يجب على سلطات التخطيط الإسرائيلية أن تقدم حلولاً تعترف بالحاجات الماسة للسكان الفلسطينيين، وتؤيد حقهم المطلق في التخطيط العادل والسكن جنباً إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين في المدينة".

من جهتها، قالت مجموعة "القدس حرة" اليسارية الإسرائيلية في تغريدة عبر "تويتر"، "اليوم انضممنا مرة أخرى إلى الكفاح الطويل الذي تخوضه العائلات من وادي قدوم في سلوان ضد هدم منازلهم وحياتهم، إذ تصر البلدية على التدمير والإخلاء والقمع، بدلاً من التخطيط لمدينة لنا جميعاً".

 

ضغوط دبلوماسية

مسؤولون أمنيون في إسرائيل، ووفقاً لهيئة البث العام الإسرائيلية "كان 11"، حذروا بشدة من أن يؤدي هدم المبنى إلى جولة عنف في مدينة القدس، وذكرت "كان" أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار حذرا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن الهدم قد يؤدي إلى "تصعيد أمني سيستمر طوال شهر رمضان"، في حين أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن تحذيرات أمنية وضغوطاً دولية مكثفة من السفارة الأميركية وسفراء دول أوروبية لدى إسرائيل أرجأت عملية الهدم التي يسعى بن غفير إلى تعجيلها.

وقالت نائبة ممثل الاتحاد الأوروبي ماريا فيلاسكو خلال زيارة للمبنى في "وادي قدوم" مع رؤساء بعثات وممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي، "إن استمرار ممارسة عمليات الهدم والإخلاء في القدس الشرقية المحتلة ينتهك القانون الإنساني الدولي، ويجب أن يتوقف، ويقع على إسرائيل، كقوة احتلال، واجب حماية السكان. إن استمرار إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية لا يؤدي إلا إلى ابتعادنا عن السلام الدائم والعادل، ويقوض بناء الثقة بين الطرفين"، في حين أكد مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" وقوف مجتمع العمل الإنساني على أهبة الاستعداد لدعم المهجرين الفلسطينيين في حال المضي بالهدم. وقال في بيان، "تكمن الذريعة التي تبرر الهدم المحتمل في وادي قدوم في الافتقار إلى رخص بناء إسرائيلية التي يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليها".

في المقابل، نفى بن غفير أن يكون هناك أي تأجيل للهدم، مشدداً في تصريحات أوردتها "كان 11"، على أن الهدم والتهجير سيتمان "إذا ليس غداً، فبعد غد، إن لم يكن هذا الأسبوع، فبعد أسبوعين، يجب إنفاذ قوانين دولة إسرائيل، وحكم القانون يجب أن يطبق، هذه هي سياستي".

السلطة تهدد

بدورها، سارعت السلطة الفلسطينية، عبر المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، إلى دعوة المجتمع الدولي "لتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين وفقاً للقانون الدولي، مطالبة "بضرورة التدخل الدولي الفوري لفرض المساءلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة". وأشارت في رسائل مستعجلة إلى "أن السلطات الإسرائيلية صعدت خططها لهدم مزيد من منازل الفلسطينيين، ومواصلة محاولاتها التهجير القسري والتطهير العرقي في انتهاك جسيم للقانون الدولي".

ودعت السلطة الفلسطينية مجلس الأمن والجمعية العامة ومنظومة الأمم المتحدة بأكملها، بما في ذلك الأمين العام، "إلى العمل على وجه السرعة لدعم القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بشكل ملموس، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 904، ودعوتها المحددة لنزع سلاح المستوطنين ووجود دولي موقت من أجل ضمان سلامة السكان المدنيين الفلسطينيين وحمايتهم ووقف الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال كلمته، أمام مؤتمر القدس "صمود وتنمية" الذي انعقد بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، قبل أيام، على أن السلطة الفلسطينية "ستتصدى بكل ما تملكه من إرادة وقوة لمخططات الحكومة الإسرائيلية الأكثر عنصرية وتطرفاً، عبر الذهاب إلى المحاكم والمنظمات الدولية"، مشيراً إلى أن دولة فلسطين ستتوجه في الأيام القليلة المقبلة إلى الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة لتطالب باستصدار قرار يؤكد حماية حل الدولتين من خلال منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ووقف الأعمال الأحادية، وعلى رأسها الاستيطان، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام.

في المقابل، هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشن عملية عسكرية واسعة في القدس الشرقية والضفة الغربية، معتبراً أن من شأن ذلك وقف العمليات الفلسطينية المسلحة. وأضاف خلال افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، الأحد الماضي، أن "الحكومة ستخول المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية تعزيز الاستيطان".

مبادرة أميركية

ومن أجل وقف التصعيد المتزايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يسعى دبلوماسيون أميركيون، بقوا في الشرق الأوسط بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى العمل على إيجاد صيغة يلتزمها الطرفان من أجل تخفيف التوتر. وذكر موقع "وللا" الإسرائيلي أن المبادرة الأميركية لوقف التصعيد بين الجانبين نصت على أن يعلق الفلسطينيون تحركاتهم ضد إسرائيل في الأمم المتحدة وهيئات دولية واستئناف التنسيق الأمني الذي كان قد تم توقيف العمل به بعد اقتحام قوات الأمن الإسرائيلية مخيم جنين قبل نحو أسبوعين، ومقتل 10 فلسطينيين، في حين أنه يترتب على الجانب الإسرائيلي تأجيل أعمال البناء في المستوطنات وهدم مبان فلسطينية، وتهجير فلسطينيين من قراهم وبيوتهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

 

ورفض حزب "الصهيونية"، من الائتلاف الحكومي، شروط المبادرة الأميركية بالقول "لن يكون هناك تجميد للبناء في يهودا والسامرة (المسمى اليهودي للضفة الغربية)، ولن يكون هناك استمرار للبناء غير القانوني وسيطرة العرب على المناطق المفتوحة".

عقوبات إسرائيلية

ويشتكي السكان الفلسطينيون دوماً من أن التمييز الإسرائيلي ضدهم يجعل من المستحيل بالنسبة لهم الحصول على تصاريح تخطيط لتوسيع أحيائهم التي تشهد، بحسب تعبيرهم، إهمالاً مستشرياً، وينعدم فيها إنفاذ اللوائح والقوانين، الأمر الذي يدفع عديداً من الأسر الفلسطينية لبناء منازل من دون تصاريح، مما يترك هذه المنازل عرضة للهدم.

ووفق تقرير صادر من مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، هدمت إسرائيل منذ عام 2009 وحتى نهاية 2022 نحو ثمانية آلاف و746 مبنى فلسطينياً، وهجرت نحو 13 ألف مواطن، وألحقت الضرر بقرابة 152 ألف مبنى آخر. وبينت إحصائيات مقدسية أن السلطات الإسرائيلية هدمت، منذ بداية العام الحالي، أكثر من 30 منشأة ما بين سكنية وتجارية في القدس الشرقية، وخلال أقل من أسبوعين، تم هدم سبعة من أصل 14 مبنى بدعوى البناء من دون ترخيص، في وقت يهدد فيه شبح الهدم أكثر من 22 ألف منشأة أخرى. وبحسب مجموعات حقوقية، يشكل الفلسطينيون 38 في المئة من سكان المدينة، لكن 15 في المئة فقط من المناطق في القدس الشرقية مخصصة للبناء الفلسطيني.

مدير مركز أبحاث الأراضي جمال العملة قال "إن هدم المساكن ليس مجرد أرقام وإحصائيات أو خسائر مادية، فجريمة هدم المسكن جريمة مركبة معقدة تمس الروح والعقل والكرامة الإنسانية وفلسفة الوجود الإنساني برمته".

المزيد من الشرق الأوسط