Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شغور رئاسة لبنان يولد فراغات في الأجهزة الأمنية

التمديد يخضع للتجاذبات الطائفية والمحاصصة الفئوية وقائد الجيش يرفض تأخير تقاعده

 فشلت محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري في الدعوة إلى جلسة "تشريع الضرورة" للتمديد بخاصة لمدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم (رويترز) 

تتوالد الفراغات في عدد من مناصب الفئة الأولى في مجالات الأمن والعسكر والمال والإدارة في #لبنان، من رحم #الفراغ_ الرئاسي الذي يتخوف الوسط السياسي اللبناني من أن يطول.

ويزيد العجز عن تعيين بدائل منهم، ترهل المؤسسات التي يديرونها، جراء الأزمة السياسية والاقتصادية، ويدفع السلطات النافذة إلى الالتفاف على القوانين لتسييرها، وتخضع لمنطق المحاصصة الطائفية والفئوية.

وإذا كان بلوغ كبار الموظفين السن القانونية للتقاعد (64 سنة) مسألة حتمية ترتب تعيين بدائل منهم، فإن الأمر يحتاج بحسب الدستور، إلى قرار من مجلس الوزراء، وبأكثرية الثلثين، في حكومة كاملة الصلاحيات، خلافاً لحكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي، التي يدور أساساً نزاع حول قانونية اجتماعها في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى. وهو نزاع أخذ طابعاً طائفياً في الشهرين الماضيين، فضلاً عن أنه بات جزءاً من الحسابات المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأولى، لا سيما أن قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشح جدي.

بدائل بالتكليف تزيد مخاوف إطالة الشغور

وينتظر أن يؤدي استمرار الشغور الرئاسي إلى بروز إشكالات من هذا النوع، لن تجد حلاً لها إلا بانتخاب رئيس للجمهورية، يعقبه حكماً تسمية رئيس للحكومة ثم تأليف الحكومة كي تتصدى لهذه الإشكالات كونها تصبح قادرة على إقرار تعيينات حيث يلزم الأمر.

وإذ شكل تعيين بدلاء "بالتكليف" أو بالإنابة، لمدة موقتة، معضلة تسببت بخلافات، كشف الشغور في عدد من المواقع في الجيش اللبناني والمديرية العامة للأمن العام ومديرية قوى الأمن الداخلي تنافساً على التعيينات، رفع من نسبة المخاوف من أن الفراغ في الرئاسة سيطول، لأن التنازع على تعيين الموالين لهم في المواقع اشتد وأوحى بأنهم يحتاطون لامتداده إلى فترة طويلة، نظراً إلى انسداد أفق الجهود للتوافق على اسم الرئيس الجديد، في ظل عجز الفرقاء عن ضمان الأكثرية لمصلحة مرشحهم المفضل لدى كل منهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمسك "الثنائي الشيعي" باللواء إبراهيم

في الأسابيع الماضية برز إلى السطح اقتراب موعد بلوغ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سن التقاعد في 3 مارس (آذار) المقبل، فيما يتمسك "الثنائي الشيعي" ولا سيما "حزب الله" ببقائه في منصبه نظراً إلى الثقة التي يتمتع بها لدى قيادته. واللواء إبراهيم المعروف بقربه من "حزب الله"، نسج علاقات جيدة مع كل الفرقاء خلال السنوات الماضية، ولعب دور الوسيط في العديد من الأزمات السياسية بين أطرافها، لا سيما في الخلافات على تشكيل الحكومات، إضافة إلى توليه عدداً من الملفات الأمنية الحساسة الخارجية المتعلقة بالتفاوض على الإفراج عن رهائن منها جهوده لإطلاق سراح راهبات معلولا في سوريا اللواتي اختطفتهن مجموعة تابعة لـ"جبهة النصرة" في سوريا عام 2014. كما تمتع بصلات جيدة سواء مع إيران أو مع سوريا التي لديه علاقات وثيقة مع قيادتها وأجهزتها الأمنية مكنته من تحقيق مهمات كثيرة، منها ملف إعادة نازحين سوريين من لبنان إلى ديارهم. وأتاحت له أدواره بناء علاقات مع أجهزة استخبارات غربية وأميركية... خصوصاً أن جهوده أسهمت في إطلاق طهران سراح الأميركي اللبناني نزار زكا عام 2019.

اعتراض نيابي بحجة أولوية الرئاسة

ومنصب مدير الأمن العام آل إلى الطائفة الشيعية منذ أواخر التسعينيات، بعدما كان مخصصاً للموارنة، في إطار التوزيع الطائفي لمناصب الفئة الأولى في الدولة، فيما اهتمت المرجعية الشيعية بإبقاء إبراهيم في منصبه، فقدم أحد نواب كتلة رئيس البرلمان نبيه بري، علي حسن خليل، بالاتفاق مع "حزب الله"، اقتراح قانون نص على تعليق مادة في قانون التقاعد حتى 31 – 12 2025 متعلقة بإحالة إبراهيم للتقاعد، حصراً. وتفادى الاقتراح استخدام عبارة التمديد لمدير الأمن العام، لكن تحديد الجلسة النيابية التي يتضمن جدول أعمالها بند اقتراح القانون هذا خضع للتجاذبات السياسية المتصلة بتقاذف المسؤولية بين مختلف القوى الحزبية والطائفية حول التسبب باستمرار الشغور الرئاسي منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرفضت كتل نيابية مسيحية انعقاد البرلمان إلا من أجل انتخاب الرئيس، وأهمها كتلة "الجمهورية القوية" التي تضم نواب حزب "القوات اللبنانية" (19 نائباً) وقعوا عريضة مع آخرين من نواب "سياديين" ومستقلين ترفض الجلسة فبلغ عددهم 46 نائباً، انضم إليهم نواب "التيار الوطني الحر" برئاسة جبران باسيل في الاعتراض على اجتماع البرلمان من أجل التشريع عموماً، فبات عدد المعارضين 66 نائباً من أصل 128، ما يسقط نصاب انعقادها (65 نائباً).

وكان باسيل اقترح في الوقت نفسه تعديل قانون الموظفين، بحيث يتم رفع سن التقاعد لكافة المديرين العامين في الأسلاك المدنية (من دون العسكرية) من سن 64 سنة إلى 68 سنة، أسوة بالقضاة. وهذه الفكرة تتيح استمرار اللواء إبراهيم باعتباره صار مدنياً منذ استقالته من الجيش عام 2017، وبعض موظفي الفئة الأولى الذين سبق لباسيل أن عينهم في عهد الرئيس عون من الموالين لتياره. كما تتيح بقاء المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا الموالي للتيار العوني (مستقيل من السلك العسكري). إلا أن قياديين في "التيار الحر" أكدوا أن هذا الاقتراح تم تجاوزه طالما الموقف بات رفض حضور أي جلسة إلا من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أن هناك حالة من المزايدة مع حزب "القوات اللبنانية" في شأن أولوية إنهاء تعطيل جلسات ملء الفراغ في المنصب الماروني الأول، الذي تلح عليه المراجع المسيحية كافة وفي مقدمتها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي.

اشتراط تأخير تقاعد اللواء عثمان

ثمة سبب آخر لمعارضة بعض النواب السنة إذ رفضوا حصر اقتراح القانون على تأجيل إنهاء خدمة اللواء إبراهيم وعدم تضمينه تأخير إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان (موقع قضى التوزيع الطائفي بأن يؤول إلى الطائفة السنية)، إلى التقاعد في سن الـ 59 سنة في مايو (أيار) 2024، ودعوا إلى أن يشمله تعديل القانون ليبقى في منصبه حتى آخر عام 2025. وتردد أن الرئيس ميقاتي كان من مؤيدي تأخير تسريح عثمان، أسوة باللواء إبراهيم، على رغم نفيه ذلك، تاركاً للمجلس النيابي اتخاذ القرار في شأن الفراغات في المؤسسات الأمنية، مع حرصه على عدم إغضاب "الثنائي الشيعي". وعقد النواب السُنة اجتماعاً كرسوا اشتراطهم تحقيق مطلبهم كي يقبلوا حضور الجلسة النيابية وتأمين نصاب التئامها. وتردد أن لا مانع لدى بري في ضم اسم اللواء عثمان إلى اقتراح القانون الذي جرت صياغته في شأن اللواء إبراهيم، لكن تشدد الموقف المسيحي والنواب المعارضين في رفض التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، رجح عدم انعقاد الجلسة النيابية التي ستخصص لهذا الغرض لغياب مكونات مسيحية رئيسة، وسنية.

تعطيل المجلس العسكري

لم تقتصر التجاذبات على ملء الفراغات في المؤسسات الأمنية جراء بلوغ الموالين للقوى السياسية التي باتت هي مرجعياتهم الأساسية في مناصبهم، سن التقاعد، على مسألة تأخير انتهاء خدمة إبراهيم وعثمان. سبق هاتين القضيتين رفض وزير الدفاع موريس سليم الموالي للرئيس السابق العماد ميشال عون، مطلب رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط تأخير تسريح رئيس الأركان في الجيش اللواء أمين العرم الذي أحيل إلى التقاعد في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نظراً إلى تعذر تعيين بديل منه في غياب حكومة مكتملة الصلاحية، بعدما صاغ قائد الجيش العماد جوزيف عون مذكرة بهذا المعنى امتنع الوزير عن توقيعها. وحال غياب حكومة جديدة طالما لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، من دون تعيين بدائل عن ثلاثة من كبار الضباط في الجيش هم نصف أعضاء المجلس العسكري فيه، المولج باتخاذ العديد من القرارات الأساسية في المؤسسة العسكرية من ضمنهم رئيس الأركان، إضافة إلى المفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحق الذي انتهت خدمته في ديسمبر، والمدير العام للإدارة اللواء مالك شمص الذي أحيل على التقاعد في 3 فبراير (شباط)، فجرى تكليف ضابطين بمهامهما موقتاً إلى أن يعين مجلس الوزراء من يتولى مهامهما بالأصالة. لكن القانون لا يخول الضابطين المكلفَّين بدل من انتهت مهمتهما أن يكونا أعضاء في المجلس العسكري، ما أدى إلى تعطيل الأخير (يقتصر على 3 أعضاء من أصل 6)، وحصر القرارات بالقائد بما يتيحه له القانون.

رفض عون وانتهاء ولاية رياض سلامة

وفي وقت بقيت في الكواليس فكرة أن يشمل أي تأخير لسن التقاعد للعسكريين القائد جوزيف عون، الذي تنتهي خدمته في الأول من يناير (كانون الثاني) 2024، أي بعد 10 شهور ونصف الشهر، فإن الأخير رفضها. وأفادت المعلومات بأن التفكير بالتمديد للعماد عون يطرح المخاوف الجدية من استمرار الفراغ حتى العام المقبل، ما يعني المزيد في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية.

وسواء صحت هذه المخاوف أم لا، فإنها أثارت حفيظة البطريرك الراعي ومجلس المطارنة الموارنة، قبل أربعة أسابيع حين حذروا من وجودِ مُخططٍ مرفوض، لإحداثِ فراغٍ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة"، ومن "نيّة خفيّة لتغيير هويّة لبنان". فقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ينتميان إلى الطائفة المارونية. وولاية حاكم البنك المركزي سلامة تنتهي في يوليو (تموز) 2023، بعد خمسة أشهر، باتت على الأبواب، وصرح قبل أيام أنه لن يطلب التمديد له. وإذا تجاوز الفراغ الرئاسي نهاية السنة، يصعب تعيين من يحل مكانهما. وفي مصرف لبنان يتولى صلاحيات الحاكم نائبه الشيعي، بينما يسود الضياع الإمرة في المؤسسة العسكرية، ما يتسبب بمزيد من الاحتقان المسيحي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي