Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجحت التحركات الروسية في ترسيخ العلاقة مع أفريقيا؟

ترى واشنطن أن لافروف يسعى إلى حشد دول القارة السمراء إلى جانب بلاده عبر ما أطلق عليه "المسار المستقل" كي لا تؤيد العقوبات الغربية عليها

تزامنت زيارة لافروف إلى الخرطوم مع زيارة 6 مبعوثين دوليين (أ ف ب)

عاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى موسكو مستبشراً بعد جولته الأفريقية الأخيرة، ومؤكداً أن "جهود الغرب لعزل روسيا من خلال فرض الحصار، فشلت تماماً ببناء موسكو علاقات أقوى مع دول في #أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ وغيرها". ولا يبدو أن ما حصل عليه من حياد أفريقي تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022، بعدم إدانة #روسيا كما يشتهي الغرب، هو كل شيء، وإنما كانت لهذه الجولة التي تحيط بها أجواء التحركات الأميركية والصينية في القارة السمراء، مآرب أخرى من ضمنها الإعلان للقمة الروسية - الأفريقية المقرر عقدها في يوليو (تموز) المقبل في سانت بطرسبرغ، وتطمين الدول الأفريقية بأن روسيا ستواصل الوفاء بالتزاماتها لها بتوفير الغذاء والأسمدة والطاقة على رغم #العقوبات_الغربية.

وتعد هذه الجولة لوزير الخارجية الروسي هي الثالثة بعد الحرب، إذ قام بجولته الأولى في يوليو 2022، وزار فيها مصر والكونغو برازافيل وأوغندا وإثيوبيا والتقى أيضاً بقادة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا. ثم الجولة الثانية في يناير (كانون الثاني) الماضي، التي شملت جنوب أفريقيا وإسواتيني وأنغولا وأريتريا، وخلال أقل من أسبوعين عاد في فبراير الحالي وشملت زيارته مالي وموريتانيا والسودان.

ولبداية الزيارة بجنوب أفريقيا اعتبارات خاصة، هي أنها أتت على إثر احتفال بريتوريا بمرور ثلاثة عقود على علاقتها الدبلوماسية بموسكو، مستذكرة فترة النضال ضد الفصل العنصري الذي كافحه شعب جنوب أفريقيا بقيادة الأسقف ديسموند توتو، وهو التمييز الذي استمر حوالى نصف قرن وتم إلغاؤه في الفترة بين عامي 1990 - 1993، وهي الفترة ذاتها التي تفكك فيها الاتحاد السوفياتي بإعلان مجلس السوفيات الأعلى الاعتراف باستقلال الجمهوريات السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل محل الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991، كما أنها أتت قبل المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين، والصين المقرر قيامها في الفترة من 17 إلى 27 فبراير تزامناً مع ذكرى بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، التي لم تدنها جنوب أفريقيا على رغم الضغوط الغربية، كما تعد بريتوريا أحد أكبر الشركاء التجاريين لروسيا، ولديهما تعاون في مجالات الفضاء والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

أهداف الجولة

تزامنت زيارة وزير الخارجية الروسي إلى أفريقيا العام الماضي مع توقيع روسيا اتفاق صادرات الحبوب (مبادرة البحر الأسود) بين روسيا وأوكرانيا وتركيا بقيادة الأمم المتحدة في 22 يوليو الماضي، التي كان من المفترض أن تستمر حتى 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتتمثل فائدة الاتفاق بالنسبة لأوكرانيا في عودة حجم صادراتها من الحبوب إلى مستوى ما قبل الحرب. أما الأهداف التي كانت تسعى إليها روسيا فهي كسب تأييد بعض دول العالم التي تأثرت بالأزمة الأوكرانية مما أحدث لها نقصاً غذائياً، وما يمكن أن يحققه الاتفاق من تخفيف للعقوبات الغربية على صادراتها من المنتجات الغذائية عبر البحر الأسود.

لكن بعد أن تعرض الاتفاق إلى تعليق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إثر هجوم بمسيرات استهدفت السفن الروسية في شبه جزيرة القرم وحملت مسؤوليته لأوكرانيا وبريطانيا، ثم استئنافه في نوفمبر، بعد تضرر صادراتها من الحبوب والأسمدة، وتراجع تنافسيتها في الأسواق العالمية، بسبب الإقبال على الحبوب الأوكرانية الرخيصة نسبياً مقارنة بالحبوب الروسية، تهدف روسيا من جولات وزير خارجيتها الأخيرة إلى تعويض ذلك في أسواق الدول الأفريقية التي عبرت عن قلقها بعد ارتفاع أسعار السلع الأساسية فيها، وتفاقم المعاناة خصوصاً في مناطق الصراعات، ويواصل لافروف بث طمأنته التي جاءت في مقال نشر عند زيارته السابقة في بعض الصحف الأفريقية "يجب على جميع أصدقائنا الأفارقة أن يفهموا أن روسيا ستواصل الوفاء بالتزاماتها في إطار العقود الدولية المبرمة في مجال واردات الغذاء والسماد والطاقة والسلع الأخرى المهمة للغاية لأفريقيا"، إضافة إلى تأكيده استمرار التعاون مع دول القارة في ضوء الاتفاقيات الاستراتيجية المبرمة أثناء القمة الأفريقية - الروسية (سوتشي) عام 2019، ولم يفوت الغمز من قناة الغرب في تعامله مع الدول الأفريقية، في ما يتعلق بشروط التعاون، بأن "موسكو تحترم سيادة الدول الأفريقية، وأن نهجها يختلف عن المنطق المفروض من قبل دول ممتلكة للمستعمرات الذي يمكن وصفه بعلاقة السيد بالتابع، ما يكرر النظام الاستعماري البائد".

تنوع التعاون

لكل من الدول الأفريقية التي خصها وزير الخارجية الروسي بجولاته الأخيرة، وتلك التي يخطط لزيارتها، أهمية خاصة لدى موسكو، ويتنوع التعاون فيها بحسب مميزاتها، فمثلاً في مصر التي وصفها لافروف بأنها الشريك رقم واحد لروسيا في القارة الأفريقية، بحث تطوير التبادل التجاري والتعاون التكنولوجي والمشروع النووي والمنطقة الروسية في قناة السويس، وباعتبارها أحد أكبر المشترين للقمح في العالم، فإن القاهرة قد تسعى إلى تنويع وارداتها من دول أخرى إذا تعرض الإمداد الروسي للتذبذب، خصوصاً مع تأثر العملة الأجنبية في مصر وحالة التضخم الحالية.

أما التعاون الروسي مع جنوب أفريقيا، فقد ظل يثير الغرب خصوصاً الولايات المتحدة التي انتقدت سماح بريتوريا لرسو سفينة تجارية خاضعة للعقوبات الغربية في قاعدة بحرية بجنوب أفريقيا، كما انتقدت التدريبات العسكرية المشتركة بين جنوب أفريقيا وروسيا والصين.

وفي السودان، إضافة للعلاقات التاريخية بين الخرطوم وروسيا، جاءت زيارة لافروف مواصلة لأعمال "اللجنة الوزارية المشتركة" و"لجنة التشاور السياسي" بين البلدين واللقاءات الثنائية على مستوى الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين والخبراء، وكانت الدورة العاشرة لهذه الآليات قد انعقدت بين وزارتي خارجية البلدين بموسكو في أغسطس (آب) الماضي، كما أن الزيارة الأخيرة تزامنت مع زيارة ستة مبعوثين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والنرويج، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي إلى الخرطوم، بغرض الدفع بعملية الوفاق السياسي لتذليل عمليتي الانتقال الديمقراطي.

وهنالك ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وغيرها من الدول التي تتلقى الدعم الروسي بطريقة أو بأخرى على المستويين الرسمي وغير الرسمي.

تعهدات الحماية

لم يقتصر التعاون الروسي في أفريقيا على تعزيز حجم التجارة والاستثمارات، وإنما شمل الجانب الأمني في شكل تدريب وأعمال استخباراتية، وتقديم معدات، تعهُد موسكو على لسان وزير خارجيتها بمساعدة دول غرب أفريقيا التي تقاتل الجماعات الإرهابية المسلحة، دعمه تشكيل تحالف بين موسكو وباماكو لقتال الجماعات المسلحة، وعززت زيارة لافروف إلى مالي الشراكة في الحرب ضد الإرهاب وتقديم المساعدة لها إضافة إلى غينيا وبوركينا فاسو وتشاد ومنطقة الساحل، وهنا يمكن الإشارة إلى أن موسكو تعتمد على ملء الفراغ الذي يتركه الغرب في أفريقيا، وإن كانت قد نشطت في سد ثغرات أميركية في بعض الدول، فإن وجودها في دول الساحل، وخصوصاً مالي، يأتي في إطار سد الثغرة الفرنسية بعد إعلان باريس سحب قواتها التي كانت تعتمد عليها باماكو في محاربة الجماعات المسلحة، ووعد لافروف بمزيد من الدعم العسكري لغرب أفريقيا لمواجهة ما وصفه بـ "نهج الغرب الاستعماري الجديد".

كما تجلى التعاون الأمني في تورط قوات "فاغنر" في مناطق الصراعات الأفريقية، وبينما تنكر قيادة هذه المجموعة صلتها بالدولة وأنها تمارس عملاً خاصاً مرتبطاً باستخراج الموارد الطبيعية مثل الذهب، فإن عسكريين أميركيين أكدوا أن هذه القوات تساعد موسكو في دعم أجندتها في أفريقيا، وبنوا ذلك على ملاحظتهم أنها تعمل بالتوازي مع تحرك الكرملين، ضمن خريطة الوجود الروسي في مناطق النزاعات والمشكلات الأمنية في أفريقيا، واتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" والأمم المتحدة "فاغنر" والجيش المالي بالتورط في مذبحة "مورا" بمنطقة موبتي وسط مالي في مارس (آذار) الماضي، التي يسيطر عليها أعضاء "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وبعد حصارهم اختبأ أعضاء الجماعة بين المدنيين، وتحولت العملية إلى مجزرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"المسار المستقل"

وترى واشنطن أن لافروف يسعى إلى حشد الدول الأفريقية إلى جانب بلاده عبر ما أطلق عليه "المسار المستقل" حتى لا تنضم أفريقيا إلى الغرب في إدانة روسيا على الصراع في أوكرانيا وتأييد العقوبات الغربية عليها، وقد ذكر لافروف من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد تبرير "شن عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا، أن "واشنطن تريد أن تحرف مسار التاريخ، وقد نصبت نفسها أوان الحرب الباردة كممثل لله على وجه لأرض دون أن تترتب عليها واجبات، بل لها حق العمل بلا حسيب".

وفي سعيه لتفعيل "المسار المستقل"، يعمل لافروف على خطوات عدة تظهر تطور المواجهة بين موسكو وواشنطن في أفريقيا، أهمها، الخطوة الأولى، وعد بتصعيد مطالبة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور، بسحب "مشروع قانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في أفريقيا"، الذي تبناه مجلس النواب الأميركي العام الماضي، والذي يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات على الكيانات الروسية في أفريقيا مثل مجموعة "فاغنر"، وعلى الحكومات والشركات الأفريقية التي تتعامل معها.

والخطوة الثانية، سعي موسكو لتحويل التعامل مع الدول الأفريقية إلى الروبل بدلاً من الدولار الأميركي، ووضع حد لهيمنته، وتلتقي في ذلك مع سعي بكين في تعاملاتها مع أفريقيا أيضاً باليوان بدلاً من الدولار. وأسفر ذلك عن إعلان مجموعة "غازبروم" الروسية العملاقة للطاقة أن الصين ستبدأ تسديد ثمن شحنات الغاز الروسي بالروبل واليوان بدلاً من الدولار، كما اقترحت القوتان الدوليتان على تجمع دول "بريكس" المكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ببدء الكتلة منح قروض من "بنك التنمية الجديد" التابع لها بإجراء التجارة بعملاتها الخاصة بدلاً من الدولار.

أما الخطوة الثالثة فهي سعي روسيا والصين لاستقطاب مزيد من الدول الأفريقية للانضمام إلى تجمع دول "بريكس" الذي تتولى جنوب أفريقيا رئاسته للدورة الحالية، واستهدفت جولتا وزيري الخارجية الروسي والصيني تشين غانغ في القارة السمراء جذب أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية الراغبة في الانضمام للكتلة، وذلك رداً على التحركات الأميركية لاستقطاب الدول الأفريقية، وطرحها فكرة انضمام الاتحاد الأفريقي إلى "مجموعة دول العشرين".

الخطاب الأميركي

 منذ زيارته أفريقيا العام الماضي، ظل الإعلام الغربي يشن حملة واسعة على لافروف معتبراً أن الحاجة الروسية إلى أفريقيا لكسر عزلتها الدولية، أكبر من حاجة الدول الأفريقية إلى موسكو، وهكذا يقابل الوجود الروسي في أفريقيا ونوايا ترسيخه خطاباً أميركياً مصادماً، وتختلف آليات المواجهة الأميركية للوجود الصيني في أفريقيا الذي ربما تنتهج واشنطن سياسة توافقية تجاهه بحصره في التعاون الاقتصادي والتنموي، خصوصاً مع زهد بكين عن الرغبة في الصدام مع واشنطن، عن آليات مواجهتها للوجود الروسي الذي تمتد آثاره إلى أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية وطموح واضح للسيطرة حتى لو من باب العداء السياسي المباشر مع واشنطن.

ومع تصاعد الدور الروسي في أفريقيا واحتمالات تمدده بكل الوسائل، فإن آثار التجربة السوفياتية القديمة ومحاولات أدلجة العلاقات مع أفريقيا، ربما تعيد الولايات المتحدة توظيفها وتوحيد جهودها مع الغرب لتحجيم هذا الدور، وربما بوتيرة أكبر وأسرع مما تفعله مع بكين، بالتخويف من تفشي "النزعة القومية" التي تحملها موسكو، كما يمكن أن تلعب واشنطن على وتر خشية الدول الأفريقية من أن الانحياز إلى أحد أطراف الصراع بشأن الحرب في أوكرانيا، يمكن أن يعيد التنازع الذي حدث لدول القارة أوان الحرب الباردة، ما من شأنه أن يطيل أمد الصراعات ويوقف عجلة التنمية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل