Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقيف سياسيين في تونس: تآمر على الأمن أم إسكات للمعارضة؟

هذه أقوى حملة شهدتها البلاد في وقت يعد الرئيس قيس سعيد باستمرار بالحفاظ على الحريات

عبد الحميد الجلاصي الذي تم توقيفه استقال من "النهضة" منذ 2020 (أ ف ب)

شنت السلطات الأمنية في #تونس حملة توقيفات، نهاية الأسبوع الماضي، شملت نشطاء سياسيين بارزين ولا سيما القيادي السابق بـ "حركة النهضة" #عبد_الحميد_الجلاصي، ورجل الأعمال الذي يوصف برجل الظل كمال اللطيف، والقاضي البشير العكرمي.

 

وأثارت هذه التوقيفات تساؤلات بشأن دوافعها خصوصاً أنها تأتي في وقت يتصاعد السِجال السياسي بين السلطة والمعارضة، ما دفع "جبهة الخلاص الوطني"، التي تتألف من أحزاب سياسية معارضة عدة، و"حركة النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان المسلمين"، إلى اتهام الرئيس قيس سعيد بمحاولة ترهيب خصومه من خلال هذا التطور اللافت في توقيته.

 

وفي ظل الغموض الذي يكتنف خلفية توقيف هؤلاء النشطاء، رجح محامون أن قضية التآمر على أمن الدولة ربما تلاحق موكليهم على رغم أن بعضهم لم يطلق أي مواقف أو تصريحات مناهضة للرئيس سعيد والمسار الذي دشنه منذ أكثر من عام ونصف العام.

وفي وقت يُعد الجلاصي، الذي استقال من حزب "النهضة" عام 2020، مناهضاً لمسار 25 يوليو (تموز) الذي يقوده سعيد، فإن التركي لم يكسر صمته تجاه هذا المسار، أما كمال اللطيف، وهو مقاول في مجال مواد البناء، لطالما اعتبرته أوساط تونسية أنه رئيس حكومة ظل وتربطه صلات وعلاقات قوية بسياسيين وإعلاميين على رغم أن ظهوره الإعلامي نادر للغاية.

صبغة سياسية

وحتى كتابة هذه السطور لم تعلق السلطات بشكل رسمي حول هذه التوقيفات، لكن أحزاب المعارضة ومنظمات عدة سارعت إلى إدانتها والحديث عن صبغة سياسية لها، وشملت أيضاً عسكرياً متقاعداً منذ أكثر من 10 سنوات ودبلوماسياً سابقاً.

وهذه أقوى حملة توقيفات شهدتها البلاد في وقت يعد سعيد باستمرار بالحفاظ على الحريات والحقوق التي تُعد مكسباً من مكاسب انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني).

 

وقال المحامي رضا بلحاج "لا توجد معطيات دقيقة، لقد تم توقيف المعنيين بالأمر بعد اقتحام منازلهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة حيث لا نعرف إلى حد الآن أين يتواجدون، بدأوا بخيام التركي (وزير مالية سابق وقيادي سابق بحزب التكتل من أجل العمل والحريات)، وتم حجز هاتفه وحاسوبه، والأمر نفسه مع عبد الحميد الجلاصي وكمال اللطيف، وحتى زرنا النيابة العامة وفرق الأمن ولم يتم الكشف عن أماكن هؤلاء". وتابع بلحاج أن "هناك صبغة سياسية واضحة لما جرى بخاصة أن قيس سعيد يمر بمأزق يجعله يلجأ لمثل هذه الاعتقالات العشوائية التي تهدف إلى توجيه الأنظار عن الأزمات التي تعيشها البلاد على غرار الأزمة الاقتصادية والسياسية".

 

وتأتي هذه التطورات لتقطع الطريق على الأرجح على أي تهدئة للتصعيد السياسي الذي تشهده البلاد منذ أيام، إذ كان "اتحاد الشغل" الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من مليون عامل يستعد لإطلاق مبادرة للحوار الوطني لتجاوز المأزق السياسي لكن يبدو أن هذه المبادرة وُلدت ميتة. فالاتحاد نفسه دخل في مواجهة مع الرئيس التونسي بعد أن تم توقيف نقابي بارز ودعوة آخرين إلى التحقيقات بعد سلسلة إضرابات في قطاعات حيوية مثل النقل ما جعل النقابة التونسية تبدأ في حشد أنصارها لمواجهة سعيد.

وبحسب تسريبات، فإن خيام التركي الذي تم توقيفه كان يستعد لإطلاق مبادرة سياسية جامعة لأطياف المعارضة على رغم أنه لم يطلق أي تصريحات ضد الرئيس سعيد أو المسار الذي يقوده.

انطلاق المحاسبة

في المقابل، ابتهج المعسكر الموالي للرئيس سعيد بهذه التوقيفات لا سيما أن أطرافاً عدة منه لطالما اعتبرت أن المحاسبة هي الحلقة المفقودة في سياسة السلطة الحالية في تونس. وربط هؤلاء ما يجري بملف الاغتيالات السياسية بخاصة بعد توقيف القاضي المعزول البشير العكرمي الذي تتهمه هيئة الدفاع عن ضحايا الاغتيالات السياسية بعد الثورة، بالتستر على أدلة قدمتها ضد المورطين في الاغتيالات، كما يتهم العكرمي بأنه مقرب من "حركة النهضة" الإسلامية، وكان قد عزله سعيد إلى جانب 56 قاضياً آخرين في فبراير (شباط) 2022.

وقالت النائبة في البرلمان الجديد فاطمة المسدي إن "الدولة تسترجع قوتها، هو ملخص ما يحدث من توقيفات، مثلما توقعنا، الدولة انتظرت حتى تنجح العملية الانتخابية لتبدأ المحاسبة الحقيقية". وشددت على أن "الدولة تستعد قوتها ضد الفاسدين وكل من يحاول تركيعها سواء بالتخطيط لزعزعة أمنها واستقرارها أو الناس الذين تورطوا في العشرية الماضية في جرائم سياسية أو مالية، سواء الفاسدين أو النقابيين الذين حادوا عن العمل النقابي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت إلى أن "المحاسبة بدأت وننتظر أن تكون هناك أسماء كبيرة ستسقط خلال الأيام المقبلة، لأن الدولة اليوم استعادت قوتها لمحاسبة هؤلاء، ومن ثم الاهتمام باقتصادها ووضع تشريعات جديدة"، مؤكدة أن "هناك أشخاصاً متورطين في اغتيالات سياسية مثل البشير العكرمي الذي أخفى ملفات ثقيلة جداً حول إرهابيين، ملفات مثل الجهاز السري للنهضة". ولفتت المسدي إلى أن "ملف التسفير إلى مناطق القتال من بين الملفات التي تُطبخ على نار هادئة منذ فبراير (شباط) الماضي، بدأت التوقيفات، ونحن بصدد استرجاع الدولة وهو أمر لا يمكن إلا أن يثير بهجتنا".

ويجد القضاء التونسي اليوم نفسه أمام ضرورة معالجة ملفات قضائية من العيار الثقيل بالفعل، من بينها ملف تسفير آلاف التونسيين إلى مناطق القتال حيث انضموا إلى جماعات إرهابية في سوريا والعراق، وهي ملفات تقول أوساط سياسية تونسية إن "حركة النهضة" متورطة بها الأمر الذي تنفيه الحركة.

ملفات مختلفة

واعتبر الباحث السياسي التونسي محمد ذويب، بدوره، أن التوقيفات الأخيرة جاءت بسبب ملفات مختلفة، وهي تهم شخصيات غير بارزة سياسياً. وقال "تقريباً، المرة الأولى التي تشمل فيها التوقيفات شخصيات غير سياسية، بالتالي ليست بارزة في المشهد، وغالبيتها لا تحمل مواقف معارضة للرئيس أو مسار 25 يوليو الذي يقوده، مثل كمال اللطيف أو خيام التركي اللذين قد يكون توقيفهما أتى في إطار التآمر على أمن الدولة بخاصة أن كمال اللطيف يقال إن له علاقات كبيرة في الخارج". وأضاف "أما إيقاف العكرمي والطيب راشد فهما على علاقة باغتيال الشهيد شكري بلعيد والتلاعب بملفات قضائية".

ولفت ذويب إلى أن "التركي ربما تم توقيفه لأن البعض أشار إلى أن الاجتماع الذي رعاه للأحزاب المعارضة قد يكون تخلله تدبير لانقلاب ما على السلطة"، لكن النيابة العامة لم تكشف بعد عن تفاصيل هذه التوقيفات أو دوافعها.

وعلى الأرجح ستقود التطورات المتسارعة إلى تصاعد المواجهة بين الرئيس التونسي وقوى المعارضة التي فشلت في عرقلة خططه، إذ أجرى استفتاء شعبياً على دستور صاغه بنفسه، وأجرى أخيراً الانتخابات البرلمانية التي تُعد آخر محطة سياسية في خريطة طريق شاملة أطلقها في ديسمبر (كانون الأول) 2021.

المزيد من العالم العربي