Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فاغنر" على خطى المماليك والدولة الأيوبية

حلف عسكري لبوتين أم مسمار دقه الرئيس الروسي في نعشه السياسي؟!

رجل يرتدي زياً عسكرياً مموهاً يقف عند مدخل مكتب مجموعة فاغنر في سانت بطرسبرغ (أ ف ب) ​​

قلق وخوف يسيطران على الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين؛ فقد لاحظ الزعيم المهووس في استعادة أمجاد إمبراطورية بلاده أن الحرب على كييف خلقت لسلطته منافساً خطيراً في أرجاء #الكرملين، وهو إيفغيني بريغوزين مؤسس قوات "#فاغنر" العسكرية الخاصة، والذي حقق مكاسب شعبية وحربية جراء قتال قواته لمصلحة روسيا في أوكرانيا... فهل دق بوتين مسماراً في نعشه السياسي كما فعلت الدولة الأيوبية في منتصف القرن الثالث عشر في مصر، عندما استعانت بالمرتزقة والعبيد لمساندة جيشها، فقضى الرقيق على أسيادهم ورسموا بداية دولة المماليك؟

في نهايات القرن الحادي عشر الميلادي، احتدم الصراع بين الإسلام والمسيحية، ودق المسلمون في المنطقة العربية ناقوس الخطر بسبب وصول الجيوش الأوروبية إلى أراضيها، قادمة من البر والبحر إلى الشرق لغزو المنطقة، وظهر نزاع لم تهدأ وتيرته في بقاع الأندلس وبلدان شمال أفريقيا، ونزال عسكري لفرض السيادة والتوسع بين الدولة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية. 

 

 

ظهر بريق صلاح الدين الأيوبي في تلك الأثناء كأحد أهم القادة العسكريين والإداريين في الشام، وانتقل بعدها إلى مصر ليؤسس الدولة الأيوبية على أنقاض الدولة الفاطمية، ويفرض سيطرته على بلاد الشام أيضاً، ويقف في وجه الصليبيين ويستعيد القدس بعد معركة "حطين"، وقبل وفاته، قام بتقسيم أقاليم الدولة بين أبنائه، واستقل كل منهم بحكمه لكن سرعان ما دبت الخلافات بينهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استمرت النزاعات على السلطة بين سلاطين الدولة الأيوبية لعقود طويلة، حتى أن الملك الصالح نجم الدين أيوب قرر الاستعانة بالجنود المرتزقة الذين ينحدر معظمهم من الأصول الخوارزمية، ويعرضون خدماتهم العسكرية مقابل المال، ويتعاونون مع من يدفع أكثر، لكن سرعان ما انقلبوا ضده بعدما استمالهم أحد الأمراء الأيوبيين بالشام وأغراهم بأموال أكثر من التي دفعها لهم الملك الصالح، فانقلبوا ضد وليهم وحاربوه بشراسة.

كان الملك الصالح في حاجة لقوة عسكرية إضافية تعينه على صد تهديدات الحملات الصليبية القادمة من الشمال ومخاطر التتار من الشرق ودرء مطامع ملوك الشام؛ فقام بدعم الجيش بمزيد من الرقيق الذين كان النخاسون يجلبونهم في سن صغيرة من مناطق مختلفة، فلا يعرفون أصلهم ولا دينهم، ويتعلمون مبادئ الدين الإسلامي والفروسية وفنون الحرب حتى يصلوا إلى مستويات عالية في القوة البدنية والمهارة القتالية ورسم الخطط العسكرية، وبسبب علو تعليمهم والشجاعة والإقدام نجح رقيق الأمس للوصول إلى أرقى مناصب في الدولة والجيش، وعلت معهم آمالهم وطموحاتهم، فكانت نهاية الأيوبيين على أيديهم بعدما قضوا على توران شاه آخر سلاطين بني أيوب في مصر عام 1250م وأسسوا دولة المماليك التي دامت نحو 200 عام تقريباً.

تتضارب الآراء فيما إذا كان التاريخ يعيد نفسه وأن أحداثه لها شكل الدائرة المغلقة، ولكن ما حدث مع الأيوبيين قد نراه قريباً مع بوتين، حيث يقول الكاتب الروسي ميخائيل زيغار في تقرير له بصحيفة "نيويورك تايمز"، إنه وفقاً لمصادر عدة في موسكو، يرى الكثير من المسؤولين داخل السلطة وخارجها أنه مع زيادة الاعتماد على عناصر "فاغنر" في الحرب على أوكرانيا لمصلحة القوات الروسية، زادت شعبية قائدها بريغوزين وأصبح هو الشخص الأكثر احتمالاً وتفضيلاً لخلافة بوتين.

تأسست مجموعة فاغنر عام 2014 وجرى تكليفها بأولى مهامها علناً في شبه جزيرة القرم، حيث ساعد مرتزقتها القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في السيطرة على القرم، بعدها انتشرت عناصرها في عدة دول منها سوريا وليبيا ومالي؛ لكن ظلت الأسئلة والتحقيقات الصحافية تلاحقها لمعرفة من يقف وراء هذه المجموعة، ومدى ارتباطها بالرئيس بوتين والحكومة الروسية، وكيفية تجنيد وتدريب عناصرها، هذه الأسئلة راح ضحيتها ثلاثة صحافيين روس في دولة مالي منذ عام 2018 كانوا في تحقيق استقصائي للبحث عن الإجابات.

في سبتمبر (أيلول) 2022 وبعد ثماني سنوات من الغموض، أكد يفغيني بريغوجين في منشور له على منصات التواصل أنه مؤسس "فاغنر"، مدعياً أن عناصرها أبطال دافعوا عن الشعب السوري والأفارقة والأميركيين اللاتينيين المعدومين، وأنهم أحد ركائز الأمة الروسية. 

لم تنشأ قوة بريغوزين من ساحات المعارك مباشرة، وإنما من قاعات الطعام والأغذية، بدأها ببيع سندويشات النقانق، واستحداث سلسلة متاجر للبقالة، ثم انتقل إلى المطاعم، وعمل مقاولاً حكومياً لـتجهيز وجبات الغداء المدرسية في أنحاء البلاد، وأصبح بعدها رجل الدعاية الرقمية السامة لموسكو بعد أن أنشأ وكالة أبحاث على الإنترنت اتهمتها الإدارة الأميركية لاحقاً أنها تدخلت في التأثير في الانتخابات الرئاسية 2016 التي أدت إلى وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وعلى أثرها، فرضت عليه الخزينة الأميركية عقوبات اقتصادية.

 

 

الحرب الأوكرانية وقيادته لميليشيات "فاغنر" جعلت بريغوزين أكثر قرباً من الرئيس بوتين، متجاوزاً رجال الأعمال والجنرالات أصحاب السلطة والخبرة، ومن بينهم سيرغي تشيميزوف المدير التنفيذي لعملاق الدفاع الروسي المملوك للدولة روستيخ، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي، وحتى وزير الدفاع سيرغي شويغو.

يضيف الكاتب الروسي ميخائيل زيغار في تقريره لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه عندما بدأت الحرب على أوكرانيا كان بوتين مهووساً بها، فأعطى وصول مباشر معه للذين هم في الخطوط الأمامية مما جعلهم أكثر قرباً له، وتراجع المسؤولين الآخرين بشكل تدريجي مما جعلهم أقل أهمية، وأضحى الطباخ السابق بريغوزين أحد الشخصيات الهامة والقوية في الدولة وله صلاحية نقد الجيش الروسي وبيروقراطيته علانية، أما "فاغنر" فبدت وكأنها تتنافس مع الجيش الروسي على السلطة في الكرملين؛ بحسب تقرير لـ"سي أن أن".

وختم زيغار تقريره، أنه وبحلول نهاية عام 2022، بعد إحباط عاشه الكرملين ولامس حتى الشعب الروسي بسبب عدم تمكن الجيش الرسمي في تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض الأوكرانية، أعلن بريغوزين أقوى انتصار له عندما أشار إلى نجاح عناصر "فاغنر" في الاستيلاء على مدينة سوليدار الأوكرانية.

هذه المؤشرات تؤول إلى أنه في المستقبل القريب، قد نجد طموح بريغوزين يتعدى الرئيس الروسي؛ لذا تشير المصادر في موسكو إلى أن بعض المسؤولين رفيعي المستوى بدأوا في مناقشة ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لقسم الولاء لبريغوزين قبل فوات الأوان، وقد يعيد التاريخ نفسه ويشهد المستقبل القريب تحول قوات "فاغنر" من الحلف العسكري الداعم للجيش الروسي إلى جيش موازٍ ومنافس له كما حدث في الدولة الأيوبية، وربما يكون بريغوزين نداً لفلاديمير بوتين كما كان المماليك مع الملك الصالح نجم الدين أيوب... هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

المزيد من تقارير