خففت روسيا من تأثير الإجراءات الغربية من خلال إعادة توجيه صادرات النفط الخام إلى الصين والهند وتركيا، مستغلة وصولها إلى #موانئ_النفط عبر ثلاثة بحار مختلفة، و #خطوط_أنابيب واسعة النطاق، وأسطولاً كبيراً من الناقلات، وسوق رأسمال محلية كبيرة محمية من العقوبات الغربية.
وفي العام الماضي، تمكنت #روسيا التي يمنعها الغرب من تحويل صادراتها النفطية القوية إلى آسيا ونشر أسطول من الناقلات غير مقيد بالعقوبات الغربية وتعديل خطط التهريب التي كانت تتبعها حليفتاها إيران وفنزويلا بشكل متقن.
استراتيجية في مواجهة الإجراءات
ونجحت الاستراتيجية الروسية في مواجهة الإجراءات الغربية فلم يحتفظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأموال من صادرات الطاقة فحسب، بل زادها وفقاً للبيانات الرسمية، وربما جلب مزيداً من الأموال، التي تراكمت في ظل تجارة النفط، التي يمكن أن تساعد المجهود الحربي لبلاده.
ولكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان روسيا أن تتفوق على الجهود المبذولة للحد من عائدات النفط، إذ تقول صحيفة "نيويورك تايمز" أن "هناك دلائل على أن الضوابط الغربية التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) عبر الحظر المفروض على معظم المبيعات إلى أوروبا وسقف مجموعة السبع على النفط الخام الروسي المباع إلى دول أخرى قد بدأت في التأثير بشكل كبير في دخل الطاقة لروسيا".
التصعيد التدريجي للعقوبات النفطية
في غضون ذلك، بدأت جولة جديدة من العقوبات لكسر صندوق الحرب الروسي الأحد الماضي، عندما دخل الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على وقود الديزل والبنزين الروسي ومنتجات النفط المكرر الأخرى حيز التنفيذ الذي صاحبه وضع حد أو سقف سعري بالنسبة إلى مجموعة السبع على الديزل الروسي ومنتجات النفط الأخرى التي تباع في أماكن أخرى.
بالتالي فإن التصعيد التدريجي للعقوبات النفطية، التي تهدف إلى تقليص عائدات تصدير النفط الروسي من دون كبح انتعاش هش من الوباء العالمي، هي سياسة يقول المحللون إنها قد تستغرق سنوات حتى تؤتي ثمارها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته قال مسؤول عقوبات سابق في وزارة الخارجية الأميركية إدوارد فيشمان لـ "نيويورك تايمز" إن "العقوبات بشكل عام أشبه بسباق الماراثون أكثر من كونها عدواً سريعاً"، مضيفاً أن "الآن بعد فرض هذه العقوبات على قطاع النفط الروسي، أعتقد أنه يجب أن تفترض أنها جزء دائم من السوق".
في المقابل، أكد محللون أن مستقبل عائدات النفط الروسي على المدى الطويل ستقرره قوى اقتصادية عالمية خارجة عن سيطرة منفذي العقوبات الغربيين والمتهربين الروس، كما يقولون إن أسعار النفط العالمية ستظل أكبر عامل محدد لمقدار الأموال التي سيجمعها الكرملين من برميل النفط الخام المصدر ، على رغم تزايد غموض تجارته"، وأشاروا إلى أن مصير سعر النفط الروسي يعتمد إلى حد كبير على أكبر حلفاء روسيا الصين خصوصاً مع بداية تعافي اقتصاد بكين بعد سنوات من قيود الكوفيد الصارمة، إذ بلغت واردات الصين من النفط الخام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مستوى قياسياً بلغ 16.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لتقديرات شركة تعقب شحن الطاقة "كبلير".
روسيا زادت إنتاجها النفط والغاز رغم العقوبات
في تلك الأثناء تمكنت روسيا بعد مرور نحو عام من بدء حربها في أوكرانيا من الحفاظ على تدفق النفط، إذ تمكنت على مدار العام الماضي من زيادة إنتاجها النفطي بنسبة اثنين في المئة علاوة على زيادة عائدات تصدير النفط بنسبة 20 في المئة إلى نحو 218 مليار دولار، مدعومة بالزيادة الإجمالية في أسعار النفط بعد بدء الحرب وتزايد الطلب في أعقاب عمليات الإغلاق الوبائي، كما سحبت روسيا 138 مليار دولار من الغاز الطبيعي، بزيادة تقارب 80 في المئة عن عام 2021 حيث أبطأت الأسعار القياسية انخفاض التدفقات إلى أوروبا، وفقاً لتقديرات الحكومة الروسية ووكالة الطاقة الدولية.
وحول سقف أسعار النفط، رجح صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي عدم الجدوى من وضع سقف أسعار النفط المحدد بـ60 دولاراً للبرميل، قائلاً إنه "لن يؤثر في أحجام صادرات النفط الروسية"، متوقعاً أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 0.3 في المئة هذا العام بعد الانكماش بنسبة 2.2 في المئة في عام 2022، وهي توقعات كانت أكثر تفاؤلاً من توقعات الصندوق للاقتصاد البريطاني والألماني.
إلى ذلك نجح الكرملين من إعادة تصميم أنماط تجارة النفط العالمية التي استمرت عقوداً في أشهر، فعلى سبيل المثال، زادت صادرات النفط الروسية إلى الهند عشرة أضعاف منذ بداية الحرب إلى متوسط 1.6 مليون برميل يومياً في ديسمبر، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
من جانبه قال عالم الطاقة في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي سيرغي فاكولينكو بواشنطن إن "روسيا تظل قوة هائلة في سوق الطاقة العالمية"، مضيفاً أن "معارضة هذا اللاعب الكبير ليست سهلة على الإطلاق ولن تحدث في يوم واحد."
حقيقة الخصومات الروسية على بيع النفط
ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، بلغت عائدات صادرات النفط الروسية 12.6 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) ، أي أقل بنحو أربعة مليارات دولار عن العام السابق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن شركات النفط الروسية تضطر إلى تقديم خصومات متزايدة إلى مجموعة مشترين تتقلص باستمرار، ويبدو أنه هذا الاتجاه سيستمر، إذ قالت وزارة المالية الروسية الإثنين الماضي إن "إيرادات الحكومة الروسية من إنتاج وصادرات النفط والغاز تراجعت 46 بالمئة في يناير (كانون الثاني) مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي".
في الوقت نفسه، اتسع فارق السعر بين أسعار خام برنت (معيار نفطي عالمي) وخام الأورال الروسي ، إلى حوالى 40 دولاراً للبرميل في يناير، وفقاً لشركة بيانات الطاقة "آرغوس ميديا".
كما أقرت وزارة المالية الروسية بتراجع عائدات النفط، قائلة الأسبوع الماضي إن "متوسط سعر خام الأورال بلغ 49.50 دولار للبرميل في يناير، أي ما يقرب من نصف سعره قبل عام، في حين تستخدم الوزارة سعر نفط الأورال كمقياس لحساب عائدات الضرائب على صادرات النفط.
تخفيضات سعر خام الأورال خادعة
على الجانب الآخر يرى مؤيدو عقوبات النفط الروسية أن استمرار موسكو في بيع النفط بسعر أقل يمثل الهدف الأبرز من عقوبات الحد الأقصى للسعر، إذ قال المتخصص في العقوبات الأميركية إدوارد فيشمان إن "الأمور تسير على ما يرام حتى الآن".
لكن في المقابل يرى بعض المتخصصين أن التخفيضات الضخمة على النفط الروسي قد تكون خادعة جزئياً، إذ يقول المتخصص في شؤون النفط الروسي سيرغي فاكولينكو أن "المستوردين المحليين للخام الروسي كانوا يدفعون نفس سعر خام برنت تقريباً وفقاً لبيانات الجمارك من الهند"، ويعتقد أن "جزءاً على الأقل من الخصم الكبير على سعر نفط الأورال يكون للوسطاء الروس الذين يفرضون سعراً أعلى على المشترين في الهند".
صندوق أسود
من جهتها، قالت المتخصصة في شؤون النفط بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا تاتيانا ميتروفا، إن "هذه الإيرادات لن تعود مباشرة إلى الحكومة الروسية كضرائب"، مستدركة "لكن لأن المصدرين الروس ربما لديهم علاقات وثيقة مع الكرملين، ولذلك يدعمون بجزء من تلك الأموال المجهود الحربي الروسي"، واصفة ذلك بـ"صندوق أسود كامل للأموال".
في غضون ذلك، اعتبر المحلل في "آرغوس ميديا" فيليكس تود أنه "بعد عام من الاستعداد، يبدو أن روسيا قادرة على استيعاب التأثير الفوري لعقوبات النفط الغربية في الإنتاج"، في حين قالت المحللة الاقتصادية الروسية ألكسندرا بروكوبينكو إن "الحكومة الروسية قامت أيضاً بحماية إنفاقها الدفاعي والاجتماعي من التقشف، مما يعني أنه حتى الانخفاض الحاد في عائدات النفط لن يضر بجهودها الحربية في المستقبل القريب"، مضيفة أن "لدى بوتين ما يكفي من المال لمواصلة القتال".