Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في ظل غياب المحكمة الدستورية...أي مستقبل لنظام ديمقراطي ناشئ في تونس؟

المصالح الحزبية وراء فشل استكمال تركيز أحد أعمدة الديمقراطية

انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية في العاشر من يوليو 2019 (صفحة مجلس النواب الرسمية)

للمرّة السابعة على التوالي منذ العام 2015، يفشل البرلمان التونسي في انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية التي يعتبرها أختصاصيون في القانون، القلب النابض  للديمقراطية الناشئة في تونس، لما أوكل إليها من مهام غاية في الأهمية، بحسب دستور عام 2014.

أعادت الوعكة الصحية الأخيرة التي تعرّض لها رئيس الجمهورية التونسي الباجي قائد السبسي يوم 27 يونيو (حزيران) 2019، إلى الواجهة ملف ضرورة استكمال انتخاب أعضاء المحكمة، المخوّل لها دستورياً مراقبة حالة الشغور في منصب الرئيس .

التوازن بين السلطات الثلاث

يرى أستاذ متخصّص في القانون الدستوري في جامعة العلوم السياسية من جهته، أن "المحكمة الدستورية التي فرضها الدستور التونسي في 27 يناير (كانون الثاني) من العام 2014، ليست مجرد هيئة قضائية لمراقبة دستورية القوانين وحكم إجراءات تعديل الدستور، بل هي مؤسسة مستقلة تضمن الطابع الديمقراطي للنظام السياسي و الطابع الجمهوري وأيضاً الفصل بين السلطات الثلاث والتوازن في ما بينها، وقال "من أهم صلاحياتها مراقبة حالة الشغور المؤقت أو النهائي في مناصب الرؤساء الثلاثة، الجمهورية والحكومة والنواب".

وفسّر أستاذ القانون الدستوري أن "أيّ رئيس جديد للبلاد يجب أن يؤدي اليمين أمام أعضاء المحكمة الدستورية"، وأضاف قائلاً "تظهر أيضاً أهمية المحكمة الدستورية، مع وجود نزاع حول اختصاص ما بين سلطتين، والمحكمة الدستورية تفصل هذا النزاع في إطار التوازن بين السلطات".

في السياق ذاته قال "المحكمة الدستورية إذاً لا تضمن التوازن فقط بين السلطات، بل أيضاً التوازن داخل السلطة التنفيذية ذاتها، على غرار النزاع الذي حصل سابقاً بين رئيسي الحكومة والجمهورية، وجعل البلاد في فترة من الجمود حوالى تسعة أشهر بسبب غياب المحكمة الدستورية التي لو وجدت لفصلت في النزاع".

القلب النابض

واعتبر المتخصّص في القانون الدستوري أن "كلّ هذا يؤكد أن المحكمة الدستورية هي القلب النابض للنظام السياسي والدستور التونسي"، مشيراً إلى أن "تونس عاشت خمس سنوات تحت نظام سياسي، من دون قلب نابض، ولحسن حظنا لم تحدث أزمات سياسية أو أمنية كبيرة، وجب فيها تدخل المحكمة الدستورية".

وعن أسباب عدم تركيز المحكمة الدستورية، يعتقد أستاذ القانون الدستوري أن "التأويل الخاطئ أو التأويل لغايات سياسية، لتركيز المحكمة الدستورية، خصوصاً في الترتيب الزمني لتعيين أعضاء المحكمة، من أهم الأسباب، خيار آخر اختاره القانون، وهو أن كل كتلة برلمانية ترشح من تراه صالحاً، وبالتالي سقطنا في أشكال تسييس أي مرشح حتى وإن كان مستقلاً، وبالتالي يُرفض من أطراف سياسية أخرى".

وفي ما يخصّ تأثير المحكمة الدستورية في العملية الانتخابية، يرى أنها "لن تؤثر تأثيراً مباشراً  لكن تأثيرها أهم وأخطر من ذلك في النظام السياسي والتونسي ككل، إذ يمكن أن نسقط في أزمة بين السلطات لن نجد من يفصل فيها، فميزان القوى السياسي الواقعي هو من سيرجح الكفة، لا القاعدة الدستورية التي وضعت منذ العام 2014، والتي من المفروض أن تنظم العلاقات بين السلطات أياً كان اسم من في السلطة"، على حد قوله.

رأي الدستور التونسي

ينصّ الدستور التونسي في فصله 118 على أن "المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتكوّن من 12 عضواً من ذوي الكفاءة، معظمهم من المتخصّصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن 29 سنة".

وبحسب الدستور أيضاً "يعيّن كل من رئيس الجمهورية والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المتخصّصين في القانون، ويكون التعيين لفترة واحدة مدتها تسع سنوات".

ويشترط القانون التونسي للفوز بعضوية المحكمة الدستورية، أن يحظى المرشح بأغلبية الثلثين من أصوات نواب البرلمان، 145 صوتاً من أصل 217، وهو ما لم يحصل إلا في مناسبة وحيدة، حين انتخب البرلمان في مارس (آذار) من العام 2018، مرشحة حزب "نداء تونس" بعد حصولها على 150 صوتاً. وخلال الجلسات السبع للبرلمان، كان آخرها في العاشر من يوليو (تموز) 2019، لم ينجح الأعضاء في اختيار الأعضاء الثلاثة المتبقين .

ويشترط الدستور تشكيل المحكمة الدستورية قبل سنة من موعد الانتخابات التشريعية، التي عقدت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2014 .

تلكؤ ومناورة

يقول الصحافي المتخصّص في الشأن السياسي سيف الدين العامري "صحيح أن مسألة المحكمة الدستورية قد أثيرت في وقت تحتاج تونس إلى كامل مؤسساتها وهيئاتها الدستورية، في شؤون عدة، مثل تعديل الإعلام وتنظيم الانتخابات وحماية حقوق الإنسان والنظر في دستورية القوانين، خصوصاً بعد صوغ القوانين الأخيرة المتعلقة بمنع فئة معينة من الترشح للانتخابات". إلا أن العامري يرى أن "المحكمة الدستورية موضوع يعود إلى سنوات خلت، حينما توالى عليها مرشحون ومرورهم للتصويت الذي فشل في الوصول إلى نصاب المحكمة وبدء مهامها". ويضيف العامري "ولأن ظروف الأمس في ما يتعلق بالمحكمة الدستورية تختلف عن ظروف اليوم، بما تشهده تونس من تحضير حام للانتخابات ومرض رئيس الجمهورية، إلا أن اللاعب السياسي في كل المراحل كان سلبياً، ولم يرد لهذه المحكمة أن تلتئم"، وتابع قائلاً "السياسيون في تونس لا يريدونها الآن بل يريدونها بعد الانتخابات، لأن كل فريق سياسي يحلم في أن تكون له سلطة في تعيين الموالين له في هذه المحكمة".

من جهة أخرى، يعتقد العامري أن "سعي المجتمع المدني في تركيز المحكمة الدستورية يفضح كفّة المجتمع السياسي في التلكؤ والمناورة لتفادي تشكيل المحكمة حتى الوصول إلى تحقيق اختبار القوة في الانتخابات المقبلة".

 

المزيد من العالم العربي