Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إذا كنت ممن يواجهون القلق بالشراهة... إليك النتيجة

المبالغة في تناول الطعام والتسوق سلوك مضطرب يضر بالصحة الجسدية والنفسية على المدى البعيد

يمكن أن يوفر تناول الطعام راحة مؤقتة من التوتر لكنها ليست استراتيجية فعالة طويلة الأجل (بكسل)

"عقدة ذنب ما بعد الأكل تجتاحني بقوة، أنا فقط أؤذي ذاتي، لكنني أهمل #صوت_العقل تماماً أثناء الغضب والملل، أفتح البراد عشرات المرات وأتناول #الأطعمة_والحلويات، وما إن تمتلئ معدتي حتى تبدأ سياط الندم والذنب تنهشني".

ما قالته نزيهة عبود يختصر هذا الإلهاء الذي قد يختاره المرء لتفريغ شحنات سلبية تثقل روحه وجسده، فبعض الناس يلجأون لتناول الطعام بشراهة، أو المبالغة في التسوق، أو مشاهدة أفلام ومسلسلات من دون توقف، أو ممارسات أخرى يفضي الإفراط بها إلى سلوك غير متوازن قد يضر بالصحة الجسدية والنفسية على المدى البعيد.

الرجال ينفقون والنساء يتسوقن

تشير بعض الأبحاث إلى أن الرجال والنساء قد تكون لديهم سلوكيات مختلفة تتعلق بطريقة التنفيس عن الكآبة والتوتر، إذ تميل النساء إلى التسوق بشكل متكرر ولفترات أطول من الرجال، وتختلف عادات التسوق لدى الناس بحسب خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مع ملاحظة أن الإفراط في التسوق، بصرف النظر عن الجنس، يمكن أن يكون علامة على إدمان التسوق أو اضطراب الشراء القهري.

في حين تلجأ النساء إلى التسوق إبان حالات الغضب أو الفراغ أو الكآبة، تفيد الدراسات أن الرجال أكثر إنفاقاً في كل عملية شراء، ففي إحدى الدراسات التي نشرت في جامعة "بنسلفانيا" خلصت النتائج إلى أن الرجال يشترون والنساء يتسوقن، فالنساء يتعاملن مع التسوق بأسلوب إنساني شخصي، أما الرجال فيتعاملون معه كمهمة ذات فائدة.

لكن من منهم يقوم بالتسوق للتخلص من الضغوط أو العلاج من الوجع النفسي؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول فاتن عباس إنها تقوم بشراء كثير من الأحذية إذا كانت تمر بظرف حزين، بخاصة إذا كان يتعلق بموضوع عاطفي، الأمر الذي يشعرها براحة، حتى إن لديها عدداً فائضاً من "السكربينات" التي لم تنتعلها يوماً، ومع هذا فإنها تلجأ لشراء مزيد منها مع تعاظم التوتر أو الاكتئاب، ومع ذلك يرافق الإنفاق والتسوق لدى فاتن توقف عن تناول الطعام والإكثار من التدخين.

وتشير فاتن إلى أن شقيقها لا يرتاح من التوتر ولا يفرغ غضبه إلا إذا حطم شيئاً ثميناً تحطيماً كاملاً كالموبايل أو التلفزيون أو ساعة ثمينة.

أما فاطمة الخطيب فتشعر بفراغ كبير في لحظات الاكتئاب وتذهب إلى السوق لشراء أي شيء، لكن لا يرتاح بالها إلا بعد شراء كمية كبيرة من المواد الغذائية وأدوات المطبخ، وتقول "على رغم أنني لا أجيد الطبخ، فإن ملء رفوف المطبخ بأدوات جديدة لا أستخدم معظمها يريحني نفسياً، فلدي مقشرة أفوكادو، وواحدة للأناناس، وواحدة للبطيخ، وواحدة لنزع بذور العنب، وواحدة لعرانيس الذرة، ولا أستخدم سوى السكين".

تعتقد فاطمة أنها بفعلها هذا تشعر بأن لديها كل ما تحتاج إليه، حتى لو لم تستعمل هذه الأدوات، لكنها تشعر بالأمان كونها مواكبة لكل جديد ولديها فائض منه.

في سياق مشابه، تخبر رانيا توما أنها تنفق كثيراً من المال وتتسوق أشياء لا تحتاجها، كما أنها تكثر من تناول الشوكولاتة بكميات كبيرة حتى تهدأ.

الجسد بين الاهتمام والأذى

قد تبدو معالجة الضغط النفسي بتناول الأطعمة والتسوق وسواهما من أنواع السلوك مقبولة جداً إذا ما قورنت بسلوكيات أخرى.

بعض الناس يشتمون أو يصرخون أو يكسرون الأشياء، وآخرون لا يتوقفون عن أكل أظافرهم لدرجة تسرب الدماء منها، وفريق ثالث يجرحون أنفسهم بآلات حادة كقلم الرصاص أو الشفرة أو الإبرة لأن الألم يشعرهم بالراحة. ويلجأ بعضهم إلى الرماية لأن صوت الرصاص يريحه، أو يستهلك الوقت في أمور أخرى مثل المشاهدة المفرطة للأفلام والمسلسلات لساعات طوال، أو الانشغال بأمور تشتت التفكير.

 

كما أن فئة من الأشخاص ينتهجون طرقاً أخرى، تقول ليا عواد إن الكآبة تجعلها تفكر بأنشطة جسدية كثيرة كالمشي في الطبيعة، والاهتمام المفرط بالبشرة وبالرياضة، تخبر أنها تهرب من أي شيء قد يتسبب لها بالندم لاحقاً، وتجد أن هذه الوسيلة نافعة جداً، فهي من ناحية تفرغ غضبها وتشتت كآبتها، ومن ناحية أخرى تفرح بالنتائج لاحقاً.

مثلها مايا التوم تدلل ذاتها أثناء شعورها بالاكتئاب، فتهدي ذاتها الأزهار، وتذهب إلى النادي الرياضي، وترتدي أجمل الألبسة، وتقول إنها تلملم نفسها بسرعة وتدللها قبل أن تغرق أكثر، وإذا تطور الوضع إلى كآبة أكبر فإنها تلجأ إلى أحد أصدقائها لقضاء وقت ممتع، أو للتأمل، أو إلى معالجة نفسية بالكلام وأخذ إرشادات جديدة.

السبب هرمون الدوبامين

يمكن أن يوفر التسوق وتناول الطعام راحة مؤقتة من التوتر، لكنها ليست استراتيجية فعالة طويلة الأجل، فقد يوفر التسوق إلهاء مؤقتاً عن القلق ويمكن أن يعطي إحساساً بالإنجاز، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى الإنفاق المفرط والضغط المالي، وقد يوفر الأكل أيضاً راحة مؤقتة من التوتر، ولكن الإفراط في تناول الطعام يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن ومشكلات صحية فضلاً عن الشعور بالذنب.

تقول المعالجة النفسية كارول سعادة، لـ"اندبندنت عربية"، إن الشعور الذي يمر به الشخص المكتئب يشبه الوسواس والتوتر والقلق وعدم الراحة، وتسيطر عليه أفكار تجعله يتصارع مع ذاته في محاولة لإلغاء هذه الأفكار، لكنه أحياناً يستسلم ويقوم بسلوك ليفرغ كل هذه الضغوط بطريقة متهورة قد لا ينتبه لنتائجها إلا بعد وقت.

وتوضح سعادة "هنا لا نتحدث عن التعويض الاستثنائي، بل عن الاضطرابات المتعلقة بالطعام، أو الإدمان الذي يكون التسوق أحد أشكاله".

 

وتضيف "لكل شخص آلياته الدفاعية الواعية وغير الواعية لمواجهة الضغوط النفسية التي يمر بها، وواحدة منها التسوق وتناول الطعام بغرض الراحة النفسية، وبينت الدراسات أن التسوق، الذي كان يعد تنفيساً لدى النساء أكثر من الرجال، لا يختلف كثيراً بين الجنسين، وفي حين تتفوق أعداد النساء في موضوع اضطرابات الطعام، يميل الرجال باتجاه الإدمان على المخدرات أو الكحول بسبب الضغط النفسي، فقد توهم هذه الأمور الشخص بأنها تخفف من الضغط النفسي، لكنها تريح الإنسان لوقت قصير جداً ولا تحل المشكلة، بل وقد تتسبب بمشكلات أكبر".

تشير سعادة إلى أن "هذا السلوك يجعل الشخص يفرز هرمون الدوبامين لتحريك مراكز المكافأة في الدماغ والجهاز العصبي فيشعر باللذة والراحة النفسية، مما يجعل هذا السلوك يدخل في إطار الإدمان على الأكل مثلاً بشكل مرضي وكأنه داخل دوامة".

آليات دفاعية صحية

من الآليات الدفاعية الصحية لتفريغ الطاقة السلبية، تقترح سعادة القيام بالرياضة أو التأمل أو الصلاة أو الرسم أو الرقص أو الموسيقى أو الضحك أو ممارسة تقنيات التنفس والوجود في أماكن تصقل القلب والروح، مشيرة إلى أن "الشخص يلجأ إلى سلوك تدميري أو سلوك يخدر الضغط النفسي والمشاعر السلبية بسلوك يوهمه بسعادة معينة من دون أن يفرغ الطاقة السلبية فعلياً".

تقول سعادة إن "كثيراً من الأشخاص يشعرون بالجوع العاطفي، ويتجهون إلى "الفاست فود" والحلويات، فإذا كان هذا يتم بشكل واع وغير متواصل فهو لا يعد مرضاً ويختلف عن اضطرابات الطعام المصنفة عالمياً كمرض، حين يفقد الشخص السيطرة على نفسه ليتكرر هذا الفعل بشكل دائم، وبعد هذا السلوك يشعر الشخص بالإحباط والذنب وقد يصل إلى الاكتئاب في ظل عدم إيجاد حلول للمشكلة، ليدخل في مشكلات أخرى قد تتعلق بالصحة، أو ربما يتدهور وضعه المادي، أو يكون لسلوكه تداعيات سلبية أخرى".

 

قد يحتاج الإفراط في انتهاج سلوكيات معينة للتخلص من التوتر استشارة معالج نفسي أو طبيب أمراض نفسية ليقترح علاجاً معيناً كالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) المستخدم بفاعلية في حالات اضطرابات القلق، ويتضمن تحديد أنماط التفكير والسلوكيات السلبية وتغييرها، إذ يقوم المعالج بالعمل مع المريض لتطوير استراتيجيات لإدارة القلق المتعلق بتناول الطعام والتسوق وغيرهما من السلوكيات المفرطة.

يمكن أيضاً استخدام الأدوية مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) لعلاج القلق، مع التأكيد على التصرف بحسب إرشادات الطبيب المتخصص لتحديد أفضل خطة علاج.

من الجدير ذكره أن الأبحاث أظهرت أن الرجال أقل عرضة لطلب المساعدة المهنية للتخلص من ضغوطهم، ويفضلون غالباً التعامل مع هذه الضغوط بمفردهم.

التوتر كجزء من طبيعة الحياة

في النهاية لا بد من تلخيص طرق عدة لإدارة التوتر، مع الأخذ بالاعتبار أن ما يصلح لشخص ما قد لا يصلح لآخر، لكن بعض الاستراتيجيات ثبت أنها فعالة في الحد من التوتر، مثل النشاط البدني الذي يفرز مادة الإندورفين، وهي مواد كيماوية في الدماغ تعمل كمسكنات طبيعية للألم ومحسن للمزاج، وتقنيات الاسترخاء، إذ تساعد تقنيات مثل التنفس العميق والتأمل و"اليوغا" على استرخاء العقل والجسم، ويمكن لإدارة الوقت بفاعلية أن تساعد في تحديد أولويات المهمات وتقليل التوتر الناجم عن الشعور بالإرهاق.

ويمكن أن يساعد الدعم الاجتماعي، كالتحدث إلى الأصدقاء والعائلة عن الضغط الذي يعاني منه الشخص على الشعور بالتحسن، ويوفر أيضاً منظوراً مختلفاً عن الموقف، ويعد الحصول على قسط كاف من النوم مهماً للحفاظ على صحة بدنية وعقلية جيدة، كما أن من شأن تناول نظام غذائي صحي ومتوازن أن يساعد في تحسين المزاج ومستويات الطاقة، ويساعد الضحك والدعابة على تقليل التوتر.

ومن المهم اعتبار التوتر جزءاً من طبيعة الحياة، ويمكن أن يكون صحياً إذا تمت إدارته بشكل فعال، فإذا كنت تعاني آثاراً سلبية من سلوكيات معينة كالتسوق وتناول الطعام، فمن المهم طلب المساعدة من متخصص لتحديد الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك وتقديم العلاج المناسب.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة