Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا فعلت الثقافة الجندرية بالرواية المصرية النسائية؟

كتاب هدى الصدة ترجم الى العربية وصدر في سياق مشروع جامعة إدنبره في المركز القومي المصري

"تعاون" بريشة ديبرا لوت (صفحة الرسامة - فيسبوك)

صدر كتاب "الجندر والوطن والرواية العربية : مصر 1892 – 2008"، تأليف أستاذة #الأدب_الإنجليزي والمقارن في كلية الآداب، #جامعة_القاهرة، هدى الصدة، باللغة الانجليزية عام 2012 عن دار نشر #جامعة_إدنبره في اسكتلندا ودار نشر جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأميركية وترجمته هالة كمال، أخيراً إلى العربية طلباً من المركز القومي للترجمة في القاهرة. وقام أستاذ الأدب العربي والمقارن في جامعة إكستر في بريطانيا رشيد العناني، بافتتاح سلسلة جامعة إدنبره في دراسات الأدب العربي بإصدار هذا الكتاب، باعتباره في رأيه يقدم "دورة كاملة في حياة الرواية كنوع أدبي في الأدب العربي، ولكنها ليست دراسة أخرى لتاريخ ذلك النوع الأدبي، وإنما هي بالأحرى محاولة لإعادة كتابة ذلك التاريخ الأدبي من منظور جندري".

ونشأ مصطلح "الجندر" – كما تقول المترجمة – في سياق الدراسات النسوية والعلوم الاجتماعية، باعتباره أداة تحليلية يتم بمقتضاها تناول علاقات القوى بين الجنسين، وتجلياتها المتمثلة في الاختلاف والتمييز والتنميط. وتختلف الدراسات الجندرية عن الدراسات النسوية في سياق الدراسات الأدبية، في كونها لا تقتصر على مكانة النساء في تاريخ الأدب وتمثيلهن في الأعمال الأدبية النسائية، وإنما تتتبع علاقات القوى الحندرية وتمثيل الذكورة والأنوثة وأنماطها المقدمة في الأعمال الأدبية بوصفها انعكاساً لسياقاتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية. وتكشف الدراسة التي يتضمنها الكتاب – كما تقول هالة كمال – عن تمكن هدى الصدة من أدوات التحليل الجندري، وقدرتها على تحديد مساحات التلاقي بين النظرية الأدبية عموماً والنظرية الأدبية النسوية تحديداً في تقاطعاتها مع النقد الأدبي ما بعد الكولونيالي المنطبق على السياق المصري.

سلسلة فريدة

 

وأعرب رشيد العناني في تقديمه عن الأمل في أن تملأ سلسلة جامعة إدنبرة في دراسات الأدب العربي الحديث، الفجوة البالغة في الدراسات والأبحاث في مجال الأدب العربي الحديث، أي منذ بداية القرن التاسع عشر فصاعداً. وهو ما يحعل تلك السلسلة بحسب العناني فريدة بين غيرها من السلاسل الصادرة عن دور النشر الأكاديمة في العالم الناطق بالانجليزية. وأضاف أن الطبيعة البانورامية لما تقدمه هدى الصدة في هذا الكتاب، تجعل من الممكن رؤية تفاعل الأيديولوجيا مع التغيرات الاجتماعية السياسية، مما يمكننا من رؤية خيط يمتد عبر كل ذلك منذ بواكير عصر النهضة وحتى الوقت الراهن. ولاحظ العناني أن دراسة الصدة لا تقتصر على تقديم قراءة "منعشة" للتراث الأدبي المعتمد، ولكنها أيضاً تدعونا إلى إعادة التفكير في كتب وأعمال سبق أن تجاهلها التراث المعتمد. وهناك جانب آخر منعش – يضيف العناني- وهو تناول هدى الصدة لمفهومي الذكورة والأنوثة، واتساع بحثها ليشمل كتاباً من الرجال دون الاقتصار على النساء، كما يحدث كثيراً. وخلص العناني إلى أن أهمية النتائج التي تتوصل إليها هدى الصدة هنا، تزداد باتساع نطاق النصوص التي تتناولها، والتي تمتد من النموذج الأسمى والأعلى، ممثلاً في نجيب محفوظ، انتهاءً بالأصوات الشابة لكاتبات وكتاب لم يظهروا سوى في التسعينيات ولاحقاً.

وجاءت خاتمة الكتاب تحت عنوان "كلمة أخيرة... ما بعد التحرير: تصورات مغايرة"، والمقصود ميدان التحرير في وسط القاهرة، إذ أن تلك "الكلمة الأخيرة" كتبتها المؤلفة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 في مصر، مما جعل - بحسب قولها – من المستحيل "تجاهل دور الأجيال الجديدة في العالم العربي، هؤلاء الشباب الذين تخيَّلوا أشكالاً من المستقبل لم تكن في الحسبان، أو كانت في نظر مراكز السلطة والقوة مستقبلاً وهمياً أو مستحيلاً".

مخيلات جديدة

 

وتضيف هدى الصدة أن "نجاح ثوار التحرير، بصرف النظر عن النتائج المترتبة عليه، أدى إلى طرح طيفٍ جديد من الإمكانات والاحتمالات ومن الذوات الجديدة الشاعرة بالقوة والتمكين، ومن المخيلات والحقائق والوقائع الجديدة". ولاحظت الصدة أن الكُتَّاب العرب لعبوا على مدار العصر الحديث دوراً محورياً في صياغة المخيلة الوطنية، ومنذ تسعينيات القرن العشرين انخرط جيلٌ منهم في عملية نقدية مع تمثيلات وصور الذات الوطنية وتعريف التراث الوطني المعتمد، من داخل سياق عابر للقوميات. و"للمرة الأولى نرى – تقول الصدة – تقنيات إعلامية جديدة أتاحت إمكانية صوغ مساحات متنوعة ومتعددة للتواصل والتفاعل – مساحات سياسية واجتماعية وكذلك أدبية". وترى المؤلفة أن المنابر الأدبية على المواقع والمدونات وصفحات الفيسبوك صارت موجودة بالتوازي مع التجمعات الأدبية التقليدية في الصالونات والمقاهي أو الندوات، بما يجعل من تلك المنابر مصدر إلهام لجماهير جديدة ومخيلة جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد شهدت نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – بحسب خلاصة الكِتاب - ظهور نوع أدبي جديد، أي المدوَّنة، التي تظهر أولاً على الشبكة الإلكترونية، ثم يتم نشرها وبيعها مطبوعة على منوال المجموعات القصصية والروايات. ورأت الصدَّة أن أدوات التواصل والتفاعل الجديدة، والتي تمثل ملمحاً من ملامح الألفية الجديدة، "جاءت مصدر تمكين وإلهام للجيل الجديد من شباب الثورة الناشطين سياسياً وجعلتهم قادرين على صياغة واقع جديد، وفتحت في الوقت نفسه مساحات ووفَّرت إمكانات للأصوات الأدبية لتقدم تصورات مغايرة".

مجتمع متخيَّل

ولاحظت المترجمة أن هدى الصدة استهلت كتابها بطرح الفرضيتين الأساسيتين اللتين يقوم عليهما مشروعها البحثي، وهما أن التراث الأدبي المعتمد هو تراث يعكس ويشكل الأفكار المتعلقة بالوطن والهوية الوطنية في العصر الحديث، وأن الوطن في حد ذاته "مجتمع متخيَّل" جندري. ويتضح أن العلاقة الجدلية بين الهوية والمخيلة والوطن والجندر والتراث المعتمد – تقول المترجمة - هي العلاقة التي تطرح السؤال المحوري في مشروع الصدة البحثي، أي التداعيات المترتبة على تضمين عامل الجندر بوصفه فئة تحليلية في دراسة تاريخ الأدب العربي، وهي النقطة التي تعود إليها المؤلفة في نهاية الكتاب حين تذكر الأسئلة المتصلة بمختلف جوانب الكيان الوطني الجندري.            

يقدم هذا الكتاب نموذجاً متميزاً في الدراسات "البينية"، الجامعة بين الدراسات الأدبية وما بعد الكولونيالية ودراسات الجِندر، مع التركيز على نشأة الرواية العربية وتطورها. وهو يجمع بين الترتيب الزمني والموضوعات المتنوعة التي تنتظم جميعها في ثلاثة أجزاء، تؤطرها مقدمة وكلمة ختامية. ويتناول الجزء الأول نشأة الخطابات التاريخية حول قضايا الوطن والجندر في الأدب العربي من نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. أما الجزء الثاني فيتتبع مراحل تطور السردية الوطنية وهزيمة نموذج النهضة، بدءاً من منتصف خمسينيات القرن العشرين فصاعداً. ويركز الجزء الثالث على روايات "الكتابة الجديدة" بأقلام جيل جديد من الكاتبات والكتاب المتزايدين والصاعدين منذ تسعينيات القرن الماضي.

الأسئلة المحورية

جاءت الأسئلة المحورية المحركة لهذا الكتاب على النحو الآتي: ما هي  تداعيات إعادة التفكير في تاريخ الرواية العربية، مع أخذ الجندر في الاعتبار بوصفه أداة تحليلية؟ وما عمليات الإدراج والإقصاء التي قامت بسبب سيادة تمثيلا معيارية ضابطة للأدوار الاجتماعية فرضتها النخب الوطنية؟ كيف قام الكُتاب والكاتبات بمعارضة تلك التمثيلات السائدة أو التفاوض حولها؟ كيف كان للتمثيلات الأدبية وتصور الوطن من منظور جندري، أن يشكلا النقاشات والجدل الدائر بشأن الهوية الوطنية على مدار القرن العشرين ومنعطف القرن الحادي والعشرين؟ وأخيراً، كيف كان الانتقال إلى الوضع القومي في القرن الحادي والعشرين، مؤثراً على فكرة التراث الوطني المعتمَد في حد ذاته، ناهيك عن الإشكاليات المتصلة بها، بحيث نجد دليلاً جديداً من الكاتبات والكتاب يطرحون التساؤلات ويعيدون تعريف معنى الأمة والوطن والانتماء؟

وعموماً، لاحظت الصدة في مقدمة كتابها وجود طفرة في الاهتمام البحثي الغربي بكتابات النساء العربيات؛ بفضل زيادة المتاح من الأدب العربي مترجماً، إلى جانب رواج الثقافات الإسلامية. ورأت أن الاهتمام الغربي بالنساء العربيات ليس جديداً، فقد تمَّ تاريخياً تبرير الغزو الاستعماري باعتباره مهمة إنسانية لإنقاذ النساء المسلمات من الرجال المسلمين! ورأت الصدة التركيز على التراث الروائي لبلد واحد، وهو مصر، مشيرة إلى أن ذلك يتيح مجالاً أكبر للتحليل التفصيلي والدقيق. كما أن منظور الجندر الذي تتبناه هذه الدراسة يمنح مصداقية أكبر للتركيز على مصر، إذ شهدت مصر بدايات الوعي النسوي في المنطقة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر عند صدور المجلات النسائية ونشر الكتابات النسائية، ثم تأسيس الاتحاد النسائي المصري عانم 1923، وهو السياق الذي أتاح نشر كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" عام 1899.            

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة