Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجارة الكربون تسرق أكسجين الليبيين

ارتفاع ثمن معدن البلاديوم مع صعوبة الظروف الاقتصادية أهم الأسباب ومخاوف من المخاطر الصحية

علبة الكربون عبارة عن قطعة شبكية مجهزة لحماية البيئة من انبعاثات عوادم السيارات ومسؤولة عن خفض ضجيج المحركات (أ ف ب)

#تجارة_الكتلايزر أو ما يعرف بـ"الكربون" ظاهرة تكتسح #السوق_الليبية على رغم أضرارها الصحية ومخالفتها للقوانين.

قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الليبية رقم 55 لعام 2021 بمنع الاتجار في هذه المادة بأي شكل من الأشكال لم يقف حاجزاً أمام نشاط عديد من ورش السيارات بهذا المجال، حيث تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى سوق سوداء لشراء وبيع هذه المادة، التي أطاحت بالذهب من عرشه في ليبيا.

علبة الكربون عبارة عن قطعة شبكية مجهزة لحماية البيئة من انبعاثات عوادم السيارات ومسؤولة أيضاً عن خفض ضجيج أصوات المحركات.

ويؤكد متخصصون أن "نشاط هذه التجارة في ليبيا يعود إلى عوامل عدة، يأتي في مقدمتها سوء الأوضاع المعيشية، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، تلك الظروف استغلها البعض لإغراء المواطنين ببيع كربون سيارتهم التي يشبهها التجار بـ"كنز الذهب المدفون" في المركبات لتتجاوز التجارة الأسواق المحلية عابرة الحدود الليبية إلى دول الجوار.

أسعار فلكية 

ولوحظ نشاط مكثف لأصحاب ورش السيارات وسماسرة الخردة، الذين يستغلون صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لشراء مادة الكربون، التي تعمل على امتصاص الغازات السامة المنبعثة من السيارة، حفاظاً على سلامة المحرك والبيئة.

ووصل سعر مادة الكربون عبر صفحات "فيسبوك" إلى 6 آلاف دينار ليبي (1200 دولار أميركي)، غير أن ثمن العلبة المختومة بكود أجنبي قد يصل إلى 8 آلاف دينار (1600 دولار) بسبب الجودة التي تحرص عليها الشركات الأوروبية المصنعة للسيارات، والتي سيعاد تصديرها بعد التفكيك إلى الخارج بأسعار فلكية، بحسب وصف عرفة يونس صاحب ورشة سيارات بمدينة غات.

وأرجع يونس انتشار ظاهرة تجارة الكربون إلى صعوبة الظروف الاقتصادية بسبب شح السيولة، خصوصاً في الجنوب، الذي تنشط فيه هذه التجارة بكثافة بسبب سهولة تهريبها عبر الحدود المشتركة لليبيا مع بلدان عدة تنشط فيها مافيا تهريب هذه المادة.

الظروف المعيشية 

وتأكيداً لما ذهب إليه صاحب ورشة السيارات عرفة يونس، قال المواطن الليبي محمد البركي من مدينة غات، إنه "باع الكربون الخاص بسيارته على رغم علمه بخطورة هذه الخطوة التي أقدم عليها".

 

 

وأضاف أنه "غير نادم، لأن تردى الأوضاع المعيشية وشح السيولة، خصوصاً في الجنوب، الذي وصل فيه سعر قارورة غاز الطهي إلى 50 ديناراً (10 دولارات)، وارتفع فيه ثمن لتر البنزين إلى 8 دنانير، بينما لا يتجاوز سعره في العاصمة الدينار الواحد، هو ما دفع به إلى الإقدام على هذه الخطوة، بخاصة أنه أب لأسرة".

وأشار في تصريح خاص إلى أن "سوء الأوضاع المعيشية ستدفعه أيضاً لبيع كربون سيارة زوجته، خصوصاً أن مرتب الضمان الاجتماعي الذي يتقاضاه لا يتجاوز 500 دينار (100 دولار)، وهو مبلغ لا يسد احتياجات أسرته المكونة من سبعة أفراد".

مخاطر عدة 

العضو الاستشاري في مركز المواصفات القياسية الليبية مروان عبدالله أكد أن "أضرار نزع الكربون تتعدى السيارة نفسها إلى أبعاد اقتصادية، لأن دور الكربون يتجاوز وظيفة الحد من الانبعاثات الضارة الصادرة عن المحرك إلى تلف المحرك نفسه نتيجة الخلل الذي سيلحق به بسبب الخلط بين الهواء والوقود الذي سيرتفع استهلاكه من قبل المحرك بالتالي سيكلف المواطن والدولة مصاريف إضافية".

وشدد عبدالله على أن" 90 في المئة من السيارات التي فقدت علبة الكربون مصيرها تجارة الخردة"، ونوه أنه "تعرض للتهجير من مسقط رأسه بالعاصمة الليبية طرابلس إلى إحدى مدن المنطقة الشرقية بسبب كشفه عن تعاون مافيا محلية مع أخرى أجنبية لتهريب هذه المادة خارج حدود ليبيا".

مرضى السرطان

وأشار العضو الاستشاري في مركز المواصفات القياسية الليبية إلى أن "التلوث الناتج من إزالة الكربون ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، أولها عن طريق لمس علبة الكربون وتفكيكها والذي يمتصه الجسم، ثم عن طريق الأكل بحيث تكون المواد الغذائية الزراعية متشبعة بهذه الانبعاثات الضارة، وثالثاً عبر الاستنشاق وهو أخطرها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح عبدالله أن الهواء الملوث بعوادم السيارات التي تفتقد للكربون يعمل على تقليص نسبة الأكسجين في الرئة ليستنشقه الجهاز التنفسي ويتحول إلى مجرى الدم ما ينتج منه نسباً عالية في مرضى سرطان الرئة.

ولفت إلى أنه كعضو في الهيئة الاستشارية للمواصفات القياسية الليبية اطلع على دراسات عدة تفيد بأن وزارة الصحة الليبية تقدم لجميع النساء في ليبيا خلال الأشهر الأولى من الحمل جرعة من حبوب "الفانتولين" بهدف توسيع الشعب الهوائية لتسهيل وصول الأكسجين إلى الرئة بصفة سلسة وسريعة لتفادي خروجه وأخذ مكانه في الرئة من قبل الغازات السامة المنبعثة من السيارات الفاقدة للكربون مثل غاز أكسيد النيتروجين.

وأشار إلى أن "ليبيا ينتشر فيها بكثافة رابع أكسيد الكبريت بسبب تجارة الكربون، وجميعها عوامل أسهمت في تشوه الأجنة وارتفاع نسبة سرطان الرضع".

عمل توعوي 

وأكد عبدالله أنه بحكم ارتفاع نسبة الوفيات جراء نزع الكربون وبعلم من النيابة العامة الليبية حاول الضغط على السلطات المعنية كوزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة البيئة ووزارة الداخلية للتحرك للحد من خطورة انتشار هذه الظاهرة، لكن من دون جدوى.

وأعلن أنه "بصفته عضواً استشارياً في مركز المواصفات القياسية الليبية، ومن منطلق سعيه لتغيير ثقافة المواطن الليبي وتوعيته بأهمية مادة الكربون كتب مسلسلاً رمضانياً بعنوان "الورشة" لتسليط الضوء بطريقة كوميدية على مشكلات نزع الكربون وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن هذه المادة بطريقة علمية بحسب المعايير الدولية".

ممنوعة قانونياً

في إطار ردها على عبدالله، الذي أكد أن" تفاقم ظاهرة تجارة الكربون تأتي بسبب عدم تحرك السلطات المعنية"، قالت مديرة مراقبة الشؤون البيئية هدى السنوسي إنها "وجهت خطاباً بتاريخ 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2021 إلى كل من وزارة الداخلية قسم المرور ومصلحة الجمارك ووزارة الاقتصاد والتجارة مستندة فيه إلى قانون رقم 11 لعام 1984، بشأن المرور على الطرق العامة حيث ينص هذا القانون أنه على مالك المركبات الحصول مقدماً على موافقة الجهات المعنية لإجراء أي تغيير أو استبدال أي جزء من أجزاء المركبات وإذا حدث أي تغيير بالمخالفة لأحكام هذه المادة يعتبر الترخيص ملغياً من تلقاء نفسه".

وأضافت السنوسي، في تصريح خاص، أنه "على رغم توجيهها لهذا الخطاب لم تتوصل إلى أي تعاون أو تحرك من الجهات التي خاطبتها لتطبيق القانون المذكور للحد من انتشار تجارة الكربون في ليبيا"، وأرجعت ازدهار هذه التجارة لاحتواء كربون السيارات على معدنين ثمينين، وهما "البلاديوم والبلاتين".

 

 

وأشار إلى أن أسعار البلاديوم والبلاتين تزداد كلما كانت السيارات مستوردة من أوروبا، نظراً لتشديدها على جودة الكربون للخفض من انبعاث أضرار عوادم السيارات، كما أن عناصر البلاديوم والبلاتين ناقصة في الأسواق الدولية وتدخل أيضاً بصناعة مواد أخرى على غرار صنع وتركيب الأسنان ودعامات العظام.

ونوهت أنه "في إطار حماية البيئة من انبعاثات عوادم السيارات بسبب فقدان مادة الكربون اشترط قانون البيئة على مالكي المركبات الآلية في ليبيا الالتزام بالمعايير التي تحدد وتعتمد من قبل الجهة المتخصصة (وزارة البيئة)، مع ضرورة أن تجتاز تلك المركبات الاختبارات الخاصة بالاحتراق الداخلي ونوعية الوقود التي تسهر عليها جهات الاختصاص، ويشمل أيضاً هذا الأمر المركبات الأجنبية المستوردة والتي تجاوزت فترة بقاؤها 6 أشهر في الموانئ البحرية، تطبيقاً للمادة رقم 7 من قرار عدد 96 الصادر عن اللجنة الإدارية العامة للبيئة لعام 2008 بخصوص الاشتراطات البيئة لحماية الهواء من انبعاثات عوادم المركبات الآلية".

محاولات التصدي

وأوضحت السنوسي أن وزارة الاقتصاد والتجارة أصدرت قرارين بخصوص هذه الظاهرة، الأول رقم 75 لعام 2020 وينص في مادته الأولى على أن "يحظر تصدير مادة الكربون المستعملة في عوادم المركبات الآلية بأي شكل من أشكاله"، وشدد في مادته الأخيرة أنه على ذوي الاختصاص تنفيذ أحكام هذا القرار منذ تاريخ صدوره".

كما أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة قرارها الثاني رقم 55 لعام 2021 الذي يحظر نهائياً تصدير مادة البلاديوم (معدن ثمين أغلي من الذهب يوجد في كربون السيارات) المستخدمة في تنقية المحولات وتحفيز المركبات الآلية لتقليل الانبعاثات الكربونية الضارة".

وأوضحت أنه "بمقتضي هذه القوانين والقرارات يمنع منعاً باتاً الاتجار بمادة الكربون أو تصديرها بأي شكل من الأشكال خارج الحدود الليبية، ويتوجب على الجهات المعنية قفل كل الورش التي تتاجر بها وإحالة المخالفين لهذه النصوص القانونية للجهات المتخصصة".

وطالبت السنوسي السلطات المعنية بـ"اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ظاهرة تجارة الكربون، ومنع تجول السيارات غير المحتوية على علبة الكتلايزر، والتشدد في الفحص الفني السنوي للسيارات، وتفعيل جهاز حرس الحدود البرية للقضاء على هذه الظاهرة". 

المزيد من تقارير