Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"آخر زيارة" فيلم عبد المحسن الضبعان: السعودية من خلال ثلاثة أجيال

عرض في مهرجان كارلوفي فاري العالمي... وسيكتشفه الجمهور في مهرجانات عربية

الأب وابنه في الفيلم السعودي "آخر زيارة" (اندبندنت عربية)

"آخر زيارة" للمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان من الأفلام العربية التي عُرضت في الدورة الأخيرة من مهرجان كارلوفي فاري التي انتهت قبل أيام، ضمن فقرة "شرق الغرب". في خضم الحديث المتزايد خلال الفترة الأخيرة عن السعودية، سياسةً واجتماعاً، كان متوقعاً لهذا الفيلم أن ينال بعض الاهتمام الإعلامي، إلاّ أن العكس هو ما حدث، ذلك أنه "غرق" بين كمّ هائل من الأفلام ولم يأخذ ما يستحقّه من انتباه، فأُجّل اكتشافه لفرصة ثانية، ربما في أحد المهرجانات العربية التي تجري في الخريف. في أي حال، مجرد عرضه في مهرجان ذي خصوصية ككارلوفي فاري وله تاريخ عريق، ليس قليلاً. 

على الرغم من أن الحكاية التي صوّرها الضبعان في أول فيلم روائي طويل له بعد سلسلة أعمال قصيرة وصل عددها إلى الخمسة، تبتعد طوعاً عن الملفات السعودية التي اعتدنا متابعتها، يصعب مع ذلك عدم التفكير في الأشياء التي عقد السعوديون آمالهم عليها: افتتاح صالات سينما، إقامة مهرجان سينمائي جديد (سينطلق فعلياً في آذار ٢٠٢٠)، السماح للمرأة بقيادة السيارة وغيرها من العناوين العريضة التي شغلت العالم في الآونة الأخيرة. 

علاقة بين أب وابنه هي محور الفيلم المصوَّر بإمكانات بسيطة، فيعبر بنا داخل طبيعة السعودية الصحراوية حدّ أن العين تحرص على البحث عن تفاصيل لم نرها إلى الآن بعين سينمائية. فعدم وجود سينما سعودية (ما عدا بعض التجارب القليلة لعبدالله المحيسن وهيفاء المنصور وعبدالله العياف) جعل أي لقطة سينمائية تأتي من هذه البلاد رهناً للاكتشاف. 

الجد والأب والأبن

 

هكذا تُتاح لنا طوال ساعة ونصف الساعة متابعة ثلاثة أجيال من الرجال: الجد الذي يحتضر، ثم الأبّ والابن. الكلام قليل ومدروس، الانتقال سلس بين فضاءات مختلفة، والأجواء محافظة في غياب أي مشاركة نسائية. فالبيئة التي يصوّرها الفيلم رجالية إلى حدّ كبير.

الأب (ناصر) والابن (وليد) هذان، نكتشفهما بدايةً في السيارة، وهما متّجهان إلى عرس. لكن فجأةً، يرن الهاتف المحمول، وعليه يغيّر الأب مساره، لنكتشف عند وصوله إلى بلدته، حال والده العجوز الذي يرقد على فراش الموت. هذا الموت لا يتعدى كونه حجّة للحديث عما يؤرق المخرج، وهو فنّان يعيش في مجتمع أبوي محافظ. لا شك أن انتظار الموت، كانتظار أي شيء آخر، يشرّع الباب على مصراعيه للتطرق إلى السعودية في ثلاث لحظات. لكن، مهلاً، نحن أمام سينما تتمتم، لا تحكي، تلمّح ولا تكشف، انسجاماً مع المجتمع السعودي وخصوصيته. يحترم المخرج هذا كله ولا يثور، في محاولة ناعمة للنقد بعيداً من أي تمرد. وهذا يساعده في بناء فيلم "ميتافوري" بامتياز، مع إسقاطات واضحة على واقع بلاده.  

يقول الضبعان إنه لم يتوقّع قط أن تسلك تجربته السينمائية الأولى درب مهرجان عريق كمهرجان كارلوفي فاري الذي دخل هذا العام دورته الرابعة والخمسين. بدا متفاجئاً من كثافة الحضور والمشاهدين الذين مكثوا في الصالة خلال أحد العروض لمتابعة النقاش معه ومع كاتب السيناريو فهد الأسطا والمنتج محمد الحمود. 

يروي أن الفيلم بأكلمه انطلق من سؤال، وهكذا تبدأ عادةً فكرة الأفلام عنده. السؤال الذي يطرحه هو من النوع الذي يثير حالة جدلية لدرجة أنه عندما ينتهي من التأليف ينسى مَن الذي طرح هذا السؤال بدايةً، من كثرة الدخول في عملية الخلق والابتكار. أما السؤال نفسه، فهو الآتي: لماذا يجد فتى مراهق نفسه يقوم برحلة مع والده الأربعيني، وهي رحلة لا يريدها ولا يطمح إليها ولا يرغب فيها البتة؟ بعد طرح هذا السؤال، اكتشف المخرج أن هذه التجربة عاشها كثر من أبناء جيله، أي تجربة مرافقة أب في رحلة، وهذا ما عاشه أيضاً كاتب السيناريو فهد الأسطا.

عن العلاقة بين الفيلم والواقع السعودي، يقول الضبعان إن الشخصيات خيالية لا تعكس حقيقته، ولكنها تعكس جزءًا منه ومن كاتب السيناريو. "لو لم أعش هذه الظاهرة، لما استطعتُ التحدث عنها". 

يرى الضبعان أن الهامش أصبح يعبّر عن المكان في الأفلام أكثر من المدن التقليدية، لذلك صوّر في هذا الهامش بعيداً من المدينة. يقول: "غالبية المدن أصبحت تتشابه، هناك حالة كوزموبوليتية في معظم العواصم، الرياض باتت من وجهة نظري الخاصة تشبه دبي والقاهرة وبيروت، لكن البلدة التي سلطنا عليها الضوء في هذا الفيلم تعكس إلى حدّ بعيد جداً الإنسان السعودي وهويته". 

أسأله في لقائي معه عن حضور الأجيال الثلاثة في فيلم واحد. جيل الجد المحتضر والأب الفاعل والابن الذي لا مقدرة له بعد. ماذا عن هذا التشابك، وما الهدف منه، هل يمكن أن نرى فيه استعارة ، كحال من الاستلام والتسليم. لا ينفي الضبعان وجود مثل هذه الفكرة في لاوعي الفيلم. يقول: "هناك شيء ممّا تقوله. عادةً، لا أحب ان أفرض تحليلاتي الشخصية واستشفاف المستقبل. أفضّل الإضاءة على ماذا يحدث الآن وهنا. أنا ابن عصري، وأسعى إلى نقل الواقع من خلال وجهة نظري. حتى ماضي الجد لا نعرفه، فهو رجل محتضر، ولعل احتضاره دليل أن جيله أوشك على الانتهاء أو انتهى، أما جيل ناصر فهو الأمر الواقع، في حين وليد يمثّل المستقبل. أعتقد أن هذا كله واضح للجميع. لذلك لم أرد أن ألقي بقناعاتي الشخصية حول هذه الأجيال. لا أمارس هذا الدور البتة".

صعوبات التصوير في بلد تنعدم فيه البنى التحتية في مجال السينما، يختزلها الضبعان بـ"الصعوبات اللوجستية". يقول: "صوّرنا في بلدة تبعد عن الرياض ١٠٠ كم واسمها نعجان، هي منطقة ريفية جميلة، ولكن لا تتوفر فيها الطواقم التقنية. إذا احتجنا إلى أي شيء، لا بد من الاستعانة بالعاصمة. هذا أصعب ما واجهناه". 

عندما ترد على لسان المخرج الشاب عبارة "١٠٠ كم"، أذكّره أن هذه مسافة قليلة مقارنةً بالكيلومترات الـ٥٠٠ التي كان أبناء جيله من عشّاق السينما يقطعونها لمشاهدة الأفلام في البحرين، يوم كانت صالات السينما ممنوعة في السعودية. فيقول مقهقهاً إن هذه المعاناة انتهت وباتت من الماضي. فالسعودية اليوم أمام فجر سينمائي جديد.

المزيد من فنون