Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"منطاد صيني" يصعد التوتر بين واشنطن وبكين

خطوة استفزازية لكنها أقل من النشاط العسكري وقد تمنح الولايات المتحدة نفوذاً أقوى

على رغم أن رهانات كثيرة كانت معلقة على زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين من أجل تحسين العلاقات بين البلدين، فإن اختراق منطاد صيني ضخم للمجال الجوي الأميركي، أفسد الزيارة ورفع سقف التوتر بين الجانبين، فهل يمكن تجاوز الأزمة أم أن العلاقات مرشحة لتصعيد جديد؟

فرصة ضائعة

على عكس ما تصور المسؤولون الصينيون بأن زيارة بلينكن إلى بكين التي كان مقرراً أن تبدأ الأحد، يمكن أن تكون لحظة مهمة للاحتفال ببداية ممكنة لتحسين العلاقة بين واشنطن وبكين التي شابها كثير من التوتر خلال السنوات الأخيرة، وكدليل على إعادة انفتاح الصين أمام العالم بعد أن قرر الرئيس الصيني شي جينبينغ في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إنهاء سياسة صفر "كوفيد"، أفسد المنطاد الصيني الذي رصدته الولايات المتحدة ينتهك مجالها الجوي، الزيارة التي بدأ التخطيط لها عقب القمة الأميركية الصينية على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويشير إلغاء رحلة بلينكن التي كانت ستعد أول زيارة لوزير خارجية أميركي لبكين منذ عام 2018، إلى ذروة الصدام الدبلوماسي حول المنطاد الذي أثار غضباً واسعاً في واشنطن منذ اكتشافه ووصفته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأنه يجمع معلومات استخباراتية، ما يضيف إلى التوترات المتصاعدة بين القوتين العظميين، في وقت تتزايد فيه السياسات الحساسة بين القادة الديمقراطيين والجمهوريين الذين يرغب كل منهما في أن ينظر إليه على أنه متشدد بما يكفي حيال الصين.

حادث خطير

وعلى رغم وصف إدارة الرئيس بايدن المنطاد بأنه "أداة تجسس صينية متطورة" حلقت فوق ولاية مونتانا التي تضم عشرات من صوامع إطلاق الصواريخ النووية الباليستية وقواعد للقاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى، وتأكيد الجمهوريين في الكونغرس أن الحادثة تعد اختراقاً أمنياً خطيراً مطالبين بإسقاط المنطاد، إلا أن المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر استبعد تدميره الآن مرجحاً استمرار تحليقه فوق الولايات المتحدة لبضعة أيام بالنظر إلى المخاوف من أضرار سقوط الحطام على المواطنين أو الممتلكات، فيما رجح مراقبون أن تحاول الولايات المتحدة السيطرة عليه بطريقة ما لفحص مكوناته والمعلومات التي قد يكون قد جمعها.

ويعود السبب وراء ذلك بحسب مسؤولين دفاعيين إلى اختلاف حجم ومدة بقاء وخط سير هذا المنطاد واختراقه الأراضي القارية الأميركية الرئيسة، مقارنة برحلات استطلاعية سابقة لمناطيد صينية رصدتها الولايات المتحدة فوق جزر تابعة لها في المحيط الهادئ خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.

لماذا المناطيد؟

وعلى رغم الأسف الرسمي النادر الصادر من بكين وإعلانها أن المنطاد مدني مخصص لأبحاث الأرصاد الجوية، لكنه ضل طريقه إلى الولايات المتحدة، إلا أن نبرة الاستياء الأميركي ظلت قوية مع عدم وضوح سبب استخدام الصين للمناطيد في عمليات التجسس بعد مرور عشرات السنين على استخدامها خلال الحرب الباردة قبل أن تتمكن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الحديثة من جمع بيانات استخبارات التحليق من الفضاء.  

غير أن الخبير في السياسة الدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز بليك هيرزينغر، اعتبر أن البصمة الرادارية للمناطيد تعد منخفضة للغاية وانبعاثاتها محدودة تكاد تكون صفرية، ما يجعل من الصعب التعرف عليها بالوسائل التقليدية أو من خلال تكنولوجيا المراقبة الحديثة، كما أن المناطيد يمكن أن تفعل بعض الأشياء التي لا تستطيع الأقمار الاصطناعية القيام بها، مثل التسكع لفترة أطول والصعود والهبوط فوق منطقة معينة على خلاف الأقمار التي يمكن التنبؤ بحركاتها في المدار.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون المنطاد الصيني الذي حلق على ارتفاع 60 ألف قدم (18.3 ألف متر) فوق الأرض، ويحتوي على كاميرات ومعدات مراقبة أخرى، قد جمع معلومات حول أنظمة الاتصالات والرادارات الأميركية، وكذلك حركة مرور الهاتف الخلوي، وحركة مرور موجات الراديو اللاسلكية، ومن ثم نقل هذه المعلومات بشكل فوري عبر رابط قمر اصطناعي صيني.

ألف عين

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، يعد المنطاد الذي كان يوماً تقنية متواضعة، أحد التقنيات العديدة الآن التي تستخدمها القوات العسكرية الصينية كأداة محتملة في تنافسها مع الولايات المتحدة والقوى الأخرى، إذ تكشف الدراسات، أن خبراء جيش التحرير الشعبي الصيني كانوا يتابعون الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى لاستخدام مناطيد متقدمة عالية الارتفاع لجمع المعلومات الاستخباراتية ولتنسيق العمليات في ساحة المعركة، بعدما جعلت المواد والتقنيات الجديدة، المناطيد ذات قدرات بعيدة المدى وأكثر قدرة على المناورة.

وما يشير إلى اهتمام الصين البالغ بالمناطيد، ما ذكره مقال نشر العام الماضي في صحيفة "جيش التحرير" اليومية وهي الصحيفة الرئيسة للجيش الصيني، حيث أشار إلى أن التقدم التكنولوجي فتح باباً جديداً لاستخدام المناطيد، كما أشار مقال آخر في الصحيفة نفسها إلى أن المناطيد في الغلاف الجوي العلوي يمكن أن تصبح مثل "ألف عين" تساعد في مراقبة الفضاء الخارجي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تداعيات سياسية

ولهذا تبدو التداعيات السياسية لانتهاك المنطاد الصيني للمجال الجوي الأميركي متوقعة، حيث يقول مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشرق آسيا والمحيط الهادئ دانييل راسل، إن الإدارة كانت غير راضية عن تعبير الحكومة الصينية العلني عن الأسف، ربما لأن بكين أصرت على الاختباء وراء ذريعة مضحكة وهي أن المنطاد كان لبحوث الطقس وخرج عن مساره، مشيراً إلى أن الحادثة أدت إلى توتر الأجواء وتصلب المواقف، وليس هناك ما يضمن أن يتمكن الجانبان من إحياء زخم القمة الأميركية الصينية في إندونيسيا بنجاح.

وفي حين وصف نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لسياسة "الناتو" جيم تاونسند المنطاد الصيني بأنه يعمل في "منطقة رمادية" من الصراع وهي الأنشطة التي يصفها محللو الأمن بأنها استفزازية ومزعجة، ولكنها أقل من عتبة النشاط العسكري بهدف استكشاف رد واشنطن، اعتبر كبير الباحثين في مركز الأمن الأميركي الجديد جاكوب ستوكس أن اكتشاف المنطاد يختبر كيف يمكن للولايات المتحدة والصين تهدئة التوترات بين قوتين محاصرتين في تنافس جيوسياسي حاد، ولهذا هناك حاجة إلى مشاركة دبلوماسية فعالة لتجنب خروج المنافسة بينهما عن السيطرة.

وتعود مخاوف تصعيد الصراع إلى أن كلاً من إدارتي ترمب وبايدن تبنت موقفاً قتالياً تجاه الصين، التي ينظر إليها في واشنطن على أنها تعمل على تقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، كما وسع بايدن جهوده لإعاقة التقدم التكنولوجي في الصين، وعمل مع حلفاء وشركاء في جميع أنحاء آسيا، بما في ذلك تايوان، لتعزيز القوات العسكرية في حال نشوب نزاع مسلح مع الصين، في وقت صرح فيه وزير الدفاع لويد أوستن في مانيلا بأن الجيش الأميركي سيبدأ في استخدام تسع قواعد عسكرية في جميع أنحاء الفيليبين في خطوة تهدف إلى ردع الصين عن محاولة غزو تايوان أو اتخاذ مزيد من الإجراءات العسكرية في بحر الصين الجنوبي.

وضع أقوى لأميركا

ومع ذلك، لا يشعر الجميع في واشنطن بالذعر، حيث يشير بعض المسؤولين السابقين إلى أن اكتشاف المنطاد الصيني من شأنه أن يمنح الدبلوماسيين الأميركيين ما يحتاجون إليه بالضبط، وهو مزيد من النفوذ على بكين، بخاصة أن بلينكن كان ذاهباً إلى الصين من دون أمل كبير في الحصول على تنازلات بشأن القضايا الرئيسة، مثل دعم بكين لهجوم روسيا على أوكرانيا، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان أو تهديداتها لتايوان، أما الآن فقد يكون بلينكن في وضع أقوى، على رغم أن هذه الميزة قد تتلاشى بمرور الوقت.

وقالت المديرة السابقة في المجلس الاستشاري للاستخبارات في البيت الأبيض هيذر مكماهون، إن هذا الحدث يقوي بالتأكيد أيدي الولايات المتحدة، ففي أي وقت يتم الكشف عن عملية تجسس تحصل الدولة المستهدفة على ميزة، فيما قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة كورنيل التي عملت في الشؤون الصينية بوزارة الخارجية جيسيكا تشين فايس، إن قرار إلغاء رحلة بلينكن يعكس الانتصار المؤسف للرمزية على الجوهر، حيث يؤكد التوقعات المنخفضة من رحلته، بينما كان يجب عليه أن يتغلب على المخاطر السياسية الداخلية في شأن الزيارة مع تصاعد غضب الكونغرس.

ويقول موقع بوليتيكو، إن الاعتراف والتعبير النادر من وزارة الخارجية الصينية عن الأسف على الحادث، يشير إلى أن بكين في وضع تحاول فيه السيطرة على الضرر وتثبيت العلاقات مع الولايات المتحدة بدلاً من أن يلحق بها الضرر، وهو ما يؤكده المساعد السابق لنائب مستشار الأمن القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب زاك كوبر، حيث اعتبر أن الكشف عن المنطاد دفع الصين قليلاً إلى الوراء، وقد يمنح ذلك بلينكن ميزة في جهوده لحث بكين على تحقيق نتائج ذات مغزى عندما يسافر في النهاية إلى الصين.

مصاعب قادمة

وعلى رغم أن تأجيل رحلة بلينكن إلى الصين إلى أجل غير مسمى وحين تصبح الظروف مناسبة، قد أكسبه إشادة كبيرة من المشرعين الجمهوريين، على اعتبار أنه القرار الصحيح وخطوة مناسبة، فإن مراقبين اعتبروا أنه كان بإمكان بلينكن اغتنام الفرصة لتقديم مطالب ثقيلة إلى المسؤولين الصينيين، حيث يقول المسؤول السابق عن آسيا في إدارة أوباما داني راسل، "لو ذهب بلينكن الآن سيشعر الصينيون بإحراج عميق، وسيكونون ممتنين لالتزامه السفر والحضور إلى بكين، وحينئذ يمكنه أن يحصل على ميزة تفاوضية، لكن تأجيل الرحلة يخاطر بأن يصبح الصينيون في موقف دفاعي أفضل بمرور الوقت، وأقل ميلاً لتغليب لغة العقل بعدما تحولت الحكومة الصينية أخيراً إلى نبرة دبلوماسية أكثر ليونة، في محاولة من جانب بكين للحد من التوترات بين البلدين في الوقت الذي تكافح فيه تفشي فيروس "كوفيد" الكارثي وتعاني انكماشاً اقتصادياً".

غير أن الوقت قد لا يكون في صالح بلينكن بالنظر إلى جدول الأعمال السياسي المزدحم لدى الصينيين الذين سيعقدون جلستهم التشريعية الوطنية في أوائل مارس (آذار) المقبل، ومن المتوقع أن يزور رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي تايوان قرب عيد الفصح، وهي الزيارة التي من المرتقب أن توتر الأجواء الصينية الأميركية من جديد مثلما فعلت زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي العام الماضي.

آفاق قاتمة

ولذلك قد لا تتم رحلة بلينكن حتى أواخر الربيع، لأن العلاقات الثنائية ستكون أكثر صعوبة مما هي عليه الآن حسبما يشير الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة استراتيجيات الصين كريس جونسون.

وبغض النظر عن التداعيات الدبلوماسية السلبية قصيرة المدى لمنطاد التجسس الصيني والميزة المحتملة على المدى القصير التي يمكن أن يجنيها بلينكن منه، فإن الآفاق طويلة المدى للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين لا تزال قاتمة، ففي حين تأمل بكين في أن توفر المحادثات مع بلينكن مهلة تخفف من الاحتكاك الثنائي بين الطرفين بما يسمح لها بالتركيز على القضايا الداخلية، يقول مدير معهد كيسنجر للصين والولايات المتحدة في مركز ويلسون روبرت دالي، إن الولايات المتحدة تريد أن توافق الصين على إنشاء نوع من حواجز الحماية التي يمكن لها أن تسمح للعلاقات بين أميركا والصين بأن تظل قاسية، ولكن من دون أن تصبح شديدة السخونة، وهي أهداف من الصعب التوفيق بينها.

ما يحمله المستقبل

لكن كبير باحثي الدفاع الدولي في مؤسسة راند تيموثي هيث، يشير إلى أنه سيكون من المهم متابعة كيف تتحدث وزارة الدفاع الأميركية عن المراقبة والاستخبارات الصينية في الأيام المقبلة، سواء كانوا سيختارون الكشف عن مزيد من المعلومات حول التكتيكات والدوافع الصينية أو سيتيحون فرصة لاستئناف المحادثات الدبلوماسية، فإذا كانت هناك بيانات وتصريحات أخرى متتابعة لأشياء أخرى يقوم بها الصينيون، فإن ذلك سيشير إلى أن حكومة الولايات المتحدة تتحرك في الواقع في اتجاه أكثر تشدداً، أما إذا حدث العكس، وأشارت الحكومة الأميركية إلى أنها تريد استئناف المحادثات وتخفيف التوترات، فإن ذلك من شأنه أن يكشف عن نزعة تميل أكثر إلى الحد من التصعيد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل