من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد البريطاني أكثر من المتوقع هذا العام وسيكون أداؤه هو الأسوأ من بين جميع دول مجموعة السبع المتقدمة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وتضع أحدث توقعات المؤسسة الدولية المملكة المتحدة خلف الولايات المتحدة وألمانيا وحتى روسيا التي تعرضت لعقوبات وأنفقت مليارات على حربها غير القانونية في أوكرانيا.
وكان للتضخم الذي غذته جزئياً فواتير الطاقة المرتفعة خلال الحرب تأثير كبير في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك دول مجموعة السبع وأوروبا. هذا وينعكس ارتفاع الأسعار سلباً على قدرة الناس على الإنفاق، مما يضعف الطلب في الاقتصاد ويخنق النمو.
توقعات صندوق النقد الدولي أشارت إلى أن التضخم العالمي قد تجاوز مرحلة الذروة وسينخفض من 8.8% العام الماضي إلى 6.6% في 2023 و4.3% في 2024 تزامناً مع رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة الذي قاد إلى الحد من الطلب وإبطاء النمو.
لكنه حذر من أن ارتفاع الأسعار في المملكة المتحدة وأوروبا وتأثير الإجراءات المتخذة لكبح التضخم سيستمران بالتأثير في الاقتصاد.
وقال الصندوق في تقريره إن "ثقة المستهلكين ومعنويات الأعمال تدهورت (...) ومع بلوغ التضخم حوالى 10 في المئة أو أكثر في عديد من بلدان منطقة اليورو والمملكة المتحدة، تعرضت موازنات الأسر لكثير من الضغوط. لكن، ساهم تسارع وتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي في ضبط الأوضاع المالية والحد من الطلب في قطاع الإسكان وغيره من القطاعات الأخرى".
ما الذي يحدث لاقتصاد المملكة المتحدة؟
في تكهنات سلبية، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.6 - في المئة، وهو تراجع أكبر عما كان متوقعاً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بـ 0.3 - في المئة.
وعلى سبيل المقارنة، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.4 في المئة في عام 2023. وعموماً، ستشهد منطقة اليورو نمواً بنسبة 0.7 في المئة، ومن المتوقع أن تحقق ألمانيا وفرنسا 0.1 في المئة و0.7 في المئة على التوالي.
وفي الوقت نفسه، سينمو الاقتصاد الإيطالي بنسبة 0.6 في المئة ونظيره الإسباني بنسبة 1.1 في المئة وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. وكانت اليابان وكندا الأفضل أداء بنسبة 1.8 في المئة و 1.5 في المئة على التوالي.
بول جونسون، مدير معهد الشؤون الاقتصادية البحثي المرموق، ذكر بأن أسباباً عدة تقف وراء تراجع الاقتصاد البريطاني.
وأشار إلى ثلاثة مجالات على وجه الخصوص يعتقد أنها تؤثر سلباً في المملكة المتحدة وهي نقص العمالة، وارتفاع أسعار الفائدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وفي حديثه إلى برنامج "اليوم" على قناة "بي بي سي 4"، قال جونسون:"لقد فقدنا أكثر من نصف مليون عامل - ما بين التقاعد في وقت مبكر وتوقف المهاجرين عن القدوم من الاتحاد الأوروبي وغيرها من الأمور المرتبطة بالعمالة. هذا تحد خاص بالنسبة إلينا".
وأضاف جونسون: "تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة بسرعة كبيرة في الرهون العقارية في المملكة المتحدة، وبالطبع، لدينا التحديات المستمرة من ’بريكست‘".
ما الذي يحدث في روسيا؟
لعبت العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا دوراً محدوداً في كبح قدرات الرئيس فلاديمير بوتين.
وقد ساعد قرار الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى في تجميد نحو 300 مليار دولار أميركي من احتياطيات البنك المركزي الروسي في خفض حجم احتياطيات الكرملين التي يمكن استخدامها من أجل الالتفاف على ضوابط التصدير.
لكن بالمقارنة، وعلى النقيض من ذلك، فإن العقوبات المفروضة على صادرات النفط والغاز لم تشل الاقتصاد الروسي أو تجبر بوتين على الانسحاب من أوكرانيا.
وفي أعقاب الغزو، هدد الحلفاء الغربيون بالتوقف عن شراء النفط والغاز الروسيين. لكن هذه التهديدات ساعدت بالمقابل في رفع أسعار الطاقة وتضاعف فائض الحسابات الروسية إلى 227 مليار دولار العام الماضي.
ما الذي يقوله صندوق النقد الدولي؟
قال المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشا إن هناك ثلاثة عوامل تؤثر في الاقتصاد البريطاني، أولها "مواجهة البلاد لخطر نقص الغاز الطبيعي".
وأضاف "ارتفعت أسعار الطاقة ارتفاعاً حاداً في المملكة المتحدة، وهناك حصة أكبر من الطاقة التي تأتي من الغاز الطبيعي، مع وقوع التأثير الأكبر في المستهلكين النهائيين [أصحاب المنازل والأعمال]".
وأشار السيد غورينشا أيضاً إلى سوق العمل في المملكة المتحدة قائلاً إن مستويات التوظيف لم تتعاف بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، مضيفاً: "نحن في وضع نعاني فيه ضيقاً شديداً جداً في اليد العاملة، لكن لديك اقتصاداً لم يعد يستوعب فرص العمل مثلما كان عليه الحال سابقاً، وهذا يعني مردوداً أقل وإنتاجاً أقل".
أما السبب الثالث لتراجع الاقتصاد البريطاني برأي غورينشا فهو أن ارتفاع تكاليف الرهن العقاري "يثقل كاهل النشاط الاقتصادي"، إذ قال: "والثالث هو أن هناك تشديداً نقدياً صارماً للغاية لأن التضخم كان مرتفعاً جداً، وهذا أحد الآثار الجانبية لارتفاع أسعار الطاقة".
وأضاف غورينشا: "كان التضخم 9.1 في المئة العام الماضي، ومن المتوقع أن يظل مرتفعاً في العام المقبل عند حدود 8.2 في المائة (وبالتالي) كان لا بد لبنك إنجلترا من التدخل بقوة".
وختم غورينشا: "لدى المملكة المتحدة مستوى عالي نسبياً من الرهون العقارية ذات المعدل القابل للتعديل. لذلك عندما يبدأ بنك إنجلترا في زيادة معدلات الفائدة، فإن ذلك سيؤثر تلقائياً على معدلات الرهن العقاري التي يدفعها الناس، وهو ما سيثقل كاهل النشاط الاقتصادي أيضاً".
© The Independent