Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تطوي القمة الإسبانية - المغربية صفحة الخلافات نهائيا؟

وقع البلدان على 19 اتفاقية تتناول مجالات مختلفة منها الهجرة والطاقة والتنمية المستدامة

تعد إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب وثالث مستثمر أجنبي فيه (وكالة المغرب العربي)

احتضنت العاصمة المغربية الرباط، أول من أمس الأربعاء، الدورة 12 لاجتماع اللجنة العليا المغربية - الإسبانية، حيث شهد اللقاء توقيع 19 اتفاقية تعاون بين حكومتي البلدين في وقت حظي رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز باستقبال ملكي.

يكتسي الاجتماع أهمية قصوى كونه يأتي بعيد تجاوز البلدين الأزمة التي شهدتها علاقاتهما لعقود، وذلك بسبب ما تعتبره المملكة انحيازاً لجبهة "بوليساريو" التي يتنازع معها المغرب السيادة على الصحراء الغربية منذ عام 1975، وكان آخر فصل في أزمة العلاقات بين البلدين اعتراض الرباط على استقبال إسبانيا لزعيم الجبهة إبراهيم غالي خلال أبريل (نيسان) من عام 2021 قصد العلاج من الإصابة بفيروس كورونا، فيما أفادت أنباء متضاربة أن زيارته حينها كانت للعلاج من مرض السرطان.
 
تطور مفصلي 

عمل اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في قرار صدر أواخر عام 2021، على تغيير توجه المملكة في سياستها الخارجية حيث أصبحت تعتمد مبدأ الواقعية في علاقاتها الدولية وبالخصوص مع دول الاتحاد الأوروبي التي طالما تمسكت بما تسميه الحياد في نزاع الصحراء، في الوقت الذي يضع فيه المغرب الموقف من قضيته الأولى (ملف الصحراء) محدداً لطبيعة علاقاته الدبلوماسية، وكان المغرب قد دعا إسبانيا من خلال خطاب ملكي في 20 أغسطس (آب) من عام 2020 إلى تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، قامت على إثره الحكومة الإسبانية بتغيير موقفها من قضية الصحراء عبر دعمها الموقف المغربي. 

عمل تحول موقف مدريد من قضية الصحراء، إثر دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تشترطه المملكة كأساس لكل تفاوض مستقبلي بخصوص هذا الملف، على توجه المغرب لاعتماد علاقات طبيعية مع جارته الشمالية. 

يوضح الباحث بجامعة مدريد المستقلة محمد الروين، في حديثه لـ"اندبندنت عربية": "أن أطروحة التوجس من الجار أو الجوار الحذر سقطت اليوم، ولم تعد قابلة منهجياً لتفسير مجريات العلاقات المغربية الإسبانية"، ويضيف المتخصص في العلاقات المغربية- الإسبانية "نعيش لحظة قطيعة مع الماضي وتجاوز مجمل الخلافات بين البلدين منذ عام 1975 مع المسيرة الخضراء، وأزمة جزيرة ليلى سنة 2002، ثم تبعات زيارة زعيم (بوليساريو) متخفياً إلى إسبانيا"، موضحاً أن عقدة مشكلة الصحراء حُلت باعتراف إسبانيا بواقعية وجدية خطة الحكم الذاتي المغربية، ومهدت الطريق لعقد شراكات حقيقية في مختلف المجالات مثل الإرهاب والهجرة.

انتعاش اقتصادي

من جانبه، أوضح الباحث في مجال الأعمال والاقتصاد بدر زاهر الأزرق، في تصريح خاص، أن العلاقات المغربية- الإسبانية على مشارف انطلاقة جديدة، مشيراً إلى أن "تلك العلاقة تميزت خلال السنوات القليلة الماضية بتسارع في نموها، كما أن المغرب أضحى أهم الشركاء الاقتصاديين لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي". 

 

وتعد إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب وثالث مستثمر أجنبي فيه، بينما يحتل المغرب المرتبة الثالثة على لائحة شركائها التجاريين من خارج الاتحاد الأوروبي. وارتفعت المبادلات التجارية بين الجارين أكثر من 21 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بعدما بلغت نحو 17 مليار يورو (18.5 مليار دولار) في 2021، وفق رئيس الحكومة المغربي.

ويؤكد الباحث المغربي أن "تلك العلاقات الاقتصادية المتينة والوثيقة كان لها تأثير على العلاقات السياسية بين البلدين، التي عرفت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، توج بإعلان إسبانيا اعترافها بالوحدة الترابية للمملكة المغربية"، مضيفاً أن "هذه العلاقات كان وراء نجاحها مجموعة من المحددات والعوامل يمكن أن ندرج من ضمنها عامل القرب الجغرافي وعوامل تاريخية وسياسية، ورغم الأزمات المفتعلة داخل الاتحاد الأوروبي أو تلك التي حاولت بعض الدول أن تدفع البلدين إليها، فإنهما استطاعا اجتياز هذه الاختبارات بنجاح". وقال إن الجانبين على مشارف رسم خريطة طريق جديدة سوف تخطط لتعاون وثيق خلال السنوات المقبلة، لأن التحديات كبيرة ولا يمكن خوضها بشكل منفرد. 

مرحلة التعاون

تعد الدورة 12 للجنة العليا المغربية- الإسبانية الأهم في تاريخ العلاقات بين البلدين، لكونها تؤشر على تطور نوعي في علاقاتهما بعد جفاء امتد لعقود، تم التوقيع خلالها على 19 اتفاقية في عدة مجالات منها البنية التحتية وتطوير وحماية الموارد المائية، وكذلك في مجال البيئة ومحاربة التغير المناخي والتنمية المستدامة والأمن الصحي والنقل والسياحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش، خلال الاجتماع أن "اللقاء يستجيب للإرادة القوية لعاهلي البلدين من أجل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية الثنائية، وترجمة توجهاتها الكبرى إلى خريطة طريق واضحة المعالم، خدمة لمصالح الشعبين"، موضحاً أن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المملكة تشكل مرحلة مفصلية في التصور الجديد للعلاقات بين البلدين، معتبراً أن الدورة الحالية تكتسي أهمية بالغة كونها تأتي في سياق متفرد إثر الأزمة الصحية العالمية، والحرب الروسية- الأوكرانية بكل تبعاتهما ووقعهما على مختلف الدول وتأثيرهما المباشر على الوضع المعيشي للمواطنين وعلى ارتفاع مستويات التضخم، مما رهن قدرة وصمود المجتمعات ووضع العالم أمام تحديات غير مسبوقة وغير متوقعة. 

أضاف رئيس الوزراء المغربي أن أهمية الدورة تكمن أيضاً في الزخم الذي تحقق على مستوى العلاقات بين البلدين، وخصوصاً في أعقاب دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس عام 2020 إلى "تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات".

من جانبه، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية عن بروتوكول تمويل جديد بقيمة 800 مليون يورو (871.5 مليون دولار) لإقامة مشاريع مشتركة في المغرب، موضحاً أن تلك المشاريع ستنفذها شركات إسبانية في المغرب، معتبراً تلك العلاقات تصب في مصلحة البلدين، وكذلك لمصلحة أوروبا.

المعضلة الأوروبية

من جانب آخر، تشهد العلاقات بين المغرب و الاتحاد الأوروبي أزمة حادة، وذلك جراء تصويت البرلمان الأوروبي في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي على قرار يدين المملكة في مجال حقوق الإنسان وينتقد توجهها بمجال حرية التعبير، ويدعو إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي في حراك الريف وبعض الصحافيين. 

وفي تعليقه، صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بأن المضايقات والهجمات الإعلامية المتكررة التي تستهدف الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "تصدر عن أشخاص وهيئات منزعجة من هذا المغرب الذي يتحرر، هذا المغرب الذي يعزز نفوذه، هذا المغرب الذي يشتغل من دون عقد في محيطه الجيوسياسي الأفريقي والعربي". 

وأضاف خلال اجتماعه بالرباط مع منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في يناير الماضي، إن هذه الهجمات التي تتم داخل مؤسسات أوروبية هي هجمات موجهة، وهي نتيجة حسابات ورغبة في الإضرار بالشراكة بين المغرب والاتحاد. 

وكانت العلاقات بين المملكة وكل من فرنسا وألمانيا قد شهدت أزمات، أخيراً، مما يطرح التساؤل حول مدى احتمال تأثير الدبلوماسية المغربية الجديدة على بعض الدول الأوروبية على غرار إسبانيا. 

من جانبه، يوضح الباحث بدر زاهر الأزرق أن "علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي كانت دائماً متقلبة، تارة تتجه نحو التعاون والإيجابية وتارة أخرى نحو الأزمة والاضطراب، بدا ذلك جلياً في عديد من الملفات المرتبطة بحقوق الإنسان وقضية الصحراء، غير أن تلك العلاقات لا تلبث أن تعود إلى وتيرتها الإيجابية، بالنظر للمصالح الكبرى المشتركة. ليس الاقتصادية فحسب، بل هناك مصالح مرتبطة بالأمن والاستقرار في المنطقة، ومرتبطة كذلك بملفات الهجرة وتأمين الحدود الأوروبية الجنوبية". 

ويوضح الباحث المغربي أن "العلاقات الأوروبية المغربية تعيش منعطفاً صعباً حالياً، ولكن الأمر سيتم تجاوزه من خلال العلاقات مع مجموعة من الدول المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي؛ في مقدمها إسبانيا التي لديها مواقف إيجابية تجاه المغرب وتدفع باتجاه توطيد العلاقات معه، وكذلك ألمانيا التي تحسنت علاقتها بشكل كبير مع المغرب، إضافة إلى فرنسا، لأن هذا الخلاف هو خلاف عابر، وأظن أن فرنسا ستتجاوزه"، مضيفاً أن "فرنسا تعي جيداً ثقل المملكة المغربية على المستوى الأفريقي سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي". 

ويشير الباحث إلى أن "كل ما يتم الحديث عنه في شأن قطيعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا أساس له، وأن هذه الأزمة هي سحابة صيف عابرة، وكل الخلافات في طريقها إلى الحل، فالعامل الجغرافي والجوار والمصالح الاقتصادية المشتركة لن تسمح للطرفين باعتماد القطيعة وتصعيد الخلافات".

المزيد من تقارير