Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نطقت السينما فاجتذبت "هوليوود" كبار المؤلفين لكتابة أفلامها

فولكنر تحملها 17 سنة ليبارحها خالي الوفاض لا يملك إلا صداقته مع هاوارد هاوكس

مشهد من "أرض الفراعنة" من كتابة فولكنر وإخراج هاوكس (موقع الفيلم)

لا فائدة بالطبع من وضع لائحة تضم أسماء كبار الكتاب لا سيما الروائيين وغيرهم من المبدعين من الذين أغرتهم التجربة الـ"هوليوودية" يوماً فسارعوا إلى كاليفورنيا، الولاية التي كانت قد شهدت قبل ذلك بقرن من الزمن ما سمي بالهجمة على الذهب، لكن الذهب كان هذه المرة أموالاً حقيقية هي بالطبع بعض ما كان أولئك المبدعون يتطلعون للحصول عليه، وقد تحولت الهجمة على الذهب إلى هجمة على "هوليوود" وعلى فن السينما، الذي كان يعيش في ذلك الحين واحدة من التحولات الكبرى التي عرفها على مدى تاريخه القصير، وكان التحول في هذه المرة جذرياً، فمنذ سنوات قليلة كانت الأفلام قد بدأت تتحول من صامتة إلى ناطقة، وبات من الواضح أن عاصمة السينما الأميركية، "هوليوود"، وجدت أن عليها اليوم أن تتنافس على إنتاج أفلام أكثر جدية وقدرة على الاجتذاب مما كانته أفلامها خلال ثلث القرن الأول من حياتها، فلقد كنا عندذاك عند بدايات العقد الرابع من القرن، وبات من الصعب أن تتمكن الأستديوات من سحب الدولارات من جيوب الناس إلا بضخ دم جديد في شرايين أفلامها، وكان من البديهي لـ"هوليوود" أن تدرك أن هذا الدم الجديد سيكون في مجال الكتابة: كتابة السيناريوات وطبعاً الحوارات، وتعرف "هوليوود" أن هذه مهنة ليس ثمة من يصلح لها أكثر من الكتاب الحقيقيين من روائيين وصحافيين ومؤلفي مسرحيات، وانتشرت الدعوة بسرعة وراح هؤلاء يتدفقون على مركز المهنة وقلبها النابض.

 

آمال عريضة

كان البعض يسعى وراء الشهرة، والبعض وراء المال، والبعض وراء الحياة الباذخة الصاخبة وآخرون وراء الصبايا اللواتي رحن يتدفقن بدورهن بحثاً عن أدوار ووعود تدخلهن العالم السحري والفردوس المنشود، ولكنهم جميعا كانوا في الوقت نفسه يبحثون عن الدولارات المتدفقة عبر شباك التذاكر لتكوين ثروات أين منها تلك الصعبة التي كانت كاليفورنيا نفسها، موطن "هوليوود" تحديداً، تعد بها من سبقهم من باحثين عن الذهب، وفي هذا السياق لا بد من البدء من حكاية قصيرة حيث يروى عن الكاتب المسرحي اليساري كليفود أوديتس الذي انبنت سمعته على مسرحايات اجتماعية تقدمية يكتبها لبرودواي وغيرها، أنه حين كان "يقبض المسألة الهوليوودية بصورة جدية كمنطلق لنشر أفكاره" حدث له أن سأل مرة رئيس استديو عمل معه لفترة في "هوليوود" عما إذا كان "إنتاجنا الإبداعي ومواقفنا الفكرية ما حفزكم على دعوتنا؟" فأجابه الآخر "أبداً بل أجوركم المنخفضة مقارنة بمكانتكم الكبيرة في عالم الإبداع!". ويقيناً أن ليس ثمة حكاية قادرة أكثر من هذه على اختصار تلك العلاقة التي قامت حينها بين أهل الكتابة و"هوليوود". ولم يكن أوديتس على أية حال سوى جزء من الطرف الأكثر انخداعاً بتلك العلاقة، فالواقع أن من بين العشرات بل حتى المئات من مبدعي عالم الأدب والصحافة والمسرح الذين قصدوا "هوليوود" حينها (وهم من الكثرة بحيث لا تكفي صفحات عديدة لوضع قائمة بأسمائهم لا سيما بعدما انضم إليهم آخرون أتوا من أوروبا هاربين من النازيين) ليضخوها بسيناريوات، كانوا قلة أولئك الذين خرجوا من التجربة راضين عن "هوليوود" أو عن... أنفسهم، وهو أمر يمكننا القول إن أربعة أفلام أيقونية عرفت كيف تصوره "العملاق الأخير" لإيليا كازان، و"يوم الجراد" لجون شليسنغر، و"ما الذي يدفع سام إلى الركض" لباد شولبرغ، ولكن بخاصة "بارتون فنك" للأخوين كون، علماً بأن هذا الأخير يبدو لشفافيته كأنه يقتبس في لغة سينمائية ساخرة، تجربة ويليام فولكنر الهوليوودية، وفولكنر كان ويبقى من أصحاب التجربة الأمر والأطول والأكثر جحوداً في هذا السياق.

 

ابن الجنوب في عالم الأوهام

مهما يكن من أمر يبقى فولكنر ابن الجنوب الأميركي، وربما إلى جانب برتولد بريخت الألماني وسكوت فيتزجيرالد كاتب الحياة الذهبية النيويوركية، الثلاثة الأشهر بين "الهاجمين" على السينما، مع أن في وسعنا ذكر رايموند تشندلر ودوروثي باركر وجون أوهارا وجيمس كين، وغيرهم من الذين ما إن وجهت الاستديوات الدعوة إليهم للحضور حتى استجابوا مسرورين، على عكس همنغواي مثلاً الذي بقي عصياً على "هوليوود" مبتسماً بتشف كلما رويت له حكاية خيبة واحد من زملائه!. ولعل أكبر قدر من التشفي كان ذلك الذي استشعره همنغواي حين راح يتقصى أخبار فولكنر مع "هوليوود"، وهذه الأخبار لم يكن لها إلا أن تسر خصماً لدوداً لصاحب "الصخب والعنف"، لكن الغريب في الأمر أن فولكنر عرف كيف يبقى في "هوليوود" عاملاً معها وفيها لأطول مدة تحملها كاتب مرموق من طينته، ونعرف أن فولكنر الذي ارتبط بصداقة طويلة مع المخرج هاوارد هاوكس فكتب له سيناريوات عديدة، بل أكثر من ذلك، حرر وصحح سيناريوات أكثر عدداً كتبها آخرون وغالباً انطلاقاً من أعمال أدبية من إبداعهم، لن يشعر على أية حال بالمرارة حين سيتنبه أخيراً إلى أن من بين عشرات الأفلام التي أسهم فيها بشكل أو بآخر، ليس ثمة سوى ستة أفلام حملت اسمه في مقدمتها وربما على ملصقاتها أيضاً (ومنها خمسة من إخراج هاوكس نفسه)،  وهي تحديداً "اليوم نعيش" (1932 من إنتاج مترو)، و"الطريق إلى المجد" (1936 – 1937) من إنتاج شركة "فوكس" التي يحمل اسمه إنتاجاً آخر لها من بين المشاريع السبعة التي اشتغلها لحسابها، ومن إنتاجها أيضاً كان إسهامه في كتابة سيناريو "سفينة العبيد" من إخراج تاي غارنت، أما شركة "وارنر" التي كان يبدو أنها هي التي كانت تريد دعوته أول الأمر فسبقتها "مترو" إلى ذلك، فحمل اسمه فيلماً وحيداً من إنتاجها هو "أن تملك أو لا تملك" مع أنه عمل لها على 23 فيلماً، وربما كان ذكر اسمه في هذا الفيلم يعود إلى أن السيناريو مقتبس من رواية لإرنست همنغواي!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ختامها الوصول إلى مصر

على أية حال عدا عن تلك الأفلام التي أنتجتها شركة "وارنر" لا بد أن نذكر إسهام فولكنر، ولكن بعدما بارح "هوليوود" وفي عام متأخر هو 1955، في كتابة سيناريو الفيلم الذي صوره هاوارد هاوكس في مصر وهو كما نعرف "أرض الفراعنة" وربما يكون من المفيد هنا أن نذكر أن ثمة عاملين أساسيين هما ما دفعه إلى خوض التجربة الهوليوودية مرة أخيرة قد زالت عن بصيرته أية أوهام دفعته إليها أول الأمر، حيث أمضى في العمل فيها ومعها نحواً من 17 سنة (بين 1932 و1949)، وكان العامل الأول رغبته لمرة أخيرة بالعمل مع صديقه المخرج هاوارد هاوكس مخرج الفيلم المصري الفرعوني ذاك، والثاني رغبته في أن ينتقل إلى مصر لأشهر، حيث يكتب السيناريو والحوارات ميدانياً، أما الفترة التي مرت بين انضمامه إلى "وارنر" في عام 1942 وتركه "هوليوود" نهائياً بعد فيلم "هروب في الصحراء" (1945) فلقد شهدت كتابته لاثنين من أهم الأفلام التي أسهم فيها: "السبات العميق" عن رواية ريموند تشندلر الذي قبل بالأمر على رغم أنه كان هو الآخر يعمل في "هوليوود" حينها (1944)، وهو الفيلم الذي يعد عادة العمل الأيقوني المؤسس للسينما البوليسية على النمط الهوليوودي، و"ميلدريد بيرس" (1944 أيضاً) في اقتباس عن رواية جيمس كين ومن إخراج مايكل كورتيس (صاحب الفيلم الأيقوني الآخر "كازابلانكا")، والحقيقة أن الأفلام التي ذكرناها هنا لا تمثل سوى جزء بسيط من إسهامات فولكنر في "النهضة الأدبية" للسينما الهوليوودية، والغريب في الأمر أن ويليام فولكنر (1897 – 1966) الذي ربما يكون ليس فقط صاحب التجربة الأطول بين مجايليه من أهل الأدب في العمل مع "هوليوود"، والذي حملت اسمه أفلام تعد علامات في تاريخ السينما الأميركية، ظل الأكثر إدانة لـ"هوليوود" وذهنيتها، بل إنه لم يتوان عن الحديث عن "بخلها وظلمها للمبدعين الحقيقيين" مؤكداً أنه في نهاية الأمر تركها "خالي الوفاض" بأسوأ مما كان قد وصل إليها، وأنه لم يبارحها إلا بصداقة واحدة هي صداقته مع هاوارد هاوكس.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة