Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تضبط القوانين الجديدة المال العام في السودان؟

شكلت عملية إعادة الشركات العسكرية لولاية السلطة المدنية نقطة خلافية في الفترة الانتقالية الحالية

حكومة حمدوك بذلت جهود مضنية لإعادة شركات الجيش للسلطة المدنية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

أجاز مجلس الوزراء في السودان أخيراً مشروع قانون التعديلات المتنوعة لولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على المال العام، مما يتيح التحكم في الإيرادات والمصروفات بما يحقق الشفافية والعدالة في ضبط الأداء المالي للدولة. 

وتهدف هذه التعديلات، بحسب بيان لوزارة المالية السودانية إلى "تأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام، وذلك من خلال إجراء التعديلات اللازمة على القوانين المتعارضة مع هذا التوجه". 

وظلت قضية السيطرة على المال العام تمثل أهم ملفات الحكومة الانتقالية السابقة التي تشكلت بين عامي 2019 و2021، حيث أعلن رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، أن الجيش يسيطر على نحو 80 في المئة من اقتصاد البلاد. 

إشكالات كبيرة 

وحول جدوى هذا القانون وأهميته، يقول وزير الدولة السابق في وزارة المالية السودانية، عز الدين إبراهيم "إن مسألة تحكم وزارة المالية بالمال العام موضوع قديم ومتجدد، وطرح كشعار في فترة السبعينيات من القرن الماضي، نظراً لأن جزءاً كبيراً من المال العام خارج سيطرة الدولة من ناحية الإيرادات والمصروفات، مما أحدث إشكالات كبيرة في الميزانية، فبعض الجهات محمية بالقوانين وأخرى بقرارات سياسية، لكن كل المحاولات التي جرت لإصلاح هذا الوضع باءت بالفشل، والمشكلة أن بعض الوزارات تقوم بإيجاد إيرادات في شكل رسوم وغيرها، لكنها تخفيها ولا تفصح عنها، عملاً بما هو شائع (اصرف مما تجمع) أي القيام بجمع المال بطرق وآليات مختلفة والصرف من دون اعتبار لوزارة المالية، وهو أمر يتطلب سرعة الضبط والتحكم في أموال الدولة".

وأضاف إبراهيم "في تقديري فإن إصدار أي قوانين للحد من هذه الظاهرة تعد خطوة صحيحة ومهمة، لأنه منذ الاستقلال في 1956 يوجد خلل في أوجه الصرف المختلفة، بالتالي لا بد أن تدخل أموال الدولة في ولاية وزارة المالية". 

وفي ما يتعلق بالشركات التابعة للمؤسسة العسكرية، قال "هذه الشركات تنقسم إلى نوعين شركات تعمل في مجال الإنتاج الحربي وأخرى في الإنتاج المدني، فالأخيرة تعمل على منافسة القطاع الخاص لأنها تعمل في مجالات مدنية عدة، بالتالي تكون المنافسة غير متكافئة، والسؤال هل تخضع أرباح هذه الشركات للضرائب، ناهيك عن تبعيتها لولاية وزارة المالية". 

وأوضح وزير الدولة السابق في وزارة المالية "من حيث المبدأ، إخضاع المال العام لولاية وزارة المالية مسألة مهمة جداً، ومن الضروري أن تصب كل الإيرادات الحكومية في وعاء واحد، على أن تقوم وزارة المالية كجهة متخصصة بالصرف حسب الأولويات، لكن المحك في مدى مقدرة المالية على القيام بهذا العمل في ظل سياسة تجريف العاملين، فضلاً عن ضعف الكوادر المؤهلة في الخدمة المدنية وعدم إلمامها التام بالقوانين المختلفة". 

عدم شفافية 

في السياق، أفاد الباحث الاقتصادي، هيثم محمد فتحي "يعد المال العام في السودان من أكثر الملفات تعقيداً، ودائماً ما تثار حوله شبهات تتعلق بعدم الشفافية في إدارته أو النزاهة في آليات صرفه، خصوصاً أن الجهات الحكومية لم تفصح منذ أربع سنوات بشكل كامل عن بياناتها المالية، مما أثار تساؤلات حول سبب عدم نشر الموازنة العامة والميزانيات العامة بعد انتهاء زمنها". 

وتابع فتحي "في ظل هذا الواقع من الضروري أن تتبنى الحكومة السودانية خطة عمل واضحة لعمليات ولاية وزارة المالية على المال العام، بجانب توحيد وتعميم المفاهيم بحيث لا يحدث تعنت أو تساهل مع ضرورة دمج الحسابات لدى البنك المركزي ومتابعة الوحدات الحسابية في جميع الدوائر التابعة لوزارة المالية في أنحاء البلاد، ووضعها تحت مظلة حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وواصل "من الأهمية بمكان أيضاً العمل على تشجيع الاستغلال الأمثل للموارد المالية باستخدام أفضل الأنظمة المالية والإدارية لتحقيق التنمية المستدامة، مع تحقيق مبادئ الشفافية والمساءلة والحوكمة في الأجهزة الحكومية كافة وفاعليتها في استخدام الاعتمادات المخصصة لها وتحقيق أفضل مردود. كما على وزارة المالية العمل لمواكبة أفضل الممارسات العالمية في مجال إدارة المالية الحكومية والموازنة العامة والرقابة على المال العام، مع تعميق تطبيق مفهوم موازنات الأداء". 

وأردف الباحث الاقتصادي "كذلك لا بد من إيجاد قانون موحد يعكس فلسفة الأداء المالي في النظام الاقتصادي بمراعاة نظم المكننة الحديثة، فضلاً عن صياغة تعاريف واضحة ومحددة لتبسيط وتسهيل وتطبيق موازنة البرامج والأداء مع موازنة الأبواب والبنود، لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والإفصاح في الإعداد والتنفيذ والرقابة، مع ضرورة أن تكون الخزانة العامة للدولة ضامنة وملتزمة لأي هيئة اقتصادية باعتبارها في النهاية مملوكة لحكومة البلاد، إلى جانب تعزيز الحوكمة المالية للدولة، سواء فى منظومتي إجراءات المصروفات أو الإيرادات، على نحو يضمن الاستغلال الأمثل للموارد العامة من خلال إحكام الرقابة على الصرف، ورفع كفاءة الإنفاق العام، مع إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام". 

خطوات سابقة 

وكانت وزارة المالية السودانية شرعت خلال فترة حكومة حمدوك في وضع الترتيبات المتعلقة بتحقيق ولاية وزارة المالية على المال العام الذي يعد من أهم الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تصب في استقرار الاقتصاد السوداني، حيث وضعت خطة لحصر جميع الشركات والهيئات العامة التي تقدر بنحو 600 شركة وهيئة حكومية. 

فيما بلغ عدد الشركات التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية، التي تخضع بدورها إلى وزارة الدفاع، أكثر من 200 شركة بمعدل دخل بلغ 110 مليارات جنيه سوداني سنوياً (1.8 مليار دولار). ويبلغ العدد الإجمالي للشركات العسكرية حوالى 250 شركة، بما فيها تلك التابعة لقوات الدعم السريع. 

وتعمل الشركات العسكرية في إنتاج وبيع الذهب والمعادن الأخرى، والرخام والجلود والمواشي والصمغ العربي، إضافة إلى تجارة الاستيراد والإنشاءات والتطوير العقاري وإنتاج الأجهزة المنزلية والأدوية وغيرها. 

ويأتي تحرك الحكومة لضم هذه الشركات من أجل القضاء على الفساد ومكافحة التجنيب وتأمين المعلومات فضلاً عن خطة الحكومة لتكوين قوة طوارئ مشتركة لدعم وتأمين الاقتصاد السوداني. 

ويعاني السودان منذ خمسينيات القرن الماضي من هيمنة القوات المسلحة على الحياة السياسية والاقتصادية، وقد شكلت عملية إعادة الشركات العسكرية لولاية السلطة المدنية نقطة خلافية في العلاقات العسكرية المدنية بخاصة في الفترة الانتقالية الحالية نظراً لافتقار الدولة الشديد إلى السيولة المالية. 

ويرى المحللون الاقتصاديون أنه على رغم أن القانون يعد خطوة أولى مشجعة في الاتجاه السليم، بيد أن مسألة التنافس في الميدان السياسي بين العسكريين والمدنيين قد يعيق هذه الخطوة، إضافة إلى أن نقل الاستثمارات التجارية العسكرية للسلطة المدنية يواجه بتعقيدات وبطء كما كشفت التجارب المماثلة في دول عدة. 

مرسوم أميركي 

وكان المرسوم الأميركي المتعلق بِالانتقال الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية في السودان، قد دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2021. 

وطالب المرسوم بأن تحقق السلطات السودانية السيطرة المدنية على أموال وأصول الأجهزة الأمنية بما فيها العسكرية والاستخباراتية، وإنهاء اتجارها غير المشروع بالموارد المعدنية، وعلى وجه خاص نقل جميع الحصص في الشركات العامة والخاصة كافة، التي تحوزها أو تديرها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى وزارة المالية أو الهيئات الحكومية الأخرى ذات الصلة والخاضعة للمساءلة أمام السلطات المدنية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير