Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسكو تتهم واشنطن بتحويل أوكرانيا إلى "مختبر" لأسلحتها

بوتين يظل الأكثر شعبية في روسيا بـ 60 إلى 80 في المئة ولا مجال للتراجع عن سياساته

قالت الخارجية الروسية "من المفارقات أن المسؤولين الأميركيين يزعمون أن توريد أنظمة الأسلحة المتقدمة ليس تصعيداً" (أ ف ب)

منذ اعتراف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، بأنهما تعمدا خداع الرئيس فلاديمير بوتين برعايتهما توقيع "اتفاقيات مينسك" كستار إلى حين الانتهاء من تدريب القوات المسلحة الأوكرانية وتسليحها بما يكفي لاستعادة ما "استولت" عليه روسيا من أراض "أوكرانية"، تحولت موسكو إلى كثير من التحفظ تجاه أية تصريحات أو وعود أو اقتراحات تصدر عن الأطراف الغربية تجاه الأزمة الأوكرانية، بل وتبدو عازفة عن قبول توقيع أية اتفاقيات أو إجراء مباحثات لن تسفر عما يمكن أن يلتزم به الجانب الآخر.

ها هي موسكو تعلن مجدداً رفضها لما صدر عن متخصصين أميركيين في شأن "منطقة منزوعة السلاح في أوكرانيا"، واعتبارها "خدعة لن تنطلي على موسكو من جديد". ونقلت وكالة "نوفوستي" عن فلاديمير غباروف نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي، تصريحاته حول أن هذه المنطقة لا بد أن تكون بحسب تقديراته "ساحة من المنتظر أن تنشط فيها مجموعات التخريب والاستطلاع في أوكرانيا والإرهابيين"، فضلاً عن توقعاته حول أن أوكرانيا ستتحول إلى "بؤرة توتر دائمة". وقد جاء ذلك في توقيت تنشط الولايات المتحدة وعديد من بلدان الـ(ناتو) لإمداد أوكرانيا بالدبابات والمدرعات، فضلاً عما نشرته المصادر الأميركية حول احتمالات استجابة الولايات المتحدة لإمدادها بالمقاتلات والمنظومات الصاروخية الحديثة، على رغم تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حول أن بلاده لن تقوم بذلك.

أوضاع كاريكاتورية

على أن ذلك لم يمنع ظهور آخرين ومنهم عدد من المتخصصين العسكريين الغربيين وكذلك مسؤولين في روسيا ممن اعترفوا بأن أوكرانيا تحولت إلى ساحة تجارب لكثير من الأسلحة الحديثة، فضلاً عن إعدادها لتكون "مصدر توتر دائم" لروسيا، وهو ما تؤكد السلطات الروسية إدراكها لمغبته، وقدرتها على مواجهته.

في هذا الصدد، أكدت الخارجية الروسية عبر نائب الوزير سيرغي ريابكوف أنه "لا جدوى، في ظروف إعلان واشنطن قرارها بتزويد أوكرانيا بالدبابات وتنافس أتباعها بما في ذلك كندا على من سيرسل دبابات أكثر، من التحدث ليس فقط مع النازيين الأوكرانيين، بل ومع من يحركونهم أيضاً كدمى ويبدو كثير منهم فعلاً في وضع كاريكاتوري لشدة جهلهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع ذلك فقد نقلت وكالة "تاس" عن ريابكوف قوله حول استعداد بلاده لدراسة أية مبادرات جادة لم يقم أحد بصياغتها حتى الآن لحل الأزمة الأوكرانية. وكانت المصادر الروسية عادت إلى الحديث عما وصفته بـ"الأوهام حول وساطة الغرب، والتي يجب أن تسقط تماماً بعد التصريحات العلنية من جانب بعض قادة الدول الغربية السابقين عن اتفاقيات (مينسك) ورباعية نورماندي".

وكشف المسؤول الدبلوماسي الروسي، المسؤول عن ملف العلاقات الروسية - الأميركية، عن "أن الولايات المتحدة تختبر في أوكرانيا منتجات صناعاتها الحربية. وتصر على إرسال المعدات العسكرية من حلفائها "للتخلص منها" في مسرح العمليات الأوكراني، بهدف إجبار الأوروبيين على شراء السلاح الأميركي بمليارات الدولارات".

أما عن عودة الإدارة الأميركية إلى سابق مواقفها من "تصعيد تدخلها وتأجيج الموقف في أوكرانيا وما حولها"، فقال ريابكوف "من المفارقات أن المسؤولين الأميركيين يزعمون أن توريد مجموعة واسعة من أنظمة الأسلحة المتقدمة أكثر فأكثر، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا، ليس تصعيداً".

وتقول المؤشرات في هذا الصدد إن الـ(ناتو) والإدارة الأميركية، اللذين طالما اختلطت تصريحاتهما بين الرغبة في وضع حد للمعارك القتالية من جانب، وتأكيد ضرورة حسم المعركة في ساحة القتال من جانب آخر، لا يقتصران على توجيه تعليماتهما إلى البلدان أعضاء الـ(ناتو) بتكثيف الدعم العسكري لأوكرانيا، بل ويمضيان نحو مزيد من الضغوط على كثير من بلدان العالم، بما فيها من المنطقة العربية، للانضمام إلى ما هو مفروض من عقوبات ضد روسيا. وها هو ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الـ(ناتو) يزور كوريا الجنوبية لإقناعها، ليس فقط بتقديم مزيد من المساعدات بما فيها العسكرية إلى أوكرانيا، بل وأيضاً لبحث ما يتعلق بنشر الأسلحة النووية في أراضيها، وذلك تحت ستار أنه "لا يرى بوادر على أن الرئيس بوتين قد غيّر الهدف النهائي للحرب، وهو السيطرة على أحد الجيران. على أوكرانيا"، مؤكداً أن موسكو تستعد "ليس للسلام، بل لعكس ذلك"، على حد تعبيره. ولمزيد من محاولات الإقناع، قال ستولتنبرغ إن روسيا تستورد "أسلحة جديدة، ومزيداً من الذخيرة، ويزيدون إنتاجهم منها، وكذلك يشترون أسلحة من دول استبدادية مثل إيران وكوريا الشمالية".

شعبية بوتين تزداد

وكان الأمين العام لحلف الـ(ناتو) ناقش مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "المسائل المتعلقة بتوريد الدبابات، وفك الحظر عن تسليم أنواع أخرى من الأسلحة إلى كييف"، فضلاً عن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الـ(ناتو).

على أن ذلك كله، بما في ذلك من تصعيد الضغوط والعقوبات ضد روسيا، لم يثن الأخيرة بعد عن مواقفها، بما يشير، وفق تقديرات "بلومبيرغ" الأميركية، إلى احتمالات اندلاع كثير من الخلافات بين بلدان الـ(ناتو) بسبب "عدم تحلي المسؤولين الغربيين بالمسؤولية". ونقلت الصحف الروسية ما كتبه بانكادج ميشرا، معلق "بلومبيرغ"، توقعاته بهذا الشأن، فضلاً عن تأكيده على أن الساسة الغربيين يعمدون في الوقت الذي تواجه هذه الدول أزمات اقتصادية مستفحلة، إلى توسيع وجودهم العسكري خارج حدود بلادهم، فضلاً عن إشارته إلى "أن العقوبات الغربية ضد روسيا لم تدفع موسكو إلى تغيير نهج عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، كما لم تظهر استياء الشعب الروسي من رئيسهم فلاديمير بوتين، والدول التي تضررت أكثر من غيرها جراء العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لم تدر ظهرها لموسكو".

ومن الطريف في هذا الصدد أن يجنح بعض المعلقين نحو ما ينشرونه من توقعات تتحدث عن احتمالات رحيل بوتين عن سدة السلطة في "الكرملين" مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة مطلع العام المقبل، وذلك على رغم ظهور نتائج بعض استطلاعات الرأي التي أجريت في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي حول شعبية بوتين وكبار رجال السياسة في الساحة الروسية، ومنها ما صدر عن "مركز ليفادا" و"فتسيوم"، وكلها تقول إنه يظل الأكثر شعبية في الاستطلاعات بما يتراوح من 60 إلى 80 في المئة.

أما عن ترشيح دميتري ميدفيديف والعودة إلى ما كان يسمى "التوريث على الطريقة الروسية"، فذلك ما يظل على طرفي نقيض من المؤشرات والوقائع التي تداولتها وسائل الإعلام الروسية في مطلع منتصف سنوات الولاية الأولى والوحيدة لميدفيديف، والتي تقول بوجود الخلافات حول هذا الشأن. وكانت الصحف الروسية تناولت آنذاك تفاصيل هذه الخلافات، ومنها ما قيل حول رغبة ميدفيديف في الاستمرار لولاية ثانية بحجة "رغبته في استكمال ما وضعه من "برامج"، وما كتبته بعض الأقلام ذات التوجهات الليبرالية الغربية حول فشل السياسات الاقتصادية لبوتين خلال ولايتيه الأولى والثانية في مطلع القرن الجاري.

خلافات الداخل الأوروبي

على أن توصل "الرفيقين" في عام 2011 إلى اتفاق ضمني يقضي بعدم الدخول في منافسة انتخابية حول المنصب، وتحول ميدفيديف ثانية إلى منصب رئيس الحكومة وضع حداً لكل هذه التكهنات، فضلاً عن نجاح ما توصل إليه بوتين من قرارات، ومنها الإعلان من فولغاغراد (ستالينغراد سابقاً- رمز الصمود والبسالة) عن تشكيل الجبهة الشعبية التي طالما أكدت منذ قيامها في مايو (أيار) أنها الظهير والسند الرئيس الذي يعتمد عليه بوتين في تنفيذ سياساته حتى اليوم، بما في ذلك داخل "الأراضي الجديدة" – الأوكرانية سابقاً - إلى جانب ما يظل بحظي به من ثقة الغالبية العظمى من أعضاء الحزب الحاكم الذي يتزعمه ديمتري ميدفيديف.

أما عن الانقسامات التي يحاول بعضهم ترويجها في شأن الأوضاع في الداخل الروسي، فإن الواقع يقول بخلو الساحة السياسية الداخلية في روسيا من كبار الرموز السياسية التي يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لشعبية بوتين، وأن تقف حائلاً دون فوزه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة عام 2024، في حال اتخذ قراره بالترشح لفترة جديدة، وليس لفترة خامسة بموجب ما تنص عليه التعديلات الدستورية التي أجريت في يونيو (حزيران)- يوليو (تموز) 2020، ومنها ما يتعلق بـ"تصفير" عدد المدد الرئاسية اعتباراً من 2024، بما يعني ضمناً أن بوتين يمكن دستورياً أن يعود إلى الترشح من جديد لفترتين رئاسيتين أخريين تنتهيان في 2036، وذلك ما يظل سابقاً لأوانه نظراً إلى أن كثيراً من جوانبه سيظل مرتبطاً بما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع الراهنة من تطورات ونتائج.

ثمة من يقول إن خلافات الداخل الأوروبي لا يمكن أن تقل وطأة عما قد يظهر من خلافات في الرأي والرؤى تجاه سبل حل الأزمة الأوكرانية وحقيقة التوجهات نحو المباحثات كسبيل رئيس لإنهاء النزاع القائم وما يتعلق "بمشكلات الأراضي" مع روسيا. فهناك من يفيد بوجود "خلافات بين فرنسا وألمانيا تجاه كثير من قضايا الطاقة والدفاع والعلاقات مع الصين". وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعود ليرجع عن الإجماع الأوروبي بما قاله في تصريحاته لصحيفة "البايس" الإسبانية حول "أنه سيواصل الحوار مع روسيا"، وكذلك إشارته حول "أن جميع الدول مسؤولة عن النظام العالمي، ويجب أن تسهم في الحفاظ عليه"، فضلاً عن ضرورة التوقف عما وصفه بـ"التصعيد اللفظي".

كما أن أحداً لا يستطيع إنكار ما يستعر من خلافات بين المجر والاتحاد الأوروبي حول كثير من القضايا، ومنها الموقف من الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن ملفات الهجرة، وأسعار الغاز، والموقف من الأقليات، والمثلية الجنسية، وتغيير المناهج الدراسية، بل إن هناك ما يراود وارسو من أحلام استعادتها لما جرى ضمه إلى أوكرانيا من أراض في شرق بولندا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، وهي مشكلة تنضم إليها المجر ورومانيا ومولدوفا. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير