Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أوكرانيا تختبر قدرات الجيش البريطاني

أزمة متسلسلة منذ نهاية الحرب الباردة تتجلى بوضوح في الراهن ودعوات إلى إصلاح سريع

تدريبات عسكرية للجيش البريطاني في وسط مقدونيا بمشاركة دول أخرى في إطار إظهار قوة الناتو بعد الحرب الأوكرانية بتاريخ 12 مايو (أيار) 2022  (أ ف ب)

تفاعلت قضية تصريحات مسؤول عسكري أميركي شكك في إمكانات الجيش البريطاني وتراجع قدراته بدخول رئيس الوزراء ريشي سوناك على الخط وتأكيده أن جيش بلاده لا يزال بخير، ويمثل قوة قتالية عالية المستوى.

التشكيك بحسب ما أبلغ جنرال أميركي رفيع المستوى وبشكل سري وزير الدفاع البريطاني بن والاس وصل إلى حد القول بأن الجيش البريطاني لم يعد قوة قتال عالية المستوى، وأنه "غير قادر على حماية بريطانيا والحلفاء"، وفقاً لقناة "سكاي نيوز" البريطانية.

وأكد سوناك أن قدرة الجيش البريطاني من الدرجة الأولى وإن لم يقلها مباشرة، فقد كان ذلك رداً على سؤال حول ما إذا كان يعتبر جيش بلاده قوة قتالية من الدرجة الأولى، وكانت إجابته "نعم".

وبحسب مصادر "سكاي نيوز" فإن هذا التقويم جرى خريف العام الماضي، ويبدو أن الحرب الروسية - الأوكرانية ألقت بظلالها على مسألة إعادة تقويم أوضاع الجيوش في عالم بات يتأرجح على شفا حرب عالمية.

الحرب تعيد تصنيف أوضاع الجيوش

وعملت الحرب على إعادة تصنيف أوضاع الجيوش ومراجعة نفسها، فالجيش الألماني سارع وللمرة الأولى منذ عقود بدعم قدراته المادية والعمل على إصلاح حاله، ويأتي الجيش الألماني في الصف الثاني مع جيش مثل الإيطالي، في حين أن الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا من المفترض أنها الجيوش التي تتصدر الواجهة، لكن الأخير الآن بحسب الأنباء الأخيرة يبدو في وضع حرج بانتقاله للمربع الثاني بحسب المسؤول الأميركي.

وكانت صحيفة "إيكونيميست" كشفت أخيراً أن الجيش الألماني يعاني حالاً من النضوب أكثر من أي وقت مضى بسبب المساعدات العسكرية التي تقدمها لأوكرانيا.

ووجهة نظر الجنرال الأميركي ليست بالمقنعة للجميع، فقد عارضها الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (ناتو) اللورد روبرتسون الذي ذهب إلى أن الجيش البريطاني قد يكون ضعيفاً في الآونة الأخيرة، لكنه لا يزال قوة قتالية هائلة.

 

ويبقى ما يدور من أسئلة ملحة يتعلق بالتدرج التاريخي الذي أوصل المسألة إلى مثل هذه التصريحات، وهل هي مجرد الحرب الأخيرة فقط أم أن للأمر تداعيات وخلفيات سابقة؟

ويشير متخصصون إلى أن الجيش البريطاني وصل إلى هذه الوضعية التي تشكك في قدرته على مدى عقود متتالية، فها هو وزير الدفاع البريطاني نفسه يؤكد تخلف جيش بلاده عن نظرائه وأن ثمة حاجة إلى ضح مزيد من الاستثمارات لإنقاذ الوضع.

ويضاف لقول الوزير ما تذهب إليه مصادر دفاعية بأن التراجع في القدرات القتالية والحربية يحتاج إلى حل بشكل أسرع مما كان مخططاً من قبل وقوع الحرب الروسية - الأوكرانية.

واعترف وزير القوات المسلحة البريطاني جيمس هيبي بمخاوفه في شأن موازنة الجيش البريطاني، لكنه قال إن رئيس الوزراء ريشي سوناك والمستشار جيريمي هانت يفهمان أن الجيش كان في حاجة ماسة إلى إنفاق أكبر، وأكد أن جيشه بلاده "في حاجة ماسة لإعادة الرسملة"، في إشارة إلى ضرورة إرساء استقرار عبر التغيير وتطوير البنى المالية والاستعداد الكامل.

ونقلت صحيفة "اندبندنت" البريطانية عن النائب عن حزب المحافظين ورئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني توبياس إلوود قوله إن "الجيش في حال يرثى لها"، وأنه دعا الحكومة إلى التراجع عن الخفوضات في الجيش بسبب الحرب في أوروبا، في إشارة إلى الوضع الراهن، إذ يرى إلوود أن حرب أوكرانيا كشفت أوجه القصور القتالية في الجيش.

ويشير هذا القلق إلى أن خفوضات موازنة الجيش انعكست على مصادر قوته، وتراجع مركزه في أعين الخبراء العسكريين، وهنا تقدر الموازنة المفترضة لإصلاح الأوضاع بمقدار 3 مليارات جنيه استرليني.

لماذا الحاجة إلى إعادة الرسملة؟

قضية "إعادة الرسملة" المذكورة لها عدد من الأبعاد التي تؤشر إلى نقص الاستثمار على مدى عقود وبشكل متسلسل مما قاد إلى الأوضاع الحالية، فهناك نقص في التمويل يعترف به وزير الدفاع.

 

ويبلغ عدد أفراد الجيش البريطاني حالياً 76 ألف جندي، لكن يقدر أنه سينكمش إلى 73 ألفاً إذا مضت خطط التقليص، كما أن هناك إشكالات تتعلق بالتدريب والمهمات القتالية والتسليح، ويبدو أن ثمة تخوفاً أميركياً بدا الآن جلياً من خلال تصريحات الجنرال الأميركي، وكانت صحيفة "ذا تايمز" أشارت إلى أن إمداد أوكرانيا بالأسلحة انعكس على وضعية الجيش البريطاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تقرير نشر منذ أسبوع ذكرت صحيفة "ميرور" البريطانية أن القوات المسلحة تعاني نقصاً في أعداد أفرداها يقدر بـ 4 آلاف جندي بعد أن تقاعد 16 ألفاً العام الماضي، وأشارت إلى أن ذلك الرقم يعد الأكبر خلال السنوات الست الماضية، كما تطرقت لمشكلات الرواتب وظروف المعيشة السيئة للعسكريين والنقص في قوات الاحتياط الذي يتكون حاليا من 25 ألف شخص وينقصه حوالى 5 آلاف.

ويبدو أن للأزمة أوجه عدة، فقد ذكرت "ديلي ميل" هذا الشهر فيما يلفت الانتباه إلى جوانب أخرى، أن ربع الجنود البريطانيين يعانون السمنة المفرطة خلال السنوات الخمس الماضية، وهناك ما يقدر بـ 2500 جندي تم تسريحهم لأسباب طبية منذ 2010 جراء مسألة السمنة، وتشير إحصاءات وزارة الدفاع إلى أن أكثر من 1100 جندي أصيبوا بالسكري من النوع الثاني المرتبط بالسمنة، وأن 1113 جندياً يعانون ارتفاع ضغط الدم، بينما يعاني ما يزيد على 100 جندي أمراض القلب.

تحديات راهنة

الأوضاع الراهنة تشير إلى أنه تجب زيادة موازنة الدفاع مع وقف خطة تقليص حجم الجيش البريطاني وتخفيف قواعد الشراء وقت السلم التي تعوق قدرة المملكة المتحدة على شراء الأسلحة والذخيرة بسرعة.

ويفهم من خلال تقرير "سكاي نيوز" البريطانية عدد من الأمور في تحديات الجيش، ومنها أولاً أن الذخيرة قد تنفد في غضون أيام قليلة إذا طلب من الجيش البريطاني القتال، وثانياً أن المملكة المتحدة تفتقر إلى القدرة على الدفاع عن أجوائها ضد مستوى الضربات الصاروخية والطائرات من دون طيار التي تتحملها أوكرانيا حالياً، وثالثاً أن الجيش سيستغرق من خمس إلى 10 سنوات حتى يتمكن من نشر فرقة قتال حربية قوامها حوالى 25 إلى 30 ألف جندي مدعومين بالدبابات والمدفعية والمروحيات.

ويذكر التقرير بأن حوالى 30 في المئة من القوات البريطانية التي في حال تأهب قصوى، هم جنود احتياط غير قادرين على التعبئة ضمن الجداول الزمنية لحلف شمال الأطلسي.

 

كما ينوه إلى أن بناء معظم أسطول المركبات المدرعة للجيش، بما في ذلك الدبابات، تم منذ ما بين 30 إلى 60 عاماً، ولن يكون من المقرر استبداله بالكامل في غضون سنوات وجيزة.

بُعد تاريخي متسلسل

وتاريخياً وبعيداً من راهن الحال فإن أزمة الدفاع ستكون ذات بعد متسلسل منذ نهاية الحرب الباردة بتوالي الخفوضات المتكررة من قبل الحكومات لتوفير المال لأولويات وقت السلم، ويضاعف من ذلك فشل وزارة الدفاع والجيش على مدى عقدين في شراء بعض من أكثر المعدات التي تحتاجها مثل المركبات المدرعة وأنظمة الاتصالات الجديدة على رغم إنفاق مليارات الجنيهات.

ومع بدء الحرب في أوكرانيا فقد عملت بريطانيا على إمداد كييف بكثير من مخزونات الجيش الباقية من الأسلحة والذخيرة لمساعدتها في محاربة روسيا مما ضاعف الضغوط الواقعة فعلياً، ومعلوم أن المملكة البريطانية تلعب دوراً رئيساً في دعم أوكرانيا، وكانت أول دولة غربية تعد بإرسال الدبابات إليها.

وعلى رغم ذلك فإن سياسة سوناك لا تزال غير قادرة على سد الفجوات في إصلاح قدرات القوات المسلحة، على رغم أنها من أولوياته الخمس في خطابه السياسي كرئيس للوزراء.

وكما ذكر مصدر دفاعي أول فإن "نهج رئيس الوزراء في زمن الحرب هو حالياً تفريغ الجيش بشكل أكبر من خلال منح معدات لأوكرانيا وعدم وجود خطط لاستبدال الأسلحة لمدة خمس إلى سبع سنوات".

المزيد من تقارير