Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروبوتات تحاول كتابة الرواية وتفشل في التخييل

السجال مفتوح بين ما هو بشري وما هو آلي حول إمكانات التعاون والمخاوف من السيطرة

الروبوت الكاتب (موقع أكتوياليته)

ليست الروبوتات وليدة الثورة الرقمية، فالبشر يسعون إلى تصميمها منذ عصر دافنشي، وعقدت حولها آمال وأثيرت مخاوف. ومنذ خمسينيات القرن العشرين سعى معهد ماساتشوستس لبناء روبوت يجمع بين التخطيط واللغة والتحكم الحركي. ثم توالت تصورات المخترعين بين جعله متعدد الأرجل أو على عجلة أو في حجم صغير جداً أو يمشي منتصباً على قدمين، ويرتدي ملابس البشر، ويتولى مهام تغليف البضائع وجز الحشائش وملاعبة الأطفال.

قبل أسابيع أطلقت شركة "تسلا" الروبوت "أوبتيموس" شبيه البشر، ومن قبله كان الروبوت الأنثى "صوفيا". وعلى طريقة فيلم "هير" الأميركي طورت شركة "ميتا" التي يتبعها "فيسبوك" "بلندربوت 3" الذي يقوم بالدردشة مع البشر في "أي موضوع" تقريباً. فهل ستكون سعيداً عزيزي الإنسان، وأنت تبث همومك إلى برنامج أو روبوت عطوف وتسأله أفضل نصيحة؟ ماذا لو وقعت في غرامه؟ ما شعورك إذا ذهبت إلى مقابلة من أجل عمل ووجدت أن من يسألك ويقيمك هو "آلي" شبيه بالإنسان؟

لا أحد ينكر التطور التقني منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، لكن هذا لا يعني أن الروبوتات بلغت قمة تطورها، فبعضها تم تجريبه للعب الكرة، لكن بطاريته نفدت بعد دقائق، وبعضها الآخر يتكلم معك ثم فجأة لا تفهمه ولا يفهمك. وما زال خلف ذلك كله كم هائل من التوصيلات والأسلاك والبطاريات لا تجعل الآلي حراً في حركته وأدائه وتفكيره مثل إنسان.

دوافع متباينة

لا توجد دوافع محددة متفق عليها في إنتاج الآليين، فبعض الشركات تنظر للأمر من باب الدعاية والترفيه، لأن الجمهور يحب أن يرى كائنات معدنية تشبه المشاهير مثل آينشتاين وتقيم حواراً معهم ثم يلتقطون الصور التذكارية. وثمة شركات تسعى بجدية لتوفير آليين اجتماعيين، يؤنسون كبار السن في وحدتهم ويشرفون على نظامهم الصحي، ويتولون مهام يعجز البشر عنها مثل الولوج داخل حريق مشتعل لإنقاذ الأطفال، هذا التصور لهم كأدوات مساعدة مبرمجة وفق آلية محددة، لا تجعلهم خطراً على البشر. وهذا النمط لا يتطلب بالضرورة أن يأخذ الآلي هيئة بشرية.

في سعي مغاير لتطوير البشر أنفسهم، بدل تطوير الآليين، هناك من يخطط لتركيب شريحة صغيرة في المخ تشبه بطاقة الهواتف الذكية، تطور الإنسان تطوراً مذهلاً، ليصبح قادراً على استيعاب لغات ومعارف مذهلة. فهل لو حدث ذلك، سيبقى إنساناً كما هو؟ ماذا عن علاقاته بالمحيطين به؟ أي طبيعة بشرية سوف نذهب إليها مزودين بشرائح معدنية فائقة القدرة؟ هل من يتم شحنه بكل المنجز الأدبي لشكسبير وتولستوي وهمنغواي وماركيز، سيصبح روائياً فذاً بالضرورة؟ أما الدافع الأخطر فهو مد الآليين بقدرات تطوير أنفسهم ذاتياً، عبر محاكاة تامة للبشر. أي يصبح الآلي سيد نفسه، ليس تابعاً ولا مساعداً. فماذا لو طور نفسه وتمرد على البشر وتحكم فيهم؟

أفلام وروايات

من أحدث أفلام الذكاء الاصطناعي الفيلم الفرنسي الكوميدي "حشرة كبيرة" 2022، حول خضوع عائلة بالكامل لسيطرة آليين أغلقوا البيت ومنعوهم الخروج، ثم تطور الأمر للأسوأ بظهور طبقة آليين مسيطرة لم يتدخل البشر في اختراعها، بل إنها تتعامل مع البشر بوصفهم كائنات ضعيفة تسليها. في ديستوبيا هزلية ينقلب فيها السحر على الساحر.

ولا ننسى رواية بل وفيلم "أدويسا الفضاء"، وروايات مثل "الأصل" لدان براون، و"سندر" لماريسا ماير، ومن أحدث الروايات العربية التي ظهرت فيها الروبوتات والذكاء الاصطناعي "تميمة العاشقات" للكاتبة لنا عبدالرحمن، و"شفرات القيامة" لتامر شيخون، حيث تدور أحداثها في المستقبل حين يصبح الوجود البشري مهدداً تحت السيطرة الآلية، وكذلك "قلب الملاك الآلي" لربيعة جلطي. بطبيعة الحال تضيء هذه الأعمال على السجال المفتوح بين ما هو بشري وما هو آلي، وإمكانات التعاون، والمخاوف من التحكم والسيطرة إلى درجة تهديد وجود البشر.

في الفيلم الألماني "أنا إنسانك" 2021، تطلب "آلمى" عالمة الآثار من إحدى الشركات أن تصمم لها آلياً وسيماً مثقفاً يحب الشعر، ويلبي كل احتياجاتها. كان "توم" مثالياً بكل المقاييس، يوقظها في الأوقات المناسبة، ويتولى ترتيب وتنظيف الشقة، ويقود سيارتها. إنه يفعل كل شيء ببراعة من أجل سعادتها، مع ذلك لم تشعر "آلمى" بالسعادة. أرادت إنساناً حقيقياً لا يتعامل معها كروتين، وتمنت لو يحدث بينهما شجار وغضب وسوء تفاهم.

لا تبعد فكرة الفيلم كثيراً عن أجواء رواية "آلات مثلي" للكاتب الحائز على البوكر إيان ماك إيوان، حول احتمال تبادل الحب والمشاعر بين البشر والآليين. وهكذا لا تنتهي سلاسل الأفلام والروايات التي تشتغل على الذكاء الاصطناعي والعلاقة الملتبسة بين البشر والآليين. أخذاً في الاعتبار أن كل هذا ما زال محض تخييل، فالأفلام التي يمثل ويتحدث فيها آليون تعتمد على ممثلين يتقمصونهم، وكذلك الروبوتات كشخصيات ورواة في النصوص ليسوا أكثر من حيلة سردية.

الآلي كاتب مبدع!

إذا كان الآلي بارعاً في التنظيف وإعطاء الأدوية وقيادة السيارة والذهاب بالأولاد إلى المدرسة والشراكة العاطفية. فلماذا لا يصبح مبدعاً مثل الإنسان؟ ما الذي ينقصه كي يؤلف القطع الموسيقية والأشعار والروايات؟ هناك من يرى استحالة ذلك لمحدودية إدراكه للغة وظلال المعاني، وافتقاده الخيال، والروح الكوميدية الساخرة، والشعور بوعي ذاتي.

في المقابل ثمة من يعتبر ذلك ممكناً بالتدريب والبرمجة حتى لو استغرق وقتاً، لأن الإنسان نفسه لم يتطور دفعة واحدة، لذلك اشتغل هؤلاء على تصميم روبوتات مبدعة ترسم لوحات وتؤلف معزوفات موسيقية وتكتب القصص مثل الروبوت "إيدا" التي برعت في رسم البورتريهات، والروبوت "شيمون" ذي الأذرع الأربع، والذي تغذى على قرابة خمسة آلاف أغنية، ما بين مقطوعات لبيتهوفن إلى أغنيات البيتلز وليدي غاغا، إضافة إلى أكثر من مليوني نغمة ولحن. ونجح من دون مساعدة بشرية في تأليف مقطوعتين طول كل واحدة منهما نحو ثلاثين ثانية.

إن احتمال نجاح الروبوت في الرسم والموسيقى أكثر سهولة من الكتابة الروائية. ومن أوائل التجارب الكتابية برنامج جاي ديفيد بولتر أستاذ علوم الحاسوب، بالشراكة مع الكاتب مايكل جويس، لتأليف وتحرير القصص الرقمية، ونشرت أول قصة بعنوان "الظهيرة، قصة" عام 1987. ثم دخل اليابانيون على الخط بالإعلان عن فوز الحاسوب في مسابقة روائية بعد نجاحه في تأليف رواية بعنوان "يوم أن كتب الحاسوب رواية"، واعتمدت التجربة على مساعدة علماء تولوا تغذيته بمجموعة كبيرة من المفردات ووضع "إطار عام" للقصة.

في عام 2020 طورت شركة "تسلا" خوارزمية "جي بي تي 3" يمكنها كتابة التغريدات وقصائد الشعر وتلخيص رسائل البريد الإلكتروني، لكن النتائج ليست مبهرة حتى الآن، فعندما طلب منها تقليد أسلوب أحد علماء النفس في عشر جمل، نجحت في خمس فقط. والخوارزمية مأخوذة من اسم العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي، وتعني التعليمات البرمجية، أو مجموعة إجراءات منطقية لتحقيق هدف معين، يضعها مبرمج. بتعبير آخر إنها مثل "وصفة طبخ".

في كوريا الجنوبية -قبل عام- نشرت تقارير عن خبير الحاسوب كيم تيه يون، الذي ابتكر برنامجاً نجح عبر "التعلم العميق" في كتابة رواية رقمية طويلة بعنوان "العالم منذ الآن فصاعداً" تتناول خمسة أشخاص: عالم فيزياء، ورجل أعمال، وطبيباً نفسياً، وعالم رياضيات معوقاً، وراهباً بوذياً، يحاولون استكشاف سر الوجود البشري. علماً بأن "التعلم العميق" يعتمد على بنية معقدة تحاكي المخ البشري، ويحتاج إلى بيانات ضخمة لا تتوفر بسهولة. مما يعني أن تجارب إنتاج رواية رقمية بلا تدخل بشري ما زالت محدودة حتى الآن، لأن كل المحاولات التي أعلن عنها تعتمد على تغذية المبرمجين بالمفردات والجمل، والبيانات المتنوعة، ووضع إطار للقصص. ولا توجد، حتى هذه اللحظة، رواية رائجة ومفهومة لنا كبشر كتبها روبوت منفرداً بالكامل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن حدوث ذلك ليس مستحيلاً، فالمفكر راي كيروزيل في كتابه الضخم "عصر الآلات الروحية" يرى أن الحاسوب انهزم في البداية أمام عبقرية كاسباروف في لعبة الشطرنج، لكنه بالتطور ومرور الزمن هزمه بالفعل. فرضية كيروزيل تنطلق من إمكانية أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري، من ثم ما الذي يمنع أن تنتج الروبوتات أدباً في المستقبل القريب، حتى لو جاء مغايراً للأدب الإنساني؟ ربما سيقتصر دور الأدباء على تغذية الروبوت بالفكرة وإطار القصة، والإيقاع المناسب، والمراجعة والتنقيح، ثم في غضون ساعات أو أيام قليلة ينجز الآلي ملحمة روائية بحجم "الحرب والسلام".

ميثاق شرف للمستقبل

هل الروايات والأفلام محقة في مخاوف سيطرة الآليين على البشر؟ هل فعلاً ثمة إمكانية للتعايش والحب بين الطرفين؟ هل تنجح الروبوتات يوماً في إنتاج إبداع يفوق ما قدمه البشر من روايات وأفلام ولوحات وموسيقى؟ وفي حال أصبحت الحياة مزيجاً من بشر وآليين، ما إمكانية أن يكون ثمة دستور أو ميثاق شرف يحكم العلاقة بينهما، فلا يقع أحدهما ضحية الآخر؟ حسب رواية "أنا روبوت" لإسحاق عظيموف ـوهي من أوائل ما كتب في هذا المضمارـ لا بد من ثلاثة مبادئ تحكم العلاقة وهي:

ـ لا يجوز لآلي إيذاء بشري أو السكوت عما قد يسبب أذى له.

ـ يجب على الآلي إطاعة أوامر البشر إلا إذا تعارضت مع المبدأ الأول.

ـ يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع المبدأين الأول والثاني.

لكن من يضمن تنفيذ تلك المبادئ؟ ماذا لو خرج الآلي عن السيطرة؟ أو شعر أنه مهدد من البشر؟ ماذا لو تلاعب به البشري "أخلاقياً"؟ لم تحسم بعد التوقعات حول الشراكة بين الطرفين، هل إلى "يوتوبيا" سعيدة أو "ديستوبيا" حزينة تنهي سيطرة الإنسان على الكوكب؟ بحسب ما قال عظيموف في نهاية قصته "تجعلنا تحيزاتنا العمياء نظن الخير في ما نعرفه فقط. وعندئذ قد نقاوم التغيير... أو قد تتمثل الإجابة في تمدن كامل أو مجتمع لا طبقي تماماً أو فوضوية كاملة. نحن لا نعرف. الآلات وحدها هي التي تعرف وهي ذاهبة إلى هناك وستأخذنا معها".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة