Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أولويات البرلمان التونسي المقبل؟

الجولة الثانية من الانتخابات شهدت نسبة عزوف كبيرة نحو 89 في المئة من الناخبين

بعد إعلان النتائج يترقب التونسيون تركيز البرلمان الجديد (أ ف ب)

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، مساء أمس الإثنين، النتائج الأولية للجولة الثانية من الاستحقاق البرلماني في وقت تتصاعد التساؤلات حول الأولويات التي سيواجهها مجلس النواب. وسيكون البرلمان المقبل بصلاحيات محدودة بشكل كبير، إذ لا يشترط الدستور الجديد الذي دخل في وقت سابق حيز التنفيذ أن تنال الحكومة التي يعينها الرئيس الثقة منه، ولا يمكنه مساءلة أو عزل الرئيس. وبحسب نظام الحكم الجديد في البلاد وهو رئاسي ستكون لرئيس الجمهورية قيس سعيد الأولوية في اقتراح مشاريع القوانين.

 

مرحلة جديدة

وتعد الانتخابات البرلمانية آخر محطة من خريطة طريق شاملة كان قد أقرها الرئيس التونسي في عام 2021 عقب إطاحته البرلمان والحكومة اللتين كانت تسيطر عليهما "حركة النهضة الإسلامية"، وخلال هذه الفترة دعا سعيد إلى استشارة وطنية تستهدف استكشاف آراء التونسيين في شأن القضايا الحساسة والخلافية، ومن ثم حوار وطني لم تدع إليه أحزاب المعارضة الرئيسة، قبل أن يتم سن دستور جديد وتمريره في استفتاء شعبي جرى في 25 يوليو (تموز) وصولاً إلى الاستحقاق البرلماني.

وقال النائب في البرلمان التونسي الجديد رياض جعيدان إننا "اليوم بنتائج الدور الثاني، نمر إلى مرحلة جديدة تتقاطع مع حال الاستثناء التي عشناها منذ تجميد البرلمان القديم، لأنه في نظام ديمقراطي يحترم نفسه فإن البرلمان مؤسسة ضرورية". وتابع جعيدان أن "الأمر الإيجابي أن البرلمان سيتم تركيزه في حدود أقصى تقدير مارس (آذار) المقبل، لكن لا تكفي عودته لتوضع الأمور في السكة الصحيحة لأن هناك ثقة مفقودة في كل ما هو مجلس تمثيلي وسياسي بصفة عامة، لذلك كانت نسبة العزوف التي تعود إلى التراكمات منذ بدء المجلس التأسيسي ثم البرلمانين (2014 – 2019) و(2019 – 2022)".

 

أضاف "كان هناك تضارب مصالح وعدم احترام القواعد الأخلاقية البرلمانية والسلوكيات البرلمانية، وكانت هناك سياحة برلمانية وحصانة مطلقة لنواب لهم ملفات، لكن للأسف السلطات القضائية لم تقدر على محاكمتهم، وكان فيه كل ما يجعل الشعب يفقد ثقته". وأوضح جعيدان أن "هناك أموراً عدة لم تسر وفق ما تمناه الشعب ليل 25 يوليو، إذ كان حجم الانتظارات كبيراً جداً، والشعب لم يعط تفويضاً مطلقاً للبرلمان الجديد، وهو تفويض مقيد وجزئي، لذلك أعتقد أن العزوف كان رسالة من الشعب التونسي للساسة والسياسيين".

وكانت الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية التي جرت، الأحد الماضي، قد شهدت هي الأخرى نسبة عزوف كبيرة بنحو 89 في المئة من الناخبين الذين جرت دعوتهم إلى هذا الاستحقاق. وقال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي إن "11.4 في المئة شاركوا في الجولة الثانية من الانتخابات".

أجندة برلمانية

وشدد جعيدان على "ضرورة وضع أجندة تشريعية مثلما يحدث في البوندستاغ في ألمانيا أو الولايات المتحدة أو المغرب، إذ يتم التفاهم بين الكتل والأشخاص الوازنة على حزمة من القوانين التي يجب سنها في وقت سريع، وتكون هناك قوانين على المديين المتوسط والطويل".

ورأى النائب التونسي الذي صعد منذ الدور الأول عن دائرة "فرنسا 2" أنه "على المدى القصير، الأولويات تتمثل في وضع نظام داخلي للبرلمان يتماشى مع الدستور الجديد، ويجب أن يكون في هذا النظام مدونة سلوك وأخلاقيات برلمانية بما يحدد علاقة النائب بزملائه وبأعضاء الحكومة وبوسائل الإعلام ثم تصرف النائب في مناقشة القوانين بما يجعل للنواب ضوابط أخلاقية". أضاف "ثم المراسيم التي وضعها الرئيس والتي يجب المصادقة عليها لتصبح قوانين بعد مناقشتها والتصويت عليها، وفي مقدمتها القانون الانتخابي بخاصة أن هناك دوائر انتخابية في الخارج ستجرى فيها انتخابات وأيضاً انتخابات المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، ولفت إلى أن "لدينا أولوية أخرى تتمثل في قانون ينظم عمل المجلس الوطني للجهات والأقاليم لأنه ليس لدينا في تونس تقسيم بحسب الأقاليم أصلاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف جعيدان "على المدى القصير لا يوجد عمل تشريعي فقط، بل مراقبة العمل الحكومي وأيضاً رئيس الجمهورية، إذ يجب وضع محكمة دستورية، ثم على المدى المتوسط لا بد من تركيز المجلس على تطوير تشريعاتنا الاجتماعية والاقتصادية في حزمة من القوانين".

إنقاذ اقتصاد البلاد

ويأتي انتخاب البرلمان الجديد في وقت تشهد البلاد أزمة اقتصادية متفاقمة ستزيد من الضغط حتماً على البرلمانيين الجديد، في ظل المحادثات التي تأمل تونس استئنافها مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى اتفاق في شأن تمويل جديد سيكون رهن إصلاحات توصف بالموجعة.

وقالت النائبة في البرلمان الجديد فاطمة مسدي إن "أولويات البرلمان المقبل من المؤكد سيتم إقرارها بشكل جماعي فور تنصيبه في وقت لاحق". أضافت فور الإعلان عن فوزها في محافظة صفاقس (جنوب) المعروفة بثقلها الاقتصادي "هناك أولويتان، بحسب رأيي، لبرلماننا الجديد، أولاها إقرار حزمة من التشريعات التي سيتم التداول فيها، والأولوية الثانية تتمثل في الوضع الاقتصادي الصعب الذي يحتم تشريعات لإنقاذ اقتصاد البلاد وتحديد بعض الإجراءات التي قد تكون في موازنة تكميلية".

وواجهت المساعي التي بذلتها الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول تمويل جديد انتكاسة، عندما تم سحب ملف البلاد وتأجيل النظر فيه، في وقت تزيد التصنيفات السلبية للاقتصاد متاعب بودن وفريقها.

أول امتحان

من جانبه، قال المحلل السياسي هشام الحاجي إن "دور البرلمان المقبل يعتبره الدستور مجرد وظيفة ولا يمكن معرفة ما إذا ستكون هناك كتل أم لا، مما سيجعل الدور التشريعي للبرلمان غائباً"، مشيراً أيضاً إلى أنه "في تاريخ تونس لم يكن دور البرلمان تشريعياً باستمرار، لكن اليوم نحن أمام وظيفة، لذلك من الصعب أن يلعب هذا البرلمان دوراً كبيراً في التأثير في التوجهات الكبرى ومواجهة المشكلات المتراكمة التي يواجهها التونسيون". وتابع الحاجي أن "الأولويات اليوم هي اقتصادية بامتياز إذ يتدهور الوضع الاقتصادي، من هنا ضرورة التدخل لحل المشكلات سواء على مستوى الخدمات أو التربية أو النقل وغيرها". وواصل أن "المناخ العام الذي يتحرك فيه التونسيون هو هل سيقدر البرلمان على إعطاء جرعة من التفاؤل أم لا؟ يتطلب الأمر جرأة وافتكاكاً للدور التشريعي وبخاصة حالاً من الاستقرار والهدوء داخل البرلمان". ورأى أن "أول امتحان سيكون انتخاب رئيس للبرلمان، لأن الشخصيات التي تكلمت باسم رئيس الجمهورية وحاولت الدفاع عن مشروعه لم تنجح في الوصول إلى البرلمان، وهي رسالة في غاية من الأهمية يجب أن يلتقطها". أضاف الحاجي أن "حركة الشعب أو نداء تونس قد يفكران في رئيس برلمان منهما".

وفي السابق كانت العلاقة بين البرلمان والرئيس قيس سعيد متوترة بشكل كبير، الأمر الذي يثير تساؤلات اليوم حول أفق العلاقة بين البرلمان الجديد والرجل الذي أعاد البلد إلى نظام حكم رئاسي.

وقال الحاجي أيضاً "بحكم الدستور، يستبعد أن تكون العلاقة متوترة، والأحزاب تسللت إلى مقر البرلمان حيث وصل عدد كبير من حركة الشعب، ووصل أيضاً نواب سابقون في حركة نداء تونس وغيرها، مما قد ينعكس مستقبلاً على العلاقة بين البرلمان وبقية المؤسسات".

المزيد من متابعات