Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيبة أمل التونسيين في سياسييهم تدفع إلى مقاطعة الانتخابات

حالة الانقسام التي تمزق المشهد وسياسة الإنكار والهروب إلى الأمام تدفع بالوضع إلى مزيد من التأزم

رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر متحدثاً بعد ختام جولة الاقتراع الثانية، الأحد 29 يناير الحالي (رويترز)

ظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية ليست جديدة في تونس، فبعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في عام 2011، فقدت الانتخابات وجاهتها، ولم تعد حدثاً يشد اهتمام التونسيين، بعدما اتسعت الهوة السياسية بينهم والطبقة السياسية، بسبب خيبات الأمل المتتالية التي أصابتهم، لعدم تحقيق مطالبهم في التنمية والتشغيل والكرامة، وهي المطالب التي حملتها شعارات انتفاضة 2011.

والتراجع اللافت في النسبة العامة للمشاركة السياسية في تونس، ناتج من تضافر جملة أسباب منها ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي، تتجسد من خلال لا مبالاة متزايدة من عموم التونسيين إزاء الشأن العام، بسبب انشغالهم بالواقع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، علاوةً على السياق السياسي العام الموسوم حالياً بالانقسام.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن النسبة العامة للمشاركة في الانتخابات التشريعية في دورها الثاني التي جرت الأحد 29 يناير (كانون الثاني) الحالي، بلغت 11.3 في المئة، وهو رقم يحمل دلالات عدة يختلط فيها الثقافي بالاجتماعي بالسياسي.  

إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في الواقع السياسي التونسي اليوم، هي فقدان الثقة بالطبقة السياسية، حكومةً ومعارضة، ولم تعد الأحزاب أو الممارسة السياسية فعلاً تستهوي التونسيين، بسبب الوصم الذي طبع هذه الطبقة، نتيجة تراكم الخيبات منذ عام 2011 وحتى اليوم.

خيبات الأمل دفعت إلى المقاطعة

ولا تشكل تونس استثناءً في تراجع المشاركة السياسية، بل هي ظاهرة عامة تعاني منها مختلف الديمقراطيات في العالم، وحتى العريقة منها، حيث باتت "المؤسسات دون جماهير"، كما يؤكد علم الاجتماع السياسي.

ويؤكد النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن "الحالة التونسية اتسمت بتراجع لافت للمشاركة السياسية، من محطة انتخابية إلى أخرى، فبعد أن شكلت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، بداية مرحلة سياسية جديدة في تونس رفع فيها السياسيون سقف الطموحات والتطلعات عالياً إلا أن خيبات الأمل المتتالية دفعت الناخب إلى العزوف عن أي مشاركة سياسية مهما كان نوعها".

والحقيقة أن الطبقة السياسية في تونس، لم تدرك أن الواقعية هي مفتاح الحل للمصالحة مع الناخب، بل واصلت سياسة الإنكار لهذه الظاهرة، واستمرت في تقديم وعود انتخابية تشبه الأوهام من أجل التحصيل السياسي والوصول إلى الحكم، ما أدى إلى تصدع العلاقة بين الطبقة السياسية والمجتمع لضعف المنجَز الاقتصادي والاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الحاجي أن "التغييرات الجوهرية التي أدخلها رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلى القانون الانتخابي وإلى فلسفة الانتخابات بشكل عام، أسهمت في تعزيز هذا العزوف، بخاصة أن المسار السياسي بعد 25 يوليو (تموز) 2021، هو عملية فردية وبعيدة من كل أشكال المشاركة والنقاش العمومي، وصولاً إلى الترشح وهو ترشح فردي وتصويت على القائمات، وهو ما غيب الاهتمام الجماعي بالسياسة".

 ولا يغفل النائب السابق، المعطى الاقتصادي والاجتماعي، الذي يشكل بدوره محور المشاركة السياسية، قائلاً إن "هناك قناعة عامة بأن رئيس الجمهورية، لم يقدم شيئاً وكانت هذه المقاطعة شكلاً من العقاب للطبقة السياسية بشكل عام"، مشيراً إلى أن "حالة العزوف ستدفع رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلى مزيد من التمسك بمواقفه، وسيتجه الوضع في البلاد نحو مزيد من القطيعة والمواجهة".

حالة الانقسام التي تمزق المشهد السياسي في تونس، وسياسة الإنكار والهروب إلى الأمام تدفع بالوضع إلى مزيد من التأزم، بينما الواقع اليوم يحتاج إلى حوار حقيقي بتقديم تنازلات متبادلة.

ضرورة تتويج المسار

في المقابل، يقلل جمال مارس، عضو المكتب السياسي لـ"حزب التيار الشعبي"، من أهمية الدعوات إلى الحوار التي أطلقتها عديد المنظمات والأحزاب السياسية، مؤكداً أن "الحل لا يكمن في الرجوع إلى الوراء"، ومشدداً على "ضرورة تتويج هذا المسار والاستمرار في بناء مؤسسات الدولة، من أجل تجاوز العقبات في تمويل ميزانية الدولة للسنة الحالية".

ودعا عضو المكتب السياسي للتيار الشعبي إلى "المصالحة السياسية بين المواطن والطبقة السياسية، من خلال مراجعة الأحزاب السياسية نفسها والبحث في أسباب عدم رضا المواطن عن السياسيين وتغيير الخطاب السياسي والاعتراف بالأخطاء من أجل مرحلة سياسية جديدة في البلاد".

ويتبنى جمال مارس فكرة "تداخل الثقافي والاجتماعي والسياسي في تفسير ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات، مذكراً بأن "المواطن التونسي اليوم يعاني غلاء المعيشة ولم تعد المشاركة السياسية من أولوياته".

ويحمل عضو المكتب السياسي للتيار الشعبي، رئيس الجمهورية مسؤولية "بطء المحاسبة، وضعف التعيينات في الحكومة والمسؤولين في الجهات، وعدم تحقيقه مطالب التونسيين الاجتماعية"، مشيراً إلى "الحملة الكبرى التي شنتها القوى المعارضة لمسار 25 يوليو، من خلال دعوة أنصارها لعدم المشاركة، والحملات التي شنتها على الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أن هذه الانتخابات هي تتويج لهذا المسار بتشكيل برلمان جديد".

عدد الناخبين لا يستهان به

في الأثناء، أكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن "تصويت حوالى 900 ألف ناخب تونسي في هذه الانتخابات التشريعية في الدورة الثانية، لا يمكن الاستهانة به، دون أن ينكر أنها نسبة متواضعة".

وشدد المنصري على أن "القانون الانتخابي في تونس لا يشترط نسبة معينة لتكتسب الانتخابات شرعيتها والمؤسسة المنتخبة تعد قانونياً منتخبة ولها الشرعية القانونية مهما كان عدد المصوتين لها".

ودعا إلى "دراسة النسب الضعيفة للمشاركة السياسية دراسة علمية وموضوعية من أهل الاختصاص، لمعرفة الأسباب وهل تتعلق بالأداء السياسي أم بالوضع الاجتماعي والاقتصادي أم هي ناتجة من تغيير القانون الانتخابي وتغيير طريقة الاقتراع، مشدداً على أن هيئة الانتخابات قامت بواجبها ولا يوجد مواطن في تونس ليس له علم بموعد الانتخابات".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات