Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تغيرت جاذبية العقار البريطاني في أعين المستثمرين الخليجيين؟

اقتصاديون لـ"اندبندنت عربية": فرص واعدة في الأصول المتعثرة ونمو الجريمة بالبلاد قد يؤثر سلباً

ما زال قطاع العقارات في بريطانيا يحتفظ بجاذبيته الاستثمارية رغم التقلبات إلا أن الأسواق تشهد تحولات جديدة مع تغيير سعر الصرف (أ ف ب)

لعقود طويلة احتفظت بريطانيا بلقب السوق المفضلة للمستثمرين الخليجيين، وفي عام 2022 تزايد الاهتمام الخليجي بالاستثمار في بريطانيا على المستويين الحكومي والخاص، مدفوعاً بأسعار النفط المرتفعة وتنامي العوائد النفطية والأداء القوي للبنوك الخليجية، وأيضاً مع تنامي التوقعات القاتمة في الأشهر القليلة الماضية بدخول بريطانيا في "ركود"، وانطلاقاً من حقيقة أن "الأزمات تخلق الفرص"، تنامى الاهتمام الخليجي بالاستحواذ على الأصول المتعثرة في بريطانيا.

تاريخياً، انصب الاهتمام الخليجي على القطاع العقاري في بريطانيا، وتنامى مع تعثر الاقتصاد البريطاني وتراجع أسعار العقارات، فقد أظهر تقرير لبنك "نيشن وايد" استمرار انخفاض أسعار العقارات في أطول مدة تتراجع فيها أسعارها في البلاد منذ سنة 2008.

ووفقاً لاستطلاع من (سيليكيت بروبورتي غروب) يوافق 77 في المئة من المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي على أن المملكة المتحدة هي واحدة من أفضل وجهات الاستثمار العقاري في الخارج، ويرجع ذلك أساساً إلى النمو القوي لرأس المال والعوائد المرتفعة في المملكة المتحدة، كما وافق أكثر من 60 في المئة من المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي على أنه على رغم أن لندن هي المدينة الأكثر شعبية في المملكة المتحدة للاستثمار، إلا أنه يمكن تحقيق عوائد إيجارية أعلى في مانشستر.

ويعتبر قطاع العقار في المملكة المتحدة ثاني أكبر قطاع عقاري في أوروبا بعد ألمانيا، وتقدر قيمته السوقية بأكثر من 250 مليار جنيه استرليني (309.7 مليار دولار)، ومع تراجع قيمة الأموال الممنوحة للراغبين في شراء المنازل في بريطانيا بنحو 40 مليار جنيه استرليني (49.4 مليار دولار)، وذلك من 171 مليار جنيه استرليني (211.9 مليار دولار) سنة 2022 إلى 131 مليار جنيه استرليني (162.3 مليار دولار) في 2023، بعد أن وصل هذا الرقم إلى مستوى قياسي سنة 2021 واقترب من 190 مليار جنيه استرليني (235.4 مليار دولار)، بحسب توقعات مؤسسة "المملكة المتحدة للتمويل"، وهي تجمع للمؤسسات البريطانية.

ومع نمو السيولة الخليجية أصبح القطاع العقاري في البلاد فرصة ذهبية للمستثمرين الخليجيين، والذين استفادوا من تراجع أسعار العقارات وعدم قدرة البريطانيين أنفسهم على شراء العقارات، وبخاصة في ظل نمو الرهن العقاري.

وبحسب موقع الحكومة البريطانية (غوف دوت يو كي) استثمرت الشركات الخليجية 15.7 مليار جنيه استرليني (19.4 مليار دولار) في المملكة المتحدة اعتباراً من عام 2020، وكان هناك نحو 600 شركة مملوكة لدول مجلس التعاون الخليجي في المملكة المتحدة في عام 2019، تدعم أكثر من 25 ألف وظيفة، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات خلال العقد الماضي.

اقتناص الأصول المتعثرة

يرى جو هيبوورث، مدير شركة "أو سي أو" (OCO) "غلوبال الشرق الأوسط"، والمؤسس والرئيس التنفيذي للمراكز البريطانية للأعمال (BCB) المتخصصة في تطوير وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر والفرص التجارية والاقتصادية بين منطقة الشرق الأوسط والأسواق الدولية، أن التوقعات السلبية بدخول الاقتصاد البريطاني في ركود قد تراجعت اليوم عما كانت عليه قبل أشهر قلائل. ويقول هيبوورث "يبدو أن بريطانيا قد تجنبت الركود حتى الآن، ولكن ذلك لا يعني بأننا قد لا نشهده في عام 2023، ولكن يبدو بأننا لن نشهد (انهياراً) في الاقتصاد البريطاني".

ويتفق هيبوورث في اتصال مع "اندبندنت عربية" على أن "الأزمات تخلق الفرص"، وبخاصة في الأصول المتعثرة. ويقول، "لقد رأينا استحواذات على شركات مدرجة في مؤشر (فوتسي) من قبل مستثمرين من الخارج". ويضيف، "حتى لو حدث الركود سيخلق عديداً من الفرص للمستثمرين الأجانب لالتقاط صفقات مربحة في الأصول والشركات والأسواق".

تراجع الاسترليني لم يحدث فارقاً

يقول هيبوورث، "أعتقد أن ما سنشهده هذا العام هو ضعف في الدولار الأميركي مقابل معظم العملات الأخرى، بما فيها الجنيه الاسترليني، ولن يجعل ذلك بالضرورة الأصول أو الاسترليني أو العملات الأخرى أقل قيمة، مع الإشارة إلى أن أداء الاسترليني كان جيداً خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه شهد بعض التراجع في العام الماضي، ولكنني لا أعتقد أن ذلك سيحدث فارقاً كبيراً للاستثمارات الخليجية في المملكة المتحدة سواق في القطاع العقاري أو الأسهم، كما أن الأسعار تراجعت في البلاد عما كانت عليه". وأشار هيبوورث إلى أن فئة الأصول العقارية التي يستثمر فيها الخليجيون في وسط لندن على سبيل المثال، معروفة وجذابة للغاية ومفضلة بالنسبة إليهم، "بالتالي، لا أعتقد أن التذبذب في قيمة الجنيه الاسترليني سيحدث فارقاً كبيراً لدى المستثمر الخليجي".

تدفق الاستثمارات الخليجية

يقول حسن الريس المصرفي في دبي إن الأزمات تخلق الفرص، بالتالي فإن موجة الركود التي تجتاح الاقتصاد البريطاني وتراجع قيمة الجنيه الاسترليني الكبير في النصف الثاني من العام الماضي (وإن كان قد شهد انتعاشاً منذ بداية عام 2023)، وكذلك تراجع أسعار العقارات قد أسهم في جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية لبريطانيا، وتحديداً في القطاع العقاري في عام 2022، لكنه حذر من تراجع معدلات الأمن في بريطانيا، وبخاصة في ظل ارتفاع وتيرة الجرائم في بريطانيا مع ارتفاع كلفة المعيشة ومعاناة الأسر البريطانية في توفير قوتها اليومي، واصفاً الاستثمارات بـ"الطيور المهاجرة" التي تذهب حيث الأمن والأمان، قائلاً إن تزايد وتيرة الجرائم في بريطانيا قد يدفع إلى المستثمرين الأجانب، وبخاصة من الخليج، إلى توجيه استثماراتهم لوجهات أخرى في العالم أكثر أمناً، وعلى رأسها البلدان الخليجية.

أسعار الفائدة وجاذبية الاستثمار

حذر الريس من إمكانية أن يصبح الاستثمار في بريطانيا أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، بما فيهم الخليجيون، وبخاصة فيما يتعلق بـ(ليبور)، وهو سعر الفائدة بين البنوك في لندن، وكذلك الـ(إيبور)، وهو أسعار الفائدة الأخرى المعروضة بين البنوك، قائلاً إن تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وتوجه "بنك إنجلترا" لرفع الفائدة بوتيرة مستمرة، يجعل الاستثمار العقاري أقل جاذبية بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب.

وأشار إلى اتجاه المؤسسات المالية الكبرى في العالم للاحتفاظ باحتياطات مقومة باليورو والدولار، وتبتعد عن الاسترليني، وبخاصة في ظل التوقعات القاتمة للاقتصاد البريطانية هذا العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان "بنك إنجلترا" قد رفع بالفعل أسعار الفائدة ست مرات حتى الآن في عام 2022، من 0.25 في المئة في نهاية عام 2021 إلى 2.25 في المئة حالياً، وهو ما يعني أن الأسواق تقوم حالياً بالتسعير بمعدل نهائي يزيد على خمسة في المئة لمعظم الرهون المقررة في عام 2023، كما لجأ بعض البنوك في بريطانيا إلى رفع أسعار الفائدة على الرهون العقارية الثابتة لمدة خمس سنوات بنسبة 75 في المئة لتصل إلى نطاق يتراوح بين خمسة في المئة و5.5 في المئة، مع ما يقرب من ستة في المئة للرهون العقارية الجديدة، وهذا يزيد بمقدار 200 نقطة أساس تقريباً على متوسط أسعار الرهون العقارية المماثلة في شهر أغسطس (آب) الماضي.

صفقة "تجارة حرة" وتعزيز الاستثمارات

لم يقتصر الاستثمار الخليجي على قطاعات العقارات في بريطانيا، فقد استثمرت دول خليجية المليارات في قطاعي الطاقة المتجددة والبنية التحتية في بريطانيا ويتوقع تنامي الاستثمارات الخليجية، وبخاصة في ظل الحديث عن إمكانية توقيع اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد توقف الحديث عنها لسنوات، وربما قد يدفع تعثر الاقتصاد البريطاني حكومة ريشي سوناك لتسريع التوصل إليها.

ويظهر تحليل للحكومة البريطانية أنه من المتوقع أن تؤدي صفقة "التجارة الحرة" مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة التجارة بنسبة 16 في المئة على الأقل، إضافة ما لا يقل عن 1.6 مليارات جنيه استرليني (1.98 مليار دولار) سنوياً إلى اقتصاد المملكة المتحدة والمساهمة بمبلغ إضافي قدره 600 مليون جنيه استرليني (742.9 مليون دولار) أو أكثر في الأجور السنوية للعاملين في المملكة المتحدة.

ومن المتوقع أن ينمو طلب كتلة دول مجلس التعاون الخليجي على المنتجات والخدمات البريطانية بسرعة إلى 800 مليار جنيه استرليني (990.6 مليار دولار) بحلول عام 2035، بحسب موقع الحكومة البريطانية (غوف دوت يو كي) بزيادة قدرها 35 في المئة، ليصبح مجلس التعاون الخليجي سابع أكبر سوق لمنتجات وخدمات المملكة المتحدة.

وقالت وزيرة التجارة البريطانية آن ماري تريفيليان إن هذا الاتفاق المنتظر سيفتح فرصاً جديدة ضخمة للشركات البريطانية.

وكانت تريفيليان قد أطلقت مفاوضات التجارة الحرة في 22 يونيو (حزيران) الماضي بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي المكون من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر.

وترتبط دول مجلس التعاون الخليجي بعلاقات تجارية قوية مع المملكة المتحدة فقد بلغت قيمة التجارة الثائية بينهما 33.1 مليار جنيه استرليني (40.9 مليار دولار) في عام 2021 وحده، فيما تتجاوز الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين 37 مليار دولار.