Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة بلينكن في الشرق الأوسط... مسار جديد أم تسجيل حضور؟

نتائجها ستجيب عن سؤال رئيس: هل يدير نتنياهو الحكومة أم أن الائتلاف هو الذي يوجه مساره؟

تحركت الولايات المتحدة بصورة عاجلة في الشرق الأوسط لتطويق ومحاصرة أي تحركات مناوئة من قبل الطرفين في قطاع غزة والضفة من جانب، والحكومة الإسرائيلية من جانب آخر.

وهو ما برز في تتالي زيارات المسؤولين الأميركيين، فبعد زيارة مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، جاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

والسؤال لماذا الآن؟ وما الذي يجري في تفاصيل العلاقات الأميركية الفلسطينية الإسرائيلية؟

أهداف محددة

تحركات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تأتي تخوفاً من اندلاع مواجهات جديدة بين قطاع غزة وإسرائيل، خصوصاً أن ما بين زيارة مستشار الأمن القومي ومدير الاستخبارات جرت وقائع جريمة مخيم جنين ثم عملية القدس.

عملية القدس أكدت أن الرد وارد في كل لحظة، والخطورة أنه يتم من عناصر غير محسوبة على تنظيمات فلسطينية، بل هم عناصر من الذئاب المنفردة، وهو ما يؤكد أن الأمر معرض لمزيد من التوتر الدائم.

إطلاق صواريخ من القطاع والرد عليه إسرائيلياً على الفور كان وراءه حسابات مدروسة ومخططة من الطرفين، فبالنسبة إلى "حماس" أرادت أن تحرج السلطة الفلسطينية وتؤكد للجمهور بأنها تفي بوعدها في إطار ما يجري، وأن ترابط الجبهات يدفعها إلى اعتبار جبهة القدس ونابلس وجنين وغزة واحدة، وأن ما يجري مرتبط بمخطط متصاعد ومهم في الوقت الراهن.

تفاعلت "حماس" مع جريمة جنين على الفور وأعلنت موقفها وبعد ساعات ردت بإطلاق الصواريخ، ثم تتالت التطورات وحدوث عملية القدس، والرسالة إلى إسرائيل بأن الحركة تعود للمقاومة والمواجهة، وعدم اتباع أية سياسات مراقبة أو تحفظ مثلما كان في المواجهة الأخيرة التي تمت بين حركة الجهاد الإسلامي والحكومة الإسرائيلي، واستمرت ثلاثة أيام، واليوم تريد "حماس" تأكيد قوتها وحضورها بالساحة الفلسطينية، ومحاولة لسحب البساط من تحت أقدام السلطة في ظل تحركاتها السابقة.

تعاملت إسرائيل بحذر مع ما يجري، بل كانت قرارات مجلس الحكومة المصغر الرد باتخاذ إجراءات محددة، منها ما أعلنه الجيش الإسرائيلي بإغلاق المستوطنات المحيطة بالقدس أمام العمالة الفلسطينية.

كما أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت تعليمات للجهات القانونية في الوزارة بالاستعداد لاتخاذ إجراءات ضد عائلات المنفذين، وطلب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير من بلدية القدس قائمة بكل المنازل غير المرخصة للبدء بهدمها فوراً.

صيغ جديدة

في هذه الأجواء المتوترة يطرح المسؤولون الأميركيون، كما يبدو من جولة أنتوني بلينكن التي بدأها من القاهرة، صيغة جديدة للتهدئة والتعامل انطلاقاً من مصر للعب دور مركزي حقيقي في ما يجري والعمل مع "حماس" والسلطة معاً، وتوجيه رسائل تطمينات حقيقية يمكن العمل من خلالها.

تدرك الولايات المتحدة أن الوسيط المصري قادر على لجم أي تمدد تصاعدي لحركة "حماس"، خصوصاً أن مسار تحركه ممتد إلى ممارسة دور في ملف الأسرى وتواصله مهم لإقناع حركة "حماس" بالمضي قدماً في هذا الطريق.

 

 

ثنائياً تعتبر الإدارة الأميركية مصر طرفاً مهماً في المنطقة، وتتمنى أن تنفذ القاهرة إصلاحات هيكلية مهمة مرتبطة ببرنامجها الجديد للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي.

ونشرت الخارجية الأميركية "مستند حقائق" عن العلاقات التي تجمعها مع مصر، وقالت إن الشراكة قوية ومتنامية تاريخياً بين البلدين، فضلاً عن تعزيز الأمن الإقليمي، إذ تتعاون واشنطن والقاهرة بشكل وثيق لتهدئة النزاعات وتعزيز السلام المستدام، من خلال دعم الوساطة التي تقدمها الأمم المتحدة للمساعدة على إجراء الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن، واستعادة الانتقال السياسي بالسودان بقيادة مدنية من خلال الاتفاق السياسي الإطاري.

وعبر عن مضمون ذلك بلينكن في تغريدة له عبر صفحته الرسمية على "تويتر"، حيث قال إن رحلته الرابعة للشرق الأوسط تؤكد التزام بلاده تعميق العلاقات الثنائية والعلاقات بين الشعوب وتعزيز حقوق الإنسان وتقوية الأمن الإقليمي والعالمي.

التوقعات المحتملة

ستتواصل الخارجية المصرية مع نظيرتها الإسرائيلية، ومن المتوقع أن تكثف القاهرة تحركاتها تجاه تل أبيب من جانب، وفي إطار مخطط للضغط على حكومة نتنياهو أولاً وإقناعها بإمكانية حسم بعض الملفات المعلقة، وهو ما يحدث بالفعل وبخاصة أن نتنياهو نفسه له حساباته السياسية في التحرك الإقليمي، ولعل زيارته للأردن جاءت في هذا السياق، كما أنه سيسعى إلى زيارة القاهرة، والتحرك في مسارات متعددة بهذا الإطار من الأردن إلى مصر ثم الإمارات والخليج.

يتم التحرك الإسرائيلي عبر الحكومة الراهنة ومن خلال مخطط محدد، وقد تتجاوب التحركات المصرية العربية في هذا المسار لتقوية مركز رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في مواجهة حكومة المستوطنين، التي تريد الزج بملف المسجد الأقصى والمقدسات، وإعادة نشر قوات الشرطة بمناطق "ج"، إضافة إلى العمل بإجراءات استثنائية استثماراً لمعركة القضاء والحكومة الحالية، وبما يحقق مكاسب حقيقية للمستوطنين ويسمح لهم بدخول الأقصى، وإعادة البحث والتنقيب تحت المسجد الأقصى.

يظل المتداول أن إدارة بايدن عازمة على رسم خطوط حمراء تقضي بعدم المساس بالوضع القائم في الأماكن المقدسة بالقدس، وبالتوقف عن توسيع الاستيطان، في حسابات الإدارة أن ذلك لو تحقق هو بحد ذاته إنجاز، باعتبار أن محدودية المعطيات القائمة لا تسمح بالتحرك الأميركي أكثر من ذلك، وهو ما نقله الوزير بلينكن خلال لقائه مع وفد فلسطيني عربي - أميركي أخيراً، قبيل مغادرته إلى المنطقة.

مسارات التحرك

ستتحرك الولايات المتحدة بعد إتمام زيارة الوزير الأميركي تجاه الأطراف المعنية والرئيسة، أولاً تجاه السلطة الفلسطينية، ومحاولة إقناعها باستئناف الاتصالات الأمنية والتنسيق الأمني وعدم توقفها، خصوصاً أنه مطلب إسرائيلي، ولهذا جاء مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز داعياً إلى إفساح المجال لعودة التنسيق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسبق أن قام الرئيس محمود عباس بالعمل بالتنسيق الأمني مع إسرائيل بعد أشهر عدة، على رغم قرار اللجنة المركزية بوقفه رسمياً، وهو ما يشير إلى أن الهدف المركزي الأميركي التعامل مع السلطة الفلسطينية ومحاولة تجديد الثقة في شخص الرئيس محمود عباس.

وتحاول أميركا إقناع عباس بأن عليه التجاوب ما مع يطرح وإلا فان الفوضى ستعم الإقليم بأكمله وليس مدن الضفة فقط، وإقناعه بالتمهل في نقل الملف الفلسطيني للواجهة الدولية، وإلى الجمعية العامة بالدرجة الأولى، وليس إلى مجلس الأمن، ووقف تمدد السلطة الفلسطينية دولياً مما قد يعقد الأمور أكثر، ولهذا أيضاً سعى وزير الخارجية الأميركي بلينكن إلى تأكيد وجود الراعي الأميركي.

سيعمل الراعي الأميركي على خطة أمنية ودبلوماسية، والوعد بتقديم تسهيلات لسكان الضفة الغربية، والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتقديم قائمة تحفيزية ليس للضفة فقط، وإنما أيضاً للقطاع مع التأكيد أن الولايات المتحدة ستحاول السيطرة عبر اتصالاتها الرئيسة على السلوك الإسرائيلي، وخصوصاً الحكومي، وأن الأجواء التي سبقت تشكيل الحكومة وبعدها كان التركيز على التحذير من مغبة أي مخطط إسرائيلي في الاقتراب من ملف المقدسات مع عدم المساس بالوضع الراهن.

كما سيعمل على إعادة الخطاب الأميركي الرافض لاستئناف سياسة الاستيطان رسمياً، وتأجيل بعض القرارات التي يتحرك في دوائرها وزراء الحكومة ممثلو اليمين المتطرف، ومنها قرار ضم الأراضي العربية والأغوار كمخطط يمكن أن يطرح في حال استمرار توجه الرئيس محمود عباس لتدويل ما يجري، ومحاولته إحراج الحكومة الإسرائيلية التي ستعاني مزيداً من العزلة في حال إعادة فتح الملف الفلسطيني من الواجهة الدولية، في توقيت يقوم فيه مسؤولو تل أبيب بمحاولة تبييض وجه السياسة الإسرائيلية في العالم، وفي توقيت احتفالات الدولة العبرية بعيد الهولوكوست، وزيارة رئيس إسرائيل هرتسوغ إلى بلجيكا، وقيام المنظمات الصهيونية بتسويق وضع الحكومة في العالم.

اتجاهات متنوعة

ركزت زيارة الوزير الأميركي للشرق الأوسط على تأكيد مرحلية الحل والانتقال من التهدئة أولاً إلى الشروع في استئناف الاتصالات، ولو على درجات تبدأ بمصر والأردن وإسرائيل، ثم ينضم إلى الأطراف الثلاثة الإمارات والبحرين وفلسطين لتكون اتصالات إقليمية كاملة، بما يجدد من نشاط الوسيط الأميركي الذي يتخوف من انفجار المشهد في الإقليم انطلاقاً من الضفة الغربية، وليس من قطاع غزة، وما لم يتم ذلك في توقيت عاجل فإن الحكومة الإسرائيلية ستمضي في منهجها الراهن، وقد تتجدد المواجهات في القطاع والضفة عامة.

تجدد المواجهات حذرت منه قيادات جهاز الأمن الداخلي الشاباك في إسرائيل، الذين يرون أن استقرار الداخل هو مدخل حقيقي وفاعل للتعامل مع الجانب الفلسطيني بدلاً من تشتت المقاربات الأمنية والسياسية، خصوصاً مع التقارب الأميركي الإسرائيلي اللافت في التوقيت الراهن، بدليل قيام الجانبين بمناورات شاملة في شرق المتوسط، والتمهيد لتنسيق أمني شامل لمواجهة التهديدات.

 

 

حاول الوزير الأميركي نقل رسالة إلى الجانب الإسرائيلي بضرورة التهدئة مع الجبهة الفلسطينية بالكامل، مقابل إقناع الجانب المصري بالتحرك في مساحة أكبر في ملف غزة، وبما يهدف إلى الاستقرار مع التركيز على تجربة السلام المصري الإسرائيلي من جانب والسلام الأردني الإسرائيلي من جانب آخر.

ولعل هذا يشير إلى التحرك الأردني تجاه إسرائيل، وإتمام زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لعمان، وبما يخدم مسارات التحرك التي تتم بمشاركات مصرية أردنية في الأساس مع التركيز لاحقاً على حركة دول السلام الإقليمي، وفي المقابل فإن الجانب الفلسطيني، ممثلاً في السلطة، سيقدم على خيار التهدئة، لكن الأخطار المحتملة ستكون مرتبطة بأمور عدة.

أولها: سعي بعض الأطراف، وعلى رأسها حركة "حماس" إلى اختبار نوايا وتوجهات كل الأطراف، وقد تذهب وتبادر بمواجهة لإحراج الجميع، الأمر الذي يفترض السيطرة على سلوك الحركة والفصائل الفلسطينية غير المنضبطة في القطاع.

ثانيها: قدرة الإدارة الأميركية على الخروج بطرح حقيقي وجاد ومختلف وعدم الاعتماد على سياسة المسكنات، لتطويق المشهد المتوتر عبر استراتيجية جادة وحقيقية تتجاوز الإجراءات لطرح مضمون يمكن العمل به بالفعل، وليس فقط تنظيم فاعلية إقليمية وكفى، وترك الأطراف للعمل على مراحل.

ثالثها: مدى صدقية تكرار وزير الخارجية التزام الإدارة الأميركية إعادة فتح قنصلية الولايات المتحدة في القدس، التي كانت منذ فترة طويلة بمثابة سفارة أميركية للفلسطينيين بحكم الأمر الواقع، حتى تم إغلاقها في ظل إدارة الرئيس السابق ترمب، على رغم تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية، فالواقع الراهن يفترض أن إدارته تبدو غير مهتمة بخوض معركة مع الحكومة الإسرائيلية في شأن إعادة فتح القنصلية.

الخلاصات الأخيرة

ما لم يمارس الوسيط الأميركي بالفعل دوراً حقيقياً وفاعلاً ومباشراً تجاه إسرائيل في المقام الأول، ومحاولة الضغط الحقيقي على توجهاتها العدائية والتصعيدية، فإن الأطراف العربية وعلى رأسها الطرف الفلسطيني ستتعامل من منطلق الأمر الواقع، خصوصاً أن ما يجري في الضفة معرض للانفجار الحقيقي والمباشر، الأمر الذي قد يذهب بالوضع الراهن إلى اتجاهات أخرى قد يكون لها سيناريوهاتها المتعددة.

في المجمل، فإن نتائج زيارة الوزير الأميركي ستؤكد الإجابة المباشرة عن سؤال رئيس: هل يدير رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الائتلاف الحكومي أم أن الائتلاف هو الذي يديره ويوجه مساره للعمل في ظل استمرار المشهد الراهن على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي معاً؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل