Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصنيف "موديز" الجديد يدفع تونس إلى وضع حرج

دق ناقوس خطر المديونية ومتخصصون يحذرون من عدم قدرة الدولة على تعبئة تمويلات خارجية

توقعات بارتفاع حجم الدين العمومي لتونس في نهاية 2023 إلى 41.5 مليار دولار (أ ف ب)

خفضت وكالة "موديز" التصنيف السيادي لتونس من "caa1" إلى "caa2" مع آفاق سلبية، الجمعة 27 يناير (كانون الثاني) 2023.

وخفضت الوكالة تصنيف البنك المركزي التونسي إلى "caa2" مع آفاق سلبية بحكم مسؤوليته القانونية عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزانة.

واعتبرت "موديز" أن الحكومة التونسية والبنك المركزي معرضان إلى أخطار عالية في شأن إمكانية عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية، وهي سداد الديون.

ويعكس التخفيض نتائج مراجعة ودراسة الوضعية المالية والاقتصادية لتونس وتطوراتها بعد 30 سبتمبر (أيلول) 2022، إضافة إلى ذلك خفضت الوكالة تصنيف الديون الخارجية غير المضمونة من الدولة والبنك المركزي كذلك إلى "Caa2" مع آفاق سلبية.

وعللت الوكالة مراجعاتها بعدم قدرة تونس على تعبئة تمويلات خارجية، إلى حدود هذه الفترة، والتأخير الحاصل في تلبية الحاجات العاجلة للحكومة، ما من شأنه أن يرفع من مستوى أخطار التعثر في سداد القروض الخارجية.

وأشارت الوكالة إلى أن عدم التوصل إلى توقيع البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدولي يزيد من الضغوط على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، مما يفاقم الوضعية الصعبة للمالية العمومية، كما تزيد الظروف التمويلية الصعبة داخلياً وخارجياً ومستوى التداين الخارجي للبلاد من أخطار التمويل.

 وقالت "موديز" إن ضعف الحوكمة والأخطار الكبرى المحيطة بالمناخ الاجتماعي يفسران الوضعية الحرجة التي تحيط بالاقتصاد التونسي، حيث تقتصر القدرة الحالية على الإيفاء بالتزامات البلاد المالية على توفر الاحتياطي من النقد الأجنبي، الذي يتصرف فيه البنك المركزي، كذلك إلى السعي الحثيث للحكومة التونسية لبلوغ مرحلة الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ومنه حشد دعم المانحين الماليين الدوليين.

لكن من المرجح أن التأخير الملحوظ بإطلاق البرنامج التمويلي من صندوق النقد الدولي سيتسبب في تآكل المدخرات من العملة الأجنبية، وفق "موديز"، ويعود ذلك إلى التأثير المرتقب لارتفاع نسق حلول آجال تسديد الديون، مما سينجر عنه تزايد الأخطار المتعلقة بميزان المدفوعات الخارجية مع احتمال التوجه نحو إعادة وجدولة الدين الخارجي لتونس.

حاجات التمويل

يذكر أن الحكومة التونسية قــدرت حاجات تمويــل موازنة سنة 2023 بـ23.5 مليار دينار (7.8 مليار دولار) منها 7.5 مليار دينار (2.5 مليار دولار) تستوجب تعبئتها بسبب عجــز الميزانية و15.793 مليار دينار (5.26 مليار دولار) لتسديد أصل الدين و200 مليون دينار (66.66 مليون دولار) لتسديد قروض وسندات الخزانة التونسية.

ويتوقع أن تبلغ موارد الاقتراض التي سيتم تعبئتها لتمويل ميزانية سنة 2023 بـ24.392 مليار دينار (8.13 مليار دولار)، بين 9.53 مليار دينار (3.17 مليار دولار) من الاقتراض الداخلي و14.85 مليار دينار (4.95 مليار دولار) من الاقتراض الخارجي.

 

 

ومن المتوقع أن يرتفع حجم الدين العمومي للدولة التونسية في نهاية سنة 2023 ليبلغ 124.568 مليار دينار (41.5 مليار دولار) مقابل 115.959 مليار دينار (38.65 مليار دولار) سنة 2022، أي بزيادة 8.6 مليار دينار (2.86 مليار دولار)، وبناء على ذلك يقدر الدين العمومي نهاية سنة 2023 بـ76.71 في المئة من إجمالي الناتج القومي الخام، مقابـل 80.17 في المئة سنة 2022 و79.68 في المئة سنة 2021.

ويبلغ حجم الدين الداخلي 44.9 مليار دينار (14.96 مليار دولار) والخارجي 79.6 مليار دينار (26.5 مليار دولار). ويتوزع بين 50.65 في المئة من اليورو و27.28 في المئة دولار أميركي، و5.62 في المئة من الين الياباني و12.59 في المئة من حقوق السحب الخاصة في حين تتوزع 3.85 في المئة على عملات أخرى.

ارتفاع نسق التسديدات

بمقتضى استحقاقات التسديد لسنة 2023 ينتظر أن ترتفع خدمة الدين متوسط وطويل المدى بنسبة 46.9 في المئة، أي ما يعادل 6.7 مليار دينار (2.23 مليار دولار)، مقارنة بسنة 2022 لتبلغ نحو 21.1 مليار دينار (سبعة مليارات دولار)، مقابل 14.3 مليار دينار (4.76 مليار دولار) سنة 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمثل أهم التسديدات لأصل الدين متوسط وطويل المدى لسنة 2023 في القرض الرقاعي باليورو ويبلغ 500 مليون يورو (543 مليون دولار) في شهر أكتوبر (تشرين الأول) والقرض الرقاعي بضمان ياباني وقدره 22.4 مليار ين (172 مليون دولار) في شهر أغسطس (آب). ونحو 412 مليون دولار أقساط قروض صندوق النقد الدولي، منها نحو 178 مليون دولار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وهو قسط من أداة التمويل السريع لسنة 2020 والبقية 234 مليون دولار موزعة على سنة 2023 من أقساط من تسهيل الصندوق الممدد 2016-2019، كذلك قرض السعودية بقيمة 100 مليون دولار موزعة بين يناير ويوليو (تموز).

وكذلك قرض صندوق النقد العربي وقدره 96 مليون دولار موزعة بين فبراير وأبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) وأغسطس وأكتوبر وديسمبر (كانون الأول) 2023، والقرض الداخلي بقيمة 140 مليون يورو (152 مليون دولار) في مارس (آذار) ونحو 19 مليون يورو (20.6 مليون دولار) في أبريل و86 مليون يورو (93.4 مليون دولار) في يونيو، إضافة إلى خمسة ملايين دولار في أبريل و43 مليون دولار في يونيو.

 

إضافة إلى سندات الخزانة التونسية بقيمة 953.1 مليون دينار (317.7 مليون دولار) في أبريل و438.6 مليون دينار (146.2 مليون دولار) في يونيو و753.8 مليون دينار (250.6 مليون دولار) في أكتوبر و401.4 مليون دينار (133.8 مليون دولار) و306.8 مليون دينار (102.2 مليون دولار) في ديسمبر وقسط من التسبقة الاستثنائية للبنك المركزي التونسي بـ500 مليون دينار (166.6 مليون دولار) في ديسمبر.

ناقوس الخطر

ووصف الخبير الاقتصادي معز حديدان تخفيض وكالة "موديز" لترقيم تونس السيادي إلى CAA2 بالمنعرج الفاصل الذي يهدد بمرحلة عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية، مما يحتم قيام الحكومة بتطبيق الإصلاحات بصفة مستعجلة، وهي الطريقة الكفيلة باستعادة القطاعات الحيوية نشاطها لإعادة الاقتصاد إلى مساره الطبيعي وعودة التوازنات المالية ومؤشرات الاستثمار.

 

 

وشدد على ضرورة الإجماع على سياسة اقتصادية بين الشركاء الاجتماعيين والحكومة، حيث يشير التصنيف "Caa2" إلى أن الدولة التونسية والبنك المركزي معرضان إلى أخطار عالية، في ظل العجز على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بالتوافق بين الهياكل النقابية والسلطة وعدم النجاح في تقريب وجهات النظر.

وأشار إلى أنه لن يتسنى لتونس الحصول على مزيد من الوقت للقيام بالإصلاحات بعد أن تلقت التحذيرات منذ سبتمبر 2022 والتي وضعت فيها "موديز" ترقيم تونس السيادي قيد المراجعة السلبية.

المنطقة الحرجة

في حين ذكر محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي في تصريحه لـ"اندبندنت عربية" أن تأخر التوقيع على اتفاقية تمويل جديدة بين تونس وصندوق النقد الدولي دفع البلاد إلى المنطقة الحرجة، بالنظر إلى حاجتها إلى تعبئة موارد قدرها 14.9 مليار دينار (4.96 مليار دولار) من الأسوق الخارجية الموصدة في الوقت الحاضر بسبب كلفة الاقتراض على خلفية تدني التصنيف.

وأشار إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد يصطدم بعدم توافق ما بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) مما يهدد بالاحتقان الاجتماعي، وهي صورة لتشرذم المشهد التونسي الذي أعاق التوصل إلى التمويل من قبل الجهة المانحة.

وقال "تمثل النسب المتدنية للإقبال على التصويت في الانتخابات التشريعية حالة عدم الإجماع الحاصل حول السلطة الموجودة، مما يعمق حالة عدم اليقين والشكوك ويغذي مؤشرات عدم الاستقرار، وفي ظل ذلك تزداد الضغوط على موازنة الدولة للإيفاء بالتزاماتها المالية، وهي تسديد الديون المتفاقمة، الأمر الذي سيخلق ضغطاً كبيراً على الدولة واحتياطي العملة الأجنبية".

وأضاف أن التصنيف الائتماني يسلط الأضواء على الأخطار التي تحيط بتونس والشكوك حول القدرة على السداد بالتزاماتها للسوق المالية الخارجية، ففي حالة عدم التوقيع على الاتفاقية مع صندوق النقد يهدد الاحتياطي من العملة الأجنبية بالتراجع والتآكل بحكم الاضطرار إلى الاستنجاد به لتسديد الديون بالعملات، مما يهدد بأخطار عدم القدرة على التزود بالسلع من السوق الخارجية، وأهمها المواد الأولية والمواد الأساسية.

وأوضح أن أزمة السيولة التي تعانيها تونس منذ سنوات أدت إلى ترفيع البنك المركزي التونسي في حجم إعادة التمويل للنظام المصرفي وحاجاته الذي بلغ يوم 27 يناير 13.3 مليار دينار (4.4 مليار دولار) مقابل 9.3 مليار دينار (3.1 مليار دولار) بحساب الانزلاق السنوي.

وأشار سويلم إلى أن هذه المؤشرات تضاف إلى عوامل أخرى سلبية، تتمثل في الجفاف الذي يهدد القطاع الفلاحي، وهو يمثل 16 في المئة من الناتج المحلي والأمن الغذائي، ويخلق ضغوطاً إضافية على الدولة لتوريد المواد الغذائية.

ولفت إلى "معطيات أخرى هيمنت منذ سنة 2011، وهي عدم قدرة الحكومات على تنفيذ الإصلاحات، وغياب الاستقرار الحكومي والرؤية الواضحة، وتراجع نسبة الاستثمار إلى 16 في المئة، وغياب توفير موارد ذاتية، بالتالي زيادة عجز الموازنة في ظل نسبة أجور مرتفعة ونمو ضعيف وعدم الانطلاق في إصلاح المؤسسات بسبب تأخر المرسوم الخاص بحوكمة المؤسسات العمومية، وهي من أهم الوعود التي تقدمت بها تونس للمانحين".