Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصبح "فاغنر" منافسا لبوتين في الانتخابات الرئاسية؟

توقعات بتحولها إلى حزب سياسي وتباين التقديرات داخل المؤسسات الرسمية تجاه وضعيتها

جدارية مشوهة لمجد مجموعة فاغنر الروسية  على حائط في بلغراد 20 يناير 2023   (أ ف ب)

لم تكد تنصرف كثير من الأوساط السياسية والدوائر العسكرية الغربية إلى حسابات توازن القوى في حال الدفع بمزيد من الدبابات والمدرعات إلى أتون المعارك الجارية بين القوات الأوكرانية ونظيرتها الروسية على خطوط التماس حتى عادت إلى محاولات الماضي التي لطالما شهدت اللعب على أوتار مشكلات الداخل "السوفياتي" ثم الروسي بمختلف أطيافها إبان سنوات ما قبل انهيار الاتحاد وما بعده.

فمن قائل إن الاتحاد الأوروبي في سبيله إلى إنشاء وسائل إعلام موجهة لمخاطبة الأوساط الاجتماعية والسياسية الروسية تستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي وخلق الحركات المعارضة للنظام القائم إلى آخرين صاروا مشغولين أكثر بكثير من الإشاعات الرامية إلى تفتيت القوى الداعمة للقوات المسلحة الروسية، وفي مقدمها الفصائل الشيشانية التي أبلت حسناً في المعارك ضد القوات الأوكرانية، ومعها فصائل "فاغنر" التي ثمة من أشاع أن مؤسسها يفغيني بريغوجين ينوي تحويلها إلى "حزب سياسي" قد يخوض استناداً إليه الانتخابات الرئاسية الروسية المرتقبة عام 2024.

تلك كلها مؤشرات تقول بتنشيط الدوائر الغربية استعداداتها للتحول إلى مرحلة جديدة في مواجهتها مع القوات الروسية لتحقيق "حلمها المؤجل" حول ما سبق وأعلنته الإدارة الأميركية في شأن "إسقاط نظام بوتين وتقسيم روسيا".

تطاير السهام

وما إن أعلنت القيادات السياسية والعسكرية الروسية عن إعادة ترتيب "البيت من الداخل" بما أجرته من تغييرات في النسق الأعلى للقوات المسلحة وما تحققه مع كل يوم جديد من تقدم نسبي على صعيد استعادة ما فقدته من أراضي المقاطعات "الأوكرانية" الأربع التي كانت استولت عليها خلال الأسابيع الأولى من "العملية العسكرية الخاصة" في الـ 24 من فبراير (شباط) 2022، قبل الإعلان عن ضمها إلى روسيا بموجب نتائج ما جرى من استفتاءات شعبية هناك في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، حتى تطايرت "السهام" صوب فصائل "فاغنر" التي لطالما نفت القيادة السياسية الروسية صلتها الرسمية بها لدى ظهورها في منتصف العقد الماضي، فضلاً عن تأكيدها على أن "هذه التشكيلات لا علاقة لها بالدولة الروسية وأنها لا تتقاضي منها أية أموال".

وها هو مؤسس فصائل "فاغنر" يفغيني بريغوجين يعود لدحض ما يقال مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الروسية مطلع عام 2024 حول احتمالات تحويلها إلى حزب سياسي، وهو ما تروج له عملياً كثير من المطبوعات والمصادر المسجلة في وزارة العدل الروسية بوصفها "عملاء أجانب".

كما أن هناك من ينقل عنه ما قاله صراحة حول أنه "لن ينشئ حركته الخاصة"، فضلاً عن أنه "لا يعتبر نفسه شخصية سياسية عامة"، كما حرص بريغوجين على توضيح موقفه مما وصفته مصادر غربية حول "انتقاده النخب التي رفضت المشاركة في حياة البلاد" بقوله، "أنا فقط أعمل وأفعل ما يجب على أي شخص في مكاني القيام به".

وكانت بعض المصادر حاولت اتهام بريغوجين بمحاولة ملء ما تصفه بالفراغ السياسي الذي نجم عن رحيل نجم الساحة السياسية الروسية الراحل فلاديمير جيرينوفسكي الذي كان معروفاً بتصريحاته المتطرفة استعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية الروسية المرتقبة، على رغم أن كثيراً من المؤشرات يقول بصعوبة، إن لم يكن استحالة، تحقيق أي من الشخصيات الموجودة حالياً على الساحة السياسية الروسية تقدماً يذكر على صعيد منافسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال قرر رسمياً الإعلان عن خوضه هذه الانتخابات.

"حركة إجرامية إرهابية"

وجاء ذلك مواكباً لإعلان الإدارة الأميركية عن تصنيف "فاغنر" بوصفها "حركة إجرامية إرهابية"، وتأكيد المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي أن المنظمة "ترتكب فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان في أوكرانيا وأماكن أخرى".

ومن اللافت أن الإدارة الأميركية كانت أدرجت "فاغنر" ضمن المتهمين بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، بكل ما يقضي ذلك من تبعات مضادة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أنه من الملاحظ أيضاً بهذا الصدد تباين كثير من التصريحات الرسمية حول علاقة الدولة بحركة "فاغنر" على ضوء ما حققته وحداتها المسلحة على الجبهة من انتصارات لطالما أسفرت عن استعادة عدد من المدن والبلدات في جنوب شرقي أوكرانيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر نقلت المصادر الرسمية عن رئيس "مجلس الدوما" فياتشيسلاف فولودين تعليماته التي أصدرها بشكل عاجل لتطوير تعديلات من شأنها أن تجعل من الممكن محاكمة المقاتلين بتهمة "تشويه سمعة المقاتلين".

وكان فولودين سبق وقال إن "كل من يدافع عن بلدنا من عسكريين ومتطوعين ومن جرى استدعاؤهم من الاحتياط وأعضاء في حركة ’فاغنر‘ هم أبطال"، مشيراً إلى مساواتهم في الحقوق والمكافآت والامتيازات المقررة لكل المقاتلين على جبهة المعارك ضد القوات الأوكرانية، كما نقلت وكالة "تاس" عن المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف تعليقه على قرار الولايات المتحدة في شأن اعتبار "فاغنر" حركة إجرامية إرهابية، وأوجزه بقوله إن "الولايات المتحدة قامت بشيطنة ’فاغنر‘ منذ سنوات عدة"، مضيفاً "لم نسمع بالأمس فقط مثل هذه التصريحات في اتجاه شيطنة السيرة الذاتية، ولقد استمر هذا لسنوات عدة".

كما أن التصريحات الأميركية في شأن الاعتراف بمجموعة "فاغنر" كمنظمة إجرامية لا تحمل أي أهمية بالنسبة إلى روسيا أو المجموعة نفسها، بحسب ما أشارت إليه قناة "روسيا اليوم".

أوامر العفو

أما عما يقال في شأن احتمالات إصدار الرئيس الروسي لأوامره بالعفو عن المقاتلين وإسقاط الأحكام القضائية المحكوم عليهم بها، فقد نقلت مصادر الـ "كرملين" عن بوتين ما قاله حول أن العفو عن السجناء وإسقاط الأحكام القضائية أمر يمكن البت فيه بموجب ما تنص عليه القوانين الروسية، مما يعني ضمناً أن لا استثناءات خاصة يمكن أن تشمل مقاتلي "فاغنر".

وحول علاقة "فاغنر" بالرئيس بوتين وأجهزة الدولة الروسية وحقيقة ما تكتبه المصادر الغربية وأجهزة الإعلام العالمية ومنها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حول هذه المواضيع، نقلت قناة "روسيا اليوم" ما قاله مؤسس هذه الشركة العسكرية الخاصة بريغوجين في هذا الشأن، وهو الذي وصفها بـ "الاستفزازية والسخيفة".

وكان بريغوجين أصدر بياناً أودعه تعليقاته على كل أسئلة "واشنطن بوست" التي قال فيها إنه لم يتواصل أخيراً أو منذ فترة زمنية منظورة مع بوتين، كما أنه لم ينتقد إدارة القوات المسلحة الروسية أثناء النزاع في أوكرانيا، في إشارة إلى ما تردد حول انتقاده لقصور بعض مواقف وتحركات القوات المسلحة الروسية.

وفي هذا الصدد أضاف بريغوجين "أما حول تقييم عمل القوات المسلحة ووزير الدفاع الروسي فلا يحق لي إطلاق أية تقييمات، سواء سلبية أو محايدة أو إيجابية لأنني لست خبيراً عسكرياً، كما أنني لا أرى أمراً ممكناً أو مناسباً لأن أجيب عن مثل هذه الأسئلة لوسائل الإعلام الأميركية التي تعتبر اليوم جزءاً من دولة معادية لروسيا".

وإذ دعا بريغوجين صحافيي "واشنطن بوست" إلى ألا يظهروا بمظهر "نساء الأسواق المصابات بالهستيريا في المطابخ ممن يلكن إشاعات وتكهنات"، وألا يحاولوا "تكوين نوع من الفضاء المعلوماتي من خلال طرح أسئلة استفزازية مهينة وسخيفة"، أعرب عن اعتقاده أن "معظم الصحافيين الأميركيين ممن ينتمون إلى المعسكر الديمقراطي خصوصاً يعانون اليوم الشعبوية المبتذلة الفظة"، وخلص إلى القول "لقد أصبحتم مجرد مزبلة"، وأعرب عن أمنياته أن تستعيد الصحافة الأميركية "ولو قدراً من الموضوعية".

طرفا نقيض

لكن الواقع الذي يقف على طرفي نقيض مما سبق وشهدته الساحة الداخلية الروسية من تعتيم إعلامي حول نشأة ونشاط ووضعية فصائل "فاغنر" كان يتلخص حتى الأمس القريب في تصدر هذه الشركة الأمنية الخاصة لكثير من نشرات الأخبار الواردة من الجبهة، فضلاً عن التركيز على ما تقوم به من أدوار في العمليات القتالية بعيداً من حال الإنكار التي طالما وُوجه بها كل من حاول الإشارة ولو بشكل غير مباشر إلى وجود هذه التشكيلات المسلحة، والحديث عن علاقاتها وأدوارها داخل الوطن وخارج حدوده.

وثمة من يقول إن التغييرات الأخيرة التي أجرتها القيادة الروسية بتعيين الجنرال رئيس أركان القوات المسلحة فاليري غيراسيموف قائداً عاماً للقوات الروسية مع ثلاثة آخرين من نوابه منهم الجنرال سيرغي سوروفيكين، يضع الأمور في نصابها ويعيد "فاغنر" مع فصائل المقاتلين الشيشان إلى مواقعها التي تحددها القيادة الموحدة بموجب ما تضعه من استراتيجية شاملة للمعارك ضد القوات الأوكرانية، بعيداً مما اتسمت به عملية التنسيق من قصور جرى الاعتراف به لاحقاً قبل الإعلان عن التغييرات الأخيرة، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير، مما أسفر عن "تحولات كبيرة" سرعان ما طرأت على الاستراتيجية والتكتيك بما تحقق ويتحقق من تقدم للقوات الروسية في ضوء "خفض الاهتمام والتركيز على استخدام الجماعات شبه العسكرية غير النظامية على خط المواجهة"، في إشارة إلى التراجع عن التركيز على ما كانت تقوم به "فاغنر" من أدوار، بحسب تقديرات خبراء المعهد الأميركي لدراسات الحرب"، وهو ما يعني بقول آخر وضع "فاغنر" في السياق الذي تستحق بعيداً من حال "التعظيم والتفخيم" التي اتسمت بها التغطية الإعلامية لنشاطاتها على الجبهة خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك ما يمكن أن تكون عليه الإجابة عن السؤال الذي اخترناه عنوانا لهذا الموضوع "هل يمكن أن تتحول ’فاغنر‘ إلى حزب سياسي استعداداً لخوض الانتخابات منافساً للرئيس بوتين؟".

المزيد من تحلیل