Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح الانقلاب الإيراني في لبنان؟

شل القضاء حلقة من مسلسل وضع اليد على السلطات الدستورية الثلاث

أقارب ضحايا انفجار مرفأ بيروت يهاجمون بوابة مدخل قصر العدل في العاصمة اللبنانية  (أ ف ب)

ليس ما يجري في لبنان مجرد أزمة سياسية تقليدية على رغم اعتقاد كثيرين أنها كذلك، فقد تخطت الوقائع ما كان ينظر إليه كأزمة حكومية أو حتى أزمة حكم أو حتى نظام، وبات يمكن تصنيف التطورات الراهنة ضمن مخطط صريح للاستيلاء التام على السلطة.

وكانت مؤسسة القضاء اللبناني الحلقة الأخيرة التي استهدفها مشروع الانقلاب على النظام والإمساك بالدولة الذي يقوده "حزب الله" بالاتفاق مع شريكه حزب الرئيس السابق ميشال عون، وفي التصنيفات السائدة ضمن الأنظمة البرلمانية أن السلطة القضائية هي الثالثة، أي العمود الثالث في بناء النظام السياسي، ويجب أن تتمتع باستقلال تام عن السلطتين الأخريين التشريعية الممثلة في مجلس النواب والتنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء، وعلى رأس هذه السلطة رئيس الجمهورية الشخصية السياسية الوحيدة المنتخبة في الدولة التي تؤدي قسماً على الدستور.

أُخضعت السلطة القضائية في لبنان خلال الأيام الأخيرة لحرب تطويع بدت الحلقة الأحدث في مسلسل الإمساك بالسلطات الثلاث، ولم يبدأ هذا المسلسل البارحة، فمنذ زمن طويل منع القضاء اللبناني من ممارسة دوره وأخضع لحاجات القوى المسيطرة، ولم يتمكن هذا القضاء من لعب دوره المستقل إبان حقبة الاحتلال السوري فبقيت جرائم كبرى مثل اغتيال كمال جنبلاط والرئيس رينيه معوض من دون تحقيق جدّي فلم يكشف الجناة وتتم معاقبتهم، واحتاج اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري إلى محكمة دولية لكشف بعض جوانب الجريمة لكن من دون جدوى، فإزاء رفض "حزب الله" تسليم المتهمين بالاغتيال سقط القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية في بؤرة العجز والاستسلام.

وواجه القضاة اللبنانيون أصعب مهمة في الآونة الأخيرة عندما تولوا التحقيق في الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت وجزءاً من المدينة وأوقع آلاف القتلى والجرحى، ولم يكن الانفجار الذي وقع في أغسطس (آب) 2020 ناجماً من فراغ، فقد تسبب به تخزين أطنان من "نيترات الأمونيوم" في المرفأ بطريقة مشبوهة، وكثيرون حملوا "حزب الله" ومسؤولين كباراً في الدولة من المتعاونين معه المسؤولية عما حصل، ولكن كل ذلك سيحتاج إلى تحقيق جدي وحرية كاملة للمحققين والقضاة ليتمكنوا من الوصول إلى الحقيقة وكشف الجناة.

مُنع القضاء اللبناني من السير في عمله وتم تهديد المحقق الأول المكلف من أعلى سلطة قضائية فانسحب إلى زاوية السلامة، أما المحقق الثاني الذي أظهر شجاعة تقارن بشجاعة القضاة الإيطاليين في ملاحقتهم الـ "مافيا" فتلقى تهديداً علنياً من قيادة "حزب الله" من مقر وزارة العدل بالذات بإزاحته والخلاص منه، ووقف إلى جانب "حزب الله" في هذا التهديد سياسيون آخرون من طوائف مختلفة تجمعهم المخاوف من انكشاف مسؤوليتهم عن الكارثة.

ولم يكن هدف "حزب الله" منع التحقيق في الجريمة فقط، إذ أثبت سابقاً أنه لا يخشى على " قديسيه" من أية أحكام قضائية ولو صدرت من لاهاي، فالهدف الفعلي هو تطويع هذه السلطة الثالثة في سياق تطويع الثلاث الأخرى وأولهما التشريعية والتنفيذية، تمهيداً لوضع اليد على بلد طالما تميز بتعدديته الدينية والثقافية وحرياته العامة والفردية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد تمكنت إيران إثر سلسلة معارك سياسية ودموية من الإمساك بجزء كبير من الطائفة الشيعية في لبنان، وحتى إشعار آخر يمسك "حزب الله" بالمجلس النيابي عبر حليفه رئيس المجلس، وبنتيجة سياسات الترهيب ورغبة آخرين بحصص في السلطة تمكن من إقامة تفاهمات مع جزء من المسيحيين وآخرين في الطوائف الإسلامية والدرزية، لكن تشعب علاقاته واتساعها لم يسمح له بتأمين أكثرية نيابية تتيح الإتيان برئيس للجمهورية مطيع وموال.

لقد كان الرئيس السابق ميشال عون نتاجاً لإرادة إيرانية نفذها "حزب الله"، والرئيس الذي سبقه وهو إميل لحود كان نتاج إرادة سورية أدى دوره في خدمة "حزب الله" بعيد انسحاب السوريين من لبنان، واليوم يفرض الحزب عطلة قسرية على مجلس النواب في انتظار فرصة لفرض مرشحه الرئاسي، وقد تكون الفوضى الشاملة في لبنان مغرية للمغامرة بانقلاب حاسم، وفي المعطيات الإيرانية ما يشجع على عمل من هذا النوع وإن كانت دونه موازين لبنانية ودولية عائقة.

تحتاج إيران إلى انتصار خارجي بارز في ظل أزماتها الداخلية ومشكلاتها الإقليمية، وفي ردها على الانتفاضة الداخلية تلجأ إلى اتهام الخارج وهي في حاجة إلى نصر ما تضعه في خدمة سلطة القمع والإعدام، وفي الخارج ليس كل ما تمكنت من إرسائه يبدو متيناً، ففي العراق اهتزاز متواصل للحضور الايراني، وفي سوريا حديث عن إضعاف النفوذ الفارسي لمصلحة نظام يعتمد بصورة مطردة على روسيا ويفاوض تركيا بمعزل عن إيران ويحاول فتح نوافذ مع دول عربية عدة.

في دول المثلث من شط العرب إلى المتوسط يبدو لبنان مغرياً كثمرة ناضجة في الفم الإيراني، وحلفاء إيران وأتباعها في هذا البلد لا شك يفكرون على هذا النحو ويتقدمون خطوات على طريق محاولة تحقيق أهدافها وأهدافهم.

وبين الإمساك برئاسة المجلس النيابي والتحكم بآليات عمله والسعي إلى فرض رئيس مطيع ومحاصرة رئاسة الحكومة والتحكم بتركيبتها ثم الانتقال إلى شلّ السلطة القضائية، سلسلة خطوات أساس في خطة لا معنى لها سوى الإمساك بالدولة، ولا ينقصها سوى بدء الحملة على الجيش، وهو المؤسسة الوطنية الجامعة، وهو ما فعله حسن نصرالله قبل أسابيع عندما ادعى أن ضباطاً أميركيين يتولون القيادة في وزارة الدفاع، وهو ما تكمله وسائل إعلام الحزب في هجمة مدروسة على قائد الجيش الحالي.

يحتاج الانقلاب كي يكتمل إلى شلّ الجيش بعد الإمساك بالمفاصل الدستورية الأخرى، ولتحقيق ذلك طريق من اثنين، الأول على طريقة تشيكوسلوفاكيا في فبراير (شباط) 1948 عبر فرض انقلاب نيابي من الأقلية على الأغلبية يترافق مع ضغط ميليشيات الشارع، والأخير على الطريقة الحوثية عام 2015 عندما استغل أنصار إيران اليمنيين التردي الاقتصادي وزيادة سعر المحروقات لتحريك احتجاجات شعبية انتهت بانقلاب مارس (آذار) واستيلاء الحوثي على السلطة وبدء حروب لا تنتهي.

وبين هاتين التجربتين يتحرك العقل الإيراني في لبنان، لكن هذا البلد الذي مرّ بأفظع التجارب طوال تاريخه الحديث يصعب أن يخضع لمعادلات سوداء مهما بدا أنها ماثلة في الأفق.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء