Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر تترقب "دابسي" على الأسفلت... والشوارع تستقبلها بالإشاعات

ملكية الشركة الجديدة تلقى القبول والنقد... ومنافسة شرسة في سوق النقل التشاركي بعد تجاوز عدد السائقين والركاب الملايين

سائقو التاكسي الأبيض يعترضون على منافسات شركات النقل التشاركي في مصر (أ.ب)

كان يعمل في "أوبر"، لكن مشكلات في التطبيق ومعضلات في التحصيل دفعته لينتقل إلى "كريم". وعلى الرغم من دمج الشركتين وظروف عمله الجيدة، لكنه ينتظر بفارغ الصبر فتح الباب للانضمام إلى "دابسي".

محمد صلاح، 25 عاماً، ابن الشرقية، الذي يعمل في القاهرة الكبرى بسيارته منذ عام مضى يتابع أخبار "دابسي"، التطبيق الجديد الذي يطل برأسه على المصريين، لكن الطلة هذه المرة فيها يخوت وطائرات ودراجات بالإضافة إلى السيارات، كما أنها عامرة بالقيل والقال، ومتخمة بالتكهنات الشعبية، ومغموسة في الخبرات التطبيقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اهتمام شعبي

تطبيقات النقل التشاركي تستحوذ على اهتمام الملايين هذه الأيام، حتى أولئك الذين لا ناقة لهم أو جمل في شؤون التطبيق وأمور التكنولوجيا. والسبب المباشر يكمن في كون الشركة الجديدة التي توشك على غزو الشارع المصري تعمل في مجال النقل التشاركي، أحد أحدث مجالات الخدمات التي تحظي بطلب كبير بالإضافة إلى توفير فرص العمل. أما السبب غير المباشر فهو انتشار القيل والقال حول ملكية الكيان الجديد، وإن كان متصلاً بشكل أو بآخر بـ"الدولة"!

سماح "الدولة" بدخول شركات وتطبيقات النقل التشاركي إلى السوق المصرية تواجه تساؤلات وتكهنات متواترة هذه الأيام، وذلك منذ عرفت كلمة "دابسي" طريقها إلى الفضاء العام والعنبكوتي. التعايش السلمي والاعتياد المصري لوجود خدمات تطبيق "أوبر" في المجتمع المصري اليوم يجعلان المتابع يتصور أن أوبر ابتكار فرعوني.

 

 

شعور وطني

"تيتا (جدتي) لا تتحرك من البيت إلا بأوبر. في البداية عارضت الفكرة وقاومتها مقاومة شرسة حتى أقنعتها أن هذه هي الوسيلة الأمثل للتنقل من البيت إلى النادي والعودة. هاتف جدتي المحمول بدائي، ليس متصلاً بالإنترنت. لذلك أطلب لها أوبر من هاتفي كلما أرادت النزول. اليوم جدتي أكبر داعم للنقل التشاركي في مصر"، يمضي أحمد طاهر، 22 عاماً، سارداً قصة جدته مع النقل التشاركي والتي اتخذت منعطفاً خطيراً قبل يومين. يقول "نما إلى علم تيتا أن خدمة جديدة ستنطلق قريباً لتنافس أوبر وكريم. وسمعت تيتا أن الشركة تابعة بشكل ما للدولة. ولأن تيتا تتمتع بروح وطنية عالية جداً، وتدعم كل الخدمات والأنشطة والقنوات الإعلامية المتصلة بالدولة، فقد طلبت مني أن أطلب لها دابسي ما إن تبدأ خدماتها في السوق".

السوق المصرية التي تتصارع عليها حالياً شركات نقل تشاركي عدة للحصول على جزء من كعكة نقل العملاء من مكان إلى مكان تتسع للمزيد. وبلغة الأرقام، وبجسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، "فإن إجمالي عدد ركاب النقل العام داخل وخارج المدن المصرية في العام يبلغ نحو 2.2 مليار راكب. ويبلغ عدد السيارات المرخصة نحو 12 مليون سيارة، تستحوذ القاهرة وحدها على أربعة ملايين سيارة، تليها الجيزة بـ1.7 مليون سيارة، ثم الإسكندرية بمليون سيارة، والعدد السنوي في زيادة. وفي عام 2017، بلغت نسبة السيارات الملاكي المرخصة 92% من جملة السيارات المرخصة في مصر، في حين بلغت نسبة السيارات الأجرة 7.5% من جملة السيارات المرخصة".

ويبدو أن جانباً من زيادة عدد السيارات المتناحرة في شوارع المحروسة سنوياً يعود إلى إقبال كبير جداً من الباحثين عن فرصة عمل والمشتاقين لتنمية دخولهم على شراء سيارات رخيصة والتسجيل في أحد التطبيقين. وبحسب بيان صحافي صادر عن "أوبر"، "بلغ عدد مستخدمي خدماتها في مصر خلال ثلاثة أعوام أربعة ملايين راكب عبر 150 ألف سائق". وكان مدير السياسات في "أوبر" لمنطقة شمال أفريقيا السيد أحمد علي أشار إلى "أن نحو 70% من قادة السيارات كانوا يعانون البطالة قبل الانضمام لـ(أوبر)".

أستاذة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة ومدير "مركز إتاحة المعرفة من أجل التنمية في الجامعة الدكتورة نجلاء رزق أجرت دراسة قبل أشهر عن سائقي الأجرة والنقل التشاركي في مصر. ووجدت "أن تكلفة إصدار رخصة قيادة الأجرة أعلى بكثير من الرخصة السيارة الملاكي العادية، وهو ما يدفع الباحثين عن فرصة عمل في مجال نقل العملاء إلى ترجيح كفة تطبيقات النقل التشاركي".

النقل التشاركي بات سمة من سمات الحياة في مدن مصرية عدة في عام 2019. محمد مصطفى، أحد وكلاء سائقي "أوبر" وكريم" يقول "إن السوق المصرية تتسع لعشرات شركات النقل الذكي أو التشاركي، ومن الصعب جدً ًحصر أعداد السائقين الذين يعملون في أي من هذه الشركات، لأنهم يكونون في حالة حراك مستمر، منهم من ينقل من هذه الشركة إلى تلك، ومنهم من يتوقف عن العمل فترة ثم يعود، ومنهم من يعمل يوماً أو يومين في الأسبوع. لكن المؤكد أن أعدادهم كبيرة جداً وفي زيادة مستمرة ما يعني أن كلا من العرض والطلب متوفران".

العدد المتوفر من "كريم" والخاص بالسائقين (الكابتن) المسجلين لديها يشير إلى تخطي حاجز المليون.

 

 

صراع التاكسي الأبيض

"أوبر" و"كريم" وغيرهما من تطبيقات النقل التشاركي قوبلت في بداية ظهورهما بمقاومة عاتية من سائقي "التاكسي الأبيض"، (سيارات الأجرة ذات العدادات) ظناً منهم أن التطبيقات الجديدة يزاحمهم في رزقهم. وشهد عدد من المدن المصرية وقفات احتجاجية من قبل سائقي "التاكسي الأبيض" للمطالبة بمنع "أوبر" و"كريم"، بلغت بهم حد الاعتداء على سائقي التطبيقين في الشوارع.

وبحسب "صندوق تمويل شراء بعض مركبات النقل السريع" الحكومي فإن عدد سيارات الأجرة البيضاء (التاكسي الأبيض) يبلغ نحو 50 ألف مركبة.

الطريف أن سائقي الأجرة انتهجوا نهجين دفاعيين في بداية غزو التطبيقات. الأول تمثل في العودة إلى تشغيل العداد أملاً في إعادة عودة الركاب الذين نزحوا إلى التعرفة المعروفة مسبقاً في "أوبر" و"كريم"، حيث لا مجال للتفاوض والفصال. والثاني غرق في الثقافة الشعبية المصرية، حيث الإفراط في الحديث عن تعرض سمعة السيدات والفتيات اللاتي يستخدمن التطبيقين للتشويه والقيل والقال. "لو رآها زوجها أو أبوها تترجل من سيارة ملاكي يقودها غريب سيشك في سلوكها، عكس التاكسي المعروف إنه خدمة عامة"!

عمومية الخدمة طالت تطبيقات النقل التشاركي بسرعة البرق. وزادت أعداد هذه التطبيقات لتشمل خدمات باصات وأخرى مخصصة للإناث، وثالثة للدراجات النارية والـ"توك توك"، وأخيراً ظهور "دابسي" بقوة وغموض لا يخلوان من قيل وقال.

ارتباط ظهور إعلانات في الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي عن قرب تشغيل "دابسي" وصدور بيان منسوب إلى الشركة تشير فيه إلى أن المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير يشغل منصب رئيس قطاع تطوير الموارد البشرية، وأنه "أحد أعضاء مجلس إدارة الشركة، وسيهتم بالإشراف على تطوير أداء العناصر البشرية وتطوير بيئة العمل بها"، تم تفسيره شعبياً بأنها "شركة الجيش".

توصيف "شركة الجيش" نتج عنه انقسام الشارع إلى قسمين كما جرت العادة في سنوات ما بعد يناير (كانون الثاني) 2011. فريق استبشر خيراً "لأن الجيش هو الجهة الوحيدة القادرة على إدارة المشروعات بنجاح" كما يقول مراد فتحي، 76 عاماً، موظف متقاعد. وفريق آخر ابتأس وانتكس وانتقد "دخول الجيش على كل المشروعات والأنشطة المدنية" كما يقول تامر وهبة، 22 عاماً، طالب.

طلبات التقدم للانضمام إلى الشركة الجديدة يتوقع أن تكون كثيرة جداً. محمد صلاح، سائق كريم، يتحدث عن "دابسي" وكأنها "وظيفة ميري". يقول: "أضمن عمل هو المتصل بالحكومة. أمان واستمرارية وضمان". وعلى الرغم من أن مؤشرات هذا الاتصال غير واضحة أو معروفة، ورغم أن زوجة العميد محمد سمير الإعلامية إيمان أبو طالب، التي كانت ستتقلد منصب المستشار الإعلامي للشركة إلى جوار زوجها، كتبت على حسابها على "فيسبوك" إنها وزوجها قدما اعتذارهما عن العمل في الشركة. واعتذرا عن المنصبين يوم 7 يوليو (تموز) الحالي بعد ما قبلاه أول الشهر.

دابسي على الأسفلت

في أول شهر أغسطس (آب) المقبل، يتوقع أن يبدأ عمل "دابسي" التي ذكرت في بيان صادر عنها "أنها تتطلع للحصول على دعم معنوي كبير من الدولة لإنجاح تجربتها"، مؤكدة على "أن رأس مالها مصري خالص ومصدره رجال أعمال مصريين مدنيين ووطنيين"، متوقعة أن "تنتشر إشاعات عن الشركة لصالح البعض".

وتقدم "دابسي" نفسها على "أنها تطبيق جديد لخدمات النقل الذكية"، وأكدت في بيانها الأول غير مرة على "مصريتها، فهي شركة مصرية تحوي مجموعة من المستثمرين المصريين وتعمل على تلبية احتياجات السوق المصرية ورأس مالها مصري بالكامل، وتأمل في الحصول على رضا عموم الشعب المصري، مشيرة إلى أنها ستنافس خدمات الشركات المشابهة التي تنفرد بحصة كبيرة في السوق".

ويبدو أن القائمين على أمر الشركة أيقنوا أن القيل والقال سيثار، وأنه سيتم ضرب الأخماس في الأسداس حول هوية الشركة الجديدة، وهو ما حدث بالفعل فورد في البيان أن "ما تداولته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بشراكة جهاز الخدمة الوطنية في الشركة أو ملكيتها للحكومة المصرية أمر غير صريح على الإطلاق، وأنه لم يتم التصريح من قبل الشركة عن أي شيء بهذا الصدد". وتذيل البيان بعبارة" حفظ الله مصر وشعبها، والله الموفق والمستعان".

من جهته، نفى المتحدث العسكري للقوات المسلحة الرسمية العقيد تامر الرفاعي في بيان رسمي قبل أيام صحة ما يتردد عن ملكية "دابسي" لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، مطالباً وسائل الإعلام بتحري الدقة فيما يتم نشره، والرجوع للمصادر الرسمية في تغطية ما يتعلق بالقوات المسلحة المصرية.

وكالعادة أيضاً انتشرت بسرعة البرق كميات من "الكوميكس" التي تنضح بإسقاطات حول هوية الشركة الجديدة، حيث مخبر ينادي على العميل، وسيارة شرطة مليئة بالمجرمين تنتظر العميل الجديد، ونصائح للعملاء بألا ينجرفوا وراء محاولات الـ"كابتن" (السائق) للحديث عن صعوبات الحياة أو غلاء المعيشة أو قسوة أوضاع تخوفاً من انتقال الشكوى لآخرين وحدوث ما لا يحمد عقباه.

اختراق بيانات العملاء

من جهة أخرى، كان البعض قد ألمح إلى أن الشركة الجديدة في حال ارتباطها بشكل أو بآخر بالحكومة المصرية أو أي جهات فإن ذلك من شأنه أن يعرض بيانات العملاء للاخترق والاستخدام لأغراض أخرى غير تلك المخصصة لها. وتم تعضيد ذلك بما جرى في فرنسا في نهاية عام 2017 حين غرمت اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات في فرنسا "أوبر"، لأنها لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية بيانات مستخدميها، وهو ما أدى إلى تسريب بيانات ما يزيد على 57 مليون عميل. خطوة مماثلة اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية حين قررت المدعية العامة الأمريكية آنذاك باربارا أندروود في عام 2018 فرض غرامة قيمتها 148 مليون دولار على أوبر لأنها أخفت عن عمد خرق بيانات في عام 2016.

بيانات العملاء وخرقها، وتفاصيل تنقلاتهم وغيرها من المعلومات الشخصية تظل من المسائل المتصلة بالتطبيقات العنكبوتية بأشكالها. وبين مخاوف من تداولها من قبل جهات خارجية تعمل على إثارة البلبلة في الأوطان، وهواجس من استخدامها من قبل جهات داخلية لإحكام القبضات الأمنية على البلاد تشهد تطبيقات النقل التشاركي انتعاشات وازدهارات وكثيراً من المنافسات في الأسواق حيث يكون البقاء للأقوى أو الأذكى أو الأقدر على بسط الهيمنة وفرض السيطرة.

لكن تظل السيطرة الحقيقية في مجال النقل والمواصلات في مصر في يد قطاع المواصلات العامة والنقل الجماعي. وبحسب تعداد مصر الأحدث في عام 2017، "فإن الغالبية المطلقة من الأسر المصرية والبالغ عددها نحو 23.5 مليون أسرة تعتمد على المواصلات العامة في تنقلاتها". وبلغة الأرقام، وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء "فإن 21.3 مليون أسرة مصرية يعتمد أفرادها في تنقلاتهم على المواصلات العامة، ما يعني أن الملاكي والأجرة والتشاركي تظل وسيلة للأقلية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات