Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهت مسيرة "صبي من بغداد" في الحياة السياسية البريطانية؟

وضع ناظم زهاوي كرئيس حزب المحافظين الحاكم يسبب مشكلة كبرى لحكومة ريشي سوناك

سوف يصدر زهاوي مذكراته بعنوان "صبي من بغداد: رحلتي من الوزيريه إلى ويستمنستر" (أ.ب)

يعتزم رئيس حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا ناظم زهاوي نشر مذكراته في وقت لاحق هذا العام بعنوان "صبي من بغداد: رحلتي من الوزيرية إلى وستمنستر"، بحسب ما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز". وأضافت الصحيفة أن الفصول الأخيرة من السيرة الذاتية "ربما تحتاج إلى إعادة كتابة بالكامل" في ضوء التطورات الأخيرة التي جعلت من الرجل المعضلة الأكبر التي تواجه حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.

وعلى رغم أن سوناك وجه مستشار الحكومة لشؤون القيم للقيام بتقصي حقائق في مشكلة الضرائب على رئيس الحزب، فإن الضغوط مستمرة على سوناك كي يقيل ناظم زهاوي من منصبه بعد أن أكد حليف له أن تسويته مع مصلحة الضرائب تضمنت غرامة عليه وليس فقط دفع جزء من مستحقات تهرب منها منذ عام 2018.

ولطالما نفى زهاوي ارتكاب أي خطأ، مبرراً عدم دفع الضرائب المستحقة عليه بأنه "إهمال بريء" كما ذكر في بيان له الأسبوع الماضي. إلا أن حليفه أكد الخبر الذي نشرته صحيفة "الغارديان" بأن التسوية مع مصلحة الضرائب بلغت خمسة ملايين جنيه استرليني (6.2 مليون دولار) منها 3.7 مليون جنيه استرليني (4.6 مليون دولار) ضرائب مستحقة و1.1 مليون جنيه استرليني (نحو 1.4 مليون دولار) غرامات إضافة إلى فوائد على المتأخرات.

وتتعلق تلك الضرائب ببيع حصة أسهم ناظم زهاوي في مؤسسة "يو غوف" للبحوث واستطلاعات الرأي التي كان يملكها عن طريق شركة "أوفشور" مسجلة في جبل طارق "بالشور" لتفادي الالتزامات الضريبية في بريطانيا. وكان زهاوي يردد أن الشركة تتبع مجموعة والده ولا يملكها هو ولا زوجته ولا أولاده، لكن التسوية مع الضرائب تعني انهيار كل تلك الحجج، وأنه تعمد التهرب الضريبي، وهو مما اعتبره "خطأ غير مقصود" في بيانه، الأسبوع الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدايات مريبة

ينحدر الكردي العراقي من عائلة ثرية وذات نفوذ في العراق، وكان جده محافظاً للبنك المركزي العراقي ويوقع باسمه على العملة الوطنية العراقية وقتها. ولد ناظم زهاوي في حي راق من أحياء العاصمة العراقية بغداد عام 1967 لأب ثري من رجال الأعمال العراقيين المعروفين هو حارث زهاوي. ونتيجة خلاف بينه وبين حزب البعث الحاكم فر إلى لندن عام 1978.

درس ناظم الهندسة، لكن ميوله باتجاه الأعمال كانت واضحة منذ صباه. بدأ بتجارة بسيطة وهو طالب، لكنه كان من "الذكاء والانتهازية" كما تذكر الصحيفة نقلاً عن سياسيين من حزب المحافظين ليمزج "بين البيزنس والسياسة".

بدأ نشاطه السياسي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، مرتبطاً بالكاتب وقطب حزب المحافظين جيفري آرشر، وكان له دور بارز في الترويج للصندوق الخيري الذي أسسه آرشر عام 1993 لجمع التبرعات لصالح أكراد العراق.

وصل آرشر وقتها إلى منصب نائب رئيس حزب المحافظين، قبل أن يستقيل من البرلمان بعد سلسلة من الفضائح والاتهامات المالية. ودين بالشهادة الكذب وحكم عليه بالسجن أربع سنوات، لكن سلسلة التحقيقات والفضائح التي طالت آرشر وصندوق التبرعات للأكراد لم تمس زهاوي. وعاد آرشر للعمل العام بعد خروجه من السجن، وهو الآن عضو في مجلس اللوردات البريطاني بعد أن استعاد وضعه وثروته من خلال كتبه عالية المبيعات.

وفي نهاية التسعينيات، أسس زهاوي شركة "يو غوف" مع ستيفن شكسبير الذي كان ناطقاً إعلامياً لآرشر، القيادي في حزب المحافظين، لكنه حين دخل البرلمان نائباً بعد انتخابات 2010 استقال من إدارة الشركة، وظلت شركته "بالشور" تملك نسبة أكثر من 42 في المئة فيها قبل أن يبيع نسبته بمبلغ يزيد على 27 مليون جنيه استرليني (33.5 مليون دولار)، وهي الصفقة التي لم يدفع عنها الضرائب المستحقة لمصلحة الضرائب.

يعود مزج ناظم زهاوي بين السياسة والأعمال إلى ما قبل دخوله البرلمان وصعوده السياسي في بريطانيا حتى وصل إلى أعلى المناصب في الحكم. فمطلع هذا القرن، وبعد غزو واحتلال العراق، حصلت شركة والده حارث التي كانت تسمى "مجموعة الزهاوي" والآن اسمها شركة "تنمية مشروعات الأعمال العراقية"، على عقد من سلطة الاحتلال لتوفير الخدمات المعاونة والتنظيف للحكومة الانتقالية التي تقودها الولايات المتحدة.

وكان ناظم زهاوي يعمل من مكتب قريب من مكتب بول بريمر الذي كان يقود الحكومة الانتقالية بعد الغزو. وهناك تعرف للمرة الأولى على بوريس جونسون الذي كان وقتها رئيساً لتحرير مجلة "سبيكتاتور" حيث أصبحا صديقين. وكان زهاوي عمل مع آرشر في حملته الفاشلة للفوز بمنصب عمدة لندن عام 1999 قبل أن يصبح بوريس جونسون عمدة للعاصمة البريطانية.

خلط البيزنس بالسياسة

حين ترشح زهاوي للبرلمان للمرة الأولى عن دائرة ستراتفورد عام 2010 أعلن أن حياته البرلمانية ستكون "أولويتي الأولى، قبل أي شيء آخر، هي عملي من أجل دائرتي الانتخابية ولن أدع أي شيء يحول دون ذلك إطلاقاً"، لكن حياته البرلمانية كانت حافلة بأعمال الاستشارات لشركات الطاقة التي تنقب وتنتج النفط من كردستان العراق وغير ذلك من أعمال الاستشارات التي جلبت لهو دخلاً بالملايين.

ووطد زهاوي علاقته بالعائلة الحاكمة في كردستان، برزاني، ما مكن الشركة التي كان مستشاراً لها وهي "غلف كيستريم بتروليم" من معاملة في الإقليم ذكر منافسوها أنها "تفضيلية". وحين تعرضت الشركة لتحقيقات مكتب الاحتيال الخطر البريطاني لم يتعرض ناظم زهاوي لأي اتهامات إذ كان قد استقال من عمله مستشاراً لها.

لكن عضويته في عدة لجان برلمانية مكنته من القيام بأربع رحلات خارجية، مع عدد من النواب، مدفوعة الكلفة من حكومة كردستان الإقليمية في العراق. ولطالما كان موجوداً في لقاءات المسؤولين في الإقليم مع عمدة لندن أو مع مسؤولي الحكومة البريطانية.

في عام 2013 أصبح ناظم زهاوي مالكاً لحصة كبيرة من أسهم شركة النفط الإنجليزية – التركية "غينيل إنرجي" التي تعمل في إقليم كردستان العراق أيضاً. في ذلك العام انكشفت فضيحة حصول نواب في البرلمان على أموال دافعي الضرائب بغير وجه حق عبر تحصيل فواتير نفقات خاصة لهم. وكان ترتيب الزهاوي متقدماً في أزمة "المصاريف النثرية" لنواب البرلمان التي كشفت عنها الصحف، واضطرت البرلمان إلى استعادة الملايين من النفقات غير المبررة من النواب. وكان إجمالي ما صرفه الزهاوي بغير وجه حق يزيد على 170 ألف جنيه استرليني (211 ألف دولار)، منها ما يصل إلى ستة آلاف جنيه استرليني (7500 دولار) فواتير تدفئة إسطبلات الخيل التي يملكها هو وزوجته. واعتذر الزهاوي علناً في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013 عن المصروفات غير القانونية.

في عام 2017 نشرت صحيفة "الغارديان" تقريراً حول الرجل جاء فيه أن زهاوي يشتري عقارات في لندن بنحو 25 مليون جنيه استرليني (31 مليون دولار)، كما أنه يدير مع زوجته لانا مدرسة لركوب الخيل. وغالباً ما كان نمط حياته الباذخ نسبياً موضوعاً لتغطيات إعلامية في صحف محلية. وتقول "فايننشال تايمز" إن ممتلكاته العقارية الآن تساوي 58 مليون جنيه استرليني (72 مليون دولار)، لكنه يظل أقل ثراء من رئيس الوزراء ريشي سوناك المتزوج من ابنة ملياردير هندي.

مسيرته السياسية

فاق ناظم زهاوي معلمه السياسي الأول جيفري آرشر بأن وصل إلى أعلى منصب في حزب المحافظين حالياً وهو رئيس الحزب، كما وصل إلى أعلى المناصب الوزارية في الحكومة البريطانية حين عينه صديقه بوريس جونسون في آخر أيام حكومته وزيراً للخزانة خلفاً لريشي سوناك حين استقال الأخير في مايو (أيار) 2022.

ومنذ دخوله البرلمان، شغل زهاوي مناصب صغيرة في حكومات المحافظين المتتالية منذ عهد ديفيد كاميرون، تتعلق بالأعمال والتعليم. لم يستمر كثيراً في وزارة التعليم بعد أن وبخته رئيسة الوزراء وقتها تيريزا ماي في عام 2018، حين نشرت الصحف أنه كان ضمن الحضور في "نادي الرؤساء" في فندق دورشستر بلندن، حيث اشتكت المضيفات من تحرش الضيوف بهن بطريقة مقززة ومهينة. وصرح الزهاوي وقتها بأنه غادر تلك الليلة وهو "يشعر بالقرف" من تلك الممارسات من قبل أعضاء النادي الخاص بالأثرياء، لكن نواب المعارضة اتهموه بالنفاق، وأنه كان عليه الكشف عن تلك الممارسات التي يقول إنها أزعجته.

ولدى عمله في وزارة الأعمال بعد ذلك، كشفت التحقيقات الصحافية أنه لعب دوراً في تأمين قرض بنحو 400 مليون جنيه استرليني (نحو نصف مليار دولار) لمجموعة إمبراطور الصلب سانجيف غوبتا الذي تخضع أعماله حالياً للتحقيقات الجنائية بتهم الفساد والاحتيال. كان القرض عبر شركة "غرينسل كابيتال" ومدعوم من الحكومة ضمن قروض التيسير التي قدمتها في وقت أزمة وباء كورونا. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون يعمل مستشاراً لشركة "غرينسل" فيما كشفته الصحف وعرف باسم فضيحة "غرينسل" حيث توسط كاميرون لحصول الشركة على دعم حكومي عبر علاقاته مع زهاوي في وزارة الأعمال وقتها.

لم تنل كل تلك الأحداث من مستقبل ناظم زهاوي السياسي ضمن حزب المحافظين، لكن عدم الإفصاح عن مشكلات التحقيق في تهربه الضريبي وهو وزير للخزانة في حكومة بوريس جونسون يمكن أن يكون ضربة قاصمة، خصوصاً لحكومة ريشي سوناك التي تعهدت بأن تغير من ثقافة المحسوبية وعدم الالتزام بالقواعد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير