Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سؤال عن مدى تطابق حقبة التسعينيات مع الروعة التي تستعاد بها الآن

باتت موضع حنين لدى مراهقين لا يعرفوها إلا عبر الأفلام والتلفزيون وأشرطتهم على تيك توك تتكاثر بالترافق مع عرض الجزء الثاني من مسلسل عنها تعرضه نتفليكس

هل كانت التسعينيات مرحلة طيبة بالفعل؟ (غيتي)

لا شيء أروع في عيون مراهقي اليوم من الأمور التي كانت رائجة قبل 30 سنة. لعبة تاماغوتشي الإلكترونية. والهواتف النقالة القابلة للطيّ. والممثل كيانو ريفز. وتنتشر على "تيك توك" فيديوهات يصوّرها شباب وُلدوا بعد بداية الألفية الثانية، يتخيّلون فيها "حياة المراهقين في تسعينيات القرن الماضي". وإذ يتمايل مراهقو اليوم على أنغام موسيقى أليس ديجاي الراقصة، فإنهم يتخيّلون زمناً رائعاً وبعيداً "تغيب عنه وسائل التواصل الاجتماعي" "ووسائل اللهو التافهة"، وحيث "تقضي ساعات بصحبة أصدقائك وحدهم، وتتحدث معهم".

بعد مرور ثلاثة عقود على تلك الحقبة، اكتسب إنتاج ثقافي يُنظَر إليه بوصفه قد حدّد شكل التسعينيات القرن الماضي رونقاً جديداً، هو وهج الحنين الوردي. إنه أمر مثير للفضول وغريب ومغرٍ. وكذلك يصفه أحد صناع المحتوى على "تيك توك" بكلمات تتضمن إنه في تلك الحقبة "لم يكن الوضع وردياً كل الوقت. في المقابل، فمن اللطيف أن نراها بهذا الشكل".

 هذا الأسبوع، "يعود" إلى الشاشات مسلسل آخر شكّل معلماً ثقافياً في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي، عبر إطلاق جزء جديد له. تحوّل "عرض عن تلك السبعينيات" [ذات سفنتيز شو] That ’70s Show المسلسل الذي يتناول فترة بلوغ سن الرشد خلال سبعينيات القرن الماضي في ولاية "ويسكونسن"، إلى "عرض عن تلك التسعينيات". لا يزال المراهقون القابعون في قبو المنزل يدخّنون الحشيشة موجودين في البرنامج، لكن بدلاً من آشتون كاشتر وميلا كونيس اللذين يرتديان بناطيل بأرجل واسعة وتسريحة الشعر الملفوف، أصبح المراهقون في مدينة "بوينت بلايس"، وأولاد أبطال المسلسل الأساسيين، يلبسون قمصاناً مخططة ويعتمرون قبعات بيسبول مقلوبة ويشربون من أكواب "سولو" الحمراء. وفي مقال نشرته "اندبندنت" قبل أيام قلائل، رأى الزميل نيك هيلتون، أنّ المسلسل "باهت وغير حماسي". وكذلك أطلق عليه ناقد آخر صفة "نوستالجيا من نوع طبق "توردكن" المتعدد الطبقات"، ما يعني أن الحنين إلى السبعينيات الذي أطلق المسلسل الأساسي، بات يُضاف إليه الآن الحنين إلى ذلك المسلسل، وكذلك الحقبة التي أُذيع خلالها، ما يجعل تلك العاطفة شبيهة بطبق "توردكن" Turducken المؤلف من مجموعة طيور محشوة داخل طيور أكبر منها. [يتألف إسم توردكن من الطيور الثلاثة المحشوة داخل بعضها البعض وهي ديك رومي داخله بطة محشوة بدجاجة].    

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، تتشابه فكرة البرنامج وجاذبيته بأكملها مع كل فيديوهات "تخيلوا لو كنتم مراهقين في التسعينيات" الرائجة على "تيك توك". واعتبرت ليندزي تورنر، إبنة مؤلفي المسلسل الأصلي بوني وتيري تورنر، التي تشاركهما الانتاج التنفيذي للمسلسل الجديد، أنّ التسعينيات "كانت آخر فترة رفع فيها الناس أبصارهم إلى الأعلى. ولم تكن أنظارهم مخفوظة دوماً إلى الأسفل كي يحدقوا في هواتفهم". وكذلك تصف ليندزي ذلك العقد بأنه آخر فترة "من التفاعل الفعلي حين كنت تخلق متعتك بنفسك وتتواصل بشكل فعلي مع الآخرين". 

واستدراكاً، لا شك بأنّ تصوير تلك الحقبة بأنها سنوات جرى التواصل فيها بشكل أفضل، هو أمر يعطي صورة جذابة. فهل ذلك صحيح فعلاً؟ هل كان المراهقون عندها "يرفعون أبصارهم" وينتبهون إلى تفاصيل العالم بشكل يعجز عنه مراهقو اليوم؟ أم أنّ "التفكير في ذلك مريح"؟

في ملمح متصل، لقد أتمّت كارولين جونز عامها الثاني عشر في 1990. وتعود السيدة التي "ارتادت حفلات كثيرة" لموسيقى البوب البريطانية، بالذاكرة إلى ذلك العقد. وترى إنه زمن ساده تفاؤل أكبر من الوقت الحاضر. وتضيف جونز، "لا شك أنك كنت تشعر بأنك تعيش اللحظة أكثر. (لم تنتشر) الهواتف النقالة إلى أن دخلتُ كلية الفنون في العام 1998 مع ملاحظة أن تلك الخليويات لم تكن متقدمة جداً حينها، وانحصر استخدامها بإرسال الرسائل النصية عبر هاتف نوكيا".

وكذلك تربط آنا واليتزكو، المحللة السلوكية في شركة الاستشارات "كانفاس 8" Canvas8 الجو العام لحقبة التسعينيات بقيود التواصل عبر النماذج الأولية من الهواتف النقالة. وبحسب كلماتها، "أتذكرون هواتف الخليوي القابلة للطيّ؟ تعطيك طريقة طيّ الهاتف وإغلاقه شيئاً من الرضى. وحينما تغلقه، تتوقف عن النظر إليه لفترة. إن ذلك التصميم يشبه المحار، ويعطيك شيئاً من الشعور بالحسم". 

في سياق متصل، تشير فانيسا غوردون إلى أن "عائلتي لم تشترِ حاسوباً إلا في أواخر التسعينيات". وتتذكر غوردون التي أصبحت اليوم رئيسة تنفيذية وناشرة لمجلة "إيست إند تايست" East End Taste Magazine، كيف كوّنت صورة عن الانترنت باعتبارها "كياناً قيد التطور". وتضيف، "آنذاك، لم نفكر كثيراً في ذلك الموضوع". وفي المقابل، طَبَعت سنوات مراهقتها المساحات الحقيقية في حياتها. "أذكر أن الذهاب إلى المركز التجاري شكل أمراً مهماً جداً. ارتياد دور السينما، والتسكع في قاعة الألعاب، والاجتماع بالأصدقاء لتناول القهوة في المكتبة المحلية. أنا أثمّن بالفعل ذلك الوقت من حياتي".   

في مثل اخر، تتذكر المستشارة الإبداعية جيادا ديل دراغو التي كانت طالبة فنون في "كلية سنترال سانت مارتنز" إبان حقبة التسعينيات، "الكثير من أحلام اليقظة وغياب التكنولوجيا". وتصف دراغو تلك الحقبة بأنها "زمن تدبير الأمور والأحلام الكبيرة". وتعود ديل دراغو بالذاكرة إلى الوقت الذي قصّت فيه كل شعرها وانتقلت من "نموذج الشخص المتمتع بعاطفة الهيبيز ويحب موسيقى غرنج روك البديلة، إلى شخص يتبنى ذائقة السايبربانك ويحب حفلات الرقص التي يرافقها عزف موسيقى الرايف". [غالباً، توصف موسيقى الرايف بالإلكترونية، لأنها من أوائل الأنواع التي عزفت على آلات إلكترونية بألحان تتناسب مع تلك الأدوات].

لقد ابتاعت دراغو إبان مراهقتها تلك، تذكرتين لحفلة رقص على الرايف في "أكاديمية بريكستون". وتضيف، "قررت أن أدعو أول شخص لطيف ألتقي به في الكلية لمرافقتي". ومع ذلك، فيما قد يبدو هذا الكلام مذهلاً لمراهقي اليوم، تشرح ديل دراغو أن العلاقات شكلّت أمراً صعباً في الحقيقة. وتشرح، "لقد توجب عليك بذل جهد كبير في العثور على أشخاص يمكنك التآلف معهم. وفي النهاية، تجد أنك تتسكع مع أشخاص لا يحبون الأمور بالفعل الأمور نفسها التي تحبها أنت. إنهم مجرد أشخاص من الصف الدراسي أو من مكان العمل". وكذلك تلمح إلى أنه بدل التقليص من التواصل والتفاعل بين الناس، تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي عليهم "العثور بالفعل على أشخاص يشبهونهم أو الحفاظ على اتصال دائم معهم".

في سياق متصل، بلغ آندي هيل سن المراهقة في العام 1993، وهو يعمل الآن كاتباً وكاتباً خفياً [الكاتب الخفي يؤلف النصوص لكنها تنشر بإسم شخص اخر]. ويعتقد بإن "الناس أظهروا انفعالاً أقل إزاء المواضيع السياسية" في تسعينيات القرن الماضي، ويصف تبادل الأحاديث الشخصية المباشرة بين المراهقين "حول كرة القدم أو مسلسل سيمسونز" على أنها "مُفرحة". وفي المقابل، يعتقد هيل كذلك أنه "من الأسهل البقاء على اتصال بالأصدقاء" في زمن الهواتف الذكية. وبحسب كلماته "أعتقد بأن وجود الشاشات في كل مكان هو تحسين في الحياة. في التسعينيات، كنت شخصاً خجولاً في نهاية فترة مراهقته، أستلقي على سريري في شمال لندن وأنا أفكر بأنه 'لا بد أن يكون في الجوار فتيات قد أثير اهتمامهنّ. ربما تجد التكنولوجيا الحل في يوم ما وتساعدني على الالتقاء بهن'." والآن، مع وجود تطبيقات المواعدة ومنصات التواصل الاجتماعي في متناول يدنا حرفياً، يظن هيل بأن "الوحدة باتت أقل" من ذي قبل ربما.

في سياق موازٍ، يشغل أليكس سترانغ منصب محرر المقالات التحليلية في موقع "كانفاس 8". ويشدد على أن "الحنين أداة قوية"، لكن الروايات المتعلقة بـ"أيام الزمن الجميل" تميل في الغالب إلى استثناء بقية المشهد الكامل. ووفق رأيه، "إن كانت تلك الحقبة الزمنية تبدو أكثر صفاء عبر عدسة أفلام تسعينيات القرن الماضي، والفيديوهات الموسيقية، أو حتى نواحيها الجمالية، فهذا لا يعني بأنها كانت كذلك بالفعل. ومرد ذلك أن الأشخاص الذين عاشوا حقبة التسعينيات بالفعل ربما مالوا إلى القول بإن اليافعين لم يكونوا يحنون رؤوسهم للنظر إلى الهواتف الذكية، لكن (عديدين من بينهم) كانوا ينظرون بلا أي شك إلى لعبة غايم بوي، ويلازمون غرفهم ليلعبوا على أجهزة الألعاب". إذاً، هل تكون فكرة أنّ عصر ما قبل الهواتف الذكية "كان آخر مرة رفع فيها الناس أبصارهم" مجرد وهم؟   

في ذلك الصدد، يأتي رأي الدكتور نيل إيون الذي يشغل موقع كبير المحاضرين في مادة الاتصالات في "جامعة إكستر". وقد لاحظ أن العديد من طلابه شرعوا "بارتداء قمصان تحمل شعار فرقة نيرفانا وهي نفسها التي كنت أرتديها في فترة مراهقتي قبل أن يتوفى الموسيقي كيرت كوبان وتنطفئ موسيقى الغرانج [نوع من الموسيقى البديلة]". لكنه لا يعتقد بأن هذا الأمر استثنائي. فمنذ ولادة ثقافة المراهقين في خمسينيات القرن الماضي، "ظهرت الاتجاهات في الثقافة الشعبية وعمّت السوق قبل أن تختفي، ثم تعاود الظهور بعدها بسنوات عدة". في الوقت نفسه، يشدد إيون على أنّ التسعينيات لها وقعها الخاص. وبحسب كلماته، "أولاً، هي بلا شك نهاية عصر (عصر الحياة خارج الإنترنت) وبداية عصر جديد (المجتمع المرتبط عبر شبكة الانترنت) وثانياً، غالباً ما تعتبر آخر مرة لم يكن العالم فيها يتداعى".

ويلفت الدكتور إيون إلى أنه خلال التسعينيات، تصوّر منظّرون كثر أن التقنيات الجديدة "ستحررنا وتخلق عالم يوتيوبيا جديد يكون فيه العمل آلياً ويصبح لدى الناس المزيد من وقت الفراغ للاسترخاء والابتكار". وبالطبع، لقد ثبت في يومنا هذا أن هذه الفكرة مجرد وهم. "بدل أن تحرّرنا، غالباً ما يُنظر إلى التقنيات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي على أنها خلقت نظم مراقبة تولّد القلق". كذلك يؤكد الدكتور إيون، "نعيش (الآن) في أزمة رأسمالية طويلة الأجل، حيث من يدير الاقتصاد هو 1 في المئة من الناس، وهم الذين ينتفعون منه وحدهم، فيما غالبية الأشخاص العاديين يجدون صعوبة متزايدة في الحياة اليومية بينما سُحب التمويل من أبسط الخدمات العامة التي انهارت". في هذا السياق، يرى إيون إنه "من السهل أن نفهم سبب ازدياد الحنين إلى التسعينيات التي شكّلت عقد السلام النسبي والازدهار حين كان الأمل في المستقبل لا يزال موجوداً".

كذلك يحرص الدكتور إيون على أن يبدد بعضاً من تلك النظرة الوردية إلى الماضي، إذ يلفت إلى إنه "إذا كنت فقيراً أو تنتمي إلى مجتمع مهمّش، فإن التسعينيات لم تكن طريقاً معبدة بالزهور بالنسبة إليك". وزيادة على ذلك، يشدد أنّ "التسعينيات شهدت مشاكل كثيرة لكنها غالباً ما تُمحى من الذاكرة الشعبية". ويذكر إيون بحرب يوغوسلافيا والإبادة العرقية في رواندا وتفجيرات الجيش الجمهوري الأيرلندي وحادثة ضرب رودني كينغ. [سائق شاحنة أميركي ببشرة سوداء. تعرض للضرب بشكل عدواني على يد ثلة من الشرطة الذين لم يعاقبوا بجدية على فعلتهم. وأطلق ذلك موجة احتجاجات عرقية في أميركا].

إذاً، بدل التفكير بصورة واقعية الواقع، وفق الدكتور إيون، يعمل "الحنين على خلق وهم في الماضي كطريقة للتعامل مع مشاكل الحاضر". 

في نفسٍ مشابه، يأتي رأي الدكتورة آغنس آرنولد فوستر التي تعمل مؤرخة لشؤون الطب والرعاية الصحية والمشاعر، وتعكف حاضراً على تأليف كتاب عن الحنين. إذ ترى إن التفسير الشائع لـ"موجة الحنين" الحالية للتسعينيات يأتي من أنّ "الاستقطاب السياسي والجائحة قد أحدثا اختلالاً لدى الناس، بحسب ما يُزعم، ما دفعهم للعودة إلى التسعينيات بحثاً عن الاستقرار". في المقابل، تحثنا فوستر على التشكيك في هذا التحليل. وتضيف، "لقد وجدت 'موجات الحنين' هذه في المجتمع والتحليل الثقافي بشكل مستمر تقريباً منذ سبعينيات القرن الماضي على أقل تقدير". وكذلك تشير إلى أنّ "ما يُحكى عن لجوء الناس إلى تسعينيات القرن العشرين سببه أن عشرينيات القرن الحالي غير مرضية بشكل من الأشكال" يسيء تقدير ذلك العقد [التسعينيات]، وما أتى بعده. وبدلاً من اعتبار موجة الحنين الحالية "وليدة الاستياء المعاصر"، ترى الدكتورة فوستر إنه "يتوجب علينا أن نراها نتيجة مباشرة للتسويق والإعلام".

وتتابع فوستر، "إن إعادة نشر موضة التسعينيات والبرامج التلفزيونية والأفلام من تلك الحقبة يرتبط أيضاً باعتمادنا على أمور نعلم أنها لاقت رواجاً في السابق، وأقبل الناس على شرائها ودرّت المال في السابق، ويمكننا أن نتوقع لها النجاح مجدداً". ببساطة، لا يجلب الحنين الراحة فحسب، بل المبيعات كذلك. 

ربما تستفيد المسلسلات التي جددتها "نتفليكس" عبر تصوير ذلك العقد [التسعينيات] على أنه وقت ساد فيه ترابط وتفاعل أكثر وحتى "أنقى"، بالمقارنة مع الحاضر. في المقابل، لا تستند تلك الرؤية إلى الواقع. وبحسب سترانغ، "لم تكن الحياة أسهل في العصر الذي سبق ظهور الانترنت. إن هذا وهم. من دون الانترنت، كان من الأصعب أن تعرف عن مشاكل أي أحد آخر، أو تتعامل معها أو أن تلتفت إليها".

من المستطاع حاضراً مشاهدة "عرض عن تلك التسعينيات" على "نتفليكس"

© The Independent

المزيد من منوعات