Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فقدت ثلاث دول أفريقية حق التصويت في الأمم المتحدة؟

لا أحد ينكر دور المنظمة الدولية وأهمية التعبير عن الرأي في ردهاتها وما قد يجره الحرمان من ذلك

لم تستطع الأمم المتحدة الحصول على الرضا الكامل من عضويتها المتزايدة التي بلغت 193 دولة عضواً، خصوصاً من الدول النامية والفقيرة في أفريقيا (غيتي)

مرت على الأمم المتحدة حوالى 78 سنة منذ إنشائها في عام 1945، وعلى رغم هذا العمر الطويل لم تستطع المنظمة الدولية الحصول على الرضا الكامل من عضوياتها المتزايدة التي بلغت 193 دولة عضواً، خصوصاً من الدول النامية والفقيرة في أفريقيا التي ظلت تشهد حروباً وتغييرات دولية مع استقلال أغلبها بعد الحرب العالمية الثانية وانضمامها إلى الأمم المتحدة. وكانت هذه البلدان ترنو إلى حقبة جديدة في السياسة الدولية، تساعدها عضويتها في المنظمة الدولية في تفعيلها وحل قضاياها الناشئة، بما ينطبق عليه الدور المنوط بها، حيث تتمكن الجمعية العامة للأمم المتحدة من توفير حق ممارسة السياسة الدولية وتكوين نظرة ثاقبة وقدر كبير من المعلومات حول القضايا الأكثر بروزاً للدول الأعضاء، وحول تفضيلاتهم واتجاهات تصويتهم عليها.
هذه التجربة الطويلة جعلت أغلب الدول الفقيرة الواقعة تحت ثقل ديون خارجية، لا تعبأ كثيراً بسداد الاشتراكات المالية للمنظمة الدولية، فتحرم من التصويت، بحسب المادة 19 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن "الأعضاء الذين تساوي متأخراتهم مبالغ مساهماتهم عن العامين السابقين كاملين أو تزيد على ذلك يفقدون حقوقهم في التصويت". أما الاستثناء بالسماح الجمعية العامة للدولة العضو بالتصويت، هو عند اقتناعها بأن التأخر في السداد ناشئ عن أسباب لا قبل للدولة العضو بها مما ساهم في عجزها عن الدفع.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أخيراً، أن ثلاث دول أفريقية فقدت حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي جنوب السودان وغينيا الاستوائية والغابون، إضافة إلى ثلاث دول أخرى هي لبنان والدومينيكان وفنزويلا. أما جزر القمر وسان تومي وبرينسيبي والصومال فقد تم استثناؤها بقرار صدر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وسمح لها على رغم تأخرها عن السداد، بالتصويت في الجمعية العامة حتى نهاية الدورة الـ77.

واقع الدول الثلاث

لا يتطلب الوفاء باشتراكات الأمم المتحدة انتعاشاً اقتصادياً قوياً، ولا يتوقع من دول ترزح تحت أزمات سياسية واقتصادية إيجاد طرق لتحسين علاقاتها مع الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة منها، فبينما تطالبها هذه المنظمات بإطلاق برامج إصلاح سياسي واقتصادي موثوق، فإنها بالمقابل تنتظر الدعم من هذه المنظمات، إذ لا يلوح في الأفق ما قد يؤدي إلى تراجع أزماتها، أي أن عدم سداد الاشتراكات هو انعكاس للأزمة السياسية والاقتصادية في هذه البلدان.
بعد انفصال "دولة جنوب السودان"، التي أصبحت العضو 193 في المنظمة الدولية، تعين على الأمم المتحدة دعمها كما فعلت مع الدول الأفريقية الأخرى التي كانت مستقلة حديثاً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وكان الحماس المرافق لدور الأمم المتحدة مدفوعاً بذلك الانفصال عن بلد مختلف إثنياً ودينياً ظل يروج له على أنه استغل موارد الجنوب الطبيعية وثرواته من دون أن يسهم في تنميته. كما كانت الأمم المتحدة مدفوعة من قبل بأن تلك الدول المستقلة أفقرتها القوى الاستعمارية وأساءت حكمها. وبعد ذلك تواضعت جهود الأمم المتحدة في "جنوب السودان" ووقفت عاجزة أمام النزاعات القبلية والصراع حول السلطة وتفشي الفساد في أروقة الحكم، مثلما تواضعت جهودها من قبل مع الدول المستقلة حديثاً، وقل دعمها بعد الحرب الباردة ثم أصبحت تعطي باليمين ما تأخذه من هذه الدول باليسار عبر قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولم تتبق كيانات فاعلة إلا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي (الفاو) وغيرها من المنظمات الإنسانية.
أما غينيا الاستوائية فتعاني أيضاً عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والفساد في ظل سعي الرئيس تيودورو أوبيانغ نغويما، إلى تمديد حكمه الذي دام 43 عاماً. وكذلك تعاني الغابون أحداث عنف بين حين وآخر، فتسيطر على الحكم فيها عائلة بونغو منذ حوالى نصف قرن منذ عام 1967، ووصل الرئيس الحالي علي بونغو أونديمبا (الابن) إلى السلطة في عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونغو، عقب انتخابات رئاسية رفضتها قوى المعارضة.

استعادة حق التصويت

ووفقاً لرسالة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش فإن الحد الأدنى من المدفوعات اللازمة لاستعادة حقوق التصويت لهذه الدول هو 196 ألف دولار لدولة جنوب السودان، و619 ألف دولار لغينيا الاستوائية، و62 ألف دولار للغابون.
ولا تستعيد الدول حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا بعد تسديد المبلغ المطلوب لحفظ حقوق البلد في الأمم المتحدة، مثلما فعل السودان العام الماضي، إذ دفع مستحقاته المقدرة بحوالى 300 ألف دولار أميركي. كما استعادت إيران حق التصويت في يونيو (حزيران) 2021، بعد دفع الحد الأدنى للمبلغ المطلوب لاستعادة التصويت الذي فقدته في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكان أن مكنتها الولايات المتحدة من استخدام أرصدة مجمدة في كوريا الجنوبية في سداد حوالى 16 مليون دولار. وكانت طهران مدينة بأكثر من 65 مليون دولار من مستحقات الأمم المتحدة على مدى عامين ماضيين، لكنها سددت الحد الأدنى منها.  ورافق استعادة إيران حق التصويت، عبر سداد جزء من مديونيتها، جدل بأنها استثمرت فرصة سداد المتأخرات لاستعادة جزء من أموالها من عائدات النفط التي تم تجميدها في بنوك كوريا الجنوبية، فطلبت الأمم المتحدة إذناً من وزارة الخزانة الأميركية لمتابعة طلب إيران. وتبلغ عائدات النفط الإيراني المجمدة بسبب العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018 حوالى 20 مليار دولار في كل من كوريا الجنوبية والعراق والصين.
الحالة الثانية التي يمكن استعادة التصويت من خلالها هي بحسب ما يقرر عنه أنه "ظروف استثنائية"، تكون فيها القدرة على الدفع لسداد المتأخرات خارجة عن إرادة الدولة العضو، وفي هذه الحالة يمكن لأي بلد أن يستمر في التصويت، مثلما سمحت الجمعية العامة للأمم المتحدة استثنائياً لجزر القمر وسان تومي وبرينسيبي والصومال بالاحتفاظ بحق التصويت في الجمعية العامة حتى نهاية الدورة الـ77، وكانت هذه الدول الثلاث قد منحت الإعفاء ذاته العام الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أنماط التصويت

بينما يتردد صدى حرمان هذه الدول الأفريقية الثلاث من التصويت في الأروقة الدولية، فإن التهديد نفسه يترنح تحت ما تتهم به الجمعية العامة للأمم المتحدة من ازدواجية المعايير، خصوصاً في القضايا الأفريقية التي تحرك أنشطتها. ويدور النقاش حول تغير أنماط التصويت منذ نهاية الحرب الباردة، إذ انتهى الانقسام بين الشرق الشيوعي والغرب الليبرالي الذي كان سائداً وحل محله الانقسام بين الشمال الغني والجنوب الفقير. وبهذا فإن القضايا الموضوعية التي كانت تحكم التصويت فيما قبل، تتكرر ولكن بشكل آخر. وبينما تفضل الدول الأعضاء الفقيرة وجود منظمة قوية وداعمة، ترتكز تفضيلات الدول الغنية على تأسيس تحالفات وخلق كتل تصويتية رئيسة يمكن أن تتحكم في مجموعات التصويت الأخرى المكونة من دول صغيرة هامشية. بمعنى آخر فإن التقسيم يكون على أساس النظم السياسية، أي أن الأنظمة الديمقراطية تميل إلى التحالف مع بعضها، كما أن النظم الديكتاتورية أيضاً تميل إلى خلق تكتلات، وهذه الأخيرة تواجهها معضلة التصويت في قضايا الحقوق السياسية وحقوق الإنسان والتعبير عن الرأي وغيرها مما تجتمع حوله التحالفات بين الديمقراطيات.
وأدى ذلك إلى تكوين مجموعات إقليمية معترف بها في الأمم المتحدة من أجل ضمان التمثيل الإقليمي، وبينما يشجع ذلك على التضامن في التصويت مما ينعكس على تعظيم تأثير المجموعات في النتائج، فإنه من ناحية أخرى يقلل من قدرة الدولة المعينة على التصويت منفردة، أو أن يكون صوتها ذا أثر. أما الخطورة فتكمن في التصويت على القضايا الجوهرية التي تنقسم حولها الدول في الجمعية العامة، وتحمل مواقف متباينة، فنجد أن التداخل بين المجموعات يضر بهذه العملية، ويتضح ذلك في حالة القوى العظمى، مثل إدراج الولايات المتحدة ضمن مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى.
وتعتمد دول الجنوب على المجموعة الأفريقية ذات الثقل في الأمم المتحدة، لعرقلة تمرير بعض القرارات خصوصاً في قضايا تقرير المصير ونزع السلاح، ولكن ترجح امتيازات القوى العظمى التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الذي تديره مجموعة الـ 15 عضواً، منها القوى الخمس دائمة العضوية وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، إضافة إلى 10 دول أخرى غير دائمة العضوية في المجلس.

حافز التكتل

وتشترك الدول الأفريقية الثلاث في أنها دول منتجة للنفط، فدولة جنوب السودان بعد الانفصال آلت إليها حوالى 75 في المئة من حقول النفط التي تقع في أراضيها من دولة السودان الشمالي. وتعد غينيا الاستوائية أصغر منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، أما الغابون فتأتي في المرتبة الثانية من حيث الإمدادات الأقل من بين الدول الأعضاء في "أوبك"، ولكنها تركت المنظمة بسبب الرسوم السنوية المرتفعة.

 ومع ذلك، فإضافة إلى أزماتها السياسية والاقتصادية، التي تحد من قدرتها على سداد متأخراتها، فإن هذه الدول قد لا تكون حريصة على ذلك على رغم أن هنالك قضايا تمسها بشكل أو بآخر قد تحتاج إلى التصويت عليها. ولكنها تعتمد على الكتلة المكونة من بلدان الجنوب (الأفريقية) في الأمم المتحدة. ويلاحظ أنه على رغم أن لدى هذه الدول ما يجمعها في الأمم المتحدة، إلا أن حافزها على التجمع في سياقات أخرى إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي أو "إيغاد" وغيرها يتلاشى عند مطبات كثيرة إذ تستبدل بالاصطفافات والتحالفات مع هذا، وضد ذاك. ومع ذلك فإنه لا أحد ينكر دور الأمم المتحدة وأهمية التصويت في ردهاتها، وما قد يجره الحرمان منه، فبفاعليتها في فض النزاعات والحروب ومنع وقوع إبادات جماعية، تكون أهمية التصويت على قرارات تحد من مضي قيادات الدول في هذه التجاوزات. كما يمثل إخفاق المنظمة الدولية في توفير استجابات مجدية لحل كثير من الأزمات لا سيما في أفريقيا، دافعاً لهذه الدول بعكس صورة مشوهة للسياسة العالمية العامة التي تعبر عنها الأمم المتحدة من خلال التراخي عن اتخاذ قرارات حاسمة أو عدم تقديم دعم متوقع منها.   

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل