Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تجمع التكنولوجيا بين الحفيد وجده أم تفرقهما؟

العاطفة الفطرية التي يحملها جيلان متناقضان تجعل العقل البشري يطرح مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى تفسير

الأجداد الذين تعلموا بعض مبادئ الهواتف الذكية وقعوا في مصيدتها أيضاً مع الأحفاد (أ ف ب)

عندما علم وائل ابن السبعة أعوام أن جديه سيأتيان لزيارتهما في منزلهم بدأ الاحتفالات مع أخته الصغرى ابنة أربع سنوات، وعلى رغم عدم مرور مدة طويلة منذ آخر مرة رأياهما فيها، إلا أن خبر مجيئهما عنى لهما فرحاً عارماً، فأغدقاهما اتصالات ليتأكدا أنهما فعلاً قادمان، أم أنها إحدى الأكاذيب التي اعتاد الأهل قولها ليحصلوا على بعض الهدوء من أولادهم أو ليدفعوهم لفعل شيء ما يرفضون القيام به.

فما هذا الرابط الخفي بين الأجداد والأحفاد، وما سر بقائه آسراً على رغم الحياة السريعة القائمة على التكنولوجيا وانغماس الأطفال فيها حد النخاع، ومثلهم أجدادهم ممن تعلموا بعض المبادئ ووقعوا مثلهم في مصيدتها، وهل ما زال للجد والجدة مكانهما في زمن التكنولوجيا؟

رابط انتماء خفي

يبدو أن الفكرة الجمعية عن مفهوم الجدة والجد تورث باللاوعي، فالطفل يأتي ومعه بيانات كاملة تدفعه للحنو نحو جديه، فصلة الوصل بينهم تتخطى حدود الجسد والدم وتتصل بنقطة أعمق من الانتماء المتبادل القائم فقط على الحب، حتى في أشد الحالات النافرة من القسوة أو النكران أو اللامبالاة التي قد يتصف بها بعض الأجداد.

إن مجيء طفل للحياة قادر على صنع المعجزات ضمن العائلة، بخاصة التي ضرب الشقاق كيانها بين الأبناء وآبائهم، فما يلبث أن يرى الآباء أحفادهم حتى يسري في العائلة نوع من الهدنة ربما، وأحياناً كثيرة تذهب الأمور إلى الحل وعودة العلاقة أفضل مما كانت.

إن هذه العاطفة الفطرية التي يحملها جيلان متناقضان لبعضهما تجعل العقل البشري يطرح مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى تفسير، فالرابط الخفي الذي يغذي هذه العلاقة بالأمان والعطاء يستدعي التفكر، وعليه فقد أجرى الدكتوران سارة مورمان وجيفري ستوكس دراسة كانت نتيجتها، أن "الأطفال الذين يكبرون مع قرب عاطفي أكبر من أجدادهم هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب كبالغين، وبالنسبة إلى الأجداد يمكن أن تعزز العلاقة الوثيقة مع أحفادهم وظائف المخ وتحمي من الاكتئاب وتزيد عمرهم".

التكنولوجيا تساوي الأجيال

دخلت التكنولوجيا اليوم إلى حياة البشر فغيرت تموضع بعض المفاهيم وطريقة التعامل معها وألفت قلوباً وأسهمت بنزاع أخرى، وما بين إيجابياتها وسلبياتها أخذت لها مكاناً صعب التنازل عنه في حال من اللاوعي، إذ أصبح ابتعاد الشخص عن هاتفه الذكي شكلاً من أشكال الغربة أو شعوره أنه بالمنفى، أو ربما حال إدمانية من الصعب اكتشاف طريقة متوازنة لاستخدامها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذ لا يخلو بيت من هواتف ذكية خاصة بكل فرد من أفراده، صغيراً كان أم كبيراً، وبما أن الكبار هم قدوة الصغار، فيلاحظ أن الأجداد الشباب، ممن لم تتجاوز أعمارهم 70 سنة ولا تقل عن 50 يحملون هواتفهم الذكية بعد أن تعلموا طريقة العمل على تطبيقاتها وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض الألعاب التقليدية التي كانوا يمارسونها سابقاً على أرض الواقع كأوراق اللعب والشطرنج وأصبحوا يزاولونها باستخدام الهاتف، ليدخلوا معها ضمن خانة المنشغلين معظم وقت الفراغ بهذه الشاشة.

أما طفل هذه الأيام فاعتاد رؤية من هم أكبر قابعين معظم اليوم خلف شاشاتهم، وإن أرادوا تسليته وهو في عمر صغير جداً كان الهاتف أول الأدوات، وعليه فقد شق الإدمان طريقه لعديد من الأطفال وأصبح إرشادهم صعباً أو شبه مستحيل في ظل سلوكيات ما كان يجب أن تكون.

أثر التكنولوجيا

على حافة الأريكة تجلس آمال ابنة خمس سنوات تسرح شعر جدتها التي لم تتجاوز 53 سنة من عمرها، فبعد أن حاولت فك خصلات شعر لعبتها ولم تنجح نادتها الجدة لتحل مكان لعبتها وتسمح لها بالاستمتاع بوقتها، لكن الفتاة الصغيرة لن تحترم أصول اللعبة فهي تريد أن تلفت نظر جدتها المعلقة عيناها في هاتفها الذكي علها تحصل على رد فعل سلبي أو إيجابي، لكن الجدة تنظر إليها وتبتسم وتخبرها أنها ألمتها، ليأتيها الرد "ابقي معي يا جدتي أريد أن أحدثك بشيء".

هذا بينما كان الطفل وائل المحتفل بقدوم جديه لمنزله، قد مر على جلوسه معهم خمس دقائق، فما كان منه إلا أن بحث عن هاتف والدته ليلعب بإحدى الألعاب الإلكترونية أو يشاهد من يلعبها، وعلى رغم محاولة والديه وجديه ثنيه عن هذا السلوك ليجلس معهم، اضطر للانتقال إلى غرفة أخرى ليكمل ما بدأه بهدوء.

في الوقت ذاته أشادت كثير من الدراسات باستخدام الأجداد للتكنولوجيا التي سهلت ويسرت تواصلهم مع أحفادهم، إذ خلصت بعض الدراسات إلى أن "استخدام التكنولوجيا الجديدة، بخاصة للعائلات التي يعيش أفرادها في أماكن بعيدة من بعضهم، يحتوي على تأثير إيجابي في جودة حياة الأجداد إذ يقلل شعورهم بالوحدة ويمنحهم شعوراً بالاستمرارية".

عنصر جذب

فهمت جدة آمال أنها تريدها أن تحدثها وتشاركها بعض الأحاديث والقصص، فما كان منها إلا أن استسلمت لمرادها واسترسلتا في الكلام، وهذا ما فعلته جدة وائل التي عملت على خلق عنصر جذب لحفيدها بأن بدأت تروي قصة لأخته الصغرى التي تسمرت أيضاً على هاتف والدها، لكنها بقيت جالسة مع الجميع، واستطاعت جدتها لفت انتباهها، فرفعت صوتها لترى وائل يطل من الباب ليسترق السمع.

 

لكن من الملاحظ أن تأثير التكنولوجيا أفقد كثيرين من الأجداد القدرة على رواية القصص، فبينما تبدأ القصة بعنصر مشوق إلا أن بريقها يخفت بعد دقائق معدودة، ويحتاج الأجداد إلى إيجاد عناصر أخرى غابت عن أذهانهم أو يقعون في فخ التكرار، مما يشعر الطفل بالملل ويستدعيه لأن يأخذ زمام المبادرة ويبدأ هو في رواية قصته الخيالية التي يستنبطها من مشاهدة أفلام الصغار أو مغامرات وأحاديث الكبار.

لكن هناك على الناحية الأخرى كثير من الجدات والأجداد ممن استطاعوا رواية قصص محملة برسائل مبطنة تفيد الطفل وتدخل في وعيه، وتؤثر في سلوكه بطريقة غير مباشرة وجيدة، وهذا النمط هو ما يفتقده كثير من الأحفاد الذين رسموا في خيالاتهم صورة رومانسية لأجدادهم لكنهم لم يحصلوا عليها بأرض الواقع.

زاوية رؤية

وعلى رغم كل ما قد يغيره الوقت من مفاهيم وتصورات وآليات تواصل، إلا أن علاقة الأجداد بأحفادهم تبقى حالة خاصة، فاستراحة الأجداد من السعي في الحياة لتأمين متطلباتها يجعل عقولهم وقلوبهم أكثر مرونة على الرؤية من زاوية أوسع، وضخ الحب الذي يحملونه بين ضلوعهم لطفل يعني لهم حياة جديدة واستمرارية واستدامة وقدرة على العودة أطفالاً مثلهم والقفز والضحك والقيام بحركات ما كانوا سيقومون بها إلا كرمة لأعينهم، فما فاتهم مع أبنائهم يعوضونه مع أحفادهم مع بقاء مسافة أمان ليقوم الوالدان بمهمتهما في رعاية أبنائهما.

وفهم صناع الكرتون وبرامج الأطفال هذا الرابط القوي، فكانت البرامج التي تحوي شخصية الجد والجدة من أكثرها قرباً لكل أفراد الأسرة وليس فقط الأطفال.

ومن أهم ما صنع في العالم العربي هو برنامج "كان يا ما كان" السوري، الذي يعرفه القاصي والداني في العالم العربي من جيل الثمانينيات والتسعينيات، فقد مثلت الفنانة السورية سامية الجزائري دورة الجدة التي تروي قصصاً لأحفادها لتوصل لهم أفكاراً تؤصل فيهم الأخلاق وحسن التعامل بين الناس.

إن للأجداد مكانة عالية لا يفقدها بريقها الزمن فهي متأصلة في الجذور، في لاوعي البشر، فإن قلت جدة فأنت تعني الملجأ والدفأ، وإن قلت جد فأنت تعني السند والمرجع، أما الأحفاد فهم نبراس مبهج يهتدي بنوره الأجداد لممارسة حياة يأمل الجميع في أن تكون متوازنة.

المزيد من تقارير