Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة القضاء اللبناني تقسم الطبقة السياسية وتشعل الشارع

حراس وزير العدل يعتدون بالضرب على نواب داخل مكتبه بالتزامن مع اعتصام لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت رفضا لـ"الانقلاب" على العدالة

وسط تصاعد التوتر بشأن التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، تعرّض عدد من النواب اللبنانيين، اليوم الخميس، للاعتداء والضرب داخل مكتب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هنري الخوري، خلال نقاش علا فيه الصراخ بين المجتمعين.

وقال النائب أديب عبد المسيح، للصحافيين، إنه خلال مطالبة النواب الوزير باتخاذ قرار قانوني في قضية المرفأ، "تم التعدّي علينا من قبل حراس وزير العدل"، مؤكداً حصول عراك وضرب بالأيدي طال النائبين وضاح الصادق وغسان حاصباني. وأضاف أنه تعرّض أيضاً للضرب وسلبه الحراس هاتفه الخلوي الذي كان يستخدمه لتصوير ما يحصل.

وطالب عبد المسيح بـ"سجن كل عناصر حماية وزير العدل فوراً وبإستقالة الوزير".

في المقابل، أعرب وزير العدل في بيان صادر عن مكتبه، عن أسفه "للمشهدية السيئة والمؤسفة" التي حصلت في الوزارة بسبب  "أولاً الأجواء القضائية المشحونة وثانياً نوايا بعض النواب الذين لم يلتزموا أصول التخاطب واللياقة مع الوزير".

وجاء في البيان أن "حماسة بعض النواب وصراخهم وتهجمهم على الوزير، وتحديداً النائب وضاح الصادق الذي كال لوزير العدل بألفاظ نابية طالباً منه الاستقالة إذا لم يتصرف، دفعت بالقاضي إيلي حلو التقدم من النائب طالباً منه الهدوء والجلوس، إلا أن النائب وضاح الصادق استشاط غاضباً وقال للقاضي ’شيل إيدك عني وليه‘،  فأجابه القاضي لا أسمح لك بإهانتي. وهنا ثار بعض النواب وتدافعوا صوب القاضي حلو الذي دفعه وضاح الصادق خارجاً عندما حاول الدفاع عن نفسه، وهنا تدخل امن الوزير ومرافقوه للحؤول دون التضارب الذي حصل بين مجموعة من النواب و الأمن".

وأسف وزير العدل "لهذا الاحتداد المفرط الخارج عن المألوف" مؤكداً أنه "أبدى كامل استعداده باستعمال كافة صلاحياته لمعالجة تداعيات ملف المرفأ ومستجداته".

 

وإثر الإشكال، حاول عدد كبير من المحتجين خلع البوابة الحديدية التابعة لوزارة العدل، واستُقدمت تعزيزات أمنية كبيرة إلى الموقع، حيث تواجه المحتجون والقوى الأمنية ما أدى إصابة البعض بجروح.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، بأنه تم توقيف المحامي واصف الحركة وناشطة على خلفية اقتحام بوابة وزارة العدل، ثم أعيد إطلاق سراحمها.

 

وتوجّه عدد من النواب إلى قصر العدل للقاء رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن مجلس القضاء الأعلى لن يعقد جلسته التي كانت مقررة بعد ظهر اليوم الخميس لبحث قضية المرفأ، بعد أن رفض ستة أعضاء التئامه تحت الضغط الشعبي.

وجاء ذلك أثناء تجمع أهالي عدد من ضحايا انفجار مرفأ بيروت  أمام قصر العدل في اعتصام دعماً لمسار التحقيق الذي يقوده المحقق العدلي طارق البيطار، بعد أن أشعل استئنافه التحقيق معركة غير مسبوقة في صلب الجسم القضائي في لبنان.

وفي خطوة جديدة، أصدر مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات قراراً الخميس، طلب فيه عدم استلام أي قرار أو تبليغ أو مذكرة أو أي مستند من أي نوع صادر عن البيطار كونه "مكفوف اليد وغير ذي صفة"، طالباً أيضاً إعلام قسم المباحث الجنائية المركزية بهذا القرار.

وأودع عويدات رئيس هيئة التفتيش القضائي نسخة من الملف المتعلق بالادعاء الصادر عنه في حق البيطار، طالباً الاطلاع على الملف "واتخاذ ما ترونه مناسباً".

وأثارت قرارات النيابة العامة التمييزية بدحض قرارات البيطار وإطلاق سراح جميع الموقوفين في قضية المرفأ، غضب أهالي الضحايا وفاقمت الانقسامات الداخلية في شأن هذا الملف.

وفي ظل تردي الأوضاع على الأصعدة كافة، ومع تسجيل الليرة اللبنانية سعر صرف متدن قياسي تجاوز 60 ألفاً للدولار الواحد، عمد محتجون غاضبون إلى قطع الطرقات في عدد من المناطق في أنحاء البلاد، بينها صور جنوباً ومحلة الدورة في بيروت وفي جل الديب.

"انقلاب"

ودعت اللجنة الرئيسة الممثلة لأهالي ضحايا الانفجار والمتضررين منه اللبنانيين إلى مشاركتها في الاعتصام عند الساعة الـ11 (9:00 بتوقيت غرينتش) "دعماً لمسار التحقيق" الذي استأنفه البيطار "قافزاً فوق التعطيل السياسي التعسفي للتحقيق".

ونددت بما وصفته بـ"الانقلاب السياسي والأمني والقضائي على القانون، وعلى العدالة"، محملة "القوى الأمنية مسؤولية أمن القاضي البيطار وسلامته كما وسلامة المستندات الخاصة بالتحقيق".

وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية بإجراءات أمنية مشددة في قصر العدل الذي بدا أشبه بثكنة عسكرية منذ ساعات الصباح الأولى، مع انتشار كثيف لعناصر أمنية أمام مكتب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.

وحضر عدد من نواب الكتل المعارضة إلى موقع الاعتصام دعماً للأهالي وللمحقق العدلي. وعقب اجتماع مع وزير العدل هنري الخوري، نقلت قناة "الجديد" المحلية عن النائبة بولا يعقوبيان قولها إن "ما سمعناه من وزير العدل لا يطمئن ونحن نشتم رائحة كريهة بالتوجه إلى عزل القاضي البيطار وتعيين قاض آخر ونحن نحذر من هذا الأمر".

 

عرقلة التحقيق

وأوقع الانفجار في الرابع من أغسطس (آب) 2020 أكثر من 215 قتيلاً و6500 جريح. ومنذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم تعرف أسبابه. وتبين لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.

ومنذ تسلمه التحقيق في الملف قبل عامين، يواجه البيطار (48 عاماً)، القاضي المعروف بنزاهته واستقلاليته، عقبات وتدخلات سياسية حالت دون إتمامه مهمته، مع اعتراض قوى سياسية عدة أبرزها ميليشيات "حزب الله" على عمله واتهامه بـ"تسييس" الملف، وصولاً إلى المطالبة بتنحيه.

وعلى رغم عشرات الدعاوى التي طالبت بعزله وعلقت عمله منذ 13 شهراً، استأنف البيطار، الإثنين، تحقيقاته بالادعاء على ثمانية أشخاص، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات ومسؤولان أمنيان رفيعان، هما المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. وحدد مواعيد لاستجوابهم مع آخرين في إطار دعاوى حق عام "بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي".

الانقسام القضائي

وتفاقمت المواجهة القضائية مع رفض عويدات قرارات البيطار وادعائه عليه بتهمة "التمرد على القضاء واغتصاب السلطة" ومنعه من السفر، وإصداره قراراً بإخلاء الموقوفين الـ17 في التحقيق، في خطوة تعكس حجم الانقسام داخل الجسم القضائي وتهدد بنسف التحقيق.

وأفاد مسؤول قضائي وكالة الصحافة الفرنسية بأن عويدات استدعى البيطار للمثول أمامه، الخميس عند الساعة الـ10 صباحاً، إلا أن المحقق العدلي "رفض المثول أمامه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصدر عويدات أمراً بمنع سفر البيطار إضافة إلى قرار يقول، إن القاضي لا يملك صلاحية استئناف التحقيق.

وحظيت قرارات عويدات بدعم مباشر من "حزب الله". وغرد النائب إبراهيم الموسوي إنها "خطوة في الطريق الصحيح لاستعادة الثقة بالقضاة والقضاء بعد أن هدمها بعض أبناء البيت القضائي".

وأكد البيطار، الأربعاء، أنه "لا يحق" لعويدات اتخاذ القرارات التي أعلنها كونه مدعى عليه في القضية. وأضاف "مستمر بواجباتي وبتحمل مسؤولياتي في ملف المرفأ حتى النهاية".

سفر أحد المخلى سبيلهم

وعلى رغم إصدار عويدات منع سفر بحق الموقوفين الذين أخلى سبيلهم، فإن أحدهم ويدعى زياد العوف، وهو لبناني أميركي شغل منصب رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت، تمكن من المغادرة إلى الولايات المتحدة.

وقال محامي العوف صخر الهاشم لوكالة الصحافة الفرنسية الخميس، إن موكله "وصل إلى الولايات المتحدة ولن يعود إلى لبنان"، موضحاً أن ترحيله "جاء بقرار أميركي، وقد غادر قبل تعميم قرار منع السفر الصادر بحقه على جهاز الأمن العام".

وأثارت قرارات النيابة العامة التمييزية لا سيما إطلاق سراح جميع الموقوفين، غضب أهالي الضحايا وحقوقيين رأوا في الخطوة "انقلاباً" قضائياً يكرس ثقافة "الإفلات من العقاب" التي لطالما طبعت المشهد العام في بلد يحفل تاريخه باغتيالات وانفجارات وملفات فساد، نادراً ما تمت محاسبة المتورطين فيها.

وعنونت صحيفة "لوريان لوجور" الناطقة بالفرنسية على صفحتها الأولى، الخميس، "العدالة تطلق رصاصة على رأسها".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي