Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعوى "عري الأطفال" بفيلم "روميو وجولييت" قد تغير هوليوود إلى الأبد

رفع نجمان مثلا في فيلم "روميو وجولييت"، دعوى قضائية على شركة "باراماونت" بذريعة التحايل عليهما والظهور عاريين في تحفة فرانكو زيفيريلي الكلاسيكية. وبغض النظر عن نتيجة الدعوى، فإنها، وفق جيفري ماكناب، تبدو سلفاً واقعة تاريخية

الممثلان البريطانيان أوليفيا هوسي وليونارد ويتينغ في روميو وجولييت (غيتي)

"لا تخلعي ثيابك أبداً لرجل في منتصف العمر يزعم أن ذلك من أجل الفن". هذا ما قالته مرة ماريا شنايدر في الصحافة البريطانية، محذرة الممثلين الشباب. وهي تعلمت الأمثولة بعد تجربتها الصادمة، حين كانت في الـ19 وأدت دور عشيقة مارلون براندو في الدراما السيكولوجية الجنسية التي أخرجها بيرناردو بيرتولوتشي، "آخر تانغو في باريس" (1972) Last Tango in Paris.

وفي الأسبوع الماضي صرحت أوليفيا هوسي وليونارد ويتينغ، الممثلين البارزين اليوم، عن ندمهما على غفلتهما عن نصيحة شنايدر وسهوهما عنها. وزعم الممثلان أنهما، قبل 55 عاماً، خدعا وحملا على الظهور عاريين في النسخة السينمائية المكرمة من "روميو وجولييت" (Romeo and Juliet) التي صنعها المخرج الإيطالي فرانكو زيفيريلي عام 1968.

وكثيرون من تلامذة الأدب الإنجليزي لن ينسوا المشهد موضوع السجال. وكانت هوسي في الـ15 من عمرها عندما ظهرت فيه. وكان ويتينغ أكبر سناً منها بقليل. وفي المشهد يظهر روميو وجولييت وهما ينهضان فجراً من النوم، عاريين في السرير بعد ليلة زفافهما السري. وتتوسل جولييت إلى حبيبها روميو كي يبقى معها، لكنها تنتبه أنه في خطر. "ارحل الآن" تقول له متوسلة. ويكاد واحدهما، وهما مسلوبان، يعجز عن ترك الآخر. ويلمح في مطلع المشهد، طرف من نهدي هوسي وقفا ويتينغ.

ولن يخطئ أحد ويحمل هذا المشهد أو هذا الفيلم على معنى بورنوغرافي. وعندما عرض "روميو وجولييت" للمرة الأولى، في مارس (آذار) 1968، بـ "الأوديون"، في ساحة ليسيستر بمدينة لندن، كان العرض في حضور الملكة، ودوق إدنبره، وأمير ويلز. ومنحت "الهيئة البريطانية للسينما" الفيلم شهادة "بي جي" (PG)، وهي تعني أن في إمكان صغار السن مشاهدته. بيد أن بطلي الفيلم كانا قاصرين عندما مثلا فيه. ويقوم هوسي وويتينغ، اللذان باتا اليوم في عقدهما السابع، برفع دعوى قضائية على شركة "باراماونت" منتجة الفيلم. وتتهم الدعوى المنتجين بالإيذاء الجنسي، والإهانة، والاحتيال، وتبلغ غرامتها، وفق التقارير، 500 مليون دولار (414 مليون جنيه استرليني). وإذا فاز الممثلان بالدعوى يجوز القول إن "أبواب الطوفان" تفتح. فهما ليسا الممثلين الفتيين الساذجين الوحيدين، اللذين يمكن لهما أن يدعيا أن مخرجين استغلا ثقتهما. فجيني أغوتير كانت في الـ16 عندما أدت، في سنة 1971، دور البطولة في رائعة نيكولاس روغ المصورة في مناطق نائية من أستراليا، "تجوال" (Walkabout). وأقرت أغوتير، فيما بعد، بأنها شعرت "بانزعاج كبير" لظهورها عارية في الفيلم. أما بروك شيلدز، وهي لقبت بـ "لوليتا الثانية" بعد أدائها، في الـ11، دور مومس قاصرة في فيلم لويس مال، "بريتي بايبي" (1978) (Pretty Baby)، وزعمت بأن هذه التجربة لم "تلوثها شخصياً". لكنها أقرت بشكها في إمكان صنع مثل هذا الفيلم اليوم.

وكثيرون من مؤلفينا الكبار لديهم حقيقة ، نزعات سادية واضحة. وقد تكون حركة "#أنا أيضاً" (#MeToo) كشفت عن أحوال سوء معاملة كثيرة وتصرفات سيئة في مواقع التصوير، إلا أن هناك مخرجين محددين اتسموا، في أحسن الأحوال، بنزعات مخادعة وخبيثة في أثناء التصوير. فمن راينر فيرنر فاسبيندر – "مشاكس" السينما الألمانية في السبعينيات – الذي استفز العاملين معه وأهانهم، إلى أوتو بريمنغر وانفجارات نوباته العصبية في أثناء التصوير، يمكن، من غير جهد، رصد وقائع التنمر والمضايقات في ورشات إنتاج الأفلام ومواقع تصويرها.

واليوم يقوم خبير العلاقات العامة والمنتج ومدير الإنتاج المقيم في أوهايو، طوني مارينوزي، بتقديم الاستشارة لـ هوسي وويتينغ في شأن دعواهما القضائية ضد "باراماونت". "في البداية لم أفكر كثيراً في المحنة التي مرا بها"، يقول مارينوزي لـ "اندبندنت". ويتابع: "الناس الآن يفكرون مخطئين، أنهما [هوسي وويتينغ] من أولئك الأشخاص الأغنياء الذين يجنون أرباحاً من فيلم قاما ببطولته. المسألة ليست كذلك. لا أحد منهما يعيش حياة بذخ".

وحين عرض فيلم "روميو وجولييت" بدا تحفة كلاسيكية، وبقي في التداول مذذاك، إلا أنه لم يعد على الممثلين بربح وفير. وعلى قول مارينوزي كان على هوسي، مثلاً، أن تدفع لـ "باراماونت" مالاً لقاء إذن بنشر صور لها (من الفيلم) في كتاب سيرتها الذاتية، "الفتاة التي على الشرفة" (The Girl on the Balcony).

وتذكر هوسي في سيرتها هذه أنها، حين أدت تجارب التصوير في "روميو وجولييت"، قذفها زيفيريلي بـ "كرات ورق مغضنة" على وجهها خلال أحد المونولوغات. فصرخت "على ذاك الرجل الفظيع الذي كان يزعجني" كي يكف عن ذلك. ورد (زيفيريلي) باسماً: "لا يا حبيبتي، هذا ما أردت أن أراه، الشغف". وهذه قصة معبرة عن الحال التي يكون فيها المخرجون غالباً وهم يوجهون الأداء إلى حيث يريدون. وكانت هوسي تحدثت، في وقت ماض، بإيجابية عن زيفيريلي، ونوهت في سيرتها إلى "التعاون الرائع" بينهما. وفي مقابلة، في سنة 2018، قالت إن مشهد الجنس في "روميو وجولييت" نفذ "بتقنية بالغة... وإن ذاك لم يكن مسألة كبيرة. فقد نسيت أنني من دون ثياب". وكتبت أن ويتينغ "أحب" كثيراً تصوير المشهد. وكان "سعيداً بمتعة التركيز الصريحة، وتخفف كلياً من الخجل، فلم يأبه لحظوة العالم بصورة واضحة لمؤخرته".

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، عبر ابن زيفيريلي بالتبني، بيبو زيفيريلي، عن استخفافه بالدعوى القضائية "المخجلة"، وقال إن كلا الممثلين حافظ على علاقة جيدة بالمخرج زمناً طويلاً بعد إنجاز "روميو وجولييت". هذا لا يغير حقيقة أن هوسي كانت يوم مثلت الفيلم قاصراً. وهي تتناول في سيرتها الذاتية الضغوط التي مارسها عليها المديرون التنفيذيون، في استديو التصوير، لإنقاص وزنها. ففرضوا عليها تناول أقراص دواء لكبح الشهية. وكان لتلك الأقراص أعراض جانبية جعلتها في حال "اضطراب وانتشاء". ولم يوقف التنفيذيون إعطاءها تلك الأقراص إلا بعد تدخل والدتها.

والحق أن زيفيريلي كان قد نسج علاقة ثقة متينة بينه وبين الممثلين القصر. ويرى مارينوزي أن ذلك، على وجه الدقة، ما مكنه من خداعهما. "التحايل ظهر منذ البداية. وهما [الممثلان] يتحدثان إلى اليوم عن مدى سحره وجاذبيته". لقد كانا "مبهورين" به واعتبراه "عبقرياً فنياً". ولكن مارينوزي لا يرى، على رغم ذلك، في الأمر عذراً يسوغ "مشهد العري الذي ما كان ينبغي أن يصور".

والفكرة الأولى كانت أن يصور المشهد والممثلان يرتديان ثياباً داخلية بلون البشرة الطبيعي. ويقول مارينوزي إن هوسي وويتينغ شعرا بالخيبة عندما بدل زيفيريلي رأيه، بيد أن الأخير تعهد لهما على نحو "قاطع" بأن لا يظهر أي صنف من العري في الفيلم. ويتابع: "[روميو وجولييت] هو عمل عظيم من الناحية الفنية. لا أحد ينفي ذلك. لكنه [زيفيريلي] كان يعرف أنهما قاصرين". ويضيف مارينوزي قائلاً إن "المسؤولية هنا تقع" في ظنه على "باراماونت".

وهذا الأسلوب (أسلوب التحايل) اتبع وتكرر في كثير من الأفلام الأخرى. وفي فيلم بيرتولوتشي، "آخر تانغو في باريس" (1972) (Last Tango in Paris)،  خطرت للمخرج الإيطالي وبطل الفيلم مارلون براندو فكرة في أثناء الفطور، فيما كان براندو يتناول (خبز) "الباغيت"، وهي الفكرة التي ولدت المشهد الأكثر إثارة للاعتراض في الفيلم. وهو مشهد استخدام الشخصية التي يؤديها براندو، الرجل الأميركي الخائب في منتصف العمر، الزبدة في انتهاك عشيقته الفرنسية الأصغر منه سناً (أدت شخصيتها ماريا شنايدر).

وكانت هذه لحظة فظيعة. "ماذا تفعل" و"لا، لا، لا"، صرخت شنايدر على براندو، لكنه استمر من غير أن يأبه. ولم تخطر الممثلة مسبقاً بشيء، ولم تنبه إلى ما بيت حصوله. "مسكينة ماريا، لم تتسن لي الفرصة كي أذهب وأطلب منها الصفح"، قال بريتولوتشي، مفصحاً عن الندم عندما أحرجته وحملته على الكلام في الواقعة في أثناء مقابلة معه سنة 2013، في مهرجان روتردام السينمائي. "عندما صورنا هذا المشهد مع براندو مستخدمين الزبدة فيها، قررت ألا أخبرها [بما سيحصل]. أردت منها رد فعل ساخطاً وغاضباً".

في ذلك الوقت كان قد مضى سنتان على وفاة ماريا شنايدر. وفي السنوات التي تلت ظهور "آخر تانغو في باريس" تحدثت الممثلة كثيراً على الصدمة والإهانة اللتين لحقتا بها جراء ذاك المشهد. ورافقها عار تلك التجربة طوال حياتها.

وإن كان هوسي وويتينغ اليوم يرفعان دعوى قضائية على "باراماونت" جراء ما حصل لهما في أثناء تصوير "روميو وجولييت"، فلا شك في أن تيبي هيدرين تملك كل الذرائع التي تخولها رفع قضية قوية أمام القضاء ضد شركة "يونيفيرسال" (Universal)، وذلك لما أصابها في فيلم "الطيور" (1963) (The Birds) الذي أخرجه ألفريد هيتشكوك. فمشهد الذروة في الفيلم المذكور، حيث تتعرض شخصية ميلاني دانييلز (التي تؤديها هيدرين) لهجوم مخلوقات صغيرة ذات أجنحة أرادت نقرها حتى الموت، في غرفة النوم، كان يفترض تصويره بالاستعانة بآلات (طيور) ميكانيكية. وهذا ما وعد به هيتشكوك، لكنه كذب. "الطيور الميكانيكية لا تعمل، لذا سنستخدم طيوراً حقيقية"، قال المخرج.

وفي سيرتها الذاتية الصادرة سنة 2016 بعنوان "تيبي" (Tippi)، وصفت هيدرين كيف قام الفنيون بإطلاق رفوف من الغربان والحمائم واليمام عليها. "كان ذلك وحشياً وبشعاً وشرساً"، كتبت. "وأنا لم أخف أبداً، لكن ما تملكني كان شيئاً من الصدمة. ورحت أقول في نفسي وأكرر [لن أسمح له بتحطيمي، لن أسمح له بتحطيمي]". فالنجمة افترضت أن هيتشكوك كان يحاول معاقبتها لأنها رفضت طريقة بناءه العمل. قد يكون ذلك صحيحاً، بيد أن المخرج البريطاني أراد الحصول في الوقت نفسه على الأداء الأكثر واقعية. وهو كان يترصد الممثلة، ويطمس الفروق بين الحياة الواقعية والحياة المتخيلة، ويجرها إلى توتير أدائها. وإن بدت هيدرين كأنها تجهد لإبعاد الطيور عنها، فذاك مرده إلى أنها لم تكن تتحكم بما يحصل لها.

واستخدم هيتشكوك في هذا المشهد توليفاً (مونتاج) متسارعاً، تماماً كما فعل في مشهد طعن جانيت لاي تحت ماء الاستحمام في فيلم "سايكو" (1960) (Psycho) قبل ذلك بسنوات. وليس في وسع التوليف إخفاء اجتماع الممثلة والطيور "الزاعقة والمسعورة"، على ما تصفها هيدرين، معاً في إطار (كادر) المشهد على نحو متصل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"لقد دام مشهد غرفة النوم قرابة دقيقة واحدة في الصيغة الأخيرة من [الطيور]"، ذكرت هيدرين. وأمضى هيتشكوك خمسة أيام في تصويره (المشهد). وفي اليوم الخامس قيدت أرجل بعض الطيور لكي لا يستحيل إبعادها عنها. وفرغت هيدرين من المشهد وهي "تنشج من الإرهاق". وهو من المشاهد التي لا تنسى في الفيلم، ولو بعد 60 عاماً. إلا أن إحجام التنفيذيين أو التقنيين، من غير استثناء، عن التدخل لوقف ما عانته هيدرين من الطيور، يبقى غريباً.

واليوم، يسعى بعض النجوم الصغار الذين أوقع بهم، وتحايل المخرجون عليهم، في الحصول على تعويضات. ويكشف مارينوزي عن أنه منذ انتشار خبر دعوى هوسي \ ويتينغ القضائية، اتصل به ممثلون آخرون يودون هم أيضاً الشروع في إجراءات قانونية في حق شركات الإنتاج السينمائية التي يشعرون بأنها أساءت معاملتهم.

وينتظر أن تقوم شركة "باراماونت" بالرد على المزاعم التي تتضمنها دعوى "روميو وجولييت". وفيما يبدو مبلغ 550 مليون دولار الذي تطالب به الدعوى تعويضاً عن أضرار من هذا النوع، مبلغاً فلكياً، يشرح مارينوزي كيف انتهى إلى تحديد قيمة التعويض. وكان "روميو وجولييت" لقي نجاحاً بارزاً فور إطلاقه، وتجدد إطلاقه مرة أخرى في ما بعد - الأمر الذي اعتادته أفلام هوليوود. ويقارنه مارينوزي بفيلم "تايتانيك" (1998) لـ جايمس كاميرون، العمل الضخم الذي أطلق مرة ثانية بنجاح، وتناول حبيبين سيئي الحظ. وينبه مارينوزي إلى كسب الفيلم حياة أخرى عبر أشرطة فيديو "في أتش أس" VHS. وثمة مقارنة أخرى يعقدها مارينوزي مع فيلم باز لوهرمان "روميو + جولييت بحسب ويليام شكسبير" (1996) (William Shakespeare’s Romeo + Juliet)، بطولة ليوناردو دي كابريو وكلير داينس، الذي لم يتضمن عرياً. "فالأمر لا يعني أن نقوم اعتباطياً بجمع هذين العنصرين [أي قصة الحب والعري]"، يقول مارينوزي في شرحه كيف انتهى إلى حساب مبلغ نصف مليار دولار.

بعضهم اليوم، يهزأ من القضية لأنها انتظرت أكثر من 50 سنة قبل أن ترفع، ولأنها تتعلق بفيلم يعتبر منذ زمن من الكلاسيكيات. ولكن، بغض النظر عن كسب الدعوى أو خسارتها، فهي تبدو سلفاً علامة فارقة. فإذا حملت "باراماونت" المسؤولية أمام القانون، كان على المخرجين الرجال في منتصف أعمارهم، ومعهم الاستديوهات التي يعملون معها، التفكير ملياً على الأرجح قبل الإقدام على استخدام "الزبدة" في مشهد من المشاهد، وإطلاق الطيور المسعورة على الممثلين، أو محاولة إقناع ممثلين قصر (أو صغار السن) بخلع ثيابهم.

"روميو وجولييت" متاح على "أمازون برايم".

© The Independent

المزيد من منوعات