Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة "سلام" إيطالية تشترط وقف التدمير الروسي للمدن الأوكرانية

لافروف يكشف عن استعداد موسكو للتفاوض وقبول الوساطة "بعيداً من الضغوط الغربية" ومدفيديف يحذر

إيطاليا تعلن استعدادها لمواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا (أ ف ب)

بعد مبادرتها السابقة التي تقدمت بها في مايو (أيار) من العام الماضي، ولم تلقَ قبولاً في حينها، عادت إيطاليا إلى واجهة الأحداث حين كشف وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني عن مبادرة جديدة "غير مباشرة"، ربطها بوقف روسيا قصف البنية التحتية والأهداف المدنية والعسكرية لأوكرانيا، كشرط لمطالبة الاتحاد الأوروبي السلطات الأوكرانية ببدء مباحثات السلام مع روسيا. وفي حديثه إلى صحيفة "إل ميساغيرو"، أكد وزير الخارجية الإيطالي "أن الاتفاق لن يكون ممكناً إلا إذا قررت موسكو وقف قصف الأهداف المدنية والاستراتيجية، بما يمكن أوروبا من مطالبة كييف ببدء محادثات سلام"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن روما ستفي بالتزاماتها كافة بتقديم المساعدة لأوكرانيا. ولأن المبادرة الإيطالية السابقة لم تلقَ اهتماماً "يذكر" من الجانب الروسي، ترى الشواهد أن ما صدر عن إيطاليا بهذا الشأن لن يلقى اهتماماً أكثر مما لقيته مبادرتها السابقة، وهي التي استبقتها بتصريحات على لسان رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا مالوني، تقول باستعداد إيطاليا لمواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا. وكانت مالوني أعلنت عن تحفظاتها تجاه الكشف عن تفاصيل ما ترسله بلادها من أسلحة إلى كييف، في وقت قال فيه وزير الدفاع جيدو كروزيتو "إن التفاصيل المؤكدة للإمدادات الجديدة ستظل سرية أيضاً".

شعارات مناهضة للحرب

ومن اللافت صدور مثل هذه التصريحات الرسمية في وقت مواكب لخروج التظاهرات إلى الشارع الإيطالي للتنديد بموقف الحكومة من الاستمرار في إمداد أوكرانيا بالأسلحة. ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" أخبار مشاركة ما يزيد على 30 ألفاً من الإيطاليين في "مسيرة سلام" خرجت لتطالب الحكومة الإيطالية بالتوقف عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى الكثير من الشعارات المناهضة للحرب التي رفعها المتظاهرون من أعضاء النقابات العمالية والجمعيات الكاثوليكية، وكذلك الطلاب ممن أسهموا في تنظيم هذه التظاهرات، كما نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية أيضاً بعض تعليقات المتظاهرين ممن نددوا باستمرار الحرب، وأكدوا أن "استمرار إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا يؤجج الحرب ولا يسهم في الجهود الرامية إلى وقفها".

ولم تغفل الصحف الغربية عن وجود كثيرين من أبرز المسؤولين الإيطاليين ممن اتخذوا موقفاً مغايراً من مواقف الحكومة الإيطالية، ومنهم سلفيو برلسكوني، رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق، وزعيم حركة "النجوم الخمسة" جوزيبي كونتي، وتلك الشخصيات تعتبر من "الأقل انتقاداً لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". وتشير المصادر الإيطالية إلى أن انتقاد استمرار العمليات القتالية وتدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، لا يقتصر على برلسكوني وكونتي وحدهما، بل يتعداهما إلى حركات ومجموعات سياسية أخرى، ومنها حزب "العمل - تحيا إيطاليا" الذي وقف وراء تنظيم تظاهرة مضادة في ميلانو، بدعم من الجالية الأوكرانية التي تعيش في إيطاليا، و"تطالب أيضاً بالسلام، ولكن ليس على حساب استسلام أوكرانيا".

"أسابيع حاسمة"

ولعل ما تشهده إيطاليا من تضارب في المواقف تجاه مسألة استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، على نحو يقترب مما تشهده عواصم أوروبية أخرى من تباين، يكشف ضمناً عن وجود الرغبة في وقف الحرب والتوصل إلى حلول سلمية للأزمة الراهنة، يمكن أن يكون تفسيراً لما صدر عن شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي من تصريحات لصحيفة "موندو" الإسبانية، قال فيها إن "الأسبوعين أو الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة، مما سيحدث في عام 2023، والكثير منه يعتمد على الأسابيع المقبلة، هو ما سيحدد مستقبلنا"، لكن ذلك لم يكن ليعني جنوحاً للسلام وخيار المباحثات التي يدعو إليها كثيرون. وهو ما قاله صراحة من خلال تأكيده "ضرورة الاستمرار في تزويد كييف بكل الدعم اللازم".

وقد تلقف الموقع الإلكتروني لقناة "روسيا اليوم" الحكومية الناطقة بالعربية هذه التصريحات، لينقلها مع تعليقات رئيس المجلس الأوروبي التي جاءت تالية لما وصفته بـ"المحاولات الفاشلة التي قام بها وزراء دفاع الدول أعضاء (الناتو) وحلفاؤهم حول زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا". وأشارت القناة الروسية إلى ما قاله وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، بعد الاجتماع الأخير لوزراء دفاع "الناتو" الذي عقد في قاعدة "رامشتاين" الأميركية في ألمانيا، حول "أنهم فشلوا في اتخاذ قرار في شأن إرسال دبابات (ليوبارد 2) إلى أوكرانيا". وأضافت، "روسيا اليوم" أن هذه التصريحات "تتزامن مع تقدم الجيش الروسي على جبهة القتال وسيطرته على مناطق استراتيجية جديدة، ونجاحه في ضرب الخطوط الأمامية للقوات الأوكرانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"حرب حقيقية"

وفي الشأن نفسه، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن موقف بلاده مما يحدث في أوكرانيا بقوله، "عندما نتحدث عما يحدث هناك في أوكرانيا، فإننا نتحدث عن حقيقة أن هذه لم تعد حرباً هجينة، ولكنها حرب حقيقية تقريباً، كان الغرب يستعد لها لفترة طويلة ضد روسيا، في محاولة لتدميرها". وأضاف لافروف في مؤتمره الصحافي المشترك الذي عقده في موسكو في ختام مباحثاته مع نظيرته من جنوب أفريقيا ناليدي باندور، أن "كييف أوقفت المفاوضات مع روسيا التي كانت قد انطلقت الربيع الماضي، تحت ضغوط غربية"، في إشارة مباشرة إلى المفاوضات التي جرت في إسطنبول في مارس (آذار) من العام الماضي مع الوفد الأوكراني تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأسفرت آنذاك عن موافقة كييف على قبول بعض ما طرحته موسكو، ومنه تخلي أوكرانيا عن رغبتها في الانضمام إلى "الناتو"، وعدم نشر الأسلحة الاستراتيجية في أراضيها، وغير ذلك من المواقف التي عادت ورفضتها كلها استجابة لضغوط غربية، بحسب مصادر روسية.

وبالتوازي مع ما كشف عنه لافروف في شأن أن بلاده لا ترفض المباحثات، قال وزير الخارجية الروسية إن "القيادة الروسية أكدت باستمرار أنها لا ترفض الحوار. موسكو ليست ضد الوساطة والحقيقة أن كييف ليست مهتمة بالمفاوضات".

ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن موسكو لا تكف عن تحذير العالم من الدور الذي تواصله الإدارة الأميركية الحالية ضد روسيا منذ أن كشف الرئيس جو بايدن عن مخططاته بقوله "إن هذا الرجل يجب أن يرحل"، في إشارة إلى ما سبق وأفصح عنه عدد من سابقيه حول إطاحة النظام الحاكم في روسيا وتقسيمها، وهو ما استعرضت "اندبندنت عربية" كثيراً من تفاصيله، في أكثر من تقرير لها من موسكو. وكان دميتري ميدفيديف الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، كشف عن ذلك في اجتماعه الأخير مع "حزب الوحدة الروسية" الحاكم في قوله، "يجب على حزبنا أن يساعد الناس في العالم على فهم أن العملية العسكرية الخاصة التي يتم تنفيذها أصبحت تدبيراً قسرياً، رداً على التحضير للعدوان من جانب الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها. وبسبب الوضع الحالي، من الواضح أن العالم قد اقترب من خطر الحرب العالمية الثالثة". ويذكر المراقبون ما سبق وقاله ميدفيديف في أكثر من مناسبة حول "احتمالات استخدام روسيا الأسلحة النووية". ونذكر في هذا الشأن أن العالم توقف طويلاً خلال الأيام القليلة الماضية عند ما قاله ميدفيديف في شأن "أن هزيمة أي قوة نووية في حرب تقليدية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب نووية، وأن القوى النووية لا تخسر الصراعات الكبرى التي يتوقف عليها مصيرها".

سباق "غير معلن"

ولعله من الغريب أن يدخل كبار السياسيين من الجانبين في سباق "غير معلن"، لاستعراض مواقف بلدانهم التي تحاول استعراض قدراتها العسكرية، في الوقت نفسه الذي ينتظر فيه الملايين من أبناء المنطقة والعالم انفراجة يمكن أن تسفر عما يتردد من حين إلى آخر، في شأن احتمالات "توصل الأطراف المعنية إلى اتفاق حول المباحثات" التي لطالما استعرضت "اندبندنت عربية" كثيراً من مفرداتها منذ الأسابيع الأولى لاندلاع المواجهة المسلحة في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي. وفي هذا الشأن، نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن جوزيب بوريل مفوض الشؤون السياسية للاتحاد الأوروبي، ما قاله حول "انتصار روسيا على زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر (عام 1945)، وعلى القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت (عام 1812)"، داعياً إلى الاستمرار في مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو الذي كان أعلن في مستهل الأسابيع الأولى "للعملية العسكرية الروسية الخاصة، ضرورة حسم المواجهة بين روسيا وأوكرانيا في ساحة المعارك"، وذلك ما رد عليه مدفيديف بقوله، "أحسنت يا بوريل عندما تذكر، وبوجه شاحب، أن بلادنا هزمت نابليون وهتلر. لاحظوا أنه هو نفسه من وضع هذا التشبيه، وبناءً على ذلك، فإن النازيين الأوكرانيين وأوروبا الغربية هم الورثة المباشرون لأولئك الذين قاتلوا ضد روسيا، بالتالي فإن الحرب معهم حرب وطنية جديدة. وسيكون النصر لنا، كما في 1812 (الانتصار على بونابرت) و1945 (الانتصار على هتلر)". وذلك كله، ما يمكن أن يفضي ليس إلى التصعيد المتبادل من جانب طرفي النزاع المباشرين، بقدر ما لا بد أن يسفر عن المواجهة المباشرة بين الأطراف المعنية في واقع الأمر، أي الولايات المتحدة و"الناتو" من جانب، وروسيا من الجانب الآخر. وهو ما علق عليه فيدور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع ورئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، المعروف بعلاقته الوثيقة مع الكرملين، بقوله "ما يجري الآن بين الولايات المتحدة وروسيا هو سياسة على حافة الهاوية، وهي السياسة الأكبر وفي أخطر أشكالها، عندما يتقرر كل شيء في الوضع الحالي بناءً على إشارات وتأويلات. فلا قواعد عامة هنا"، إلى جانب ما أشار إليه حول أن "إدارة بايدن تنطلق الآن من المبدأ الذي تنسبه تقليدياً إلى الجانب الروسي: "التصعيد من أجل وقف التصعيد".

المزيد من تقارير