Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غسيل النفط

الوقود الروسي ما زال يصل إلى الولايات المتحدة وأوروبا بطرق مختلفة وسيستمر الأمر كذلك

دول تستورد النفط الروسي بأسعار مخفضة ثم تقوم بإعادة تصديره على أنه نفط خاص بها (أ ف ب)

مفهوم "غسيل النفط" هو نفس مفهوم "غسيل الأموال"، بحيث تصبح التجارة في النفط قانونية. يشهد العالم اليوم أكبر عميلة غسيل للنفط في التاريخ. عملية الغسل هذه أجازتها العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، وأقرها اتفاق السقف السعري بين مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.

قامت الولايات المتحدة بحظر واردات النفط والمنتجات النفطية منذ أشهر. وقام الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على واردات النفط الخام الروسية وفرض سقف سعري في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ومن المقرر أن يتم تطبيق حظر على واردات المنتجات النفطية الروسية يوم الخامس من فبراير (شباط) المقبل. المثير في الأمر أنه إذا كانت أوروبا تحاول التضييق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مالياً، لماذا قامت باستيراد كميات إضافية ضخمة من المنتجات النفطية من روسيا في الأسابيع الأخيرة وخزنتها استعداداً للحظر؟

النفط الروسي ما زال يصل إلى الولايات المتحدة وأوروبا بطرق مختلفة، وسيستمر الأمر كذلك. هناك طرق قديمة اتبعها الإيرانيون، وهي تحميل النفط الروسي في سفن تقوم بإطفاء أجهزة التتبع، ثم تقوم هذه السفن بتغيير شهادة المنشأ، وقد تقوم السفينة بتغيير اسمها وعلمها، ثم تفرغ حمولتها بشكل رسمي في أحد الموانئ الأوروبية أو الأميركية. الطريقة الأكثر تعقيداً هي تفريغ الحمولة في وسط البحر في سفن أخرى حتى يضيع أثر المنشأ تماماً، بالتالي يصل النفط الروسي إلى أوروبا وأميركا بشكل قانوني. والأكثر تعقيداً من ذلك هو ما يقوم به الروس حالياً وهو مزج النفط الروسي بنفط دول أخرى، ويعطى النفط شهادة منشأ جديدة، ومن ثم يصل النفط الروسي إلى البلاد الغربية، تحت مسميات مختلفة.

إلا أن الحجم الكبير لصادرات النفط الروسية، والتخفيضات الكبيرة التي صاحبتها، طورت عملية "غسيل النفط" بشكل كبير. وهذه التطورات تشمل ما يلي:

1- استيراد دولة ما للنفط الروسي بأسعار مخفضة، ثم تقوم بإعادة تصديره على أنه نفط خاص بها. تقوم دول عدة بهذه العملية أهمها الهند. بعبارة أخرى، تقوم هولندا أو بريطانيا باستيراد النفط الخام من الهند، ويسجل في أوراق الجمارك على أنه نفط هندي لأنه جاء من الهند، ولكنه في الواقع نفط روسي.

2- استيراد دولة نفطية لبعض المنتجات النفطية الروسية الرخيصة لاستهلاكها محلياً، ثم تصدر هذه الدولة نفطها بديلاً عنه، أو تقوم بخفض الإنتاج عوضاً عنه.

3- إلا أن أكبر تطور هو استيراد الصين والهند للنفط الروسي بأسعار مخفضة، ثم تكريره وبيع المنتجات النفطية للولايات المتحدة وأوروبا بالأسعار العالمية. وهو أمر قانوني وأقره اتفاق العقوبات بأنه يمكن أن يتم استيراد النفط الروسي إذا جرت عليه عمليات تحويل كبيرة، كعملية التكرير! كل المصافي الخاصة في الصين تخضع لحصص تصدير تحددها الحكومة لا يمكن للمصفاة أن تتجاوزها. في بداية الشهر زادت الحكومة الصينية الحصص بمقدار 50 في المئة حتى تشجع هذه المصافي على تكرير مزيد من النفط الروسي، وتصدير المنتجات النفطية. ويذكر هنا أن شركات النفط الصينية الكبيرة لا تستورد النفط الروسي مباشرة خوفاً من تطبيق العقوبات عليها، كون أسهمها تتداول في البورصات العالمية وتقترض من البنوك في دول غربية مختلفة.  ولكنها تستورد النفط الروسي عبر دول أخرى على أن منشأه تلك الدول، بخاصة من ماليزيا. وتشير البيانات إلى أن صادرات الهند والصين من الديزل إلى أوروبا بلغت مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير بيانات "يورو ستات" إلى انخفاض مستمر في استيراد الاتحاد الأوروبي للمنتجات النفطية الروسية "رسمياً"، بينما زادت واردات الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة والنرويج والسعودية. إلا أن الزيادة الكبيرة جاءت من دول "أخرى" التي تتضمن الصين والهند. فقد انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من المنتجات النفطية الروسية من نحو 26 في المئة من إجمالي واردات المنتجات النفطية في بداية العام، إلى نحو 14 في المئة في الربع الثالث. فكيف عوض الاتحاد الأوروبي هذا الانخفاض؟

زاد استيراد المنتجات النفطية من الولايات المتحدة من إجمالي واردات المنتجات النفطية من نحو 10 في المئة إلى 16 في المئة، ومن النرويج من 9.5 في المئة إلى 10.5 في المئة، والعراق من 6.2 في المئة إلى 7.6 في المئة، والسعودية من 4.8 في المئة إلى 9.10 في المئة. أما الدول الأخرى التي تتضمن الصين والهند فقد ارتفعت من 15.1 في المئة إلى 21.1 في المئة. بعبارة أخرى، الانخفاض الكبير في الواردات من روسيا هو انخفاض رسمي على الورق، وفي الحقيقة هو أقل من ذلك لأنه يتم استيراد النفط الروسي "المحول" عن طريق التكرير من دول أخرى.

عندما فشل تطبيق العقوبات والسقف السعري في رفع أسعار النفط بشكل كبير، قال من يروج لفكرة ارتفاع الأسعار من التجار والمستثمرين والمحللين، إن وقف استيراد المنتجات النفطية ابتداء من الخامس من فبراير سيؤدي إلى خفض الإنتاج الروسي، ومن ثم رفع أسعار النفط بشكل كبير. ولكن هناك أدلة كثيرة على أن أثر هذا الحظر سيكون محدوداً، فقد قامت روسيا بالتنسيق لفتح أسواق جديدة مع دول عدة كان آخرها باكستان. ومن ثم فإنها كما حولت النفط الخام إلى دول أخرى، ستقوم بتحويل المنتجات النفطية. من ناحية أخرى، أي كميات لا يمكنها تكريرها لعدم وجود أسواق لها، يعني إرسال هذا النفط الخام إلى الهند والصين لتكريره وإمداد أوروبا وأميركا به.

خلاصة القول إن الوضع الأوروبي عجيب، وإن موضوع "غسيل النفط" يعني في النهاية شحن النفط بطرق أقل كفاءة من ذي قبل، وبتكاليف ومخاطر أعلى، ويعني أن النفط الروسي سيستمر بالتدفق إلى أوروبا وأميركا على كل الحالات.

المزيد من آراء