على رغم تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بقرب انتهاء موجة ارتفاعات الأسعار وتراجع معدلات التضخم، فقد سجلت العملة الإيرانية خسائر قياسية بلغت نسبتها خلال الشهرين الماضيين نحو 25 في المئة، إذ قفز سعر صرف الدولار الأميركي في سوق طهران الحرة من مستوى 36 ألف تومان في أول نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى نحو 45 ألف تومان في الوقت الحالي، لكن منذ عام 2018، وحتى الآن، فقد سجلت الورقة الأميركية الخضراء مكاسب قياسية مقابل التومان الإيراني، حيث قفز سعر صرف الدولار الأميركي من مستوى 6500 تومان إلى نحو 45 ألف تومان في الوقت الحالي، ليربح كل دولار أميركي نحو 38500 تومان، بنسبة ارتفاع تبلغ نحو 592 في المئة.
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فإن العملة الإيرانية تعاني التدفقات المالية الكبيرة الخارجة من سوق الأسهم، حيث يتطلع الإيرانيون لجمع السيولة من أجل شراء عملات أجنبية، يتحوطون بها ضد حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي التي تواجهها البلاد منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي فشل النظام في احتوائها، على رغم سلسلة الإعدامات التي قام بها بحق النشطاء والمحتجين.
كيف يبرر البنك المركزي انهيار العملة؟
في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي زعم محافظ البنك المركزي الإيراني أن انخفاض العملة إلى مستويات قياسية بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقال في تصريحات رسمية إنه "لإجراء تعديلات في سوق (الصرف الأجنبي) سنعمل نحن في البنك المركزي كصناع للسوق وصناع لسياسة العملة الأجنبية. أياً كانت العملة الأجنبية الأكثر طلباً، فسنوفرها في السوق".
وبالنسبة إلى الريال الإيراني فقد جرى تداول الدولار بما يصل إلى 447 ألف ريال في السوق الإيرانية غير الرسمية، مقارنة مع 430 ألفاً و500 ريال في اليوم السابق، كما بلغ سعر اليورو أكثر من 48 ألف ريال، ووصل سعر الجنيه الاسترليني إلى نحو 55 ألف ريال، وفي الوقت نفسه وصل سعر العملات الذهبية في السوق المفتوحة إلى رقم قياسي جديد مع كسره حاجز الـ24 مليون ريال، فيما بلغ سعر الغرام من الذهب عيار 18، نحو مليونين و60 ألف ريال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على صعيد الاقتصاد الكلي، كان البنك الدولي قد كشف في ورقة بحثية عن أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران بلغ أقل من 192 مليار دولار في عام 2020، مقارنة بنحو 445 مليار دولار في عام 2017، بنسبة انخفاض تبلغ نحو 56.8 في المئة، كما تراجع ترتيب إيران بين الدول من حيث الناتج المحلي الإجمالي، من المرتبة 31 إلى المرتبة 51 خلال فترة السنوات الثلاث.
وأرجع التقرير الانكماش العنيف في الاقتصاد الإيراني إلى سوء الإدارة والانخفاض الكبير في قيمة العملة الوطنية والزيادة الهائلة في السيولة، حيث تظهر أرقام البنك المركزي الإيراني أن السيولة تضاعفت خلال الفترة من 2017 حتى 2020، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم الذي يقترب من 50 في المئة.
ويعود جزء كبير من هذه الزيادة إلى نقص الدخل بالعملة الصعبة من النفط، الأمر الذي أجبر الحكومة على طباعة مزيد من النقود، لكن جزءاً منها كان بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية اعتباراً من عام 2014. وقدر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لإيران لعام 2020، بناءً على الأسعار الثابتة في عام 2010، بمبلغ 499 مليار دولار، والذي لا يزال يظهر انخفاضاً بنسبة 11 في المئة، مقارنة بعام 2017.
النمو يتراجع إلى اثنين في المئة خلال 2023
وربما لا تتوقف الأزمة عند حد الاحتجاجات الداخلية التي يواجهها النظام الإيراني منذ مقتل الناشطة مهسا أميني، حيث تضيف العقوبات الغربية مزيداً من الأوجاع على عاتق الاقتصاد الإيراني الذي يعاني التضخم وانهيار العملة وتوقف صادرات النفط، إضافة إلى سلسلة العقوبات التي تطاول أكبر الكيانات التابعة للحكومة الإيرانية.
وفي مذكرة بحثية حديثة رجح صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي الإيراني البالغ ثلاثة في المئة خلال 2022 إلى اثنين في المئة فقط خلال عام 2023، كما كان من المتوقع أن تنخفض نسبة ميزان الحساب الجاري الإيراني (الميزان التجاري والرأسمال) إلى الناتج المحلي الإجمالي من 1.6 في المئة خلال عام 2022 إلى 1.5 في المئة خلال العام الحالي، لكن بيانات البنك الدولي رجحت أن يصل معدل نمو الاقتصاد الإيراني إلى 2.9 في المئة خلال 2023، وهذا التقييم أقل بنسبة 0.8 في المئة من التوقعات السابقة للبنك الدولي، حيث قدرت المنظمة في تقريرها الصادر في يوليو (تموز) الماضي معدل نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.7 في المئة.
على صعيد التضخم، وفيما كانت التوقعات تشير إلى أن المعدل سيصل إلى مستوى 40 في المئة خلال العام الحالي، لكن مركز الإحصاء الإيراني أعلن وفق بيان رسمي، أن معدل التضخم في البلاد تجاوز مستوى 48.5 في المئة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان صندوق النقد الدولي قد قدر معدل التضخم في إيران خلال عامي 2022 و2023 بنسبة 40 في المئة، وهذه الأرقام الجديدة لمعدل التضخم المحتمل في إيران أعلى بشكل ملحوظ من التوقعات السابقة لهذه المؤسسة، كما أن الصندوق قد قدر في تقريره السابق معدل التضخم بنحو 33.3 في المئة لعام 2022 وتوقع انخفاض معدل التضخم إلى 27.5 في المئة في عام 2023. ونتيجة لذلك فقد تراجع الصندوق عن تقييماته المتفائلة واستبدل بها تقديرات مخيفة في شأن معدل التضخم في إيران، إذا تحققت هذه التوقعات، فستكون هذه هي المرة الأولى في الأعوام التي تلت حكم نظام الملالي في إيران، أن يفرض فيها معدل تضخم أعلى من 40 في المئة خلال ثلاثة أعوام متتالية على الاقتصاد الإيراني.
عدم وجود رؤية واضحة
في الوقت نفسه، أشارت نتائج بعض تقارير المؤسسات الرسمية في إيران إلى عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة للاقتصاد الإيراني حتى نهاية العام الإيراني الحالي الذي ينتهي في 20 مارس (آذار) 2023. وأظهر تقرير للغرفة التجارية الإيرانية أن المؤسسات الاقتصادية تعاني بسبب انخفاض مستوى الطلب على منتجاتها وخدماتها، وحالياً فقد انخفض طلب العملاء والمبيعات المحلية في جميع الصناعات ويواجه عديد من الشركات نقصاً في العمالة.
وأوضح التقرير أن أنشطة البنوك باتت "بطيئة للغاية" في مجال تقديم التسهيلات للشركات، وفي كثير من الحالات "ترفض أو تفشل في الوفاء بوعودها للشركات التي تقدمت بطلبات للحصول على تسهيلات بنكية".
وسعت الحكومة الإيرانية إلى السيطرة على سوق العملات من خلال تغيير رئيس البنك المركزي وإقرار عدد من الإجراءات. وأرجع محافظ البنك المركزي الإيراني الجديد محمد رضا فرزين سبب انخفاض العملة إلى ما سماه "عمليات نفسية تتم على يد أعداء إيران، بهدف زعزعة الاستقرار".
وأشار إلى أن "البنك المركزي لا يواجه أي قيود في العملة الأجنبية وموارد احتياطات الذهب"، معتبراً أن "الخداع الإعلامي والعمليات النفسية هي العوامل الرئيسة وراء تقلب سعر الصرف"، فيما اعتبر موقع "إيكو إيران" الاقتصادي أن استمرار انخفاض الريال جاء بسبب "الإجماع العالمي ضد إيران"، موضحاً أن "الضغوط السياسية المتزايدة مثل وضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب من العوامل المؤثرة على سعر الدولار".