ارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف خلال تعاملات اليوم الاثنين، حيث فاقت بيانات لإنتاج المصانع ومبيعات التجزئة الصينية التوقعات، لكن الأرقام الإجمالية التي أظهرت أبطأ نمو اقتصادي ربع سنوي في البلاد منذ عقود كبحت مكاسب الخام.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم سبتمبر (أيلول) 40 سنتاً بما يعادل 0.6%، إلى 67.12 دولاراً للبرميل، في حين ارتفع الخام الأميركي تسليم أغسطس (آب) 19 سنتاً أو 0.32% إلى 60.40 دولاراً للبرميل.
وخلال الأسبوع الماضي، سجل الخامان أكبر مكاسب أسبوعية في ثلاثة أسابيع، بفعل تخفيضات في إنتاج النفط الأميركي والتوترات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
وعززت بيانات الاقتصاد الصيني، تحديداً ما يتعلق منها باستهلاك النفط، الأكثر إيجابية الأسواق الآسيوية والأوروبية في المعاملات المبكرة، حيث قد تشير إلى النجاح المبكر لجهود التحفيز الحكومية، وربما زيادة الطلب على النفط في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهرت بيانات رسمية حديثة أن استهلاك النفط الخام الصيني ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 13.07 مليون برميل يومياً في يونيو (حزيران)، بزيادة نسبتها 7.7% مقارنة بالعام السابق، بعد بدء تشغيل مصفاتين كبيرتين جديدتين.
لكن نمو الاقتصاد الصيني تباطأ إلى 6.2% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام، وهو الأسوأ خلال 27 عاماً، مما يشير إلى تأثير التوترات التجارية مع واشنطن، ويثير إمكانية إجراء مزيد من جهود التحفيز لتنشيط الاقتصاد.
وعلى الرغم من الهدنة التي جرى الاتفاق عليها بين الرئيسين الصيني والأميركي الشهر الماضي، فإن الحرب التجارية ما زالت قائمة.
وواصلت مصافي التكرير الواقعة في مسار العاصفة المدارية "باري"، العمل رغم خطر الفيضانات، بينما قلّصت العاصفة إنتاج الخام الأميركي في خليج المكسيك 73%، أو 1.38 مليون برميل يومياً.
لماذا تتحرك الأسعار ضمن نطاق محدود؟
وحسب تقرير أسواق النفط العالمية "يوليو (تموز) 2019"، الصادر عن بحوث "كامكو"، فقد واصلت أسعار النفط تحركها ضمن نطاق محدود في يونيو (حزيران) الماضي والنصف الأول من يوليو (تموز) الحالي، وذلك في أعقاب التراجع الشديد الذي منيت به في النصف الثاني من مايو (أيار) الماضي، على خلفية عدد من العوامل، يتمثل أهمها في ضعف الطلب على النفط بالتزامن مع خفض الإمدادات. واستمر ضعف الأسعار على الرغم من إعلان "أوبك" وحلفائها عن تمديد اتفاقية خفض الإنتاج لمدة تسعة أشهر إضافية.
من جهة أخرى، واصلت توترات الشرق الأوسط في تعزيز الأسعار، إلا أن تلك العوامل قابلها الإعلان عن بعض البيانات المهمة التي تشير إلى ضعف نمو الاقتصاد العالمي في الأجل القريب مع تصدّر النزاع التجاري ما بين الولايات المتحدة والصين كأحد أهم العوامل المؤثرة سلباً على آفاق النمو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما يتعلق بملف التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في خطاب تلفزيوني أمس الأحد، إن إيران مستعدة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة إذا رفعت واشنطن العقوبات، وعادت إلى الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة العام الماضي.
في غضون ذلك، عرضت بريطانيا تسهيلاً للإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية المحتجزة "جريس 1"، إذا قدمت طهران ضمانات بعدم توجهها إلى سوريا.
بماذا تأثرت أسعار النفط منذ بداية 2019؟
من جانب آخر، تلقت أسعار النفط بعض الدعم المؤقت خلال الأسبوع الماضي على خلفية العاصفة الجوية المتوقع اتجاهها نحو المنشآت النفطية الأميركية. ونظراً لعمليات الإخلاء، فقد أثرت العاصفة بالفعل على نسبة 70% من إنتاج النفط الصادر من خليج المكسيك، والذي يمثل نحو 17% من إجمالي إنتاج النفط الأميركي. كما ارتفع الطلب على البنزين مع دخول موسم العطلات الصيفية في الولايات المتحدة.
وقد أدى تشغيل المصافي بكثافة أعلى لمقابلة الطلب المتزايد على البنزين إلى ارتفاع الطلب على مخزونات الخام، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع المخزونات النفطية في الولايات المتحدة على مدار أربعة أسابيع متتالية، بما أسهم أيضاً في دعم أسعار النفط.
ويشير أحدث التقارير الصادرة عن التوقعات المستقبلية لقطاع الطاقة على المدى القصير في الولايات المتحدة إلى تراجع الطلب العالمي المتوقع على النفط للعام 2019 بواقع 0.2 مليون برميل يومياً مقارنة بالتوقعات السابقة، في حين أبقى التقرير على توقعات الطلب على النفط في العام 2020 من دون تغيير.
أما من جهة منظمة "أوبك"، فقد أشار تقريرها الصادر عن شهر يوليو (تموز) الحالي، إلى إبقاء الطلب العالمي على النفط دون تغير للعام 2019 عند مستوى 1.14 مليون برميل يومياً، كما نشرت "أوبك" للمرة الأولى توقعاتها الخاصة بالطلب في العام 2020، مشيرة إلى استقرار معدلات الطلب عند مستوى 1.14 مليون برميل يومياً.
"أوبك" تواصل تقليص إنتاجها النفطي
على صعيد المعروض النفطي، فقد رفعت الولايات المتحدة إنتاجها إلى 12.3 مليون برميل يومياً في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) الحالي، مضيفة 0.1 مليون برميل يومياً مقارنة بالأسبوع الذي سبق. وكانت أحدث التوقعات تشير إلى بلوغ الإنتاج الأميركي 12.4 مليون برميل يومياً في العام 2019 وإلى ارتفاعه إلى 13.3 مليون برميل يومياً في العام 2020، وفقاً لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
من جهة أخرى، واصلت "أوبك" تقليص إنتاجها من النفط، حيث بلغ 30 مليون برميل يومياً في يونيو (حزيران) الما ضي. فيما أشار أحدث التقارير الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية إلى عدم فعالية جهود "أوبك" وحلفائها في خفض الإنتاج، وذكر أن سوق النفط سيظل يعاني من تخمة المعروض في العام 2020. كما ذكر التقرير أيضاً أن المعروض النفطي العالمي تخطى مستويات الطلب بنحو 0.9 مليون برميل يومياً في النصف الأول من العام 2019.
بيانات سلبية تتعلق بمستقبل الطلب على النفط
على الصعيد الاقتصادي، تواصل البيانات الاقتصادية في رسم صورة قاتمة للطلب المستقبلي على النفط. وسجّلت الولايات المتحدة ضعفا في معنويات أنشطة الأعمال وتباطؤ الصناعات التحويلية، حيث إن تلك العوامل قد تؤدي إلى خفض أسعار الفائدة في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقبل. كما تشير البيانات الاقتصادية أيضاً إلى تراجع الطلبيات الجديدة لمصانع السلع الأميركية للشهر الثاني على التوالي.
في المقابل، أعلنت الصين عن تراجع مبيعات السيارات بما يقرب من نسبة 10% على أساس سنوي للشهر الثاني عشر على التوالي في يونيو (حزيران) الماضي. وينطبق نفس الوضع على الهند، حيث تراجعت مبيعات السيارات إلى أدنى مستوياتها المسجلة في ثمانية أشهر بنسبة 25%، في حين انخفضت مبيعات سيارات الركاب بنسبة 18% في يونيو (حزيران) الماضي.
أما في أوروبا، فقد خفّضت المفوضية الأوروبية توقعات الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التضخم لمنطقة اليورو بالنسبة إلى العام المقبل على خلفية تزايد المخاطر السلبية.
كيف جاءت الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط؟
بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها المسجلة في سبعة أسابيع خلال الأسبوع الثاني من يوليو (تموز) الحالي، على خلفية انقطاع الإمدادات في الخليج الأميركي نتيجة لاقتراب الإعصار. واخترق سعر خام غرب تكساس الوسيط حاجز 60 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ شهرين، في حين أدّى الاتجاه التصاعدي لأسعار مزيج خام برنت إلى تخطيه مستوى 65 دولارا للبرميل.
كما أسهم تراجع المخزونات الأميركية في تعزيز أسعار النفط، حيث تراجعت المخزونات للأسبوع الرابع على التوالي حتى 5 يوليو (تموز) بإجمالي بلغ 26.5 مليون برميل وصولاً إلى 459 مليون برميل، إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن تفاعل السوق مع مثل تلك الأحداث كان متواضعاً للغاية بالمقارنة بمواقف مماثلة في السابق.
كما يظلّ مراقبو النفط متشككين تجاه العوامل التي قد تؤدي إلى دعم أسعار النفط، وبخاصة في ظل فشل الاتجاهات الاقتصادية المعلن عنها حديثاً من قبل الجهات الحكومية المختلفة في توفير أية حوافز إيجابية، حيث يشير معظم الاقتصاديين والوكالات المختلفة إلى تسجيل معدلات نمو معتدلة أو حتى تراجع معدلات النمو في كافة أنحاء العالم على خلفية تباطؤ نمو التجارة العالمية الناتج عن انخفاض معدلات التصنيع العالمية. وعكست النظرة المستقبلية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية نفس الصورة بالنسبة إلى توقعات النمو الخاصة بالعام 2020.
من جانب آخر، يعد استقرار سعر برميل النفط عند مستوى 60 دولاراً للبرميل كافياً لتعويض المنتجين الأميركيين، والذين تشير التقارير إلى مواصلتهم لخططهم الاستثمارية. وعلى الرغم من تراجع عدد منصات الحفر الأميركية أخيرا، إلا أن الإنتاج تزايد بما عادل جهود "أوبك" وحلفائها في خفض الإنتاج.
ووفقا للبيانات الأسبوعية الصادرة عن شركة "بيكر هيوز"، فإن منصات الحفر الأميركية قد تراجعت للأسبوع الثاني على التوالي حيث وصلت إلى 784 منصة نشطة.
وسجّلت متوسطات أسعار أغلبية خامات النفط تراجعاً ثنائي الرقم في يونيو (حزيران) الماضي، نظراً لأن الارتفاعات التي شهدتها الأسعار تجاه نهاية الشهر لم تفلح في معادلة تراجعات بداية الشهر. حيث تراجع متوسط سعر خام "أوبك" بنسبة 10.1% على أساس شهري خلال يونيو (حزيران) الماضي، ليبلغ سعر البرميل 62.9 دولار.
أما بالنسبة إلى متوسط سعر خام النفط الكويتي فقد تراجع بوتيرة أعلى هامشياً بلغت 10.7%، حيث وصل إلى 62.6 دولار للبرميل، في حين تراجع متوسط سعر مزيج خام برنت بنسبة 9.6% وبلغ 64.0 دولاراً للبرميل، فيما يعد أدنى مستوياته منذ مارس (آذار) الماضي.
ماذا عن الطلب العالمي على النفط؟
ظلت تقديرات الطلب العالمي على النفط للعام الحالي ثابتة دون تغيير، وفقاً لأحدث التوقعات الشهرية لمنظمة "أوبك"، حيث يتوقع ارتفاع الطلب بنسبة 1.41 مليون برميل يومياً ليصل إلى 99.87 مليون برميل يومياً. كما تم الإبقاء على توقعات نمو الطلب للعام 2020 دون تغير عند مستوى 1.14 مليون برميل يومياً، ليصل بذلك متوسط الطلب إلى 101.01 مليون برميل يومياً.
وتشير التوقعات إلى أنه بالنسبة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيرتفع الطلب على النفط من جهة الدول الأميركية التابعة للمنظمة، في حين أن الدول الأوروبية ودول آسيا والمحيط الهادئ ستشهد تراجعا في الطلب على النفط في العام 2020. أما على صعيد الدول غير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ستكون الهند أولى الدول الدافعة لنمو الطلب ثم تليها الصين. وسوف تسهم المنطقة بنمو يصل إلى نحو 1.05 مليون برميل يومياً خلال العام.
من جهة أخرى، أشار أحدث التقارير الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى نمو الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من العام 2019 إلى أدنى مستوياته منذ العام 2011 على خلفية انكماش قطاع الصناعات التحويلية للمرة الأولى منذ سبع سنوات، بما دفع أسعار النفط إلى التراجع بمعدل الثلث عما كان متوقعاً في الربع الثاني من العام 2019 وصولاً إلى 0.8 مليون برميل يومياً.
وأبقت الوكالة على توقعات النمو للعام بأكمله عند مستوى 1.2 مليون برميل يومياً، إلا أن ذلك يتطلب تزايد الطلب في النصف الثاني.