Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قضية" أندرو تيت والنساء... عندما تصبح الكراهية فكرة

اعتقلته رومانيا مؤخرا بعد انتشار فيديوهات له تحظى بمتابعة ملايين من الشباب المتطرفين وتتأثر بخطابه مليء بالكلمات النابية والأوصاف المهينة للمرأة

أثناء القبض على أندرو تيت مع شقيقه بتهمة الاتجار بالبشر (أ ف ب)

قبل أسابيع قليلة اعتقلت السلطات الرومانية لاعب الكيك بوكسينج الشهير أندرو تيت، وهو بريطاني من أصل أميركي، بتهمة الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة والاغتصاب، حيث استدرج عشرات النساء واحتجزهن وأجبرهن على العمل في مهن ذات طابع جنسي.

الشاب الذي يبلغ من العمر 36 سنة ليس الوحيد في العالم الذي يرتكب هذه الجرائم، فثمة عالم من الجريمة المتعلقة بإجبار النساء والأطفال على هذه الأفعال، كما يمتلئ الإنترنت المظلم بكثير من الفيديوهات الإباحية التي تديرها شبكات من الجريمة المنظمة، لكن تيت أو "الملك الكوبرا" مثلما يلقب، يتميز بوضع خاص وخطير للغاية، لأنه لم يكن مجرماً متخفياً بل "مؤثراً" على وسائل التواصل الاجتماعي، يحظى بملايين المتابعين من الشباب الصغير، والأخطر أن رسالته المتعلقة "بكراهية النساء" كانت الأكثر تأثيراً.

مزجت رسائل تيت لمتابعيه بين التحفيز على اللياقة البدنية والرفاهية المالية، والدفاع عن تفوق الذكور، بل كان يصف نفسه بـ"كاره النساء" ويحتفي بالعنف ضد المرأة. وعلى رغم حظره من منصات "تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام" و"يوتيوب"، فإنه اكتسب عدداً هائلاً من المتابعين عبر الإنترنت جراء مقاطع الفيديو التي نشرها المعجبون وحصدت ملايين المشاهدات والمشاركات. وفي يوليو (تموز) الماضي، سبقت نتائج البحث عن اسمه على "غوغل" كلاً من كيم كارديشيان ودونالد ترمب.

وفق التحقيقات الأولية استغل تيت ما يصل إلى 75 امرأة في فيديوهات جنسية، إذ يتهمه البعض بسجنهن وإرغامهن على العمل بالجنس، لكن عديداً من معجبيه في الغرب والشرق يعبرون عن دعمهم له، ويرون فيه قوة إيجابية للرجال، وأن الحكومة الرومانية تحاول إسكاته لأنه يتفوه بالحقيقة. ويروج المتهم لتلك التصورات، فأثناء اقتياده من قبل الشرطة، كان يقول للكاميرات التي تلاحقه إن "الماتريكس هاجمني"، وغرد "يبدو أن الثوار العظماء من كل جيل يعانون السجن غير العادل".

خطورة صعود تيت

اعتاد تيت مواعدة نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و19 سنة فقط لأنه يمكنه السيطرة عليهن. يؤمن ذلك الشاب بأن "النساء مكانهن المنزل وإنجاب الأطفال والجلوس صامتات وعمل القهوة"، وأنه لا ينبغي للمرأة أن تقود السيارة، بل إنها مجرد أحد أملاك الرجل حتى إنهن ليس لديهن الحق في الاعتراض على خيانة الزوج بل يستحققن الضرب إذا اعترضن. وفي ذروة حركة "أنا أيضاً" المناهضة للتحرش الجنسي عام 2017، قال تيت إن ضحايا الاغتصاب من الإناث يجب أن يتحملن بعض المسؤولية عن اغتصابهن، وهو رأي أعاد مشاركته مرات عدة منذ ذلك الحين. ومن ثم فإن ما يحظى به من شهرة وتأثير بين المراهقين والشباب الصغير يشير إلى مشكلة أكبر كثيراً.

تتكون قاعدة المعجبين المخلصين لتيت من رجال حول أنحاء العالم، بما في ذلك فتيان لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة. الأمر المثير في عمل تيت أنه جند أولئك الشباب من خلال برنامج عبر الإنترنت يعرف باسم "جامعة هوستلر Hustler's University". ويقال للأعضاء إن بإمكانهم كسب ما يصل إلى عشرة آلاف جنيه استرليني شهرياً باتباع خطواته لتحقيق النجاح، وتتضمن دروساً حول العملات المشفرة والوثائق القانونية الدولية.

شبكته العالمية من الرجال، التي تحمل عنوان "The War Room"، ولا يزال حسابها يعمل على "تويتر"، تبدو وكأنها طائفة أيديولوجية تطلب من الأعضاء "أن يكونوا رجالاً" و"إثبات أنفسهم" من أجل البقاء، ويزعم أنه يحول "الأولاد إلى رجال"، لكن ما يفعله في الواقع هو تحويلهم إلى معتدين محتملين. تم تصنيف آراء تيت من قبل منظمات العنف المنزلي على أنها كراهية شديدة للنساء، وتشير المنظمات المعنية إلى أنه قادر على جعل الرجال والفتيان متطرفين ومستعدين لارتكاب الأذى، فعند الإيمان بمثل هذه المعتقدات المتطرفة، فمن الذي يمنع أي شخص من التصرف بناء عليها؟

أرض خصبة

أفكار تيت وجدت أرضاً خصبة في العالم العربي، حيث يحظى ذلك الشاب المتطرف بدعم وتأييد واسعين بين فئة من الذكور في الشرق الأوسط، تربت في بيئة متطرفة توظف خطاباً دينياً تحريضياً ضد النساء، ومن ثم كان لإعلان تيت اعتناقه الدين الإسلامي خطراً مزدوجاً، الأول يتمثل في ادعائه بأن أفكاره تجاه النساء تتفق مع الإسلام، وثانياً زيادة الخطر بالنسبة إلى نساء المنطقة اللائي يكافحن ضد عادات ومفاهيم خاطئة مناهضة للمرأة، فضلاً عن معدلات العنف الموجهة للنساء في المنطقة العربية.

في مقال نشرته صحيفة "اندبندنت" الشهر الحالي، أعربت الكاتبة حفصة لودي، عن أسفها لتوافد الرجال المسلمين للانضمام إلى متابعي تيت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ تحوله إلى الإسلام في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتشير إلى أنه في أعقاب تحول تيت، شهدت أركان "تويتر" نقاشات محتدمة بين المسلمين حول كيف لا يمكننا "الحكم" على أخ في الإسلام، وكيف يجب أن نرحب به في الإيمان ونفترض الخير منه. وتقول "لكن بصفتي امرأة مسلمة تؤمن بأن الإسلام يعامل النساء بكرامة وشرف، لا يسعني إلا أن أتعامل معه على محمل شخصي وأشعر بالأذى وعدم الاحترام عندما يعترضني اقتباس أو تأييد له أو مقطع فيديو على واتساب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فخطاب تيت، المليء بالكلمات النابية والأوصاف المهينة للمرأة والأيديولوجية الكارهة للنساء بشكل عام، يروق للرجال المتطرفين الذين ترتبط فكرتهم عن الرجولة بإخضاع المرأة. ولسوء الحظ، توضح لودي أن هذه الآراء تتداخل مع بعض التفسيرات التي غالباً ما تنسبها الفصائل المتطرفة بشكل خاطئ إلى الإسلام -وهو نوع من النظام الأبوي المفرط الذي تمارسه مجموعات مثل "طالبان"- لكنه لا يعكس الدين الذي تمارسه غالبية المسلمين اليوم. وتقول إن "التفسير المشوه للإسلام الذي يؤيده تيت ليس هو التفسير الذي أسعى إلى ممارسته وتجسيده، وأنا أزعم أن تحوله ألحق ضرراً كبيراً بالمسلمين، كما أن احتفاء العديد من الرجال المسلمين بدخول تيت الإسلام هو رد فعل لا يحترم النساء ويقر العنف ضدهن".

يقول "تيت" في مقطع فيديو على قناة "يوتيوب" بعنوان "قصص تحول مسلمين" إن الإسلام "آخر دين صحيح يصلح كثيراً من المشكلات التي يواجهها الرجال حالياً". ويضيف أن "الإسلام يحفظ النساء في دورهن كمطيعات لرجالهن"، مشيراً إلى أن المرأة في الإسلام مهمتها إرضاء الرجل وهو أمر يقربها من الله. وأعرب عن رغبته في البحث عن زوجه مسلمة مع الاحتفاظ بكومة من الحجارة "في حالة الخيانة"، قائلاً "سأبحث لنفسي عن زوجة إسلامية لطيفة وأحتفظ بكومة كبيرة من الحجارة في حال الخيانة. لن أعبث. بمجرد أن ألاحظ أي خيانة لن يكون هناك أي تأخير"، في إشارة إلى الرجم، فيما ربط المدافعون عن تيت اعتقاله بدخوله الإسلام. وقال المصارع البريطاني المسلم تام خان إن "تيت تم استهدافه ظلماً بسبب اعتناقه الإسلام".

اتحاد كراهية النساء

وتقول يسرا عمران مؤلفة كتاب "حجاب وأحمر شفايف" إن "تيت ربما أغرى بالصورة النمطية بأن الإسلام يشجع على العنف ضد المرأة، وهو الخطاب الذي يتبناه عديد من الأبويين والسلفيين". وتشير عمران إلى أن "معجبي تيت من اليمينيين المسيحيين أو المسلمين يتغاضون عن اختلافاتهم العقائدية والدينية للتحالف معاً في كراهيتهم للمرأة، وهو الاتحاد الذي يشكل أخطاراً أمنية محتملة"، بحسب صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية.

وعلى سبيل المثال، تشير عمران إلى أنه في إحدى الكليات في برادفورد ببريطانيا حيث تعمل، فإن أكبر خطر كان يتمثل في دفع الجماعات المتطرفة الطلاب المسلمين نحو التطرف، بينما "القضية الأولى التي نواجهها الآن هي التحرش الجنسي ضد النساء والتطرف من قبل هذه الحركات ومن قبل أندرو تيت، عبر كل من الشباب الصغير والشباب الآسيويين والشباب من الذكور البيض".

المزيد من تقارير