Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المحقق الخاص" لعنة الرؤساء التي تلاحق بايدن

كلمتان لا يريد أي ساكن للبيت الأبيض سماعهما

أوقعت قضية الوثائق السرية بايدن في حرج وسط اتهامات بعدم الشفافية (أ.ف.ب)

باستثناء الرئيس السابق باراك أوباما، حصل جميع الرؤساء الأميركيين منذ جيمي كارتر على نصيبهم من جدل المحقق الخاص، فالرئيس كارتر واجه تحقيقاً خاصاً بإشراف وزارة العدل في تجارة عائلته بالفول السوداني، ثم لاحق الإجراء نفسه رونالد ريغان بعد فضيحة "إيران كونترا"، وبيل كلينتون بعد استثماراته العقارية الفاشلة، وكذلك جورج بوش الابن الذي كلفت وزارة العدل في عهده محققاً خاصاً النظر في مزاعم تسريبه هوية عميل سري في الـ"سي آي أي".

وهذه الأيام، تلاحق لعنة "المحقق الخاص" الرئيس جو بايدن، الذي وجد نفسه محور إخفاق لم يكن بالحسبان بعد العثور على وثائق سرية في مركزه البحثي بواشنطن ومرآب سيارته في ديلاوير، وهو ما دفع وزير العدل المعين من قبل بايدن ميريك غارلاند إلى تعيين محقق خاص للنظر في ظروف تخزين الوثائق، وما إذا كان هناك إهمال من قبل الرئيس يستدعي توجيه اتهامات له بخرق قانون الوثائق الرئاسية الذي يلزم رأس السلطة التنفيذية ومسؤوليها تسليم الوثائق السرية لإدارة الأرشيف الوطني والمحفوظات.

ويأتي التحقيق في وثائق بايدن في الوقت الذي يواجه خصمه اللدود دونالد ترمب تحقيقاً مشابهاً، وهو ما أوقع بايدن في حرج، وأظهره في صورة سيئة لا تختلف عن تلك التي رسمتها إدارته ووسائل الإعلام لترمب، فالرئيس الأميركي قبل أشهر فتح النار على ترمب لاحتفاظه بوثائق سرية في منزله. وقال خلال مقابلة مع "60 Minutes" "كيف يمكن لأي شخص أن يكون غير مسؤول إلى هذا الحد؟"، قبل أن تكشف شبكة "سي بي أس" في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي قصة عثور محامي الرئيس الأميركي على وثائق سرية في مواقع مختلفة غير مصرح لها بتخزين هذا النوع من الوثائق الحكومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عصر المحقق الخاص

يلجأ وزير العدل المعين من قبل الرئيس إلى تعيين محقق خاص لتولي بعض القضايا المرتبطة بالرئيس أو أعضاء السلطة التنفيذية لتفادي تضارب المصالح. ولارتباط الرؤساء الأميركيين بملفات داخلية وخارجية لا تخلو من جدل وثغرات قانونية، كانت وما زالت قصتهم مع المحقق الخاص طويلة ومتشعبة، فإن نصف العقد الأخير امتاز بتعدد المحققين الخاصين، فمنذ 2017، عين أربعة محققين لتقصي قضايا مختلفة، منها علاقة حملة ترمب بروسيا، وآخرها وثائق بايدن.

في صيف 2017، كان ترمب يخوض أم المعارك بالنسبة له وقتها، وذلك بعد قرار وزير العدل آنذاك جيف سيشنز تكليف المحقق الخاص روبرت مولر لتقصي مزاعم التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وهو ما أغضب ترمب، بل وذكر تقرير مولر بعد عامين من التحقيق أن الرئيس السابق قال بعد أن أبلغه وزير العدل بتعيين محقق خاص، "هذه نهاية رئاستي"، موبخاً الوزير على تنحيه عن التحقيق.

وبعد ثلاث سنوات، أصدر وزير العدل السابق بيل بار قراراً بتكليف المحقق الخاص جون دورهام بمراجعة تحقيق الـ"أف بي آي" في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، وتحديد ما إذا كان هناك أي تجاوزات. وأعقب ذلك بعامين، تعيين جاك سميث للتحقيق في احتفاظ ترمب بوثائق سرية ومزاعم الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020.

وأخيراً، كانت هدية العام الجديد لبايدن محققاً خاصاً سيتولى نيابة عن وزير العدل التحقيق في احتفاظ الرئيس بوثائق حكومية تعود لعهد باراك أوباما. وكشف طريقة وصول تلك الوثائق إلى ملكيات خاصة، وتحديد ما إذا كان تخزين بايدن لها هناك قد عرض الأمن القومي الأميركي للخطر.

استراتيجية زادت المتاعب

"المحقق الخاص"، كلمتان لا يريد أي رئيس سماعهما. هكذا عنونت شبكة "سي أن أن" أحد تحليلاتها التي تناولت قصة وثائق بايدن، لكن بالنسبة للأخير ليست فكرة تنحي وزير العدل عن التحقيق ما تؤرقه وحدها، ولكن حقيقة ترك وثائق سرية في منزله وفي مكتب خاص لم يعد مأهولاً، من دون تسليمها لإدارة الأرشيف الوطني.

وعلى الرغم من اعتراف بايدن بأنه فوجئ بعدم تسليم تلك الوثائق للجهة المعنية، وتأكيده تعاون فريقه مع وزارة العدل، فإن ذلك لم يكن كافياً لإسكات الرأي العام وخصوصاً معارضيه من الجمهوريين الذين استنكروا ما وصفوه بـ"النفاق"، مشيرين إلى أن بايدن نكل بترمب لاحتفاظه بوثائق سرية في قصره، في حين تسترت إدارته لأكثر من شهرين على تحقيق وزارة العدل في وثائق الرئيس الديمقراطي.

وانتقد محللون ووسائل إعلام تأخر بايدن في الإعلان عن التحقيق، إذ قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن استراتيجية التزام الصمت وعدم المبادرة بإظهار الحقائق للرأي العام أدت إلى نتائج عكسية، بعد أن تعثرت آمال الإدارة الأميركية في وأد قصة الوثائق السرية من قبل وزارة العدل مباشرة، من دون الحاجة إلى محقق خاص.

وذكرت "واشنطن بوست" نقلاً عن مصادر لم تسمها أن فريق بايدن تبنى استراتيجية أساسها التحوط والاحترام في التواصل مع وزارة العدل، واتخذ خطوات محدودة بالتنسيق مع المحققين الفيدراليين، كما تجنب الكشف عن القصة، وهو ما خفف الضغط على المحققين. وأضافت الصحيفة أن فريق الرئيس كان يأمل من خلال هذا النهج كسب ثقة المحققين، وتجنب أي مقارنة مع ترمب، وإنهاء القضية بسرعة قبل ظهورها للإعلام، لكن الاستراتيجية أسفرت عن عاصفة سياسية واتهامات لبايدن بعدم الشفافية، وبدلاً من التوصل إلى حل سريع بعيداً من الأضواء، يواجه الرئيس اليوم محققاً خاصاً.

من جانبه، أقر دوغ جونز العضو الديمقراطي السابق في مجلس الشيوخ بأن البيت الأبيض كان بإمكانه أن يكون أكثر شفافية مع الناس، لكنه نوه في الوقت نفسه بتصرف فريق بايدن القانوني بعد إخطار السلطات بالوثائق فور اكتشافها.

صلاحيات المحقق الخاص

عادة ما يشرف المدعي العام أو رئيس القسم الجنائي بوزارة العدل على التحقيقات الجنائية، لكن في حالات استثنائية كقضية بايدن، تخول لوائح وزارة العدل النائب العام وزير العدل تعيين مدع عام خارجي. ويتمتع المحقق الخاص بخلاف مدعي وزارة العدل باستقلالية أكبر وحصانة من الفصل التعسفي، إلا إذا ارتكبوا مخالفة.

وعلى الرغم من هذه الميزات، فإن المحقق الخاص خاضع لسياسات وزارة العدل ورقابة النائب العام، الذي يملك سلطة نقص قرار المحقق الخاص، إذا خلص مثلاً إلى اتهام شخص ما. ومع ذلك، لا يجوز للنائب العام النقض إلا بموجب مسببات واضحة تؤكد أن الإجراء غير صائب أو غير مبرر بموجب الممارسات الإدارية المعمول بها. وفي حالة رفض قرار المحقق الخاص، يجب على وزارة العدل إبلاغ الكونغرس.

وتتجسد الاستقلالية غير الكاملة للمحققين الخاصين في كونهم خاضعين في النهاية لسلطة النائب العام، وبحسب "سي أن أن"، كان التسلسل القيادي واضحاً في عهد ترمب عندما تعمد النائب العام بيل بار تأخير نشر تقرير المحقق روبرت مولر حول التدخل الروسي في انتخابات 2016، بطريقة بدت مفيدة للرئيس السابق.

المحقق الجديد وبايدن

أوقعت الوثائق السرية بايدن في حرج كبير، وأصبحت عقبة جديدة في طريقه المعقدة نحو انتخابات 2024 بسبب عمره وهفواته الكلامية، التي ربما تزيد تعقيداً بعد تحقيق وزارة العدل الذي كلف به روبرت هور، وهو محام أميركي عين في كل مناصبه الحكومية السابقة من قبل إدارات جمهورية، ومن آخرها تعيين ترمب له مدعياً عاماً في ولاية ماريلاند، حيث أشرف على قضية فساد انتهت بالحكم على عمدة مدينة بالتيمور الديمقراطي بالسجن ثلاث سنوات.

وستعتمد مسألة توجيه اتهامات لبايدن على نوع الوثائق المكتشفة ودرجة سريتها، وما إذا كان الإهمال في تخزينها عرض الأمن القومي أو المواطنين الأميركيين للخطر. وبحسب "سي أن أن"، فإن الوثائق التي عثر عليها تراوحت ما بين مذكرات استخباراتية ومواد إحاطة غطت ملفات متعلقة بأوكرانيا وإيران وبريطانيا، إضافة إلى رسالة من بايدن إلى أوباما، ومذكرات مجهزة لإعداد بايدن لمكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء البريطاني وأخرى مع رئيس المجلس الأوروبي آنذاك دونالد تاسك.

ويقول المحامي نورم آيزن الذي ساعد الديمقراطيين في محاكمة عزل ترمب الأولى أنه بناء على ما يعرفه العامة حتى الآن، فإنه من غير المرجح أن يواجه بايدن أي اتهامات، بخلاف ترمب المعرض على حد قوله لخطر أكبر "بسبب سلوكه المعيق وعوامل أخرى غائبة عن قضية بايدن".

المزيد من تقارير