Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إرث الشقاق" يقف عائقا أمام توحيد واشنطن إدارتي كردستان

وساطة أميركية جديدة للحد من اتساع الشرخ بين الحزبين الكرديين الحاكمين

منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك  (أ ف ب)

تلقى أكراد العراق تحذيراً أميركياً جديداً من مغبة استمرار صراعهم الداخلي وتداعياته غير محسوبة النتائج على مكتسبات حققوها طوال العقود الثلاثة الماضية في بقعة مدرجة ضمن استراتيجة المصالح الأميركية وحلفائهم الغربيين في منطقة الشرق الأوسط، فيما تعترض جهود الوساطة لدرء الانقسام تحديات صعبة تتمثل بإرث متراكم من الخلافات التي تعود إلى بدايات نشأة القوى السياسية المتحكمة بالقرار في الإقليم الكردي.

وأجرى منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك أول من أمس الثلاثاء، مباحثات في بغداد، تناولت ملفات عدة على رأسها العلاقات الثنائية، والخلاف بين حكومتي بغداد وأربيل، قبل أن يتوجه إلى إقليم كردستان لبذل جهود وساطة بين الحزبين الكرديين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني لإنهاء خلافها المتصاعد على النفوذ والإيرادات.

عقود من الخلاف والوساطات

وتظهر مراجعة تاريخية لمراحل الحركة الكردية ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة، منذ عقد الستينيات وصولاً إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، دخول الحزبين في صراعات ومواجهات عدة مسلحة قبل أن تخمد بفعل وساطات غالباً ما كانت تقودها حكومات إقليمية وغربية، آخرها كانت في عام 1998 عندما قادت واشنطن جهوداً لتوقيع معاهدة سلام أنهت حرباً أهلية استمرت لنحو أربع سنوات وخلفت وراءها آلاف الضحايا، إذ أفضت لاحقاً إلى إبرام "استراتيجية" لإدارة مشتركة في الإقليم.

واحتدم الخلاف أخيراً بين الحزبين على صيغة تقاسم إيرادات الإقليم والمناصب في الحكومة الاتحادية، وبلغ أوجه بعد اغتيال الضابط المنشق عن حزب طالباني هاوكار جاف في مدينة أربيل الواقعة ضمن منطقة نفوذ حزب بارزاني.

لا دعم من دون شروط

ولاقت خطوة ماكغورك ترحيباً وتفاؤلاً حذراً أقرت فيه رئاسة الإقليم بأن "الإقليم يمر بظروف غامضة وجملة من التحديات تحتم الوحدة والتعاضد"، وصدرت تصريحات من قادة في حزب بارزاني مطمئنة للدخول في حوار وضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية التي تأجلت في وقت سابق لنحو عام كامل بسبب الأزمة السياسية، إلا أن جهود المبعوث الأميركي قد لا تفضي إلى النتائج المرجوة لتحقيق اتفاق طويل الأمد بحكم عمق الخلاف وغياب الإرادة، الذي بدا واضحاً من خلال مغادرة رئيس الحكومة مسرور بارزاني لحضور أعمال منتدى دافوس من دون لقائه ماكغورك، كما يرى مراقبون في الشأن الكردي.  

ووفقاً للكاتب والصحافي سرتيب جوهر، فإن "استياء واشنطن من الخلاف وتحذير الكرد من استمراره نابع من انعكاساته السلبية على الاستقرار في العراق عموماً، لذا فإن ماكغورك أكد للكرد نقطتين، أولاهما أن الإدارة الأميركية تجد أن تحقيق الاستقرار في الإقليم لن يتحقق من دون إعادة تنظيم إدارة الحكم وإجراء الانتخابات وتعزيز الديمقراطية والحريات، والتوقف عن المماطلة في توحيد قوات البيشمركة، وبخلافه لا يمكن أن يستمر الدعم الأميركي"، وأرجع الرغبة الأميركية في وجود حكومة كردية قوية إلى "أن ذلك يمثل عاملاً رئيساً في تذليل العقبات أمام جهود حل الخلافات الشائكة بين الكرد وبغداد، بالتالي خلق حكومة اتحادية قوية في بغداد، وهذا بدوره ينعكس إيجاباً على تنفيذ أمثل للاتفاق الاستراتيجي المبرم بين واشنطن وبغداد، وكذلك أجندة الإدارة الأميركية في العراق المتعلقة بالعقوبات المفروضة على إيران وسوريا، وكل ما يتعلق بملف الصراع الدولي الدائر حول الطاقة".

تحذير من التفريط بالدعم الغربي

واستبعد جوهر أن تحقق الزيارة السريعة لماكغورك حلولاً جذرية للأزمة "جراء تراكم الخلافات تاريخياً بين الحزبين الناجمة عن التدخلات الإقليمية وثقافة السياسة الحزبية الضيقة، ولو كان مسرور بارازاني باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية حضر اللقاءات لتحققت بعض النتائج، على رغم أن رئيس الحزب مسعود بارزاني يعد مصدر القرار"، وفي إمكانه إيجاد صيغة تحقق اتفاقاً طويل الأمد ختم جوهر، قائلاً إن "الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين كان أهم خريطة طريق لما احتواه من تفاهمات مبادئ تعتمد على الشراكة والتوافق في الإدارة من دون فيتو، أي بمعنى ديمقراطية توافقية لأن الديمقراطية بمفهومها العام في العراق عموماً ما زالت ضعيفة في ظل ثقافة غياب الثقة".

وتحذر أوساط سياسية من تبعات التفريط بالدعم الغربي للإقليم منذ عام 1991 عندما فرضت منطقة آمنة في المناطق الكردية لحمايتها من قوات نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وسيصبح كيان الإقليم في متناول التدخلات والصراعات الإقليمية، في وقت حذر فيه الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة الفريق جبار ياور من أن "احتمال نشوب مواجهة مسلحة يبقى قائماً حتى لو تحقق مطلب توحيد القوات العسكرية والأمنية من دون خلق عقيدة مشتركة تجعل منها قوة وطنية وليست حزبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شروط تعجيزية 

المحلل السياسي والصحافي بختيار سعيد يتفق مع جوهر في صعوبة التعويل على وساطة ماكغورك للخروج بنتائج حاسمة، "لأن شروط حزب بارزاني تبدو تعجيزية سيرفضها حزب الاتحاد الذي يرى فيها بأنها محاولة لانتزاع إرادته، وعلى رغم أن تحقيق بعض النتائج ليس مستحيلاً، لكنها تحتاج إلى وقت وستكون رهن تقديم (الديمقراطي) بعض التنازلات في قضية مطالبته بتسليم المتهمين في قضية اغتيال هاوكار جاف، لأن الاتحاد في المقابل يطالب بتسليم مجموعة من المتهمين في قضايا مختلفة لجؤوا إلى منطقة نفوذ الديمقراطي"، وأوضح أن "عدم وجود قوة أو حزب سياسي فاعل ومحايد يعد السبب الأهم في عدم بروز وساطات ومبادرات من داخل البيت الكردي للتقريب بين الحزبين، فغالباً من يقود الوساطات تكون أطراف خارجية، ولأن الحزبين يخضعان للمعادلة الإقليمية، الديمقراطي يخضع للسياسة التركية، والاتحاد للإيرانيين".   

وإزاء تقييمه لمستوى الضغط الأميركي قال إن "واشنطن تتجنب فرض الوصايا في هذا الخلاف، ما يهمها هو أن يحتفظ الإقليم بكيانه حتى لو كان فيه نوع من الانقسام، فهي منذ سبع سنوات فشلت في أن توحد قوات البيشمركة، وما زال هذا الأمر مستحيلاً".

مشروع واعد للطاقة

ولفتت الأنظار مرافقة ماكغورك في لقاءاته منسق الرئيس الأميركي لأمن الطاقة اموس هوشتاين، في مؤشر فسرته وسائل إعلام كردية على أنه اهتمام أميركي بإقليم كردستان الذي يسعى إلى إنشاء مشروع لتصدير الغاز من حقول تقع في معظمها ضمن نطاق نفوذ حزب طالباني، إذ تعمل الإدارة الأميركية منذ شن روسيا الحرب على أوكرانيا على إيجاد بدائل للغاز الروسي الذي تعتمد عليه الدول الأوروبية بنسبة كبيرة.

وفي هذا السياق يعتقد سعيد أن الأميركيين "ينظرون لموقع الإقليم ضمن مشروع أوسع يتعلق بعموم الشرق الأوسط وخلافاتهم مع الروس والإيرانيين والصراع المتعلق بالطاقة، فعديد من دول المنطقة ترتبط بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الروس، لذا فإن واشنطن تتجنب المبالغة في ممارسة الضغط على الإقليم الذي ترى فيه نقطة استراتيجية للمصالح الأميركية في المنطقة ككل، ولها فيه قواعد عسكرية".

ولفت سعيد إلى أن "الحل بين الحزبين مرتبط بطبيعة الصراع الدائر على السلطة والرغبة في احتكار القرار، حزب بارزاني يستحوذ على معظم أدوات ومصادر القرار، بينما يرفض الاتحاد هذا الواقع بحكم أنه يملك قوات عسكرية، وعلى رغم تراجع نفوذه جراء الانقسام بين قياداته وأجنحته فإنه ما زال متماسكاً بعض الشيء بفعل الدعم الإيراني له، إذ يرتبطان بعلاقات تاريخية وطيدة يحكمها الواقع الجغرافي، لذا فإنه حتى لو انهار الاتحاد، فإن الديمقراطي لن يتمكن من تولي زمام الأمور في أية منطقة ضمن نطاق الاتحاد".    

وفي أعقاب مغادرة ماكغورك بدت مواقف القوى والكتل النيابية الكردية متباينة إزاء الدعوة إلى إجراء الانتخابات البرلمانية، إذ دعا حزب بارزاني في بيان إلى "ضرورة حل الخلاف عبر الحوار مع الاتحاد على أساس منهاج حكومة الشراكة الموقع بين الطرفين"، وأكد أهمية إعطاء الأولوية لتعديل قانون الانتخابات وتحديد موعد لإجراء الانتخابات في العام الحالي"، بينما هدد القيادي في "الاتحاد" حاجي مصيفي بأن انسحاب حزبه من الحكومة "خيار مفتوح"، واتهم "الديمقراطي بالعمل على إضعاف الاتحاد"، كما أصدر الأخير وحركة "التغيير" و"الاتحاد الإسلامي" و"جماعة العدل" بياناً مشتركاً طالبوا فيه بإجراء "تعديل القانون وتفعيل عمل مفوضية الانتخابات مع أهمية خلق بيئة سياسية ملائمة وآمنة لإجراء انتخابات شفافة". 

إرث الصراعات والمواجهات المسلحة التي خاضها الحزبان الكرديان بين عقدي الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ما زالت تشكل عائقاً صعباً أمام جهود واشنطن تشكيل إدارة كردية موحدة.   

تحتل مكانة إقليم كردستان العراق اهتماماً لدى الإدارة الأميركية لوقوعه ضمن أجندتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، المتمثلة بمحاربة تنظيم داعش والأجندة المتعلقة بالصراع الدولي على الطاقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير