Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مذكرات بوريس جونسون تفوق كل المذكرات السياسية خدمة لشخصه

ما هي قيمة تفاصيل حياة شخص سكن 10 داونينغ ستريت عندما نعلم مسبقاً أنه يمكن أن يحضر ليس حفلة واحدة بل حفلات عدة في منزله في حين لم يكن يعرف أنها تحدث؟

وجد بوريس جونسون طريقةً لكتابة سيرة ذاتية عن رجل عظيم ليس سوى بوريس جونسون (رويترز)

حارب ونستون تشرتشل في حرب البوير، وكان له دور حاسم في هزيمة النازية في أوروبا، ثم فاز بجائزة نوبل للآداب. وعلى رغم هذا التاريخ الحافل، وجد بوريس جونسون طريقةً لكتابة سيرة ذاتية عن رجل عظيم ليس سوى بوريس جونسون.

من هنا، فإن ما يمكن أن نتوقعه تماماً من مذكرات جونسون التي أعلن عنها أخيراً، والتي يعطي فيها المؤلف حريةً كاملة لنفسه، بحيث لا يكتب عن أي مسألة أخرى سوى عما هو مفضل لديه، وعمن هو في الواقع موضع اهتمامه الوحيد - نفسه - ما يجعل التأمل فيها حقاً أمراً مرعباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لن تكون هذه أول مذكرات سياسية لجونسون. فقد سبق أن نشر في عام 2002 كتاباً مقتضباً بعنوان: "أصدقاء، ناخبون، مواطنون"، وهو عبارة عن يوميات محاولته الناجحة لانتخابه عضواً في البرلمان البريطاني لأول مرة، وذلك قبل عام من فوزه بالمقعد.

في ذلك الكتاب، استفاض جونسون في الاقتباس عن نفسه، قبل أن يشير إلى أن الاقتباسات كانت دقيقة فقط "بالمعنى "الثوسيدياني" (نسبة إلى المؤرخ الإغريقي ثوسيديدس الذي اشتهر بوصفه الذاتي للحرب البيلوبونيسية التي قاتل فيها، وتحليله لأسبابها وانعكاساتها)، والتعبير يعكس معنى ما قلته".

وقد اعترف المؤرخ ثوسيديدس في كتابه "تاريخ الحرب البيلوبونيسية"، بأن الاقتباسات كانت مختلقة إلى حد كبير - نظراً إلى حقيقة أنه لم يكن بعد قد تم ابتكار أي شكل من أشكال وسائل الإعلام الحديثة أو الاتصالات السلكية واللاسلكية التي ظهرت بعد نحو ألفين و500 سنة، وأيضاً لعدم قدرته على أن يوجد في مكانين في وقت واحد. لذا ذهب به الوضع إلى أن يتخيل ما كان ليقوله كثير من الديبلوماسيين والمفاوضين من دول المدن الكبرى بعضهم للبعض الآخر في تلك الفترة من الزمن. ويعتبر أنها كانت دقيقة من حيث الروحية، إن لم يكن من حيث حرفية ما حدث.

والواقع أن "المعنى الثوسيديدي" نادراً ما يستدعي القول إنه لا ينطبق على السياسيين الذين يقومون بتلميع اقتباساتهم الخاصة في الإدراك المتأخر للأحداث، خصوصاً عندما يكون السياسي المعني، في هذه المرحلة، قد سبق أن طردته صحيفة لتلميعه اقتباسات الآخرين.

كل ما سبق يقود إلى القول إنه إذا كان جونسون يريد أن يضفي نفحةً شعرية على شخصيته لناحية الدقة - في ما قد يشكل هديةً جيدة يمكن حشو الجوارب الميلادية بها - تروي ما كانت عليه الحياة في عام 2001، فهذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى استعادته ذكريات الحياة في "داونينغ ستريت"، التي وصلت إلى نهايتها عندما أجرى حزبه حساباته على نحو صحيح، واستنتج بأنه لا يمكن لأي شخص أن يصدق مرةً أخرى أي كلمة قالها.

وفي عودة إلى المؤرخ ثوسيديديس، فقد كان عليه أن يكون مبدعاً لأنه لم يكن في وسعه "تغطية" الحرب بأي طريقة أخرى. لم يتمكن من أن يكون في كورينث في يوم من الأيام ثم في ميليا في اليوم التالي، للاستماع إلى مفاوضات حاسمة. في المقابل، ظهرت الميول "الثوسيدية" الأخيرة عند بوريس جونسون، لأنه لم يكن يعرف تحديداً ما الذي يدور حيث كان موجوداً فعلاً.

ماذا ستكون عليه قيمة رواية أحد المطلعين على ما يدور في مقر رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت"، عندما نعلم مسبقاً أن ذلك الشخص يمكنه حضور ليس حفلة واحدة بل حفلات عدة في منزله، في وقت لا يعرف فيه أنها تحدث؟

إذا كان جونسون يبحث عن الإلهام، فيمكنه القيام بما هو أسوأ من الاطلاع على رواية لعازف الدرامز دون باويل من فرقة موسيقى الروك "غلام سليد"، وهو عمل رائع يروي قصة ما كانت الحال عليه في إحدى أكبر الفرق الموسيقية في العالم، على رغم تعرضه لحادثة سيارة مروعة، سلبت منه الذاكرة وذكريات الشهرة.

ماذا سيقول الترويج الدعائي المقتضب لمذكرات جونسون؟ "وأخيراً إليكم، بكلماته الخاصة، رواية رجل من جانب واحد لطريقة تغريم أكثر من 100 شخص بسبب إقامة حفلات في منزله ولم يكن يعرف شيئاً عنها". الفصل الأول: لم أكن هناك. الفصل الثاني: في الواقع، كنت هناك لكن أحداً لم يخبرني. الفصل الثالث: أنا لا أعرف عم تتحدثون.

إن جميع المذكرات السياسية تخدم المصلحة الشخصية لكاتبيها، لكن هذه المذكرات ستحطم بالتأكيد الأرقام القياسية. فرؤساء الوزراء السابقون ينحون إلى استخدام وسيلة لتقديم رواياتهم الخاصة لحياتهم السياسية، بعد انتهاء مسيرتهم. إلا أن جونسون في المقابل، لم يتخل عن التمسك بعجلة القيادة. وإذا استطاع تحويل كتاب عن ونستون تشرتشل إلى دراسة عن عظمة بوريس جونسون، فتخيلوا ما يمكنه بالتأكيد أن يفعله بكتاب عن نفسه.

يمكن الافتراض بأمان أنه لن يزعج لجنة "جائزة نوبل". لكنه سيزعج بالتأكيد بقية الناس - أقله في ما يتعلق به - الذين لم يعانوا بعد منه بما فيه الكفاية.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء