على رغم أن الرئيس بايدن كان يروج اسمه في الحملات الانتخابية باعتباره مصدراً للثقة، إلا أنه مع تولي الجمهوريين السلطة في مجلس النواب، ينتظر أن يكون اسم بايدن وما يمثله في قلب تحقيق رقابي واسع النطاق في اتهامات حول الترويج للنفوذ وتضارب المصالح المحتمل.
وعلى سبيل المثال، تفاخر أصغر شقيق للرئيس فرانك بعد عام واحد من انتخاب بايدن، في خطاب ألقاه أمام تجمع للمهنيين الطبيين في بوسطن، بمنصب أخيه الرئاسي، وتعهد بمساعدة الحاضرين في الحصول على تمويل فيدرالي، وقبل ثلاثة أشهر فقط، كان فرانك بايدن متحدثاً رئيساً مدعواً في مؤتمر طبي عقد في مدينة فينيسيا الإيطالية، حيث قدم المشورة لإحدى جماعات الضغط على الحكومة الفيدرالية، في رحلة اعترف بأنه لم يدفع ثمنها، لكنه امتنع عن ذكر من الذي تحمل نفقات رحلته.
كما اعترف هانتر، نجل الرئيس بايدن صراحة في مذكراته بأن اسمه الأخير كان بمثابة أوراق اعتماد مرغوبة تساعده في الحصول على عمل مربح ومثير للجدل بصفته عضواً في مجلس إدارة شركة "بوريسما" الأوكرانية للطاقة عندما كان جو بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما، حين كتب هانتر بايدن في مذكراته أن تلك الشركة، كانت تعتبر اسم عائلته ذهبياً.
فرانك واسم العائلة
عندما اجتمع أطباء القلب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من جميع أنحاء العالم في دير سابق على جزيرة صغيرة في مدينة فينيسيا الإيطالية، ألقى متحدث رئيس من الولايات المتحدة محاضرة حول مستقبل الرعاية الصحية العالمية، لكن هذا المتحدث وهو فرانسيس أو فرانك بايدن (69 سنة) لم يكن طبيباً، ولم يمتلك أي خلفية في مجال الرعاية الصحية، لكنه امتلك ما لا يمتلكه الحاضرون، وهو أنه شقيق ساكن البيت الأبيض.
وعلى رغم أن الجمعية قالت بعد ذلك، إن فرانك بايدن قدم فقط إرشادات في شأن أفضل طريقة لإيصال رسالتهم إلى المشرعين وإنه سيطرح قضيتهم إذا كانت هناك فرصة، إلا أن فرانك بايدن، وهو ليس عضواً في جماعة ضغط فيدرالية مسجلة، أكد أنه لم يتواصل مع الحكومة نيابة عن هذه الجمعية ودحض أي فكرة بأنه استفاد بطريقة ما من مكتب أخيه الرئيس بايدن لتحقيق مكاسب شخصية.
وبينما اعترف فرانك بايدن في البداية أنه عمل مستشاراً لشركة "بيوسيغ" لمدة عام تقريباً، فقد عكس كلامه بعد ذلك، وأوضح أنه قدم فقط مساعدة غير رسمية لمبيعات الشركة، كما عكس أيضاً اعترافه السابق بأن الشركة ذاتها دفعت تكاليف رحلته الأخيرة إلى إيطاليا ليقول إن شخصاً آخر لم يحدده هو الذي تحمل التكاليف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تتوقف امتيازات الارتباط بالمنصب العام الذي يشغله الرئيس بايدن على ذلك، فقد امتدت مساعي فرانك الخاصة قبل وقت طويل إلى مناسبات أخرى، فبعدما تولى جو بايدن منصبه نائب للرئيس، ذهب فرانك بايدن للعمل في مؤسسة تعليمية ناشئة في فلوريدا تسمى "مافريكس"، حيث سجل نفسه في عام 2011 عضو ضغط في الشركة، حسب البيانات الصحافية لها التي حددته على أنه شقيق نائب الرئيس جو بايدن، وسعى فرانك إلى إقناع مسؤولي الولاية بتدشين معهد تعليمي مستقل في بالم بيتش استناداً إلى كنه شقيق نائب الرئيس، لكنه فشل ورفض طلبه.
وبعد عام، انضم فرانك بايدن إلى مجلس مستشارين لمشروع تعليمي آخر عبر الإنترنت يدعى إيفرلي، الذي وصفه في البيانات الصحافية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي بأنه شقيق نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي مناسبة أخرى هي يوم تنصيب بايدن رئيساً في عام 2021، نشرت مجموعة بيرمان القانونية، حيث يعمل فرانك بايدن، إعلاناً في إحدى الصحف المحلية في فلوريدا تضمن صورة له، في إشارة إلى الرئيس، حيث تحدث الإعلان عن القيم المشتركة بين "الأخوين بايدن"، لكن الشركة ذكرت في بيان لاحق أنه لم يكن هناك اتصال مع إدارة بايدن في شأن الشركة أو قضاياها.
اتصالات الشقيق جيمس
لكن التباهي بعلاقات ونفوذ الأخ الأكبر، لا تقتصر على فرانك، بل تتسع لتشمل الشقيق الثاني جيمس بايدن (74 سنة) الذي يعمل مديراً تنفيذياً في مجال الرعاية الصحية، ففي خريف عام 2018، قال الدكتور مهند عزام، وهو طبيب من ولاية ألاباما، إنه طلب في مكالمة هاتفية مع جيمس بايدن مزيداً من المعلومات بخصوص صفقة تجارية محتملة للرعاية الصحية قبل أن يتمكن من الالتزام بتوقيع عقد مع شركة "أميريكور هيلث" التي كان جيمس يعمل معها، وبحسب ما كتبه عزام في إعلان قدمه للمحكمة، فإن علاقات شقيق جيمس، يمكن أن تساعده في توسيع نموذج الأعمال لشركة كان عزام يعمل معها على مستوى أميركا، وأن جيمس بايدن وعد بتأمين تمويل دولي للمشروع المقترح، كما جاء في الإعلان.
وفي يوليو (تموز) 2022، سعى وصي يمثل شركة "أميريكور هيلث" في قضية إفلاس إلى استرداد 600 ألف دولار من القروض التي حصل عليها جيمس بايدن عام 2018 بناءً على تأكيدات بأن اسمه الأخير، "بايدن" يمكن أن يفتح الأبواب، ويساعده في الحصول على تمويل كبير من الشرق الأوسط على أساس علاقاته السياسية، ونصت هذه الدعوى على أن هذا الاستثمار لم يتحقق أبداً، وأن جيمس بايدن لم يسدد القروض، غير أن جيمس طعن في مزاعم الدعوى ووافق هو وشركته لاحقاً على دفع 350 ألف دولار لتسوية الدعوى.ولم يكن عمل جيمس بايدن مع شركة "أميريكور هيلث" هو المثال الوحيد الذي يتحدث عن علاقاته بشقيقه، فقد وصفت خطة لصفقة مقترحة في الصين عام 2017 جيمس بايدن بأنه "مستشار شخصي لأخيه"، وفقاً للوثائق التي قدمها توني بوبولينسكي، الشريك التجاري السابق لجيمس وهانتر بايدن، لصحيفة "نيويورك تايمز" ، حيث انتقد هذا الشريك السابق كلاً من جيمس وهانتر علانية.
هانتر المستفيد الأكبر
غير أن هانتر بايدن نجل الرئيس، يبدو أنه أكثر المستفيدين من علاقته العائلية خلال إبرامه صفقات تجارية في جميع أنحاء العالم، وهي صفقات يتوقع أن تكون محور تركيز رئيس للجنة الرقابة بمجلس النواب عندما تشرع في التحقيقات قريباً، حيث جلبت اللجنة بعض الأدلة التي استشهدت بها من آلاف رسائل البريد الإلكترونية المرسلة من وإلى هانتر بايدن والتي يُزعم أنها تأتي من الكمبيوتر المحمول (لابتوب) الذي تركه في أحد متاجر إصلاح أجهزة الكمبيوتر في ولاية ديلاوير عام 2019، حيث قال صاحب المتجر إنه قدم نسخة من الكمبيوتر المحمول لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ثم سلم نسخة لاحقاً لمحامي رودي جولياني، المقرب من الرئيس السابق دونالد ترمب.
وظهر الكمبيوتر المحمول لعامة الناس قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية عام 2020 في سلسلة من القصص المثيرة التي نشرتها صحيفة "نيويورك بوست" ووصفتها بأنها فضيحة سياسية تنطوي على استغلال النفوذ في ما يتعلق بأعمال هانتر بايدن.
وبينما رفض هانتر بايدن مراراً تأكيد أو نفي ما إذا كان الكمبيوتر المحمول المعني ملكه، إلا أنه قدم في مقابلة مع شبكة "سي بي أس" عام 2021، إجابة ملتبسة عند سؤاله عن الجهاز، حين قال إنه من الممكن أن يكون الكمبيوتر المحمول قد سرق منه، ومن الممكن أن يكون قد تعرض للاختراق وقد تكون الاستخبارات الروسية وراء ذلك.
بايدن وشركاء هانتر
ومع ذلك، تظهر رسائل البريد الإلكتروني في الكمبيوتر المحمول أنه أثناء متابعة صفقات تجارية عبر قارات متعددة، قام هانتر بايدن بترتيب لقاءات بين شركائه ووالده، وتزامنت تلك الاجتماعات في بعض الأحيان مع رحلات جو بايدن الخارجية كنائب للرئيس.
وفي فبراير (شباط) 2016، استقل هانتر طائرة الرئاسة الثانية "آير فورس 2" مع والده إلى مكسيكو سيتي، حيث كان يأمل في مقابلة رجل أعمال مكسيكي يدعى أليمان ماغناني كان يتابع صفقات تجارية معه، وفقاً لرسالة بريد إلكتروني تم استشهد بها في تقرير لجنة مجلس النواب ونشرتها صحيفتا "نيويورك بوست" و"ديلي ميل"، لكن ليس من الواضح ما إذا كان أي اجتماع قد حدث خلال رحلة عام 2016، لكن أليمان ماغناني ووالده، السياسي المكسيكي ميغال أليمان فيلاسكو، التقيا في وقت سابق مع جو بايدن في البيت الأبيض، وأظهرت صورة لوكالة "أسوشيتد برس" في ذلك الوقت أن الرجلين قاما بجولة في غرفة الإحاطة الصحافية بالبيت الأبيض مع نائب الرئيس آنذاك وابنه في فبراير 2014.
تحقيق جنائي
إضافة إلى الأسئلة حول تعاملاته التجارية، يواجه هانتر بايدن أيضاً تحقيقاً جنائياً فيدرالياً في شأن مزاعم بأنه انتهك قانون الضرائب في ما يتعلق بمدفوعات ضرائب متأخرة لسنوات، وأنه كذب في شأن تعاطي المخدرات عندما اشترى مسدساً، وإن كان محاموه قد أشاروا إلى أنه دفع ضرائبه بالكامل وجادلوا بأن قضايا مماثلة لم تؤد إلى توجيه تهم جنائية.
وعلاوة على ذلك، أقر هانتر في مذكراته لعام 2021، بأن اسمه الأخير "بايدن" جعل بعض مشاريعه ممكنة، لكنه دافع عن نفسه ضد الانتقادات حول كيفية تداخل بعض صفقاته مع القضايا التي عمل والده عليها، قائلاً إنه ليس هناك شك في أن اسم عائلته قد فتح الأبواب، لكن مؤهلاته وإنجازاته تتحدث عن نفسها وقد تجاوزت أحياناً مجالات نفوذ والده خلال فترتي ولايته كنائب للرئيس.
أيام صعبة تنتظر بايدن
ومع تولي الجمهوريين السلطة في مجلس النواب، ينتظر قريباً أن يكون اسم بايدن وما يمثله في قلب تحقيق رقابي واسع النطاق في الادعاء باستخدام النفوذ وتضارب المصالح المحتمل، حيث يخطط الجمهوريون لأشهر من التحقيقات وجلسات الاستماع حول كيفية تقاطع مجالات نفوذ بايدن، ويحتمل أن تسلط الأسئلة حول معاملات العائلة التجارية الأضواء السياسية على الرئيس الذي يعتزم الإعلان عن ترشحه لدورة رئاسية ثانية خلال أسابيع.
وليس هناك من شك في أن النائب الجمهوري جيمس كومر، الذي يترأس لجنة الرقابة في مجلس النواب وينتظر أن يقود التحقيق مع أسرة بايدن، سيجعل أيام بايدن صعبة في الحكم، بخاصة بعدما وصفه بأنه "رئيس متخبط"، وشجب ما يسميه "عائلة إجرام بايدن بأكملها" وأشار إلى عدد من رسائل البريد الإلكتروني المتنازع عليها أو الغامضة التي تشير إلى تورط جو بايدن في صفقات عائلته.
ومن خلال سلطة الاستدعاء، ستكون لدى كومر وزملائه في الحزب الجمهوري القدرة على البحث عن أدلة جديدة حول المعاملات التجارية أو محاولة الحصول على شهادة من بايدن وآخرين، وعلى رغم التحول الكبير في اهتمام الحزب الجمهوري بوثائق بايدن السرية التي اكتشفت خلال الأيام الماضية، من المرجح أن يتعمق التحقيق الحزبي في محتويات جهاز كمبيوتر محمول هانتر الذي يضم كماً هائلاً من المعلومات التي توضح بالتفصيل، كيف عمل هانتر لوضع شركائه في العمل في الغرفة نفسها مع والده الشهير، وإقرار هانتر بأن نسب عائلته كان أحد الأمور التي ارتكز عليها لتسويق عمله.
لكن على رغم أن الجمهوريين أشاروا إلى أن نجل بايدن وإخوته استخدموا علاقاتهم العائلية بشكل غير قانوني من أجل الربح، لكنهم قدموا حتى الآن أدلة ضئيلة لدعم هذا الادعاء، بينما يصر جو بايدن أنه لم يناقش أبداً المعاملات التجارية لابنه أو إخوته معهم
ويوضح إيان سامز، المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس تعهد بإعادة الأخلاق إلى البيت الأبيض ووضع أكثر المبادئ التوجيهية الأخلاقية صرامة لأي إدارة في التاريخ، بما يتفق مع التزامه ضمان عمل الحكومة من أجل الشعب الأميركي وأنه على عكس الإدارة السابقة، لا يوجد فرد من العائلة يخدم أو سيخدم في الإدارة أو يشارك في صنع القرار الحكومي.
الأسرة مذنبة
ومع ذلك، يرى خبراء في الأخلاقيات الحكومية أن الأسرة مذنبة بشيء واحد في الأقل وهو سوء التقدير، حيث تشير كاثلين كلارك أستاذة القانون في جامعة واشنطن في سانت لويس المتخصصة في أخلاقيات الحكومة، إلى أنه قد يكون قانونياً لأفراد عائلات الموظفين العموميين استخدام أسمائهم في الصفقات التجارية الخاصة، إلا أن ذلك يقوض المبادئ الأخلاقية المتعلقة بالمساواة والوصول المتكافئ والفكرة القائلة بأنه من المفترض استخدام السلطة الحكومية للصالح العام.
وتوضح كلارك أن جو بايدن وضع رأسه في الرمال في ما يتعلق بالمهمات التجارية لابنه، بخاصة خلال توليه منصب نائب الرئيس، حيث كان عليه أن يخبر أفراد عائلته بشكل خاص ألا يستغلوا اسمه وأن يصدر بيانات علنية تثني عن مثل هذا السلوك، لأنه ليس من الجيد القول بأنه لم يكن لديه علم بنشاطاتهم.
ليست الأسرة الأولى
ولا تعد أسرة آل بايدن أول عائلة رئاسية تتهم بالسعي لاستغلال علاقاتهم بالسلطة من أجل الربح، حيث يجادل المراقبون الحكوميون بأن الهفوات الأخلاقية لعائلة بايدن تتضاءل مقارنة مع تلك التي حدثت في الإدارة السابقة، فخلال رئاسة ترمب، أنفق المسؤولون الحكوميون الأجانب والأميركيون الكثير في فنادق ترمب، وسجلت إيفانكا ترمب علامات تجارية في الصين، وطرح ترمب فكرة استضافة قمة مجموعة السبع في منتجعه في ميامي، من بين أنشطة أخرى مشكوك فيها.
ويقول ريتشارد بينتر، كبير محامي الأخلاقيات في البيت الأبيض خلال رئاسة جورج دبليو بوش، إن المزاعم حول بايدن ليست قريبة مما فعله ترمب، ففي عهد ترمب، كان ما يجري شائناً، وإن كان ذلك لا يعني تجاهل ما فعلته أسرة بايدن.