Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف وثق "المها العربي" روابط الرياض ولندن في مرحلة تاريخية حرجة؟

الملك عبدالعزيز أهدى زوجين منها إلى "جورج الخامس" لكن الحرب العالمية الأولى كانت لهما بالمرصاد

أهدى الملك عبدالعزيز زوجين من المها الوضيحي الذي ينتمي للصحراء السعودية للملك جورج الخامس عام 1917 (الصورة: مركز الحياة الفطرية السعودي)

أظهرت السعودية في وقت مبكر من تاريخها اهتماماً كبيراً برموز الأصالة العربية المتوارثة عبر القرون، مثل الصقور والإبل والخيل والمها، لدرجة أنها كانت بين هداياها للملوك والزعماء من أصدقائها الذين تروم تعميق الصلاة ومد الجسور معهم، بوصف المملكة مترامية الأطراف صاحبة الامتداد الأوسع على ثرى "الجزيرة العربية" التي شهدت ميلاد الجنس العربي وتطوره بشراً ولغة وحضارة وتأثيراً، قبل آلاف السنين.

ومن بين تطبيقات تلك القاعدة في تاريخ ملوك السعودية، يروي لنا الأرشيف البريطاني قصة زوجين من "المها العربي" الأصيل، كان الملك عبدالعزيز أهداهما لملك الإمبراطورية البريطانية جورج الخامس عام 1917، قبل أن تعترض الحرب العالمية طريقهما ويصبحا ضمن تفاصيلها الصغيرة التي لا تزال بعض جوانبها تثير الدهشة، رغم مرور أكثر من قرن على توقف هدير مدافع الحرب.

الحكاية يوثقها المقدم هاملتون في تقريره السري حول رحلته ذهاباً وإياباً بين الرياض والكويت، حيث غادرت قافلته الإمارة العريقة على ضفاف الخليج في يوم التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 1917 بعد توديع الشيخ سالم الصباح حاملاً رسالتي توصية، واحدة من أمير المحمرة الشيخ خزعل بن جابر، والأخرى من أمير الكويت الشيخ سالم بن مبارك إلى سلطان نجد يومها الملك عبدالعزيز بن سعود.

ويذكر المقدم أن رفاقه في القافلة الكويتية التي نقلته إلى الرياض وعادت به، كانوا مجموعة من الرجال الذين يشكلون خليطاً من الانتماءات القبلية الرائجة في ذلك الحين وإلى اليوم، في تصرف بدا أنه كان مقصوداً لضمان أفضل سبيل لتأمين الرحلة، في تلك الحقبة المضطربة من تاريخ العالم، وذلك بميزانية مالية كانت تقدر بـ100 جنيه استرليني وألفي دولار.

رحلة شاقة للمها وحاملها

وتقول وثيقة الأرشيف البريطاني، ذات العنوان "File E-8 VII. Bin Saud"، إن المقدم هاملتون عندما "زار الرياض وسط الجزيرة العربية في مهمة سياسية في نهاية عام 1917، قدم له حاكم وسط الجزيرة العربية، جلالة الإمام السير عبدالعزيز بن سعود عينتين رائعتين من المها (المها ليوكوريس) مع طلب تقديمهما إلى الملك الإمبراطور نيابة عنه".

وحول ظروف نقل ثنائي المها تمضي الوثيقة فتشير إلى أنه "نظراً إلى استحالة نقلهما إلى إنجلترا أثناء فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ولعدة أشهر بعد ذلك، اضطر المقدم هاملتون إلى إيداعهما في حدائق الحيوان في بومباي، ثم أخيراً في نهاية شهر مايو (أيار) الماضي (1920)، تم تأمين ممر للأنثى وأحضرها السيد ميلارد من جمعية بومباي للتاريخ الطبيعي معه إلى المنزل وأودعها في حدائق الحيوان في ريجنتس بارك"، لينقذها من مصير ذكر المها، الذي لقي حتفه في الحديقة الهندية بوضعها تحت مراقبته الخاصة.

عثر على الزوجين صغاراً بحسب الوثيقة بعد أن "ترعرعا في حديقة ابن سعود في الرياض، قريباً من موطن المها في النفود الكبير، على حزام واسع من الصحراء الرملية الحمراء التي تحيط بواحات وسط شبه الجزيرة العربية. هذه الحيوانات خجولة جداً ونادراً ما ترى. ويقول العرب إنها (ماشية بلا شرب)، حتى إن المستكشف العربي الكبير، دوتي لم يسمع بها. كان السير ويلفريد والليدي آن بلانت أول أوروبيين يرونها في منزلهما الطبيعي بالقرب من حائل منذ ما يقارب 40 عاماً".

يذكر أن المها العربي أحضر في المرة الأولى إلى أوروبا في عام 1857 من قبل الكابتن جون شيبرد من دار الهند، الذي قدمه إلى جمعية لندن لعلم الحيوان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق المسؤول الإنجليزي يطلق العرب على المها اسم "الوضيحي"، أو "الثور البري"، وقد انتشرت أنواع الأساطير عنها في الجزيرة العربية وأوروبا. منخفضة تماماً مثل البقرة وقد يكون هذا هو الارتباط بـ"ريم" الكتاب المقدس، ويترجم بشكل مختلف على أنه ثور بري ووحيد القرن. من المفترض أن يكون المها هو وحيد القرن الأصلي كما يظهر على الجانب العريض، ويبدو أن له قرناً واحداً فقط، مضيفاً "إذا كانت هذه هي الحالة، فهذه عينة حية لأحد أنصار شعارات الأسلحة الملكية التي قدمها الملك جيمس الأول بديلاً عن التنين الأحمر في ويلز".

كشف المصدر في تقريره المدون أن "العينة الآن (في ذلك التاريخ) في لندن لديها زوج جيد من القرون، جسمها أبيض، وكل الأرجل الأمامية والجزء السفلي من الأرجل الخلفية بنية اللون. الوجه الأبيض له علامات بنية داكنة على الأنف، وبين القرون وعلى الخدين وعلى الحلق بينما يمتد شريط بني أسفل الصدر".

الشكر على الهدية أيضاً تعذر

وتشير وثيقة أخرى وهي توجيه من قبل وزارة الخارجية البريطانية يحمل تاريخ 19 يوليو (تموز) 1920 مرسلاً إلى المفوض السامي في بغداد يطالبه بإرسال رسالة شكر وتقدير إلى الملك عبدالعزيز باسم الملك جورج الخامس، يقول "لقد وجهني وزير الدولة لشؤون الهند لإرسال رسالة توقيع من جلالة الملك إلى جلالة السير عبدالعزيز بن سعود تشكره على هدية اثنين من المها تم تقديمهما في عام 1917 إلى المقدم هاملتون، عندما كان في الرياض".

أما كيف يتم ذلك، فشرحت الوثيقة أنه يتم عبر إرفاق "نسخة من الرسالة لسجلاتكم مع نسخة من مذكرة مقدمة إلى جلالة الملك (جورج) لشرح الأمر، سيلاحظ أن أحد الحيوانات مات في بومباي".

 

وكتب على كشك المها المودع لدى جمعية علم الحيوان الملكية في ريجنتس بارك، وصف أن "المها العربي مصدره السعودية حيث الصحراء الجنوبية الكبرى في شبه الجزيرة العربية. قدمه جلالة الملك في 14 مايو 1920، بعد أن كان قدم إليه من جلالة الإمام السير عبدالعزيز بن سعود حاكم وسط شبه الجزيرة العربية في ديسمبر 1917"، في ما بعد أعلن توحيد أطراف البلاد، وأعلن موحدها الملك عبدالعزيز إطلاق تسميتها الراهنة "السعودية"، منذ 1932 ليصبح 23 من سبتمبر (أيلول) اليوم الوطني الذي تحتفل به البلاد سنوياً.

وكانت رسالة الملك البريطاني جورج الخامس للملك عبدالعزيز بتاريخ 10 يوليو (تموز) 1920، تتضمن شكره على إرسال الهدية معلناً وصولها بعد رحلة شاقة بسبب ظروف الحرب، إذ جاء فيها "صديقي، لقد أسعدني كثيراً أن أقبل الهدية التي قدمها جلالتكم بواسطة المقدم هاملتون الذي زودتموه باثنين من المها بمناسبة زيارته لعاصمتكم قبل ثلاث سنوات".

 

وتابع "نظراً إلى صعوبات ومخاطر النقل التي كانت موجودة خلال الحرب التي انتهت بسعادة وانتصار، في الآونة الأخيرة فقط تم تسليم هديتك لي، ويؤسفني أنني لم أتمكن بالتالي من نقل شكري لك كما كنت أرغب في القيام بذلك من خلال ابنك فيصل، الذي سمعت وصوله بارتياح كبير سالماً إلى نجد بعد زيارته للمملكة المتحدة. إنني على ثقة من أن العلاقات الودية القائمة بين جلالتكم وضباطي ستستمر لفترة طويلة. صديقك المخلص جورج الخامس".

صون المها

يعيش المها العربي في السهول المغطاة بالحصى والأودية المفتوحة والكثبان الرملية ومناطق المنخفضات الصخرية. ولقد سُجل انتقال المها العربي نحو الكثبان الرملية بعد هطول الأمطار ومن ثم تعود إلى المناطق السهلية خلال فصل الصيف حيث تتوافر مساحات أكبر من الظلال.

وجاء على موقع الأمانة العامة لصون المها العربي، "يعد المها العربي إحدى أولويات الصون الطبيعي بالمنطقة نظراً إلى قيمته التراثية والبيولوجية. وقد تأسست الأمانة العامة لصون المها العربي في عام 2001م كمبادرة إقليمية هدفها تنسيق وتوحيد جهود صون المها العربي في دول الانتشار في منطقة شبه الجزيرة العربية".

وتضم الأمانة العامة لصون المها العربية 10 دول عربية وهي دول مجلس التعاون الست زائد العراق وسوريا واليمن والأردن.

ونفذت الهيئة السعودية للحياة الفطرية في عام 1995م برنامجاً آخر لإعادة توطين المها العربي في محمية عروق بني معارض في جنوب غربي الربع الخالي. وهي محمية غير مسيجة، بلغت أعداد المها العربية فيها بنهاية 2011 نحو 200 رأس.

المزيد من تحقيقات ومطولات