Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيسنجر يزور الصين في الربيع لسلام يشمل الجنس البشري

دعا في دافوس إلى استعادة روسيا للنظام العالمي عبر تسوية ثلاثية في أوكرانيا

هنري كيسنجر على الشاشة أثناء اللقاء السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا بتاريخ 17 يناير 2023 (أسوشيتدبرس)

"بكل فخر، لقد أسهم في أن تكون ’الحرب الباردة‘ بالفعل باردة. وكتلميذ له، أدعوه إلى إعطاء مقاربة تاريخية عن الحرب في أوكرانيا". بتلك الكلمات، مهد البروفيسور غراهام أليسون، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، لمداخلة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي السابق هنري كيسنجر، في "منتدى دافوس 2023". ولم يفت التلميذ السابق الذي أدار تلك المداخلة، التذكير بأن كيسنجر نال الدكتوراه في التاريخ في 1958 عن بحث تناول سلام المئة عام الذي ران على أوروبا عقب الحروب النابليونية. وقد صدر البحث في كتاب "عالم أعيد بناؤه، عن ميترينخ وكاستيلري ومسائل السلام" الذي صدر بالعربية تحت عنوان "درب السلام الصعب"، اقتداء بالعنوان الفرنسي المماثل تقريباً للكتاب نفسه، لكن ترجمته حرفياً هي "درب السلام".

وبعد أن انتهى كيسنجر من المداخلة التي جرت عبر الفيديو وخصص جزؤها الثاني والختامي، للحديث عن الصين وأزمة تايوان، هنأ البروفيسور أليسون أستاذه السابق على "عقله المضيء" على رغم اقتراب عمره من... 100 سنة أيضاً. وأفاد أليسون بأنه نقل إلى نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هو، رغبة الأستاذ الهارفاردي العجوز في إسداء زيارة أخرى إلى بكين. وبملامح مرحة، بشر أليسون بأن المسؤول الصيني رحب بزيارة كيسنجر الذي تعرفه بكين جيداً منذ قرابة نصف قرن، مشيراً إلى أن الصين "ستسقبله بأذرع مفتوحة". [هنا رابط إلكتروني لمشاهدة تلك المداخلة المسجلة على موقع منتدى دافوس].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليس أنه السلام بل مصير البشرية

في حديثه عن أزمة تايوان، أشار كيسنجر إلى أن التأزم الحاضر بين الولايات المتحدة والصين في شأن تايوان، يحمل تهديداً بفناء الجنس البشري "إذا أخذنا في الاعتبار قدرات الدمار الشامل" مع ما أضافه إليها التقدم التكنولوجي، التي ربما توضع في حال اندلاع حرب بين واشنطن وبكين. وأضاف، "يجب على الطرفين التفكير في مسألة وجود الإنسانية وعدم اقتصار التركيز على المكاسب التي قد يحققها أحد الطرفين"، في سياق البحث عن سلام يكون ختاماً لأزمة تايوان. وبواقعية السياسي المحنك، لفت كيسنجر إلى أن ذلك الأفق الواسع، أي ديمومة الإنسانية، تبدو كأنها أمر ناءٍ عن التناول في المحادثات السياسية بين القوتين الكبريين، "لكن يجب استحضارها ضمن آفاق تلك المحادثات التي يجب أن تتركز حول قضايا ملموسة ومحددة ومعروفة".

وبالطبع، عاد كيسنجر إلى النقلة الاستراتيجية الضخمة التي أنجزها حينما فتح باب العلاقات الإيجابية بين واشنطن وبكين، "بعد أن باءت محاولات مبكرة" في مطلع الستينيات من القرن الـ20، لفعل ذلك بالفشل. وأرجع ذلك الفشل إلى تمسك كل طرف بأهداف يرفضها الطرف الآخر. ووفق كلماته، "لقد احتاج الشعب الأميركي إلى رؤية عن السلام في العلاقة مع بكين"، مشيراً إلى الضغوط التي مارستها روسيا آنذاك للحيلولة دون التقارب بين بكين وواشنطن. وبنبرة لم تخلُ من التفاخر، سجل كيسنجر أنه "خلال نصف قرن، تطورت تايوان اقتصادياً وسياسياً، في ظل السلام مع الصين، من دون أن تتبنى الولايات المتحدة وجود دولة مستقلة في تايوان". والأرجح أن تلك الكلمات حملت إشارة إلى الأزمتين الراهنتين اللتين تناولتهما مداخلة العجوز الموصوف بالدهاء، وأحياناً تستعمل تلك الصفة بطريقة سلبية تماماً. وللإيضاح، فإن مقاربته لأزمة أوكرانيا وسبل حلها، سارت عبر آفاق مماثلة لتلك التي عرضها في الكلمات الآنفة الذكر.

وفي سياق مماثل، أعرب كيسنجر عن سروره بما سمعه في "منتدى دافوس" من نائب رئيس الوزراء الصيني عن أن بكين مستعدة للتعاون مع واشنطن في قضايا عدة، على غرار المناخ، إضافة إلى انفتاحها على الحوار على المسائل الخلافية مع أميركا، ضمن تمسكها بموقفها المستند إلى مبدأ "الصين الواحدة".

استعادة روسيا بمقاربة ثلاثية

وختم كيسنجر مداخلته عن الصين بالتشديد على ضرورة أن يعود البلدان إلى عقلية "الحرب الباردة"، والحرص على ألا يتحرك أي طرف بطريقة ربما يعتبرها الطرف الآخر تهديداً موشكاً، إضافة إلى الابتعاد عن التفكير باقتسام النفوذ في العالم بين الطرفين.

المفارقة أن كيسنجر نفسه أسهم، حينما شغل مناصبه الحكومية العليا في الخارجية والأمن القومي، في ترسيخ عقلية اقتسام النفوذ عبر السياسة التي حملت تسمية الوفاق الدولي بين المعسكرين الغربي والسوفياتي في ذلك الزمان. وقد ألمح البروفيسور أليسون إلى تلك النقطة في سياق تمهيده لمداخلة كيسنجر.

واستطراداً، كرر قادة بارزون في أوروبا التي أولاها كيسنجر قسطاً وافراً من التناول أثناء حديثه عن حرب أوكرانيا، ضرورة تجنب العودة للتفكير على طريقة "الحرب الباردة"، واقتسام النفوذ في العالم بين معسكرين تتولى أميركا (مع أوروبا) قيادة أحدهما، فيما تمسك الصين (مع روسيا) بزمام القيادة في الآخر. ويبرز ضمن قائمة أولئك القادة الأوروبيين، المستشار الألماني أولاف شولتز [هنا رابط إلكتروني لمقالته الشهيرة في "فورين أفيرز" التي حملت عنوان "تحول جذري في النظام العالمي"] والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

 

وتذكيراً، تناقل الإعلام العالمي ملخصات متفاوتة عن الجزء الأول من مداخلة كيسنجر في "منتدى دافوس 2023" الذي خصصه للشأن الأوكراني. ومهد البروفيسور أليسون لذلك الجزء بأن طلب من كيسنجر إعطاء مقاربة تاريخية للحرب في أوكرانيا. [هنا رابط إلكتروني لمقالة في "اندبندنت عربية" عن تلك المقاربة].

لقد برز في كلام كيسنجر تراجعه عن موقفه الداعي إلى حياد أوكرانيا، معتبراً أن مجريات الحرب و"الصمود البطولي لأوكرانيا"، دفعاه إلى ذلك التراجع. في المقابل، وضع وزير الخارجية السابق انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، "أياً كان شكل ذلك الحلف"، ضمن ما يشبه خريطة طريق للسلام في أوكرانيا. بالتالي، تنال أوكرانيا عضوية في "الناتو" كهدف يتحقق في مسار عملية سلام، تنطلق بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار على خطوط ما قبل العدوان الروسي.

في ذلك السياق، ذكر كيسنجر بأن قادة أوروبا ساروا بعيون نائمة إلى الحرب العالمية الأولى التي أنهت سلام المئة عام في تلك القارة. وبالتالي، شدد على ضرورة ألا تنزلق الحرب في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة تتضمن أفقاً نووياً. ولفت إلى أن روسيا لا تستطيع هزيمة أوروبا في حرب تقليدية، مشيراً إلى امتلاك روسيا 15 ألف سلاح نووي.

واستطراداً، رسم كيسنجر آلية للتفاوض في الحرب الأوكرانية، مشدداً على أن تكون "ثلاثية"، بمعنى أن تضم "روسيا وأوروبا وأميركا"، مع التشديد على ضرورة أن تسعى أوروبا إلى ترسيخ منظومة للسلام تتضمن "استعادة روسيا إليها". كذلك ذكر كيسنجر بالالتباس التاريخي الذي ساد علاقة الطرفين، بمعنى أن "روسيا رغبت دوماً في أن تنضم إلى أوروبا، لكنها خشيت باستمرار أن تهيمن القارة عليها".

وفي المقابل، شدد كيسنجر على ضرورة إعطاء روسيا فرصة كي تعيد تقييم جدوى اعتمادها على القوة في مقارباتها الدولية، خصوصاً علاقتها مع أوروبا التي يجب أن "تقبل روسيا ضمن منظومتها شرط أن تقبل روسيا السياقات والتحديدات التي استندت إليها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".

المزيد من دوليات