Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفرنسيون على موعد مع الاحتجاجات دفاعاً عن "سن التقاعد"

إضراب الخميس يهدد بشل البلاد وتجمع أحزاب اليسار يدعو لمواجهة الحكومة وتخوفات من عودة طوابير الوقود

متظاهرون في جنوب فرنسا يحملون المشاعل ولافتة كتب عليها "دعونا نرفع الرواتب وليس سن التقاعد" (أ ف ب)

يترقب الفرنسيون، غداً الخميس، ما ستسفر عنه الدعوات التي أطلقتها جميع النقابات إلى التظاهر والإضراب ضد مشروع تعديل قانون التقاعد الذي قدمته رئيسة الحكومة إليزابيث بورن إلى البرلمان في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي ومن أهم بنوده تأخير عمر الخروج للمعاش إلى 64 سنة.

الإضراب سيشمل جميع القطاعات من التعليم والمواصلات إلى النفط والكهرباء، مما يعيد إلى أذهان الفرنسيين شبح موجات الإضرابات التي كانت تشل البلاد في كل مرة تقدمت الحكومة بقانون تعديل نظام التقاعد، بدءاً من مشروع ألان جوبيه عام 1995 إلى 2010 و2019، إذ تظاهر ما يزيد على 800 ألف مواطن قبل أن تقضي على الاحتجاجات موجة "كوفيد-19".

وبحسب معهد "إيفوب" للإحصاءات فإن 86 في المئة من الفرنسيين يؤيدون الحركة الاحتجاجية التي تنظمها النقابات، غداً الخميس، مما يعني أن الحال ستكون أصعب مما كانت عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لأن الإضراب سيشمل قطاع المواصلات، إضافة إلى التهديد بوقف العمل في مصافي النفط، مما سيشل الحركة تماماً.

نقابة اتحاد العمال العامCGT  في قطاع النفط أعلنت تكثيف الضغط على الحكومة تدريجاً بإضراب لمدة 24 ساعة الخميس، يليه إضراب لـ48 ساعة، الخميس في 26 يناير، ليصل إلى 72 ساعة في 6 فبراير (شباط)، ويتهيأ قطاع الطاقة بأكمله لـ"نزاع حام"، بحسب تعبير المندوب العام للنقابة فرنسيس كازانوفا في تصريح إلى وكالة الصحافة الفرنسية.

وبينما يعاني ما نسبته 4 في المئة من محطات الوقود نقصاً في الإمدادات، أشار قطاع النفط إلى أنه اتخذ جميع تدابير الحيطة استباقاً للإضراب، وأعلنت شركة النفط "توتال إينيرجي" أنها تعمل مع الحكومة لتأمين التزويد وأبدت أسفها لتبني النقابات خطاب شل الحركة في البلاد.

من جهتها تعكف باريس على دراسة جميع السيناريوهات، فيما اتخذ الفرنسيون احتياطاتهم بملء خزانات سياراتهم بالوقود، تحسباً لأي طارئ أو في حال طالت الإضرابات في قطاع مصافي النفط وبات الخوف من المجهول الذي ستشهده الأيام والأسابيع المقبلة مسيطراً على الجميع، بخاصة أن صور طوابير الانتظار أمام محطات الوقود قبل شهرين ما زالت حاضرة في الأذهان.

الإضراب الذي دعت إليه جميع النقابات سيتسبب باضطرابات في حركة النقل المشترك، القطار والمترو، في جميع أنحاء البلاد وكذلك بالنسبة إلى حركة الطيران في مطار أورلي، حيث يتوقع إلغاء رحلة من كل خمس رحلات، أما في قطاع الصحة، فسيتم التزام دقيقة صمت في باحة المستشفيات والالتحاق بالتظاهرات خلال أوقات الراحة.

وبدأت الصورة تتضح في قطاع التعليم، إذ أعلن 70 في المئة من أساتذة الدرجة الأولى التحاقهم بالإضراب وستكون ثلث المدارس في العاصمة مغلقة.

كيف تتوزع الأدوار على الصعيد السياسي؟

تعول الحكومة الفرنسية على أصوات اليمين الجمهوري، إذ هي بحاجة لأصوات ما بين 35 إلى 40 نائباً منهم لتأمين الغالبية، فاليمين كان مؤيداً على الدوام لبرامج التعديل على قانون التقاعد، إذ يدعم إريك سيوتي الذي فاز برئاسة حزب الجمهوريين المشروع، لكنه لا يتمتع بتأييد كامل داخل كتلته، فهناك أصوات نواب معارضين بدأت تظهر إلى العلن على غرار نائب منطقة بلفور يان بوكار الذي وصف المشروع بـ"غير العادل، معتبراً أن على حزبه أن يخاطب العمال، بحسب ما أوردت صحيفة "لو فيغارو".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني مارين لوبن التي أعلنت على الدوام معارضتها لهذا المشروع وتأخير سن التقاعد إلى 65 سنة، أو (64 سنة كما اعتمد في النهاية،) لن تشارك في التظاهرات، لكنها تعمل على معارضته مع نوابها تحت قبة البرلمان.

المشروع سيطرح للمناقشة العامة في 6 فبراير وككل نص مشروع قانون، سيكون أمام غرفتي النواب العليا والسفلى، أي البرلمان ومجلس الشيوخ، 50 يوماً لدرسه وطرح التعديلات و20 يوماً لتقديم القراءة الأولى أمام مجلس النواب ومن ضمنها مهلة طرحه أمام اللجان البرلمانية، مما لا يترك متسعاً من الوقت أمام أحزاب اليسار "نوبس" و"فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني" (أقصى اليمين) التي تتهيأ لطرح آلاف التعديلات وإطالة المناقشات إلى ما لا نهاية، كما أكدت رئيسة حزب البيئة في مقابلة مع محطة "فرانس أنفو" أمس الثلاثاء، مما يعني أن مدة الـ20 يوماً لن تكون كافية للنواب لدراسة المشروع ومناقشته كاملاً فيجري طرحه مباشرة أمام مجلس الشيوخ من دون تعديلات، مما يوفر على الحكومة تمريره من دون تصويت بالاستعانة بالمادة 49-3.

مجلس الشيوخ يستعيد هيبته

رئيسة الحكومة إليزابيث بورن سعت وراء الجمهوريين لاستمالتهم خلال إعداد المشروع لأنها بحاجة إلى أصواتهم وهم غالبية في مجلس الشيوخ، لكن مشروعاً بهذه الأهمية ربما يجد بعض العقبات ولا شيء يوحي بأنه قد يمر بهذه السهولة ويحصل على غالبية بطريقة مباشرة.

ويعد تعديل نظام التقاعد المشروع الوحيد الذي لم يتمكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تمريره في ولايته الأولى وكان الحجة التي استخدمتها ضده مارين لوبن في حملتها الانتخابية، ويبدو أن ماكرون لن يتراجع عن قراره، فهو على أية حال غير مؤهل للترشح لولاية ثالثة، مما يترك له هامش حرية أكثر من سابقيه، بحسب "لو فيغارو".

وحده يوم الخميس الذي سيظهر إن كان الفرنسيون ما زالوا على حماستهم المعهودة حين تطاول إجراءات الحكومة حياتهم والحقوق الاجتماعية التي كافحوا في سبيلها، بخاصة أن التعديل سيشمل قطاع الأنظمة الخاصة التي توفر فوائد عدة في بعض القطاعات مثل الكهرباء والمناجم والطيران والنقل.

رئيسة الحكومة خلال عملها على مشروع التعديل حاولت أن تعتمد عمر 65 سنة بل 64 كإشارة إلى مد اليد، كما رددت أن هذا الرقم ليس جامداً، بل إن القانون سيأخذ في الاعتبار كل حالة وكل قطاع على حدة وهي بذلك تجنبت أن يبدو مشروعها كتحد.

في حين ترى النقابات وأحزاب اليسار أن القانون لم ينصف العمال البسطاء الذين بدأوا حياتهم المهنية بعمر مبكر في الـ18 سنة أو الـ14 سنة فستتعين عليهم مراكمة 44 سنة اقتطاعات بدلاً من 43 للفئات الأخرى، كما أن أصحاب المهن الشاقة التي تنتهك أجسادهم هم بأمس الحاجة للذهاب مبكراً إلى التقاعد.

ومنذ تقديم المشروع في 10 يناير كثف المسؤولون مداخلاتهم على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام إلى جانب وزير العمل لشرح القانون الجديد وتقديمه على أنه سينفذ على مراحل، لكن النقابات وتجمع أحزاب اليسار كانت في المرصاد مهددة بأن القانون يطاول الطبقات العاملة والمتواضعة أكثر من غيرها وهو بالتالي مجحف.

حجة رئيسة الحكومة الفرنسية الاستفادة من خبرات الكوادر ما فوق الـ50 و55 سنة عبر تشجيع المؤسسات على إبقائهم في وظائفهم قوبلت بوابل من الانتقادات، بحيث أفاد معهد الإحصاءات في دائرة التقاعد أن الخطوة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2016 برفع عمر التقاعد إلى 62 سنة، كانت من آثارها مضاعفة عدد المستفيدين من الدخل الأدنى الاجتماعي، مما يعني أن التعويل على الاستفادة من مداخيل هذه الفئة لتمويل الرواتب التقاعدية للأكبر سناً أمر ليس مضموناً، إذ تشير الإحصاءات إلى أن شخصاً من بين ثلاثة ممن هم في عمر 60 سنة لا يعمل ولا يستفيد من نظام التقاعد وأن معظم هؤلاء هم في حال إعاقة أو بطالة، وأن المتبقين يستفيدون من الدخل الأدنى الاجتماعي أو ليس لديهم أي دخل إطلاقاً.

من جهتها تعتبر زعيمة حزب الخضر ساندرين روسو أن إطالة مدة العمل تسهم في زيادة معدل انبعاثات الكربون وأن ليست هناك ضرورة لإجراء هذا التعديل، وقالت خلال مقابلة مع قناة "إل سي أي" إن "أمل الفرد في الحياة بصحة جيدة هو 64 سنة، مما يعني أن يمضي الإنسان جميع عمره بصحة جيدة في العمل". وبحسب دراسة إحصائية نشرها معهد "إيفوب"، الأحد 15 يناير، فإن عدد الفرنسيين المعارضين للتعديل يصل إلى 68 في المئة.

المزيد من تقارير