Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطاع الزراعة السوري في مواجهة شح المياه والتغير المناخي

عاملون في الحقول يحرثون الأرض بالبذار شتاء لتثمر صيفاً وأكثر من ثلث مساحة البلاد ما زالت صالحة للإنتاج

يعتبر شهر ديسمبر أحد أهم أشهر السنة الزراعية في سوريا (اندبندنت عربية)

يعتبر شهر يناير (كانون الثاني) أحد أهم أشهر السنة الزراعية في سوريا، ففي هذا الشهر يتم إعداد وتحضير الأرض والبدء بزراعة عديد من المحاصيل الحقلية كالعدس والحمص والكمون وحبة البركة واليانسون.

وفي مجال الأشجار المثمرة يعمل المزارعون على إضافة الأسمدة العضوية والفوسفورية والبوتاسية، وبعد ذلك يقومون بالحراثة السطحية لبساتين الأشجار المثمرة، إضافة إلى البدء بزراعة أغراس الأشجار المثمرة في الأرض، والقيام بعمليات التقليم اللازمة.

أما في مجال محاصيل الخضراوات، فتحضر الأرض والبذار لزراعة البطاطا في ما يعرف بالعروة الربيعية، وكذلك البدء بزراعة البذور في المشاتل للحصول على شتول البندورة والباذنجان والفليفلة، كما يعملون خلال هذا الشهر على قطاف القرنبيط والملفوف والفجل واللفت والسلق، والسبانخ، والبقدونس، والجرجير.

للعدس قوانين

يعد العدس من أهم البقوليات الغذائية في دول حوض البحر الأبيض المتوسط وفي عديد من مناطق العالم، فهو يتميز بقصر دورة حياته وتحمله الجيد للجفاف وإمكانية زراعته بعلاً في فصل الشتاء، إضافة إلى أهميته في الدورة الزراعية كمثبت للآزوت الجوي، التي تعتبر ميزة مهمة في الزراعة العضوية، كما تعد أتبان العدس ذات قيمة غذائية جيدة للحيوانات، وتعتبر نباتات العدس سماداً أخضر للتربة.

ويزرع العدس بعلاً مع نسبة مروية قليلة جداً، وتتركز معظمها في محافظات إدلب وحلب وحماة ومحافظة الحسكة، وقد بلغت المساحة المزروعة في الحسكة 123 ألف هكتار عام 2016، وأعطت إنتاجاً وصل إلى 113 ألف طن.

ويقول أبو عامر الرجل السبعيني، الذي خطت التجاعيد وجهه كما الأرض التي يسهم بحرثها إن "العدس يتلاءم مع عديد من أنواع التربة، وأكثرها الطينية النافذة والرملية ويجب تجنب التربة الخصبة أو كثيرة الرطوبة".

ويعمل المزارعون على فلح الأرض المخصصة للزراعة وتنعيمها بديسكات التنعيم، ثم يزرع العدس بعلاً بصورة رئيسة في النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، ويعتبره المزارعون موعداً ممتازاً لزراعة الأصناف المحسنة والمعتمدة، وأي تأخير في موعد الزراعة يعرض المحصول للحرارة المرتفعة التي تسبب خفض الإنتاج.

ورغم أن العدس من البقوليات التي تتميز بتحمل الجفاف لفترة أطول من البقوليات الأخرى، فإن أبو عامر يشير إلى أنه "يجب أن تتوفر الرطوبة في التربة والأهم زيادة الري أثناء نمو القرون مع عدم المبالغة، حتى لا تتعفن من الداخل". ويتحدث عن طريقة يقوم بها ليفحص الرطوبة في الأرض فيقول، "يمكن فحص رطوبة التربة عن طريق غرس الإصبع والانتباه لعدم السماح لمياه الري بالتصاعد في المنطقة".

وتعد الأعشاب الضارة ومكافحتها التحدي الرئيس الذي يواجه مزارعي العدس، وذلك لأن المجموع الخضري للعدس صغير الحجم ونباتاته بطيئة النمو خصوصاً مع بداية موسم النمر، حيث تؤثر الأعشاب سلباً في نمو نباتات العدس وفي الغلة كماً ونوعاً وتقلل خصوبة التربة وتتنافس مع نباتات المحصول على رطوبة التربة وعلى المواد الغذائية وضوء الشمس والحيز المكاني، وتسبب خسارة من 30 إلى 100 في المئة من العدس إذا لم تكافح ضمن فترة النمو الحرجة لهذا المحصول، لذلك ينصح أبو عامر بزيادة الزراعة فوق المعدل الموصى به، لأنه يحسن قدرة العدس التنافسية ضد الأعشاب الضارة، ويخفض الكتلة الحيوية للأعشاب ويحسن إنتاجية العدس.


الفستق الحلبي شجرة مرنة

أما الشجرة المثمرة التي لا يستطيع أحد مقاومة طعم ثمرتها، فهي الفستق الحلبي، ولا تحتاج لكثير من التفكير ليعرف مكان زراعتها، فاسمها يشير إلى مصدرها في مدينة حلب، حيث تشكل نسبة 44 في المئة من المساحة المزروعة هناك في إحصائية رسمية تعود إلى عام 2010، لكن قرية موروك التي تقع شمال مدينة حماة كانت تعتبر هي خزان الفستق الحلبي في سوريا، إذ وصلت نسبة زراعة أراضيها بالفستق قبل الحرب إلى 95 في المئة، ولذلك أطلق عليها اسم "مدينة الذهب الأحمر" بسبب لون الفستق الأحمر المزروع ومردوده الهائل.

وتعتبر شجرة الفستق الحلبي بطيئة النمو معمرة، وتتساقط أوراقها في الشتاء، ويصبح جذعها كبيراً مع تقدم العمر، وتعرف بأنها منفصلة الجنس، أي إن كل شجرة منها تكون ذات جنس واحد (ذكر أو أنثى) بالتالي فإن زراعتها تتطلب وجود الجنسين في حقل واحد متقارب المسافات بمعدل تسع شجرات مؤنثة إلى واحدة ذكرية حتى تتم عملية التأبير.

وتزرع بذار هذه الشجرة في يناير، حيث تحتاج إلى 700 ساعة برودة بشكل وسطي خلال فترة السكون في الشتاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تحضير الأرض لزراعة هذه الشجرة المثمرة يقول أبو عامر، "نعمل على تنقيب كامل الحقل على عمق 80 إلى 100 سنتيمتر، هذا إذا كانت الأرض مستوية، أما إذا كانت منحدرة فيمكن إجراء النقب على خطوط كونتورية فقط بمسافات بين صفوف الأشجار بحيث يكون النقب بين مترين وثلاثة أمتار، ثم تسمد عضوياً بمعدل بين ثلاثة وأربعة أمتار مكعبة للدونم قبل الزراعة ولكامل الأرض".

أما عن أماكن زراعتها فيمتدح أبو عامر شجرة الفستق الحلبي ويصفها بالمرنة، حيث تزرع في المناطق الصحراوية والجبلية غير الرطبة، وتستطيع أن تتحمل المناطق الجافة والترب المالحة إلى حد ما، إضافة إلى تحملها الترب الكلسية، لكن أكثر ما يزعج زراعة الفستق هو الرطوبة العالية لأنها تنشط العفن.

وكانت سوريا قبل الحرب من أكبر مصدري الفستق الحلبي، حيث أنتجت ما يصل إلى 80 ألف طن في عام 2010، معظمها صدرت إلى السعودية ولبنان والأردن وأوروبا.

وفي عام 2013، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، كانت سوريا لا تزال رابع أكبر منتج للفستق الحلبي في العالم بعد إيران والولايات المتحدة وتركيا، لكن ظروف الحرب منعت الوصول إلى أفضل مناطق الفستق فيها كمحافظات حماة وحلب وإدلب، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بأكثر من النصف، إلا أن عام 2022 شهد عودة مزارعي الفستق الحلبي إلى بساتينهم، كما أن هناك دراسة رسمية مقترحة لتوسيع زراعة الفستق في مناطق محافظة حمص الشرقية، تحديداً من منطقة المخرم وما بعدها.

البطاطا غذاء كل مرحلة وكل بيت

تزرع سوريا عدداً كبيراً نسبياً من أصناف البطاطا، والغرض من كثرة الأصناف المستخدمة في الزراعة وتنوع مصادرها هو تجنب احتكار إحدى الجهات المنتجة لصنف معين، وتجنب المشكلات التي قد تترتب على الاعتماد على عدد قليل من الأصناف في حال نقص المعروض من بذارها في الأسواق.

وتزرع البطاطا في سوريا على ثلاث عروات رئيسة وهي، العروة الربيعية وتزرع خلال الفترة الواقعة ما بين منتصف يناير (كانون الثاني) ومنتصف فبراير (شباط)، وهو الموعد الأمثل للزراعة في معظم المحافظات السورية.

أما العروة الصيفية فتزرع فيها البطاطا خلال الفترة الواقعة بين مارس (آذار) وأبريل (نيسان) وفي حالات نادرة حتى مايو (أيار) وهو الموعد الأمثل للزراعة في المناطق الباردة، أو التي تتميز على الأقل بنهار حار، وليل يميل إلى البرودة مثل منطقة القلمون (دمشق)، منطقة القريتين (حمص)، منطقة السلمية ومصياف (حماه). وأخيراً العروة الخريفية وتزرع فيها البطاطا خلال الفترة الممتدة بين منتصف يوليو (تموز) ومنتصف أغسطس (آب)، وهو الموعد الأمثل للزراعة كموسم ثان في المناطق الدافئة الملائمة للزراعة الخريفية.

ويقول أبو عامر إن "الأرض تحرث عندما تكون التربة هشة طرية بحيث تكون رطوبة الأرض وسطية، فحرث الأرض وهي تحتوي على نسبة مرتفعة من الرطوبة يؤدي إلى الضغط على التربة، ولذلك تأثيرات سيئة على محصول البطاطا".

ويتابع "تحرث الأرض بعمق بين 30 و35 سنتيمتراً، ويجري الحرث مرتين في اتجاهين متعامدين، ويراعى فيهما قلب المخلفات النباتية جيداً في التربة، وتترك أرض الحقل معرضة للشمس ليومين أو ثلاثة، ثم تنعم، وبعدها تخطط بحسب مسافات الزراعة المرغوبة".

وتعتبر البطاطا مأكولاً رئيساً في الأطباق السورية وخصوصاً في هذا الوقت، إذ ما زال سعرها هو الأقل بين معظم الخضراوات الأخرى.


صعوبات القطاع الزراعي

إن أكثر من ثلث مساحة سوريا صالح للزراعة، أي ما يقارب 6.5 مليون هكتار تزرع بالمحاصيل الزراعية على أنواعها، من الحبوب والقطن إلى الخضراوات، ومختلف أنواع الفاكهة، وصولاً إلى الزيتون والفستق الحلبي وغيره. ويعمل في الزراعة أكثر من 20 في المئة من السوريين.

لكن هناك صعوبات يعانيها قطاع الزراع في سوريا، مثل شح الموارد المائية نتيجة التغير المناخي، إضافة إلى صعوبات أساسية منذ بدء الحرب، مثل نقص وغلاء أسعار الأسمدة والمبيدات، وعدم توفر التيار الكهربائي بشكل مستمر لاستخراج المياه الجوفية، حيث يستخدم المزارعون المضخات التي تعمل غالباً بواسطة التيار الكهربائي. وبنتيجة عدم توفر التيار الكهربائي بشكل مستمر قد تتعرض المزروعات للعطش أو للجفاف في حال انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة.

كما أن نقص الآلات الزراعية نتيجة الحصار وانخفاض سعر صرف الليرة السورية مقارنة بالعملات الأخرى تسبب في ارتفاع أسعار قطع الغيار من أجل صيانة الآلات الزراعية، ولم يعد بمقدور الفلاحين تحمل كلفة الصيانة، ونتيجة لذلك، ارتفعت كلفة الزراعة، وأصبح من الصعب تغطية كلفة الإنتاج ولهذا السبب توقف كثير من الفلاحين عن الزراعة.

وفي تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في عام 2018، أشير إلى أن الحرب في سوريا تسببت في إحداث أضرار وخسائر فادحة بالإنتاج الزراعي، لكن مع ذلك يمكن دفع قطاع الزراعة إلى الأمام الآن ليسهم بشكل كبير في تقليل الحاجة إلى تلقي المساعدات الإنسانية وتخفيض نسبة الهجرة.

اقرأ المزيد