Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسكو تستعد لمواجهة واشنطن والناتو في أوكرانيا

إعادة توزيع الكوادر القيادية العسكرية وإنشاء مناطق عسكرية جديدة

أوكرانيون يركبون ناقلة جنود مدرعة (APC) على طول طريق ليس بعيداً عن باخموت في منطقة دونيتسك

بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى أن روسيا تواجه عملياً على الأرض الأوكرانية قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدعومة بكل القدرات والإمكانات العسكرية والمالية والسياسية للولايات المتحدة.

التحركات من الجانبين تجري على "قدم وساق"، فقوات كييف التي في معظمها تستند إلى ما تقدمه أميركا وبلدان "الناتو" من دعم عسكري يتزايد يوماً بعد يوم، تتدفق على عجل إلى المناطق المتاخمة للخطوط التي بلغتها القوات الروسية في جنوب شرقي أوكرانيا بعد استيلائها على عدد من النقاط والبلدات "المحورية" ومنها سوليدار.

 ذلك يقول بكل وضوح إن الأوضاع في المنطقة تتجه إلى تطورات أكثر "مأساوية"، يزيد من حدتها ما اتخذه ويتخذه الجانبان من قرارات ثمة من يصفها بأنها "تدير الرؤوس".

 ومن هذه القرارات ما اتخذه الجانب الروسي من دعم كوادره وصفوفه القيادية بتغييرات محورية، أهمها تعيين الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة قائداً عاماً للقوات الروسية الموحدة، ومعه نوابه الثلاثة بمن فيهم سيرغي سوروفيكين بكل ما عرف عنه من قدرات وتوجهات، سبق وأشارت إليها "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير وتحليل.

مناطق عسكرية جديدة

وها هو وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو يزور المنطقة ويتفقد حالها وأحوالها ليعلن عن إنشاء مناطق عسكرية جديدة في روسيا ومنها "منطقتا موسكو ولينينغراد العسكريتان".

وأشار شويغو في الوقت نفسه إلى ما سبق وقرره الرئيس فلاديمير بوتين حول زيادة تعداد القوات المسلحة إلى 1.5 مليون شخص، تأميناً لأمن الدولة وحماية ما استجد من أقاليم ومناطق.

ويعني ذلك مزيداً من الاستعداد لتنفيذ خطة معينة تستهدف ضمناً حسم الموقف و"تحرير" بلدة باخموت أو أرتيوموفسك التي يعدونها مركزاً شديد الأهمية للدفاع عن منطقة دونباس.

وكان الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف عزا قرار بوتين بضرورة زيادة تعداد العسكريين في الجيش الروسي إلى 1.5 مليون شخص إلى أنه "يكمن في تصرفات الغرب وضرورة ضمان أمن البلاد من دون قيد أو شرط".

وأكد بيسكوف أن ذلك "يرتبط بسبب تلك الحرب التي تشنها دول الغرب الجماعي ضدنا، الحرب بالوكالة التي تتضمن في ذاتها عناصر المشاركة غير المباشرة في العمليات القتالية، وعناصر الحرب الاقتصادية والحرب المالية والحرب القانونية، والخروج عن أية أطر ومجالات قانونية مشروعة، وغير ذلك من الأسباب".

الكشف عن بعض القصور

وفي إطار من الشفافية والنقد الذاتي، يجنح الإعلام الروسي نحو الكشف عن بعض القصور الذي شاب الموقف على الجبهة بجنوب شرقي أوكرانيا وفي المناطق الجنوبية من مقاطعة خيرسون بعد تعيين سوروفيكين قائداً عاماً لمجموعة القوات الروسية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما نجم عن ذلك من تضارب في المواقف مع هيئة الأركان العامة التي كان مدعواً إلى التنسيق معها، على حد ما أورده المراسل العسكري لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" ألكسندر كوتس.

وذلك ما كان في صدارة أسباب التغييرات التي أعلنها شويغو تعيين الجنرال غيراسيموف رئيساً للأركان بديلاً عن سوروفيكين مع جمعه بين المنصبين، وتعيين سوروفيكين واحداً من نوابه الثلاثة و"ساعده الأيمن"، من منصبه كقائد للقوات الجوية الفضائية، تفادياً لازدواجية المواقف والقرارات.

وتقول المصادر الروسية إن موسكو تدرك أبعاد ما ترمي إليه الأطراف الداعمة للجانب الأوكراني من أهداف ثمة من يصفها "بالهجوم الشامل" على طول الجبهة خلال الربيع المقبل الذي بدأت كييف بالاستعداد له بحشد أكبر عدد من الدبابات والعربات المدرعة التي بدأ بعضها بالتدفق على أوكرانيا.

تقليص المساعدات

وأشارت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" إلى أن ما يجرى من تطورات على صعيد "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، "كشف بوضوح عن أن روسيا لا تواجه في الواقع نظام كييف، بقدر ما تواجه بلدان الناتو مجتمعة بقيادة الولايات المتحدة".

ومضى أندريه ياشلافسكي المعلق العسكري للصحيفة ليشير إلى أنه وعلى رغم ما يتواتر من أخبار تقول إن كثيرين في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكأنما سئموا استمرار الصراع، بما يجعل هذه البلدان على استعداد لتقليص مساعداتها لأوكرانيا، بل ربما إيقافها كلها، إلا أن الواقع الراهن يقول إن الدعم الغربي آخذ في الازدياد.

ونقلت الصحيفة الروسية عن أستاذ القانون البروفيسور يوري بوغدانوف ما قاله حول أن الدعم الأميركي لأوكرانيا "ومن حيث القيمة المطلقة لا يزال مرتفعاً نسبياً، فهو بحسب الاستطلاعات عند 57 في المئة أو فوق هذه النسبة، كما أن دعم الولايات المتحدة السياسي لأوكرانيا لا يزال يقوم على موقف الحزبين، ففي عام 2022 مرر الكونغرس حزم مساعدات لأوكرانيا مرات عدة بغالبية الحزبين، بما في ذلك الأسبوع الماضي حين أفرج عن 45 مليار دولار أخرى كجزء من مشروع قانون تمويل عام أوسع".

احتمالات تقسيم أوكرانيا

وفي إشارة إلى ما صار يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة حول احتمالات تقسيم أوكرانيا بغض النظر عما يمكن أن تنتهي إليه المعارك القتالية والصراع مع روسيا، فإن هناك من يضمر الخطط لدفع البلدان المجاورة لكييف إلى ما يجري من صراع، سعياً وراء تحقيق ما يراوده من أحلام استعادة ما فقده بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت المصادر الروسية إلى احتمالات تنشيط بولندا لتحركاتها سعياً وراء استعادة مدينة لفيف، إحدى كبريات المدن في غرب أوكرانيا وبقية الأراضي التي تقع شرق الحدود البولندية بطول "خط كيرزون" من بيلاروس وحتى البحر الأسود، وبما يسمح لها الجمع بين بحر البلطيق والبحر الأسود، وذلك فضلاً عن "قضية ترانسنيستريا" واحتلال منطقتي أوديسا ونيكولاييف، وفي الوقت نفسه، "لم الشمل" مع مولدوفا.

وللقيام بذلك، يتزايد عدد أفراد الفرقة 101 المحمولة جواً الأميركية المتمركزة على أراضي رومانيا وعتادها من أجل دعم الحلفاء معنوياً وإعداد مقاتليهم، "مع تأكيد صعوبة احتمالات انضمام الجنود الأميركيين أنفسهم إلى أية عمليات قتالية بشكل مباشر"، وفق ما أشارت إليه صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس".

إعداد الجبهة الشمالية

وفي إطار ما يقولون إنه محور نقاش ضمن النقاط المدرجة على جدول أعمال القيادة العسكرية الروسية على ضوء التغييرات في قمة كوادرها القيادية العسكرية، فإن العمل يجري من أجل إعداد الجبهة الشمالية على الحدود المشتركة بين أوكرانيا وبيلاروس لاحتمالات افتتاح جبهة جديدة.

وكدليل على ذلك، تشير المصادر الروسية إلى إيفاد أوليغ ساليوكوف الذي جرى تعيينه قائداً للقوات البرية ونائباً للجنرال غيراسيموف قائد المجموعة المشتركة للقوات في منطقة العمليات الخاصة، إلى مينسك عاصمة بيلاروس.

وذلك ربما يعني ضمناً "توسيع نطاق العملية العسكرية الروسية الخاصة"، بما قد يكون في إطار الخطة الجديدة لرئيس الأركان لما يسمونها "حملة الشتاء" وقد يكون أيضاً بهدف التخفيف من الضغوط التي تواجهها القوات الروسية في منطقة دونباس، إذ إن أوكرانيا وبحسب "أبجديات العلوم العسكرية" كما تقول المصادر الروسية، لا يمكن أن تتجاهل "التهديد الافتراضي من جانب احتمالات نقل الوحدات الروسية إلى الحدود البيلاروسية المتاخمة لأوكرانيا"، بما قد يدفعها إلى إرسال جزء من احتياطاتها إلى هذه الجبهة.

تنفيذ خطط للانتقام

إلا أن ذلك لا يعني أن الجانب الأوكراني وكأنما استكان إلى ما مني به من خسائر في الفترة الأخيرة، وما يضطر إلى التنازل عنه ثانية من المناطق التي سبق واستعادها في منطقة جنوب شرقي أوكرانيا، وننقل عن الخبراء العسكريين في روسيا ما يقولونه حول أن الجانب الأوكراني لا بد من أن يحاول في المستقبل القريب "تنفيذ خطط للانتقام".

وفي هذا الصدد يشير مراقبون إلى أن كييف أرسلت عدداً من القوات "الخاصة" الاحتياطية ممن جرى تدريبهم في عدد من بلدان "الناتو" إلى منطقة سوليدار وكشف ضابط القوات الخاصة السابق العقيد المتقاعد أناتولي ماتفيتشوك عن أن "زيلينسكي في حاجة إلى نصر، إذا لم يحققه، فلن يحصل على أموال من الغرب، وذلك ما يبذل قصارى جهده من أجل تحقيقه".

وأوضح المحلل الروسي أن كييف تضمر خطة لإرسال وحدات "النخبة"، أو "الوحدات الخاصة" الموجودة ضمن صفوف القوات المسلحة الأوكرانية الأكثر تدريباً وتجهيزاً، أي ما يسمى "الاحتياطي الرئاسي" إلى هناك، وقال إن هؤلاء يتكونون من العسكريين الذين تدربوا في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ويبلغ عددهم نحو 15 ألف جندي وجرى إعدادهم لهجوم الربيع الذي أعلنه زيلينسكي.

حملات تسليح القوات الأوكرانية

كل ذلك يظل في حاجة إلى مزيد من إعادة ترتيب الأولويات، بحسب تقديرات الجانب الروسي، وعلى رغم ما يراود موسكو من قلق تجاه تصعيد حملات تسليح القوات الأوكرانية وتدريباتها على أيدي كبار المتخصصين في كثير من بلدان "الناتو"، لكن ما يتعلق بإرسال أرتال الدبابات والمدرعات يحظى باهتمام خاص.

ومن هنا توقفت مصادر روسية كثيرة عند ما نشرته "ذا غارديان" البريطانية حول أن "كييف تحتاج إلى توفير ما هو أكثر من سبعة أضعاف أعداد الدبابات التي يوفرها الغرب للهجوم المضاد"، وقالت إن عدد الدبابات التي ستزودها بها المملكة المتحدة ليس مهماً لتفوق القوات.

ونقلت عن دان سابيج قوله إن "إرسال المملكة المتحدة 14 دبابة من طراز تشالنجر 2 ليس كافياً، وحتى إذا أرادت المملكة المتحدة تخصيص مزيد من ترسانتها البالغ عددها 227 وحدة، فلن تتمكن من توفير الكمية المطلوبة".

أما عن العدد المطلوب، فأشار متخصصون من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إلى أن أوكرانيا في حاجة إلى توفير ما لا يقل عن 100 دبابة من أجل شن هجومها المضاد، كما أن التدريب على استخدام هذه الدبابات سيستغرق بحسب ما هو مقرر سلفاً، من ثلاثة أسابيع إلى شهر ونصف الشهر.

التركيز على خسائر أوكرانيا

ويأتي ذلك في وقت يبدو حرص الجانب الروسي واضحاً خلال الفترة الأخيرة على التركيز إعلامياً على نشر ما يتكبده الجانب الأوكراني من خسائر، لا سيما في الأسلحة والمنظومات الصاروخية والمعدات العسكرية ومحطات الرادار التي لطالما تدفقت من بلدان "الناتو" والولايات المتحدة على أوكرانيا منذ الأسابيع الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة، إضافة إلى ما تتناقله المصادر الروسية والغربية من أخبار حول تورط عدد من القيادات السياسية والعسكرية الأوكرانية في بيع كثير من هذه الأسلحة إلى تنظيمات وبلدان أجنبية.

المزيد من تحلیل