Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أي مدى نجحت أوروبا في مواجهة سلاح الغاز الروسي؟

استمرار انخفاض الأسعار وتطوير قدرات الاعتماد على بدائل من مصادر أخرى خفف خطر الأزمة

بدأت أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا عام 2021 قبل حرب أوكرانيا بأشهر بسبب خلافات مع روسيا (ا ف ب)

انخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة تسعة في المئة لتصل إلى أدنى مستوى لها في 16 شهراً، وذلك نتيجة تحويل الصين شحنات الغاز تسليم الشهرين المقبلين إلى أوروبا مع امتلاء مخزونات الغاز الصينية. ووصل سعر الغاز للعقود الآجلة تسليم الشهر المقبل في بورصة هولندا الرئيسة للغاز الطبيعي في أوروبا إلى 59.5 يورو (64.5 دولار) للميغاوات في الساعة، وهو أدنى سعر للغاز في أوروبا منذ شهر سبتمبر (أيلول) 2021.

وبحسب عدد من محللي أسواق الغاز فإن عدم تراجع درجات الحرارة بشدة في فصل الشتاء الحالي، إضافة إلى ترشيد الاستهلاك في الدول الأوروبية أديا إلى عدم انخفاض المخزونات الأوروبية من الغاز الطبيعي، لكن العامل المهم في تدني الأسعار هو عدم انتعاش الطلب الصيني بالقدر الكبير الذي كان متوقعاً مع إلغاء القيود بسبب موجة وباء كورونا الأخيرة.

وربما ذلك ما جعل بعضهم يرى أن أوروبا لم تتمكن فحسب من مواجهة ما سمي "حرب الغاز" من قبل موسكو بل يفترض أن الأمر ربما ينقلب بنتائج عكسية على روسيا أكثر من القارة العجوز. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنت "انتصار" أوروبا في "حرب الغاز" الشهر الماضي وقالت "لقد تمكنا من تجاوز الابتزاز الروسي باستخدام الطاقة... والنتيجة النهائية أننا أصبحنا في وضع آمن هذا الشتاء".

رد الفعل العكسي

يتوقع المتعاملون في سوق الغاز الطبيعي ومعظم المحللين أن نتائج "حرب الغاز" بين روسيا وأوروبا التي احتدمت العام الماضي 2022 مع الحرب في أوكرانيا، ستظهر بوضوح هذا العام 2023. ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تحليلاً لها مطلع هذا الأسبوع يشير إلى احتمال أن يكون للأزمة رد فعل عكسي على روسيا أكثر من الإضرار بأوروبا.

من الصعب طبعاً التكهن بمسار أسعار الغاز الطبيعي لهذا العام وإن كانت توقعات الركود الاقتصادي العالمي تزيد من احتمالات تراجع الطلب العالمي على الطاقة، بالتالي انخفاض أسعار الغاز. ويفترض ذلك طبعاً استمرار حجم العرض من دون تغيير وكذلك إنتاج الغاز الطبيعي المسال واستبعاد أي أزمات أو اختناقات في سلاسل الإمداد.

بدأت أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا عام 2021 قبل حرب أوكرانيا بأشهر بسبب خلافات مع روسيا، لكنها تفاقمت أكثر مع تحول إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا إلى سلاح بعد بدء الحرب في نهاية فبراير (شباط) العام الماضي. ومع سلسلة من حزم العقوبات الأوروبية على موسكو توقفت أوروبا عن استيراد القدر الأكبر من حاجاتها من الغاز الطبيعي الروسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل الحرب في أوكرانيا كانت أوروبا تعتمد على روسيا في توفير نسبة 40 في المئة من حاجاتها من الغاز الطبيعي، ومع بداية الحرب وفرض أوروبا ودول الغرب عقوبات على موسكو برز جدل حول العملات التي سيدفع بواسطتها ثمن الغاز. واشترطت موسكو أن يتم الدفع بالروبل الروسي، مما جعل كثيراً من المشترين الأوروبيين يتوقفون عن شراء الغاز الروسي حتى قبل الحظر الأوروبي الكامل على استيراد الطاقة من روسيا.

ووصلت الأزمة إلى ذروتها في فصل الصيف الماضي وسط مخاوف من معاناة دول أوروبا نقصاً كبيراً في إمدادات الغاز الطبيعي خلال فصل الشتاء. وشهدت الأسعار في أوروبا ارتفاعاً صاروخياً، بحيث قفز سعر الميغاوات في الساعة من 25 يورو (27 دولاراً) إلى 340 يورو (369 دولاراً)، أي زادت أسعار الغاز بأكثر من 11 ضعفاً.

تراجع الطلب

بحسب تحليل وقتها لبنك "بيرنبرغ" فإن الأزمة كشفت عن مدى اعتماد أوروبا على استيراد الطاقة، حتى إنه في مقابل ارتفاع أسعار الغاز بنحو 100 يورو (108 دولارات) للميغاوات في الساعة تضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى دفع 380 مليار يورو (412 مليار دولار) إضافية لمصدري الغاز إلى القارة، وهو مبلغ يساوي نسبة 2.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي.

ثم جاء فصل الخريف وأدركت الدول الأوروبية مدى عمق الأزمة فقررت تخفيف حدتها على الأسر والشركات من خلال تخصيص دعم طاقة بما يساوي نسبة ثلاثة في المئة من الدخل القومي. وبدأت أوروبا حملة لترشيد استهلاك الطاقة، مما أدى إلى انخفاض الطلب بنسبة معقولة مع تقليل الأسر استهلاكها للغاز والكهرباء وخفض الصناعات التي تعتمد بكثافة على الغاز الطبيعي للإنتاج.

وبدأت أوروبا البحث عن مصادر بديلة لتوريد الطاقة، لكن الأهم، كما يقول أستاذ الاقتصاد في كلية لندن بن مول إن ارتفاع الأسعار جعل الأسر والشركات تخفض استهلاكه، ويضيف "كان رد الفعل على صعيد الطلب كبيراً، بالتالي جاءت الكلفة الاقتصادية "للأزمة" أقل من توقعات المراقبين في وقت سابق، بخاصة رؤساء الشركات وجماعات الضغط التي توقعت كارثة إذا توقفت الإمدادات الروسية". ويوضح كارستن بريجسكي من بنك "آي إن جي" أنه "ما لم تتعرض القارة الأوروبية لبرد قارس في الأشهر المقبلة، فيمكن القول إن خطر أزمة طاقة أصبح منخفضاً جداً".

مع بداية العام الحالي 2023 كانت المخزونات الأوروبية من الغاز عند نسبة 85 في المئة، وهي نسبة عالية مقارنة بمتوسط امتلائها في هذا الوقت من العام على مدى السنوات الخمس الماضية عند نسبة 70 في المئة.

وانخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا في الأسبوع الأول من هذا الشهر بأكثر من 75 في المئة عن أعلى معدل وصلت إليه العام الماضي. ومع أنها تظل أعلى بثلاثة أضعاف من أسعار الغاز العادية في أوروبا ومن سعر الغاز الحالي في الولايات المتحدة، إلا أنها أصبحت عند مستويات يمكن للأوروبيين تحملها.

لكن الخطر لم ينته تماماً، كما يقول تقرير "فايننشال تايمز"، فما زال المحللون يتوقعون ارتفاع الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال مع انتعاش الاقتصاد. ويحذر مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول من أن "كثيراً من العوامل التي ساعدت دول الاتحاد الأوروبي على إعادة ملء مخزوناتها من الغاز الطبيعي قبل فصل الشتاء الحالي قد لا تتكرر هذا العام 2023". بالتالي تظل احتمالات تذبذب أسعار الغاز الطبيعي في السوق العالمية، بالتالي ارتفاعها في أوروبا، قائمة.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز