يستعد مجلس النواب اللبناني لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية تعقد الخميس المقبل، هي الجلسة رقم 11 من سلسلة الجلسات التي عقدت منذ دخول لبنان شغوراً رئاسياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولم تصل إلى نتيجة. كل المؤشرات توحي بمشهد مكرر سيحصل في الجلسة الجديدة من دون مفاجآت، خصوصاً أن مواقف القوى السياسية لا تزال على حالها، وكل فريق مستمر في تمترسه في موقعه، بالتالي فإن التعادل السلبي في توزيع الأصوات على حاله، وسط انقسام داخل البرلمان بين 44 للنائب المرشح ميشال معوض و44 للورقة البيضاء فيما النواب الـ40 الآخرون يأخذون دور المتفرج. وفيما برز كلام عن محاولات لتحريك الجمود الرئاسي، تراجع الحديث عن خطة "ب" قد تلجأ اليها المعارضة المتمثلة بالأحزاب السيادية الثلاثة "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" والمستقلون، حتى تأمين مقومات نجاحها، كما سقطت الدعوات إلى الحوار خارج إطار جلسات الاستحقاق الرئاسي، التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري مدعوماً من "حزب الله"، خشية من أن تكون دعوات لكسب الوقت وحرف الاهتمام عن موضوع رئاسة الجمهورية إلى ملفات أخرى. ووسط اعتراف كل القوى بانسداد في الأفق سيستمر في المرحلة المقبلة، يكثر السؤال حول موقف القوى المسيحية في ظل استمرار الشغور الرئاسي في الموقع الدستوري المسيحي الأول، وخياراتها المتاحة لإنهاء التعطيل، خصوصاً بعد كلام البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الأخير، الذي حذر فيه من "مخطط قيد التحضير لخلق فراغ في المناصب المارونية والمسيحية"، وكلام عالي النبرة لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع توجه فيه إلى الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بالقول "لا تراهنوا على أنه من الممكن أن ننتخب رئيساً تحت الضغط وإن طال الأمر 50 عاماً. فبعد الحالة التي وصلنا إليها لا يمكن لأي طرف منا تمييع الأمور والوصول إلى أنصاف الحلول"، ولوح بإعادة النظر بكل التركيبة اللبنانية التي تسمح لـ"حزب الله" بالتلاعب بها والتعطيل، وقال "من غير المقبول أن نبقى والأجيال القادمة تحت سيطرة حزب الله اللا شرعية".
لا خروج عن الخطة "أ"
أجرت قوى المعارضة قراءة نقدية للمرحلة السابقة وجرى بحث جدي حول إمكانية الخروج من الجمود الذي تكرس في الجلسات العشر لانتخاب الرئيس، وحصلت في فترة الأعياد سلسلة لقاءات وجرت اتصالات بين الأحزاب وعدد من النواب، منهم من لم يحسم أمره بعد مثل كتلة الاعتدال وجزء من نواب التغيير، ولم يكن المرشح النائب ميشال معوض بعيداً منها، وهدفت إلى البحث في كيفية الوصول إلى 60 نائباً، وإذا كان الحل بطرح شخص آخر غير معوض. لكن الطرح الذي بدأ بحسن نية، كما يقول مصدر رفيع في المعارضة، أثار فوضى في الترشيح وخلق بلبلة حولت بحسب المصدر، المعركة إلى معركة أصوات ومنافسة داخل المعارضة من دون أن تكون النتائج مضمونة. وتراجع الكلام عن خطة "ب" وعاد التصويب إلى جوهر المشكلة التي هي بحسب ما يقول المصدر السياسي في المعارضة، تعطيل "حزب الله" و"أمل" و"التيار الوطني الحر" الاستحقاق الرئاسي لفرض الشروط المغلفة بعناوين "الحوار والتوافق"، فيما جوهرها الحقيقي "الإخضاع والمساومة"، ولا أحد في المعارضة مستعد للمساومة. إذاً الصمود وعدم الخضوع هما الخياران اللذان ستتمسك بهما القوى السيادية والمستقلون الذين يصوتون لمعوض. ويؤكد عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب ملحم رياشي لـ"اندبندنت عربية"، أن المعركة مستمرة مع معوض وأية خطة بديلة لن تحصل إلا بالاتفاق معه، شرط أن يكون البديل قادراً على تأمين 65 صوتاً. ويؤكد رياشي أن الأساس في المرحلة الحالية هو مراكمة الأصوات لمعوض، ويكشف في هذا السياق عن دينامية إقناع بدأها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من خلال سلسلة لقاءات جرت وستجري مع كل الكتل والنواب من خارج تحالف "حزب الله". ورداً على سؤال حول الخطة "ب" الذي كان سبق رياشي وتحدث عنها يجيب نائب القوات "كما أسلفت سابقاً لا خطة (ب) إلا بالاتفاق مع معوض وبقية الأطراف السياسية، وإذا دعت الحاجة". ولدى سؤالنا: هل يمكن أن يكون خيار كسر الجمود التلاقي مع "التيار الوطني الحر" أو "حزب الله"، يقول رياشي "أستبعد ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحل في تحرير العملية الديمقراطية
وكما حزب "القوات اللبنانية" ونواب مستقلون معارضون لـ"حزب الله"، يتمسك "حزب الكتائب" بترشيح معوض، ويؤكد نائب رئيس الحزب النائب سليم الصايغ أن "حزب الكتائب" إلى جانب المعارضة في الخطة "أ" طالما الفريق الآخر مستمر في الورقة البيضاء وفي تعطيل النصاب. أما خيار الانتقال إلى الخطة "ب" فلا يمكن أن يحصل إلا عند تأمين مرشح يحصل على 86 صوتاً، وإمكانية اختراق حقيقي لانتخاب رئيس. ويعتبر الصايغ أن المرحلة الحالية لا تحتمل تجارب جديدة، مؤكداً أن الانتقال إلى اسم آخر غير معوض يجب أن يكون على أساس قدرة هذا المرشح على إحداث خرق في صفوف القوى الأخرى وليس المنافسة داخل المعارضة والقوى التي تصوت أصلاً لمعوض، ويعتبر أنه لا يكفي التنازل لشخص ليحصل الآخر على أصوات أكثر، فحتى كتلة الـ55 صوتاً ستكون عرضة للحرق إذا بقي الفريق الآخر عند تصلبه. ويستبعد الصايغ فكرة تشكيل كتلة وسطية، كما تردد في الأيام الماضية، معتبراً أن هكذا كتلة لا يمكن أن تكون ضمن المعارضة فقط، بل يجب أن تكسب أصواتاً من الفريق الآخر لتحدث فرقاً، وإلا فسيكون تنازلاً أحادي الجانب. ويكشف الصايغ عن محاولات جرت في عطلة الأعياد بعد توقف جلسات انتخاب الرئيس، بين قوى المعارضة كافة للبحث عن مخارج، لكن لا أحد يمكنه الحديث عن حل مضمون بعد. الحل الوحيد بحسب نائب "حزب الكتائب" هو في تحرير العملية الديمقراطية، وبأن تحصل جلسات انتخاب متتالية، فتبرز في الدورات المتلاحقة أسماء أخرى قد تحظى بالنصاب القانوني لفوزها، ومجدداً رفض الحل المعلب وطبخ الاتفاق خارج مجلس النواب. ويؤكد الصايغ أن رئيساً كما يريده "حزب الله" أمر لن يحصل، معتبراً أن حلقة العلاقات العامة التي ينسجها "حزب الله" لن تؤدي إلى نتيجة. وعن إعلان "التيار الوطني الحر" الانفتاح للبحث بأسماء مستقلين، يعلق الصايغ "يضعون فيتو على معوض وعلى قائد الجيش ويقولون بعد ذلك أنهم منفتحون للبحث ولا يعرقلون"، ويضيف "يريدون رئيساً لا يستفز المقاومة ولكن يمكن أن يستفز كل البقية. ويتخوف نائب "الكتائب" من انفجار أمني واجتماعي قد يحدث نتيجة الوضع الهش في البلد، معتبراً أن ما حصل في قضية شقيق أحد ضحايا المرفأ وليم نون ونزول الكهنة إلى الطرقات وتحرك المطارنة بالمواجهة في المباشر، كلها دلالات كبيرة ستخرج عن أي إطار منظم.
"التيار الوطني الحر" باق على الورقة البيضاء
وفي مقلب القوى المسيحية الحليفة لـ"حزب الله"، يعد "التيار الوطني الحر" المعطل الأساس لوصول مرشح "حزب الله" رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. ونشط رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في الأسبوعين الماضيين، وأجرى لقاءات معلنة وغير معلنة مع أكثر من طرف في الداخل، بعد زيارتين إلى قطر وفرنسا، سعياً إلى تسويق فكرة المرشح الثالث، الذي يكون باسيل عرابه. لكن الفكرة سقطت من داخل تكتله قبل حتى أن تتبلور مع القوى الأخرى، علماً أن تسويقها في قطر وفرنسا لم ينجح أيضاً. وقد كشفت مصادر في "تكتل لبنان القوي" لـ"اندبندنت عربية" عن أن اجتماع الثلاثاء لـ"تكتل لبنان القوي" الذي كان يفترض أن يخرج باسم يتبنى التيار ترشيحه، شهد نقاشات حادة كرست انقساماً داخل نواب التيار على خلفية الأسماء المقترحة لتبنيها، ومعظمها من خارج التيار، واعترض النواب ألان عون وأسعد درغام وسيمون أبي رميا على الاقتراح، واعتبروا أن بعض الأسماء في التيار أولى بالترشح من الأسماء المقترحة كبيار الضاهر وروجيه ديب وغيره، ودعوا إلى تبني ترشيح ألان عون أو إبراهيم كنعان أو أي نائب من التيار، الأمر الذي رفضه باسيل بشكل قاطع، على اعتبار أن الموافقة على استبعاد باسيل من السباق الرئاسي واعتماد اسم آخر من التيار يعني تسليماً بالاتهامات التي تطاوله والفيتوات الموضوعة على اسمه. وانتهى الاجتماع بالاتفاق على البقاء على خيار الورقة البيضاء في جلسة انتخاب الرئيس المقبلة أو اعتماد شعار معين يكتب على الأوراق. وعن خيار العودة للورقة البيضاء وعدم تبني مرشح جديد كما أعلن مسؤولو التيار سابقاً، يؤكد عضو "تكتل لبنان القوي" النائب غسان عطا الله، أنه في اجتماع التكتل الأخير طرحت أسماء قد لا تشكل استفزازاً لأحد وصورتهم مقبولة في الخارج، معدداً رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر ووزير العدل السابق شكيب قرطباوي ووزير الداخلية السابق زياد بارود وغيرهم من الأسماء غير التقليدية كما يصفها عطا الله. "لكن لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق على اسم يمكن أن يحدث خرقاً لدى الفرقاء الآخرين"، كما قال. ولدى سؤالنا: أليس السبب استمرار التمسك بترشيح باسيل والرهان على الوقت لوصوله؟ يرد النائب المقرب من رئيس التيار مؤكداً أن "التيار الوطني الحر متنازل عن الرئاسة"، ويضيف: "حتى الساعة لا نعمل لأحد في التيار"، مضيفاً "لكن ليس المطلوب الآن أن نحرق اسماً ولا نريد استفزاز أحد"، متسائلاً ما الذي كان تغير لو سمينا أحد المرشحين وحصل على 20 صوتاً؟ ويؤكد عطا الله أن التيار يبحث عن اسم قادر أن يكون ضمانة للحزب ولا يشكل له مشكلة، ولا يدخل في فتنة داخلية، ويكون في الوقت نفسه قادراً على التواصل مع المجتمعين الدولي والعربي ولديه علاقات جيدة مع الجميع. وفيما يؤكد عطا الله أنهم لن يقبلوا برئيس يفرض عليهم وأنهم يسعون في اختيار الاسم إلى تجيير التمثيل المسيحي له، وأنهم لا يمكن أن يسيروا بشخص قد يتعرض لفيتو من قبل "القوات اللبنانية"، رداً على سؤال عن موقف "حزب الله" بالقول: "حتى الساعة لا انفراجات بيننا وبين الحزب لكن لا يمكن القول إن الأمور معدومة. نحن مقتنعون بما نقوم به، فإذا اقتنع الحزب كان به وإلا فنحن لن نتراجع عن خياراتنا". وماذا لو وصلت الأمور إلى اعتماد قائد الجيش كمرشح توافقي يرد النائب العوني سريعاً "لا نصوت"، ويسأل هل نحن مضطرون لإجراء تجارب جديدة؟ وختم قائلاً: "هل من فريق داعم للعماد جوزف عون أصلاً؟".